توقَّف عن توقُّع حدوث الأسوأ

التفكير الكارثي هو الاعتقاد بأنَّ الأسوأ سوف يحدث دائماً، وهو أمر له تأثير سيئ في صحتك العقلية، وعادةً ما يعتقد الشخص الذي يعاني التفكير الكارثي أنَّه يواجه وضعاً أسوأ ممَّا تبدو عليه الأمور على حقيقتها.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة كاثي واتكينز (Kathy Watkins)، وتُحدِّثنا فيه عن أهمية التوقف عن توقُّع حدوث الأسوأ.

إليك مثال على ذلك من حياتي، فذات صباح، كنت متأخرةً جداً عن عملي؛ إذ حضَّرتُ القهوة قبل خروجي من المنزل، لكن عند أول رشفةٍ من قهوتي، سكبتها على ملابسي، ممَّا أجبرني على تبديلها، لكن في أثناء كلِّ ذلك، تشتت انتباهي لأنَّني لم أرَ قطتي في الأرجاء؛ لذلك أمضيت عشرة دقائق في التحقق من جميع أماكن اختبائها المفضلة، ثم في أثناء ذلك تحققت من الوقت، وأدركت أنَّني إذا غادرت المنزل الآن فسأتمكن من الوصول في الوقت المحدد؛ لكنَّني لم أجد قطتي بعد.

لقد فكرت في أسوأ سيناريو يمكن أن يحدث على الإطلاق؛ إذ اعتقدتُّ أنَّها مضغت سلك كهربائي وحصل لها مكروه، وأنَّها تحاول التشبث بالحياة في مكان ما؛ لذلك اتصلت بمديري في العمل وأخبرته أنَّني سأتأخر لأنَّ إطار سيارتي مثقوب، ثم استمررت في البحث وتذكرت فجأةً أنَّها اختبأت تحت السرير ذات مرة، وعندما بحثتُ هناك وجدتها جالسة في مكانها، ولم يحصل لها أيُّ مكروه، ولم ترغب في الابتعاد عن مكان القيلولة المريح بالنسبة إليها، ولا حتى الاقتراب مني مهما ناديتها.

لذلك قلت في نفسي إنَّني لن أقلق عليها بهذه الطريقة مرة أخرى، لكن بعد أسبوع من ذلك، كررت كلَّ ما فعلته في الأسبوع الماضي، لكن هذه المرة سكبت الحليب على ملابسي بدلاً من القهوة.

هذا ما يُعرَف بالخوف الكارثي (Catastrophizing)؛ إذ ببساطة، يفكر الدماغ تلقائياً بحدوث أسوأ سيناريو على الإطلاق، فإذا عدنا إلى المثال السابق، سيكون رد الفعل الطبيعي للشخص الذي لا يعاني الخوف الكارثي بالتفكير بأنَّ القطة لم تفعل أيَّ شيء لتؤذي نفسها قط؛ لذلك إنَّ احتمالية أنَّها تموت حالياً ولا تستجيب بسبب ذلك هو أمر مثير للسخرية.

إقرأ أيضاً: كيف يمكن للتفكير بطريقة سلبية أن يدمر حياتك

مثالٌ آخر عن الخوف الكارثي:

لنفترض أنَّك تعاني الخوف الكارثي وأخبرك أولادك أنَّهم سيتصلون بك حالما يصلون إلى الجامعة، لكنَّهم لم يفعلوا ذلك، فتفكر في سرك بأنَّ المسافة بينكم هي ساعة واحدة فقط، وقد مر الآن ساعة وعشر دقائق؛ لذلك من المحتمل أنَّهم تعرضوا لحادث سيارة، أو قد اختُطفوا، لكن الاحتمال الأرجح هو أنَّهم اضطروا إلى التوقف لتزويد سيارتهم بالوقود، أو أنَّهم يتكلمون على الهاتف مع أحد أصدقائهم، ولم يتمكنوا من الاتصال بك بعد، لكن من الواضح أنَّك لن تفكر في هذا الاحتمال.

