دعاء القنوت: تعريفه، وصيغته، ومواضعه، وأحكامه الشرعية

ما تعريف القنوت لغة وشرعاً؟ وما مواضعه؟ وما صيغته؟ وما الأحكام الشرعية المتعلقة به؟ سنقدم لكم كلَّ ذلك أعزاءنا القراء في السطور القليلة القادمة، فتابعوا معنا.



تعريف القنوت لغةً وشرعاً:

تعريف القنوت لغة:

يرد لفظ القنوت في اللغة بمعانٍ عدة، منها:

  1. الدعاء: حيث إنَّ حقيقة القنوت هي العبادة.
  2. الطاعة: وذلك في قول الله سبحانه وتعالى: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ}.
  3. السكوت: والدلالة على ذلك قول الله عز وجل في كتابه الكريم في سورة البقرة: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}.
  4. الصلاة: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَثلُ المجاهدِ في سبيلِ اللهِ كمَثلِ الصَّائمِ القائمِ القانتِ بآياتِ اللهِ لا يفتُرُ مِن صومٍ ولا صدقةٍ حتَّى يرجِعَ المجاهدُ إلى أهلِه".
  5. القيام: عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: "سُئِل الرسول -صلَّى الله عليه وسلم- أيُّ الصلاة أفضل، فقال: طول القنوت".

تعريف القنوت شرعاً:

يكون القنوت في الركعة الأخيرة من الصلاة، وهو ما شرع من الدعاء في صلوات معينة، وبصفة معينة.

إقرأ أيضاً: أهمية وفوائد الدعاء وأسرار قبوله

مواضع دعاء القنوت:

يُشرَع دعاء القنوت سُنَّةً في صلاة الوِتْرِ في جميع أيام السنة، وفي الصلوات الخمس عند النوازل؛ وقد اختلف الأئمة في مشروعية القنوت في صلاة الفجر، حيث ذهب أبو حنيفة وأحمد بن حنبل -رحمهما الله- إلى أنَّه لا يُسَنُّ القنوت في صلاة الصبح وغيرها من الصلوات سوى الوِتْرِ، لما روى مسلم أنَّ الرسول -صلَّى الله عليه وسلم- قنت شهراً يدعو على حيٍّ من أحياء العرب ثمَّ تركه؛ ولكنَّ الشافعي ومالك -رحمهما الله- ذهبا إلى أنَّ القنوت في صلاة الصبح سنة في جميع الأزمان، وذلك لأنَّ أنساً بن مالك -رضي الله عنه- قال: "ما زال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا"، وكان عمر -رضي الله عنه- يقنت في الصبح بمحضر من الصحابة وغيرهم.

يسع الخلاف في ذلك الجميع؛ ذلك لأنَّه من الخلاف المعتبر، ولا يُنكَر فيه على المُخَالَف، ويُسَنُّ أن يُسجَدَ للسهو إن ترك القنوت عند بعض من قال بسنِّيته في صلاة الصبح.

يكون القنوت بعد الركوع، ولكن يمكن أن يكون قبله؛ وذلك وفقاً لما روى حميد، حيث قال: سُئِل أنس عن القنوت في صلاة الصبح، فقال: "كنَّا نقنت قبل الركوع وبعده".

صيغة دعاء القنوت:

هناك عدة صيغ وردت عن الصحابة لدعاء القنوت، وهي:

  • أفضل دعاء في القنوت ما رواه الحسن بن علي -رضي الله عنهما- قال: علَّمني رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- كلمات أقولهن في الوِتْرِ: "اللهمَّ اهْدِنِي فِيْمَنْ هَدَيْت، وعَافِنِي فِيْمَنْ عَافَيْت، وتَوَلَّنِي فِيْمَنْ تَوَلَّيْت، وبَارِك لِي فِيْمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ ما قَضَيْت، فإنَّك تَقْضِي بالحَقِّ وَلا يُقضَى عَلَيْك، وإنَّه لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت، ولا يَعِزُّ من عَادَيْت، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وتَعَالَيْت".
  • عن عمر -رضي الله عنه- أنَّه قنت في صلاة الصبح فقال: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنُؤْمِنُ بِكَ، وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ وَنُثْنِي عَلَيْكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا نَكْفُرُ ثُمَّ قَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ، وَنَخْشَى عَذَابَكَ، إِنَّ عَذَابَكَ الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ، اللَّهُمَّ عَذِّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ".
  • رُوِي عن عروة بن الزبير -رضي الله عنه- أنَّه قال: "اللهمَّ إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونَحْفِد، ونرجو رحمتك ربنا، ونخاف عذابك الجِدَّ، إنَّ عذابك لمن عَادَيْتَ مُلْحِق".
  • رُوِي عن عبد الرحمن بن أُبزَى أنَّه قال: "اللهمَّ إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونَحْفِد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إنَّ عذابك بالكافرين مُلْحِق. اللهمَّ إنَّا نستعينك، ونستغفرك، ونثني عليك الخير ولا نكفرك، ونؤمن بك، ونخضع إليك".

