خمسة أفلام عظيمة جداً؛ لكن إياك أن تشاهدها

هل تخاف أحياناً من النظر في مرآتك ورؤية وجهك لأنَّه يعكس ما في أعماقك بوضوح؟ وهل أزحت وجهك عن المرآة بسرعة لأنَّك تحسست الخراب داخلك من ملامحك؟ هذه الأفلام هي كذلك، فهي بمنزلة مرآة تعكس الحقيقة التي نخاف مواجهتها، وهي مرعبة على الرغم من عدم احتوائها على مشهد دماءٍ واحد، فإن لم تكن مستعداً للغوص داخل أعماقك، وإن لم تكن مستعداً للنبش في ذلك الجزء منك؛ الجزء الذي تجتهد لتخفيه، فإيَّاك أن تشاهدها.



خمسة أفلام إياك أن تشاهدها:

1. "الأم" (Mother):

من روائع العبقري "دارين أرنوفسكي"؛ إذ يعتقد بعض الناس أنَّ صعوبة هذا الفيلم تكمن في رمزيته العالية وفي الجهد الفكري الذي يجب أن تبذله طوال الفيلم لتلتقط كل لحظة وكل عبارة وكل مشهد، لكنَّ الصعوبة في هذا الفيلم ليست هنا وستجد على الإنترنت ومواقع الأفلام عشرات المقالات التي تفسر لك كل هذه الرمزيات وتسهل التقاطها وفهمها.

صعوبة الفيلم تكمن في فضحه حقيقة البشر المرعبة ورغباتهم وشهواتهم وكرههم وأنانينتهم وعنفهم، والمشاهد الأخيرة من الفيلم صادمة ومتعبة نفسياً ومرهِقة، فهل نحن هؤلاء؟ وهل كل هذا الشر منا نحن البشر؟ أليس ما يجري هناك في منزل الشاعر هو ما يجري كل يوم بأشكال مختلفة على امتداد الكوكب؟

Mother

تحكي القصة عن شاعر فاقدٍ للشغف يقوم بدوره "خافيير بارديم"، يعيش مع زوجته الجميلة والصغيرة التي تؤدي دورها "جينفر لورانس"؛ إذ كل شيء يسير على أفضل وجه حتى يقتحم هذا الهدوء رجل غريب يقضي الليلة عندهما لتتبعه في اليوم الثاني زوجته، لتبدأ حياة هذه الأسرة بالانقلاب رأساً على عقب بسبب هذين الغريبين الفضوليين.

الشاعر يصر على استقبالهما في بيته، بينما تشعر الزوجة أنَّها غير قادرة على احتمال هذا الاختلال الكبير الذي بدأ يهز توازن البيت ويهدده، حتى تقع الكارثة ويدمر الزوجان الماسة الجميلة التي يمتلكها الشاعر بعد أن يدفعهما الفضول لإمساكها على الرغم من تحذيرات الشاعر وتعليماته الواضحة بعدم الاقتراب منها فيرميهما خارجاً.

القصة لا تنتهي هنا، هذه البداية فقط، ففي اليوم التالي يأتي الولدان ويقتل أحدهما الآخر، ليفتح الشاعر بيته لتقبُّل العزاء ويبدأ البشر بالتوافد إلى المنزل وتبدأ الفوضى، ولا شيء إلا الفوضى في كل مكان، وهذا ما يثير جنون وغضب الأم التي تضع مولودها الأول وسط كل هذه الفوضى.

في مشهد لن تنساه أبداً، سيأكل البشر الطفل الصغير الذي وُلد للتو، وهو أحد الأفلام الفلسفية المُتقنة الذي يحمل إسقاطات كثيرة، وفيه الكثير من المجاز والكثير من الرموز، حتى إنَّه لا يحتوي إلا على اسم واحد، ولقد طالت الكثير من الانتقادات فيلم (Mother)، لكنَّه يبقى واحداً من الأفلام الذي إن تجرأتَ وشاهدته فلن تنساه أبداً.

إقرأ أيضاً: أفضل 10 أفلام أجنبية عليك مشاهدتها

2. "البجعة السوداء":

لا يوجد إنسان على وجه الأرض إلا ويحمل داخله السواد والبياض، وهذا هو المخيف في فيلم "البجعة السوداء"؛ وذلك لأنَّنا نرى هذا الصراع الذي نعيشه يومياً على أوجِه داخل "نينا" التي قامت بدورها بشكل رائع "نتالي بورتمان" لتستحق الأوسكار بكل جدارة عن هذا الدور.

الفيلم محاكاة لرائعة "تشايكوفسكي" الموسيقية "بحيرة البجع"، ويحكي قصة "نينا" راقصة الباليه التي عليها تأدية الدورين على المسرح البجعة البيضاء والأخرى السوداء، فهي بارعة بأداء دور البجعة البيضاء، ولكنَّها غير مقتنعة أبداً بدور البجعة السوداء التي عليها أن تمثِّل الرغبة والإغراء، فنظراتها البريئة وتعابيرها الطفولية طافية دائماً على شخصيتها وكأنَّ شيئاً منها محبوس داخلها.

أرادت أمُّ "نينا" دائماً أن تكون راقصة باليه ناجحة، لكنَّ الأمومة وقفت في وجهها، فهي متعلِّقة بابنتها لدرجة كبيرة أدخلت "نينا" في حالة من القلق الدائم وسبب لها الإصابة باضطراب الهوية التفارقي؛ أي اضطراب تعدد الشخصيات، وفي مشاهد كثيرة من الفيلم نرى "نينا" تعاني مما اعتقدته من غيرة أمِّها منها لأنَّها ستحقق ما فشلت هي به، أو من محاولة صديقتها سرق الدور منها.

كل هذا يجعل الجزء الأسود من "نينا" يتحرر والشخصية التي حاولت دفنها كل حياتها أصبحت شخصيتها، وعلى المسرح تفشل بأداء شخصية البجعة البيضاء التي كانت تتقنها، وفي مشهد خادع للمشاهدين الذين لم يفهموا بعد أنَّ كل من تصارعهم "نينا" في الحقيقة هم نفسها، كما تطعن صديقتها لأنَّها عرضت تأدية دور البجعة السوداء وتخرج على المسرح لتقوم بأداء مبهر وعظيم يسحر المشاهدين والمدرب الذي كان السبب بهذا النجاح وتحرُّر شخصية "نينا" الأخرى، ليظهر أنَّ "نينا" طعنت نفسها وليس صديقتها.

البجعة السوداء

الإخراج عبقري جداً والتصوير كان عنصراً قوياً وهاماً، والتركيز كان بشكل كبير على المرايا في محاولة لعكس ما يدور في داخل البطلة من صراعات وهواجس، والفيلم من إخراج "دارين أرنوفسكي"، وهو واحد من أفلام الرعب النفسي.

في النهاية لا بد من الإشارة إلى نقطة هامة جداً وهي أنَّ السواد الموجود داخل كل شخص فينا ليس أبداً إشارة إلى الشر، ففي كثير من الأماكن نحن نحتاج إلى هذا السواد لننجح وننهض؛ فالقليل من الأنانية ليس شراً.

3. "قناع" (Persona):

قناع

فيلم سويدي للمخرج العظيم "إنغمار برغمان" وهو كاتب السيناريو أيضاً؛ إذ تتميز جميع أفلام "برغمان" بعبقريتها وصعوبتها وعمقها، وهذا يثير عصبية المشاهد في بعض الأحيان وتوتره لعدم القدرة على فهم رموزها في أحيان أخرى.

ربما ككل الأفلام الفلسفية التي تغوص في أعماق النفس البشرية، يبحث الفيلم في الأسئلة الهامة من نحن؟ وكيف لنا أن نمتلك كل هذه الاعتقادات والمبادئ والرؤية الواضحة لما نريد أن نكونه ونتصرف في مكان آخر تماماً؟ وكم يبلغ عدد وجوهنا؟ وكم شخصية داخلنا؟ وكم فكرة تسيطر علينا؟

الفيلم يحكي قصة ممثلة مسرحية مشهورة قررت أن تصمت وهي على خشبة المسرح، فلم تعد تريد التفوُّه حتى بكلمة صغيرة؛ بل تريد أن تصمت إلى الأبد، وفي المستشفى تقرر طبيبتها النفسية أن تذهب في إجازة إلى الشاطئ برفقة ممرضة شابة، وهناك تنشأ صداقة قوية بين الشابتين، وتدور الكثير من الأحاديث على لسان الممرضة، في حين نرى الممثلة تستمع بكل رغبة.

يضعنا المخرج في نهاية الفيلم الغامضة أمام سؤال من الصعب أن ندرك إجابته ولكنَّنا لا نريد تصديقه، فالشابتان هما ذات الشخص؛ هما وجهان للإنسان ذاته، وهنا ندخل في دوامة كبيرة من الأسئلة لا تتعلق بالفيلم؛ بل بنا شخصياً.

4. "العار" (Shame):

العار

يحكي الفيلم قصة شاب مدمن على الجنس ومشاهدة الأفلام الإباحية، وبخلاف الأفلام التجارية التي تركِّز فقط على المشاهد الجريئة عند تناول موضوعات كهذه يذهب الفيلم إلى البعد النفسي للمدمن، وإلى مآسي طفولته وصدماته وصراعاته الداخلية "نحن لسنا سيئين، فقط جئنا من مكان سيئ"، وإلى الندم الذي يشعر به كل لحظة، وإلى الكثير من الخزي والعار، وهذا بالضبط ما جعل المخرج يختار هذا الاسم لفيلمه، والفيلم من إخراج "ستيف ماكوين" وبطولة "مايكل فاسبندر"، وهو فيلم بريطاني من إصدار عام 2011.

إقرأ أيضاً: ما هو التورنت؟ وما هي أفضل 10 مواقع تورنت لتحميل الأفلام والمسلسلات

5. "كفرناحوم":

تختلف عتبة الألم عند كل شخص منا، لكن مهما كانت مرتفعةً عندك، تأكَّد أنَّك لن تكون قادراً على احتمال جرعة ألم صافية كتلك التي ستشاهدها في هذا الفيلم، فهو فيلم لبناني يحكي قصة طفل يعيش في حي من أحياء لبنان الفقيرة؛ تلك الأحياء الموجودة على هامش الحياة، هناك حيث تُباع الطفولة ويكبر الأطفال سنوات بيوم واحد.

يقرر الطفل رفع دعوة على أهله لأنَّهم أنجبوه، وتبدأ بعدها الأسئلة بطرق بابك؛ لماذا يمتلك هؤلاء القدرة على الإنجاب؟ ولماذا لم نفكر من قبل بطريقة حياة الأطفال هناك في العشوائيات وفي المخيمات والشوارع؟ وإن فكرنا وإن أمعنا التفكير ماذا يمكن أن نفعل؟ وهل سنقدر على رفع الظلم الذي أطبق بكل ثقله على قلوبهم وعقولهم الصغيرة قيد أنملة؟

كفرناحوم

نحن عاجزون هذا ما سنتأكد منه مع كل مشهد، وسنضيع بين القاسي والأشد قسوة، وبين الفتاة القاصرة التي تخفي بمساعدة أخيها الصغير بلوغها لأنَّها تعلم جيداً أنَّها في لحظة معرفة أهلها ستودِّع طفولتها إلى الأبد، وسنغرق بدموع أخيها ونحاول بشتى الطرائق أن نقنع أنفسنا أنَّ ما يجري ليس واقعياً، ونحن ندرك تماماً أنَّه جزء بسيط من واقع الكثير من الأطفال على هذه الأرض.

فإن لم تكن محصناً نفسياً وإن لم تكن قوياً فلا تشاهد هذا الفيلم؛ وذلك لأنَّ شبح الطفولة الميتة فيه سيلاحقك أياماً، والفيلم من إخراج "نادين لبكي" وبطولة الطفل السوري "زين الرفاعي" وهو أحد الأطفال السوريين اللاجئين في "لبنان" التقته المخرجة صدفة وأعطته فرصة أن يشارك ألمه مع العالم، وقد فاز الفيلم بجائزة مهرجان "كان" السينمائي بدورته عام 2018، ورُشح للعديد من الجوائز.

لقد قالت "لبكي" إنَّ السبب الأساسي في نجاح الفيلم هو أنَّه لا يوجد تمثيل هنا، وهذه حياتهم "لا يوجد ممثلون في فيلمي، كلهم يصورون حياتهم الخاصة بطريقة أو بأخرى وكفاحهم ومحنتهم، وهذا ما أعطى الفيلم في النهاية قوَّته".

في الختام:

إذا قلنا لك إياك أن تشاهد هذه الأفلام، هذا لا يعني أبداً أنَّها أفلام سيئة أو تجارية، فمشكلتها الوحيدة فقط أنَّها أفلام مؤلمة وقاسية لدرجة سيكون تجاوزها صعباً جداً، لكن إن حدث وشاهدتها فاستعن بها لتعثر على نفسك.

 




مقالات مرتبطة