دور الإعلام في توجيه الرأي العام

يشكِّل الرأي العام قوة كبيرة ومؤثِّرة في عالمنا اليوم، حتى أصبح الكثيرون من الناس مسؤولين وأصحاب قضايا، وحتى أناس عاديون يلجؤون إليه بصفته عامل ضغط لنصر قضاياهم؛ وذلك لأنَّ الأحكام التي تصدرها الجماهير من الصعب التصدي لها أو التأثير فيها، وهذا ما يدفع الكثير من الجهات سواء الحكومية أم غير الحكومية إلى محاولة توجيهها بما يخدم مصالحها ويحقق أهدافها، ولمَّا كان الإعلام أحد الوسائل والأدوات المؤثرة في أفكار الناس ومشاعرهم وفي تكوين وعيهم وتوجيهه بات دوره واضحاً في توجيه الناس نحو رأي معين عن قضية من القضايا التي تشغل العالم في وقت ما.



أولاً: ماذا يعني الرأي العام؟

ظاهرة الرأي العام ليست جديدة؛ بل هي ظاهرة قديمة عرفتها أقدم الحضارات على مر التاريخ، ونظراً لأهميتها ودورها الكبير والمؤثِّر في الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية لأيَّة دولة، أصبح الاهتمام بدراستها والبحث في جذورها وطرائق توجيهها ضرورة ملحة لاستقرار أي مجتمع، يقول "ميكافيللي": "إنَّ صوت الشعب هو صوت الله"، ربما يلخِّص هذا القول الأهمية الكبيرة لصوت الناس وآرائهم وأفكارهم تجاه قضية من القضايا أو حدث من الأحداث.

وعليه يمكن تعريف الرأي العام كما جاء على لسان مختار التهامي بأنَّه "الرأي السائد بين أغلبية الشعوب الواعية في فترة معينة بالنسبة إلى قضية أو أكثر يحتدم فيها الجدل والنقاش وتمس مصالح هذه الأغلبية أو قيمتها مباشرةً"، وربما تشكُّل عصبة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى بسبب ضغط الشعوب أحد أهم الأمثلة عن قوة وتأثير الرأي العام في العالم، فمن الهام جداً أن نميز بين الرأي العام وبعض المصطلحات والمفاهيم التي تتداخل وتتشابه معه ولكنَّها في الحقيقة ليست رأياً عاماً.

المفهوم الأول هو الإجماع العام، والمقصود به الرأي الذي أجمع عليه مجتمع من المجتمعات، ويشمل ما في هذا المجتمع من عادات وتقاليد وأعراف ارتضاها المجتمع وقَبِلَ بها وعَدَّ السير عليها أمراً لازماً وكل مخالفة لها تُعَدُّ شذوذاً، فهي بالنسبة إليهم مقدسة، حتى إنَّ قوَّتها تفوق قوة القانون نفسه لأنَّها تراث أخذوه عن أسلافهم ولا يقبلون أيَّ مسٍّ به.

الأمثلة كثيرة فيما يخص الإجماع العام مثل طقوس الوفاة، والزواج، والمواساة، ونوعية الملابس السائدة في المجتمع وما إلى ذلك من سلوكات قَبِلَها أفراد المجتمع جيلاً بعد جيل دون أيَّة محاولات لتغييرها، وطبعاً تختلف هذه السلوكات من مجتمع إلى آخر.

المفهوم الثاني الذي علينا التفريق جيداً بينه وبين الرأي العام هو الاندفاع العاطفي، وهو المفهوم الذي تستغله الكثير من الحكومات لإظهار إجماع شعبي عليها، فهو سلوك مؤقت لا ينتج عن وعي أو إدراك حقيقي لواقع الأمور؛ وإنَّما يعتمد على المشاعر والعواطف وإثارة الحماسة فيها بالأغاني أو الخطابات، كما يحدث في أثناء التجمعات من هتاف وتصفيق، ولا يدوم الاندفاع العاطفي لفترة طويلة ولا يمكن عَدُّه بأي حال من الأحوال تعبيراً عن الرأي العام الحقيقي السائد في دولة ما، فهو سلوك مؤقت وموقف يزول بعد تحكيم العقل وزوال المؤثر.

بعد أن تعرفنا إلى الرأي العام وميزنا بينه وبين عدد من المفاهيم، لا بد أن نؤكِّد على أنَّ الرأي العام ليس ثابتاً؛ بل يخضع للعديد من الظروف والعوامل التي تؤثر فيه وتوجهه وتغيره، فما كان في السابق رأي الأقلية قد يصبح اليوم رأي الأكثرية، وما كان مرفوضاً قد يصبح مقبولاً.