الأحكام الشرعية المتعلقة بالقنوت:

1. الجهر بالقول:

اختلف الأئمة والعلماء في حكم الجهر بدعاء القنوت، وكان هناك ثلاثة أقوال هي:

  • رأي الحنابلة: هو استحباب الجهر في القنوت للإمام والمنفرد، وذلك استدلالاً بفعل أُبَيّ بن كعب وعمر بن الخطاب، حيث أنَّهما كانا يجهران بقنوتهما في صلاة الوِتْر.
  • رأي الحنفيّة والمالكية: هو عدم استحباب الجَهْر في القنوت، وذلك استدلالاً بقول الله عَزَّ وَجَلَّ في كتابه الكريم: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.
  • رأي الشافعية وبعض الحنفية: هو استحباب الجهر في القنوت للإمام دون المنفرد، حيث لا يشرع الجهر إلَّا للإمام ليؤمِّن المصلون على دعائه.

2. مسح الوجه بعد الانتهاء من دعاء القنوت:

ذهب العلماء والأئمة في مسألة مسح الوجه بعد دعاء القنوت إلى رأيين، وهما:

  • رأي الحنفية والشافعية: عدم مسح الوجه بعد دعاء القنوت، حيث لم يَرِد أيُّ نصوصٍ تدلُّ على وجوب ذلك، وقياساً على سائر الأدعية الأخرى في الصلاة، حيث لا يُشرَع فيها مسح الوجه بعد الانتهاء من الدعاء.
  • رأي الحنابلة: استحباب مسح الوجه بعد دعاء القنوت استدلالاً بفعل النبي محمد -صلَّى الله عليه وسلم- إذ كان يمسح وجهه بعد الانتهاء من الدعاء، وكان رأي المالكية هو استحباب مسح الوجه بعد الدعاء المطلق، ولم يتعرَّضوا إلى حكمه بعد دعاء القنوت.

3. رفع اليدين عند دعاء القنوت:

ذهب العلماء والأئمة في مسألة رفع اليدين عند دعاء القنوت إلى ثلاثة آراء، هي:

  • رأي المالكية: عدم استحباب رفع اليدين حين الدعاء بدعاء القنوت، وذلك قياساً على الدعاء في كلٍّ من التشهد والسجود، إذ لا يرفع المصلي يديه فيهما.
  • رأي الحنفية: اختلف الحنفية أنفسهم في مسألة رفع اليدين عند دعاء القنوت، وقد كان رأي أبي حنيفة إرخاء اليدين وعدم رفعهما، وكان رأي أبي يوسف بسط اليدين نحو السماء، أمَّا محمد فقد رُوِي عنه استحباب وضع اليد اليمنى على اليسرى.
  • رأي الحنابلة والشافعية: استحباب رفع اليدين حين دعاء القنوت، ويكون ذلك برفعهما إلى مستوى الصدر، مع جعل باطن اليدين نحو السماء.

4. الصلاة على النبي في دعاء القنوت:

كان رأي الحنابلة هو مشروعية اختتام دعاء القنوت بالصلاة على النبي (صلَّى الله عليه وسلم)، وكذلك كان رأي الحنفية باعتبار أنَّ الصلاة على النبي أولى من الدعاء، والقنوت هو في الحقيقة دعاء، والأفضل في الدعاء اشتماله على الصلاة على النبي؛ ورأي الشافعية أيضاً أنَّ الصلاة على النبي تُسَن في دعاء القنوت، ويسجد من ترك الصلاة على النبي في دعاء القنوت للسهو عندهم.

إقرأ أيضاً: الدعاء والاستخارة طريق الإيمان الكامل

5. قضاء القنوت لمن نَسِيَه:

تباين رأي العلماء والأئمة في مسألة قضاء دعاء القنوت إذا تذكره المصلي قبل السجود أو بعده، ونذكر الحالتين اللتين اختُلِف فيهما:

الحالة الأولى: اختلف العلماء والأئمة في مشروعية سجود السهو في حال تذكر المصلي دعاء القنوت بعد سجوده، وذهبوا في ذلك إلى ثلاثة أقوال هي:

  1. المالكية: كان قولها بعدم المشروعية.
  2. الحنابلة والشافعية: شرعوا سجود السهو.
  3. الحنفية: استحباب سجود السهو لتارك القنوت.

الحالة الثانية: اختلف العلماء والأئمة في حال تذكر المصلي دعاء القنوت قبل السجود، وهذه الحالة مختصة فقط بالحنفية والمالكية، حيث:

  1. قال الحنفية بعدم قضاء دعاء القنوت بعد الركوع.
  2. قال المالكية بوجوب قضاء دعاء القنوت بعد الركوع.

 

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة