حقيقة التوازن بين الحياة المهنية والخاصة

من الصعب والمُرهِق للغاية إيجادُ التوازن بين الحياة المهنية والحياة الخاصة؛ فنجد العمل والترقيات والأهداف وكسب المال في أحد جانبَي هذه المعادلة، في حين نجد في الجانب الآخر الصحة والعائلة والأصدقاء والعطلات وكلَّ ما يخطر في بالك، وهُنا يأتي التحدي الرئيس لكيفية الموازنة بين جميع تلك الأشياء.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويُحدِّثنا فيه عن استحالة تحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والعمل، والأساليب التي يجب اتِّباعُها بدلاً من ذلك.

حين نتحدث عن موازنة الحياة والعمل فإنَّنا نقصُد تحديد الأولويات والترتيب بين الأشياء المتعلقة بالعمل والأشياء المتعلقة بنمط الحياة؛ فكثيراً ما يتحتم عليك الاختيار بين الأمور الآتية:

  • السعي إلى تطوير مهنتك مقابل الاستقرار وتأسيس حياةٍ عائلية.
  • المُخاطَرة مقابل الحِيطة والحَذَر.
  • السعي إلى كسب الأموال مقابل المُكافآت الجوهرية.
  • العمل والاجتهاد مقابل الراحة.
  • العطاء مقابل الأخذ.
  • الأنانية والتفكير بنفسك مقابل الإيثار والتفكير بمصالح الآخرين.
  • قضاء الوقت مع العائلة مقابل قضائه مع الأصدقاء.

يبدو الاختيارُ بين الأمور السابقة مستحيلاً؛ ممَّا يؤدي إلى المزيد من الضغط النفسي والقلق والتوتُّر، كما تبين الأبحاث أنَّ الأشخاص الذين يظنون أنَّهم لا يملكون وقتاً لحياتهم الشخصية يشعرون بالإرهاق والتشويش والتشتُّت في العمل.

لقد كنتُ أتحدث أخيراً إلى أحد أصدقائي الذي أنجبَت زوجتُه طفلَهما الثاني منذ فترة قريبة، وكان يحدِّثني عن معاناته والصعوبات التي واجهها لتحقيق التوازن بين عمله وأسرته حين رُزِقا بطفلهما الأول؛ لكنَّه قرر الآن تبسيط الأمور وتسهيلَها على نفسه فقد خصَّص 90% من وقته للعمل والعائلة ولنفسه، في حين يتجاهل كلَّ الأشياء الأخرى في الحياة، ولا يجدُ من ضرورة للتوازن، فإمَّا كلُّ شيء أو لا شيء في مجالاتٍ قليلة مُحدَّدة من الحياة، وأنا أوافقه في ذلك تماماً؛ إذ لا أظنُّ أنَّ التوازن استراتيجيةٌ جيدة أو مُثمِرة.

شاهد بالفديو: 10 نصائح للموازنة بين الحياة والعمل

نظرة براغماتية:

فيما يأتي مثالٌ عن وضع توازنٍ بين الحياة المهنية والشخصية؛ فلنفترِضْ مثلاً بأنَّ لديك عملاً يستمرُّ منذ 09:00 صباحاً حتى الساعة 05:00 بعد الظُّهر؛ لكنَّك تغادر منزلك في الساعة 07:30 صباحاً؛ لأنَّه يتحتم عليك الوصول إلى مكتبك بحلول الساعة 08:30 صباحاً، وترغبُ كذلك بمغادرة عملك باكراً فتُنجز جميعَ أعمالك وتنتهي منها بحلول الساعة 05:30 بعد الظهر؛ لكنَّك لا تتمكن من الوصول إلى منزلك قبل الساعة 06:30 مساءً، ومن ثمَّ يستغرق ذلك الجانبُ العمليُّ بأكمله 10 ساعاتٍ من يومك بذلك السيناريو، وهو ما لا يُعَدُّ أمراً نادراً، ولنقُلْ إنَّك تنام لمدة 7 ساعات؛ ممَّا يمنحك 17 ساعةً من اليقَظة لتمارس فيها جميعَ نشاطاتك؛ مما يعني أنَّك تقضي 59% من وقتك في فعل أشياءٍ متعلقة بالعمل فيا له من توازن.

دعونا لا ننسى أنَّنا نقضي مُعظَم أوقات فراغنا في التفكير والقلق والتحدُّث عن العمل؛ لذا فمن الآمن القولُ إنَّه لا يوجد ما يُسمَّى بالتوازن بين الحياة المهنية والخاصة عند أحدٍ من البشر؛ لأنَّ العمل هو الحياة؛ لذا إن كان عملُك يُعوق تطوُّرَك الشخصي أو الروحي أو يُفسِد علاقاتك مع الآخرين عليك إيجادُ عملٍ آخر لنفسك.

إقرأ أيضاً: أيهما أفضل: التوازن أم التكامل بين الحياة والعمل؟

التوقُّف عن الضغط على نفسك وتصعيب الأمور عليها:

عليك أن تفهم بأنَّك لا يجب أن تكون مثالياً ولا ينبغي أن تحصل على كل شيء؛ فبالنسبة إلي توجد بضعة أمورٍ هامة فقط، كالمحافظة على صحتي الجسدية والنفسية وعلى علاقاتي الجيدة مع الآخرين وهذا كلُّ شيءٍ تقريباً؛ لذا من السهل للغاية تحقيق التوازن بينَها في حياتي.

يُمضي مُعظَمنا كثيراً من الوقت في محاولة تحقيق التوازن بين أمورٍ لا نحتاجُها فعلاً في حياتنا؛ ممَّا يحوِّلها إلى حالةٍ من الفوضى، كما أنَّ محاولة تحقيق التوازن بين الحياة المهنية والخاصة لا تعود بأي نفع؛ بل تزيد من تعقيد حياتنا أكثر، ولا أريدك أن تسيءَ فهمي أو تظن أنَّني أمانع الأمور المُعقَّدة؛ فأنا أحبُّ الرياضيات والاقتصاد القياسي؛ لكنَّني أكرهُ أن يظن الناسُ الأمورَ بسيطة للغاية.

لا يُعَد التوازن بين الحياة الشخصية والعمل مشكلةً إلَّا عندما تحوِّلُه بنفسك إلى مشكلة، ولا أجدُ أصلاً أيَّ سببٍ أو حاجةٍ تدفعُ الإنسان لمعاملة آلاف الأمور وتعقيد حياته، وقد عبَّر عالمُ الطبيعة "هنري ديفيد ثورو" (Henry David Thoreau) عن ذلك بأفضل طريقةٍ ممكنة حين قال: "عليكُم بالبساطة، ولنحرِصْ على أن تكون شؤونُنا محدودةً ولا تتجاوز الأمرَين أو الثلاثة، فما من داعٍ لامتلاك مئة أو ألفٍ منها".

إقرأ أيضاً: تخلص من التوازن بين العمل والحياة وتبن فكرة الانسجام بينهما

في الختام:

إن بالغتَ في تبسيط حياتك وقرَّرتَ الشيءَ الأهم الذي تدور حولَه تماماً، ستجدُ أنَّ لديك قليلاً من الأولويات الهامة فيها فقط؛ فلستَ مُضطرَّاً لفعل كلِّ شيء، ولا مشكلة إن لم يكُن لديك وقتٌ إلَّا لبضعة أمورٍ في الحياة؛ لذا ابتعِدْ عن القلق ومحاولات تحقيق التوازن المستحيل وبسِّطْ حياتَك.




مقالات مرتبطة