في النهاية هذا الرأي مبني على أساس رغبات الناس وميولهم وأفكارهم، ونظراً للأهمية الكبيرة للرأي العام؛ تحاول الأنظمة بشتى الطرائق توجيهه والتأثير فيه، ولتحقيق هذه الغاية يتم الاعتماد على طرائق كثيرة، ولعلَّ وسائل الإعلام إحدى أفضل الطرائق في سبيل ذلك.

شاهد: 6 طرق لمعرفة الأخبار الكاذبة

ثانياً: وسائل الإعلام ووظائفها فيما يخص الرأي العام

يقوم الإعلام بالعديد من الوظائف داخل المجتمع؛ وذلك من خلال وسائله المختلفة من مجلات وصحف ومذياع وتلفاز وما يسمى اليوم بالإعلام البديل الذي يضم شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية وغيرها؛ إذ تؤثر هذه الوسائل تأثيراً كبيراً في الأذواق والمعايير العامة، فهي اليوم وبسبب انتشارها الكبير تؤدي دوراً هاماً في تنشئة وتربية الأجيال، حتى كاد أن يكون دورها مقارباً جداً لدور مؤسسات التنشئة الاجتماعية من أُسر ومدارس.

يمكننا تحديد وظائفها بالنقاط الآتية:

1. يقوي الإعلام ويعزز الرأي العام تجاه قضية من القضايا الجدلية في المجتمع:

من خلال ما يبثه من برامج وما يوجهه من رسائل، ففي حال أعلنت دولة ما عن رغبتها في إنشاء مشروع ضخم، يتم الاعتماد على وسائل الإعلام من أجل الترويج له وإظهار ميزاته وضروريات قيامه والفائدة التي يجنيها المجتمع من خلاله؛ وذلك ليكسب تأييد ورضى الجماهير.

2. يقدم الإعلام المسائل الهامة اجتماعياً للجمهور:

ليتم الحكم عليها من قِبل الأوساط الاجتماعية، ففي كثير من الأحيان يعتمد الناشطون الحقوقيون على قوة وتأثير الرأي العام لمساعدة أحد مسجوني الرأي أو أحد المعتقلين السياسيين؛ وذلك من خلال إثارة الجماهير وشحنها عاطفياً لكسب تأييدها؛ وهذا يشكل عامل ضغط كبيراً على الحكومات وحكماً أقوى في بعض الأحيان من حكم القانون نفسه، كما أنَّ الإعلام يقوم بتنظيم الرأي العام عندما يقوم بتحليل الأحداث الداخلية والدولية ويدفعه باتجاه معين.

3. من وظائف الإعلام الهامة أيضاً:

تغيير الآراء المنتشرة بين عامة الناس بشكل خاطئ أو بصورة ناقصة، فكثير من الحقائق تتكون بشكل سطحي في وعي الناس نتيجة قلة المعرفة.

من الجدير بالذكر أنَّ الإعلام سيكون أكثر تأثيراً وأكثر فاعلية في تكوين الرأي العام وتوجيهه عندما يكون صادقاً وموضوعياً وجاداً.

ثالثاً: دور وسائل الإعلام في تكوين الرأي العام وتوجيهه

يؤدي الإعلام دوراً كبيراً في توجيه وقيادة الرأي العام العالمي، فهو يساهم بشكل أو بآخر في تكوين الوعي الاجتماعي، فالهدف الأساسي منه ليس نشر الأخبار والأفكار؛ بل إثارة عقول الناس وتوجيههم نحو أهداف بعينها وغايات محددة.

لا يمكن أن يكون لوسائل الإعلام هذا الدور القوي والمؤثر في الناس إذا لم تأخذ في الحسبان طبيعة المجتمعات التي يتوجه إليها وكيفية فهمهم لما يجري حولهم من أحداث، فعلى هذه الوسائل حتى تكون مؤثرة أن تكون مدركة جيداً لواقع كل مجتمع وظروفه.

لن ننسى أبداً الارتباط الوثيق بين سياسات وسائل الإعلام وسياسة الدولة وأحزابها، فهي تُعَدُّ القناة التي تُعرَض من خلالها الأفكار والآراء والمواقف التي تريد إدخالها في عقول الشعوب وجعلها جزءاً من وعيهم، ونتيجةً للانتشار الواسع لوسائل الإعلام بمختلف أنواعها أصبح تأثيرها في تكوين الرأي العام وتوجيهه واضحاً.

شاهد أيضاً: سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي

يظهر هذا الدور من خلال ما يأتي:

1. وسائل الإعلام في كثير من الأحيان هي مصدر الأخبار والمعلومات والأنباء:

وهذا ما يجعل لها أهمية كبيرة في تكوين الرأي العام بمراحله الأولى، وعندما يتم اختيار هذه الأنباء والأخبار بدقة وعناية وبذكاء ستمتلك قوة إقناع كبيرة، وتتمكن من إحداث تغيير جذري في أفكار الناس وآرائهم أو حتى تكوين آراء وأفكار جديدة تتناسب والهدف الذي تسعى وسائل الإعلام إلى إيصاله.