كذلك، لنفترض أنَّك تعاني الخوف الكارثي وتأخرت عن العمل، ستفكر أنَّ مديرك سيطردك، فقد أخطأت في بريد إلكتروني في الأسبوع الماضي، وأنت لا تستحق هذه الوظيفة حقاً، وستفكر أنَّك إذا فقدت وظيفتك، فستتركك زوجتك، ولن تتمكن من شراء شقة وحدك حالياً؛ لذلك سوف تحتاج إلى شريكٍ في السكن، لكن ماذا لو كان شريكك في السكن مجرم؟

إذا كان كذلك فثمة احتمال أنَّه سيسرقك إذا غبت عن الشقة لبضعة أيام، لكن لأنَّك لا تملك ما يكفي من المال لاستئجار شقة وحدك فيجب عليك الانتقال للعيش في سيارتك.

إذا لم تكن لديك أفكار تخرج عن نطاق سيطرتك، فأنت شخص محظوظ؛ لكنَّني أعتقد أنَّك إذا كنت تقرأ هذا المقال، فأنت تعاني هذه السيناريوهات بشكل دائم، كما أفعل أنا تماماً.

شاهد بالفديو: 10 طرق لجعل التفكير الإيجابي عادة من عاداتك

توقُّع حدوث الأسوأ هو مجرد طريقة لتعذيب أنفسنا:

لطالما قلت لنفسي إنَّني إذا فكرت بأسوأ سيناريو على الإطلاق، فسأكون مستعدة لأيِّ سيناريو آخر؛ ففي النهاية، شعار عائلتي هو: يمكن أن يحدث الأسوأ دائماً، لقد تعلمت أن أفترض تلقائياً أنَّ شيئاً سيحدث، وفي معظم الحالات، كان يحدث ذلك فعلاً، أنا أرغب في أن أكون مستعدةً عقلياً لأيِّ شيء سأواجهه في الحياة، لكن لطالما انتظرتُ حدوث الأحداث السيئة التي لا مفر منها، وقد كنت قلقةً في جميع الأوقات، وقد أتعبني هذا القلق.

إذا فكرنا في رجال الكهوف، سنرى أنَّه كان من المنطقي بالنسبة إليهم التركيز على الأسوأ، فقد كان عليهم التحضير لكلِّ شيء، والتفكير في المستقبل دائماً، فلم يتمكنوا من الخروج لجمع الطعام دون رماح، فقد كان الخطر محيط بهم دائماً، كما كانوا بحاجة إلى ما يكفي من جلد الماموث الصوفي ليتمكنوا من النجاة في فصل الشتاء، ولم يكن من السهل بالنسبة إليهم العثور على شجرة للحصول على الحطب، ولم يعلموا من أين سيحصلون على وجبتهم التالية.

إقرأ أيضاً: أقوال وحكم تُساعدك على تخطي الفشل

لكنَّنا لسنا من أهل الكهوف الآن، وتوقُّع حدوث الأسوأ هو مجرد طريقة لتعذيب أنفسنا، على سبيل المثال لم ينتقل النمر من مدينة إلى أخرى لاختيار الأشخاص المناسبين له؛ بل تناوَل شخصاً لا على التعيين؛ إذ إنَّ الأمر بهذه البساطة، صحيح أنَّه أمضى وقتاً في البحث عن فريسته ومطاردتها؛ لكنَّه لم يضيع الوقت في التفكير في أنَّه يجب أن يأكل رجلاً هذه المرة لأنَّه أكل سيدة الأسبوع الماضي.

في الختام:

أنا أقول ببساطة إنَّ القلق بشأن الكارثة التالية التي ستحدث سيمنعنا من العيش والاستمتاع بالحياة في اللحظة الحالية؛ فنحن بحاجة إلى أن نمنح أنفسنا فترة راحة، وبحاجة إلى التوقف عن السماح لعقولنا بالتفكير في الأشياء التي لا نملك السيطرة عليها؛ لذلك اذهب وعانق أطفالك، وقبِّل شريك حياتك، وزُر والديك من حين إلى آخر؛ فهم ليسوا دائمين لك، ورؤيتهم تعني لهم أكثر ممَّا تعتقد.




مقالات مرتبطة