دور الاعتدال في ترك العادات السيئة والحصول على حياة صحية

يُعد الإقلاع عن العادات السيِّئة وتركها أكثر سهولةً من بناء عادات جديدة جيدة، فمثلاً، يستغرق الذهاب إلى النادي الرياضي فترةً زمنيةً في كل يوم تذهب فيه، بينما لا يتطلب الإقلاع عن التدخين أو تجنُّب تناول الوجبات السريعة تخصيص أيِّ وقت على الإطلاق، ومع ذلك، يُعد ترك العادات السيئة والاستغناء عنها من ناحية أخرى، أمراً صعباً للغاية؛ إذ يملك كلٌّ منَّا تقريباً عادات سيِّئة لا يمكنه التحكم بها؛ ربَّما لا تكون عبارة عن إدمان، وإنَّما شيء بسيط كمشاهدة التلفاز أو استخدام الهاتف المحمول بكثرة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب الصحفي "سكوت يونغ" (Scott H. Young)، يحدِّثنا فيه عن أفضل الطرائق لترك العادات السيئة، ودور الاعتدال في ذلك للحصول على حياة صحية.

هل يُفضَّل التوقف عن ممارسة العادات السيئة بطريقة فجائية وكلِّية؟

لطالما كان ترك ممارسة العادات السيِّئة بطريقة فجائية وعلى نحوٍ كامل، أفضل بالنسبة إليَّ من تركها تدريجياً؛ إذ إنَّني سبق أن التزمت حميةً نباتيةً صرفة لمدة ثمان سنوات تقريباً، قبل أن أتَّبع الآن نباتية الأسماك؛ أي تناول الأسماك والمأكولات البحرية فضلاً عن النباتية، والابتعاد عن وجبات اللحوم والدجاج.

رغم إصرار معظم الأشخاص على مدى صعوبة واستحالة الالتزام بالنظام النباتي، فقد واجهت خلال اتباعي له صعوباتٍ أقلَّ بكثير ممَّا كنت سأواجهه عند الاستيقاظ مبكراً، أو الذهاب إلى النادي الرياضي، أو تنظيف أسناني باستخدام الخيط.

أضف إلى ذلك أنَّ قراري بعدم تحدث لغتي الأم - اللغة الإنكليزية - في سبيل تعلُّم لغات أخرى، وبصرف النظر عن أنَّ التحدث باللغة الأم لم يكن عادة سيِّئة بحد ذاته، نجح على نحو أفضل عندما كان قاعدة واضحةً ومحدَّدة، مثلاً عندما كنت أتعلُّم اللغة الفرنسية في أثناء وجودي في "فرنسا" (France)، أردت أن أقلِّل من التحدث باللغة الإنكليزية، وليس التوقف عن تحدثها بالكامل، وكانت النتيجة أنَّني تحدثتها في 90% من الوقت، وعانيت كثيراً في تعلُّم الفرنسية للأسف.

قد يكون حذف عادة سيئة بالكامل من حياتنا أكثر سهولةً في بعض الحالات، عندما تكون تلك العادة قاعدة محدَّدة بطريقة واضحة للغاية، حسب قول الكاتب "جيمس كلير" (James Clear)، المتحدِّث الذي يركز على العادات واتخاذ القرارات وتطوير الذات، وتُعرَّف القاعدة المحدَّدة بوضوح على أنَّها معيار واضح لا يحمل أيَّ غموض، كعدم تناول اللحوم مجدداً أو عدم تحدُّث اللغة الإنكليزية على الإطلاق.

تصون القواعد المحدَّدة بوضوح قوة الإرادة وتحافظ عليها، ولأنَّك تعلم دوماً فيما إذا كان أيُّ تصرُّف ينتهك قاعدتك أو يخالفها، فلن يتطلب الأمر منك التفكير مطولاً في المواقف المشوِّشة الصعبة، ومن ثم سيتطلَّب منك ذلك مجهوداً ذهنياً أقل بكثير للمحافظة على تلك العادة.

شاهد بالفيديو: كيف تتخلص من عاداتك السيئة وتطور عادات جديدة

أسباب فشل التوقف الفجائي عن ممارسة العادات السيئة:

إن كانت القواعد المحدَّدة بوضوح تجعل من تأكيد قوة الإرادة أمراً سهلاً، والتوقف عن ممارسة العادات السيئة على نحو فجائي وكامل خير مثال ممتاز لهذه القواعد، فإنَّني أظن أنَّ صعوبة ذلك في أغلب الأحيان، وسبب ندرة استمرار الحميات التي تمنعك من تناول الخبز نهائياً أو القرارات بالامتناع عن الأفعال السيئة تماماً، هو أنَّك تقدِّم عدة تنازلات عند اتِّباع القواعد المحدَّدة بوضوح؛ إذ إنَّك لا ترغب بقرارة نفسك في الانقطاع الكامل عن عديد من عاداتك السيئة، وربَّما يكون الاعتدال أفضل لأسلوب حياتك.

لنأخذ الوجبات السريعة كمثال؛ إذ بالتأكيد لا أود تناول رقائق البطاطا والمشروبات الغازية يومياً، لكنَّني سأغضب وأتمرَّد إن أخبرني أحدهم بأنَّني لن أستطيع تناولها في بقية حياتي، والحقيقة أنَّني أرغب في الحد من تناولها بمقدار الثلث أو النصف ممَّا أتناولها حالياً.