على سبيل المثال، يمكننا متابعة التأثيرات الكبيرة في أفكار الناس التي أحدثتها وسائل الإعلام في أثناء تغطيتها للأحداث التي شهدتها الدول العربية خلال السنوات العشر السابقة، فقد أدت هذه الوسائل دوراً كبيراً في تأجيج الرأي العام وتوجيهه وحتى تغييره تبعاً لتوجهات وسياسات القنوات وارتباطاتها.

2. ليس بالضرورة أن يكون تدخُّل وسائل الإعلام ومساهمتها في تشكيل الرأي العام سلبياً:

ففي الحقيقة، لهذه الوسائل دور في نشر الوعي والثقافة بين أفراد المجتمع وخاصةً إذا ما كانت تحمل رسالة نبيلة وتلتزم بأخلاقيات المهنة وأهدافها الحقيقية.

بالنسبة إلى كثير من الناس، كانت وسائل الإعلام النافذة التي تعرفوا من خلالها إلى العالم وما يجري فيه، ومعظمهم لم يدركوا حقوقهم إلا من خلال البرامج التوعوية والتثقيفية التي تبثها تلك الوسائل؛ لذلك نلاحظ الاهتمام الكبير من قِبل بعض وسائل الإعلام لقضايا التنمية، وخاصة في دول العالم الثالث التي ما زالت تعاني من الجهل والأمية والظروف الاقتصادية الصعبة.

اليوم وبعد انتشار التكنولوجيا انتشاراً كبيراً وبعد دخول وسائل التواصل الاجتماعي إلى كل منزل، أصبحت وظيفة الإعلام أسهل وأكثر قدرة على الوصول إلى شرائح أكبر في المجتمع كان من الصعب الوصول إليها سابقاً؛ وهذا ما يؤدي حتماً إلى زيادة تأثيرها.

إقرأ أيضاً: التضليل الإعلامي والتلاعب بعقول البشر

3. لا يقتصر طرح وسائل الإعلام على موضوع من الموضوعات أو قضية من القضايا:

بل تتميز هذه الوسائل بأنَّها تهتم بمختلف القضايا والأحداث التي يمر بها المجتمع والتي تهم المواطنين وتثير فضولهم، فهي على اطلاع دائم على كل ما يجري على أرض الواقع، وجاهزة لتغطيته والحديث عنه وتقديمه بالطريقة الأكثر تأثيراً لضمان تأييد الجماهير وثقتها.

في صدد حديثنا عن الإعلام ودوره في تشكيل الرأي العام لا يمكننا تجاهل استخدام هذه الوسائل بوصفها سلاحاً جديداً أكثر تطوراً وحداثة وتأثيراً من أي سلاح آخر، فهو سلاح يوجَّه ضد العقول وضد الأفكار ويستهدف استهدافاً خاصاً فئة الشباب؛ وذلك لأنَّهم الطاقة الكامنة لأي بلد.

في العصر الذي نعيش فيه اليوم، لم تعد الدول الاستعمارية بحاجة إلى تحضير الجيوش ورصد الميزانيات الضخمة للوصول إلى دولة ما، فكل ما عليها فعله هو تجنيد بعض وسائل الإعلام وغزو العقول بدلاً من غزو الأرض؛ وذلك من خلال العمل على نشر الشائعات والأكاذيب وتقديمها بطريقة لامعة وبراقة ليتم تصديقها والعمل بها، وهذا ما يتطلب وعياً كبيراً وعملاً حقيقياً من قِبل الحكومات لبناء عقول مفكرة لا تقبل الانسياق والتقليد الأعمى.

إقرأ أيضاً: الفرق بين وسائل الإعلام الاجتماعية والشبكات الاجتماعية

في الختام:

لا يمكننا حقيقةً أن نقول إنَّ تأثير وسائل الإعلام ينحصر في الأمور السلبية، لكن يمكن عَدُّها سلاحاً ذا حدين، فإن استُخدِمت بالطريقة الصحيحة فسيكون لها دور هام في بناء مجتمع قوي وواعٍ ومثقف، حتى إنَّ الرأي العام المتعلق بقضية من القضايا، يمكن عَدُّه مؤشراً لفاعلية الإعلام وتأثيره، فكلما كان الرأي العام ناضجاً وشاملاً، دلَّ على عمل إعلامي جاد والنقيض من ذلك صحيح طبعاً، وبالتأكيد لا يمكن إلقاء الحمل كله على وسائل الإعلام؛ وذلك لأنَّ الكثير من العوامل الأخرى تشارك في تكوين الرأي العام وتوجيهه.

المصادر:

  • 1
  • محاضرات مادة الرأي العام كلية الإعلام جامعة دمشق.



مقالات مرتبطة