لنأخذ تصفُّح الإنترنت بلا هدف مثالاً آخر؛ إذ سبق أن انقطعت تماماً عن الإنترنت وألغيت من عاداتي التصفح غير المتعلق بالعمل، إلا أنَّ ذلك لم يكن ليدوم؛ لأنَّه حتى إن أفرطت أحياناً بالتصفح فوق الحد، فليس من المثالي أيضاً إلغاء كل ما يتعلق بالتسلية على الإنترنت بالكامل.

إقرأ أيضاً: 7 عادات خطيرة تؤذي الدماغ توقف عنها حالاً

وضع عقبات في طريق العادات السيئة:

تُوجد عدة طرائق لتحويل الاعتدال إلى عادة تتَّبعها في حياتك، عند اتخاذ قرار الاعتدال بعيداً عن الانقطاع الكامل أو تجاوز الحدود، ويُعد وضع العقبات في طريقك لممارسة العادة السيئة من الوسائل المفضلة لديَّ، وعندها ستدفعك تلك العقبات نحو تصرفات مختلفة تماماً.

لقد وجدت مؤخَّراً عقبةً ممتازة للتحكم بعاداتي السيئة بتصفح الإنترنت، وهي برنامج "ليتش بلوك" (Leechblock)؛ إضافة بسيطة إلى متصفِّح الإنترنت يمكنها حجب المواقع حسب الرغبة، ويمكن بوساطتها إيقاف التصفح لفترة زمنية معيَّنة أو اقتصاره على 10 دقائق كلَّ ساعتين مثلاً، كما يمكنك أيضاً حجب مواقع معيَّنة على الإنترنت كي لا يُضطر البرنامج إلى تعطيل مهام عملك الأخرى.

أضف إلى ذلك عقبة أخرى كنتُ أجربها لتعمل عائقاً في طريق عادة مشاهدة التلفاز كثيراً، وهي مفاتيح مؤقِّتة للتحكم بالتلفاز، ونشتريها عادةً للتحكم بأضواء المنزل، لكنَّها تعمل بالمبدأ نفسه على أيِّ جهاز كهربائي؛ إذ يمكنك التحكم بتشغيل وإطفاء التلفاز، ومن ثم يمكنك ضبطه ليغلق تلقائياً في ساعات محدَّدة خلال اليوم.

تجدر الإشارة إلى أنَّه يمكن التغلُّب على جميع هذه العقبات؛ فإن أردتُ تصفح الإنترنت بشدة فيمكنني استخدام متصفِّح مختلف على هاتفي المحمول أو على حاسوب آخر، وإن رغبتُ في مشاهدة التلفاز فأستطيع فصل المؤقِّت ووصل التلفاز مباشرةً بمقبس الحائط؛ لذا فالغاية من تلك العقبات هي تصعيب ممارسة العادة السيئة على الشخص.

لكن لأنَّني اعتدتُ ممارسة تلك العادات غالباً بسبب الكسل، سيكون من الأسهل عليَّ تحفيز نفسي على قراءة كتاب أو إنجاز عمل مفيد بدلاً من محاولة إزالة العقبات وممارسة العادة السيئة من جديد، والأمر الجيِّد بخصوص المثالين السابقين هو أنَّك تحتاج إلى استجماع قوة الإرادة في داخلك وبذل طاقتك مرةً واحدةً فقط كي تضع العقبات لنفسك؛ بمعنى أنَّني سأحمِّل برنامج "ليتش بلوك" أو أركِّب المؤقِّت على تلفازي مرة واحدة كي تمنعني من اتِّباع عاداتي السيئة للمدة التي أرغب فيها.

يمكن أيضاً الاستعانة بأنواع أخرى من العقبات، لكنَّها ستتطلب امتلاك قوة إرادة مستمرة؛ وكمثال على ذلك محاولة الامتناع عن تناول الأطعمة السيِّئة؛ إذ يمكن ببساطة عدم شراء الوجبات السريعة وإدخالها إلى المنزل، ومن ثم فإنَّك ستحتاج إلى قوة إرادة عظيمة لتمنعك من شرائها في كل مرة تذهب للتسوق، ويمكن عد ذلك تحسُّناً للابتعاد عن الأغذية الضارة إلَّا أنَّه ليس مثالياً.

مع ذلك، أستطيع تخيُّل وجود خدمة توصيلٍ للبقالة إلى منزلك ممَّا يمنحك فرصةً لتحديد المواد الغذائية التي ستطلب توصيلها إليك أسبوعياً بصورة مسبقة؛ وبذلك تصل خضراواتك تلقائياً وتكون العقبة أمام تناولك للوجبات السريعة أكبر.

إقرأ أيضاً: نصائح هامة للتخلص من العادات السيئة

دور التكنولوجيا في مضاعفة وزيادة العادات:

تحمل تكنولوجيا المستهلك سمعةً بشعة بأنَّها تعزز عاداتنا السيِّئة، فنحن عبيدٌ تحت رحمة أجهزتنا الإلكترونية وحساباتنا على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنَّني أظن أنَّ التكنولوجيا يمكن أن تفيدنا بطريقة معاكسة، كما في حالة التطبيقات مثل "ليتش بلوك"؛ إذ تمنحنا وسائل جديدة لتغيير سلوكاتنا وتصرفاتنا بصورة مدروسة ومتأنية؛ وبالنتيجة، أظن أنَّ التكنولوجيا ستعمل كمضاعِفٍ يعزز كِلا المزايا الحسنة والعادات السيئة للأشخاص في المستقبل، ويعود لنا القرار في تحديد الوجهة التي نريد استثمار التكنولوجيا فيها.

المصدر