تهميش المواهب تحت وطأة ثقافة الخوف

قبل بضع سنوات، عُيِّنتُ في منصبٍ تنفيذي في إحدى مؤسسات الرعاية الصحية، وقد اقتُرح عليَّ بإلحاحٍ أن أتخلص من موظفة تعمل تحت إمرتي - سأطلق عليها اسم "غريس" (Grace)؛ إذ كان يُنظَر إليها عموماً على أنَّها تمثِّل مشكلة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "ريتش ك. إيتش" (RITCH K. EICH)، والذي يُحدِّثنا فيه عن ثقافة الخوف التي تؤدي إلى تهميش المواهب.

عندما راجعتُ ملفات "غريس" وقابلتها شخصياً، شعرت بالحيرة؛ فقد كانت حسنة الكلام، وقدَّمَت نفسها تقديماً لا تشوبه شائبة. كانت قد حصَلت على شهادةٍ جامعيةٍ من جامعةٍ مرموقةٍ، وكانت على درايةٍ بقضايا المجتمع المتعلقة بوظيفتها؛ وقد كان أداؤها ضمن وظيفتها غير قابلٍ للتشكيك مطلقاً.

ربما يكون الأمر الأكثر إثارةً للحيرة هو أنَّ "غريس" عملت في مجالس عدة، وكوَّنت علاقاتٍ جيدةً مع شخصيات مؤثرة عدة في المدينة، ويُفترض أنَّها تمثِّل أهم المقومات الأساسية بالنسبة إلى شركةٍ مبنيةٍ على أساس مجتمعيٍّ. ومع ذلك، فقد همَّشوها؛ حيث استُبعِدَت بالتدريج من المشاريع واللجان؛ مع أنَّ مواهبها تمثل إضافةً هامة. ولم يُقدَّر علمها أبداً، ولم تُمنح أي فرصة للتقدم. ووُضِع مكتبها في مكانٍ لا يمكنها فيه التحدث إلى الآخرين بسريةٍ كما يقتضي العمل في منصبها، وهذا ما أجبرها على عقد اجتماعات شخصية عدة خارج موقع العمل. لقد كانت مهنياً في موضعٍ أشبه بالمقبرة.

كان اللغز "لماذا؟". لماذا هُمِّشت "غريس" التي كانت هي امرأة من ذوات البشرة الملونة؟ من المحتمل أنَّ أياً منهما - أو كليهما - كان من الممكن أن يؤدي دوراً في القضية.

لقد كانت أيضاً شخصاً يُبدي رأيه، الذي ربما وجده بعضهم أمراً صعباً، لكن عندما استكشفتُ الموقف بشموليةٍ أكبر، أصبحتُ مقتنعاً بأنَّ السبب الحقيقي لهذه المعاملة هو عدُّها تمثِّل تهديداً.

يمكن أن نقول إنَّ "غريس" كانت "نجمة"، ولم يَرُق ذلك للآخرين، وهذه المشكلة شائعة جداً في المنظمات؛ فلماذا تخنق الإدارة المواهب التي يمكن أن تكون مفيدةً بكل وضوحٍ للشركة؟

ربما يكون الخوف هو السبب الرئيس؛ إذ يخشى المديرون من أن يتفوَّق عليهم أحد، أو حتى أن تُستبدَل المواهب اللامعة بهم. إنَّهم يخشَون الظهور بمظهر سيئٍ بالمقارنة مع موظفيهم. وكلما زاد مستوى الخوف الذي يتغلغل في المنظمة - الخوف من الاستبدال، والانتقاد، وفقدان الوظيفة - يصبح الناس أكثر حمايةً لأنفسهم، ويزداد احتمال رؤيتهم للآخرين على أنَّهم تهديدات.

إذا كان الخوف يؤثر في عملية صنع القرار في فريق الإدارة لديك، فلديك مشكلة تنظيمية. إنَّ السماح بتهميش الموهبة - بسبب الخوف - يعني قص أجنحة المنظمة بدلاً من السماح لها بالتحليق.

تكاليف الخوف:

إنَّ تكلفة تهميش الموظفين الموهوبين تُعَدُّ باهظة؛ بادئ ذي بدء، سيكون هنالك تكلفة الفرص البديلة. على سبيل المثال، مثَّلت "غريس" منجم ذهب حقيقي لإمكاناتٍ غير مستغلةٍ لشركتها. ثم إنَّ هناك مشكلة تتمثل بأنَّه عندما يُهمَّش الأشخاص، ينخفض وينعدم تفاعلهم واندماجهم. وقد نُشِرَت الكثير من الأبحاث في السنوات الأخيرة عن التكاليف المرتفعة للتوقف عن التفاعل ضمن مكان العمل؛ لكن لن أكررها هنا.

يمكن أن يصبح الأشخاص غير المستغَلين استغلالاً كافياً مدمِّرين تماماً لثقافة المنظمة وأهدافها، فتميل الطاقة الإبداعية غير المستغلَّة إلى الاتجاه إلى مناحٍ سلبية.

وعلى العكس من ذلك، فإنَّ الشركة التي تمكِّن مواهبها وتزيد منها تعمل بقدرةٍ فائقة وتتمكن من تحقيق أشياء مذهلة بميزانياتٍ متواضعة. يُعَدُّ فريق "نيو إنغلاند باتريوتس" (New England Patriots) مثالاً رائعاً عن ذلك.

في كل عام، يبدأ الفريق بالميزانية المحددة للراتب نفسها مثل أيِّ فريق آخر؛ لكنَّهم بعد ذلك يحلِّلون مواهب كل لاعبٍ بعنايةٍ، ويصممون تخطيطهم للعبة، وتدريبهم، وكتيِّب اللعب لتحقيق أقصى استفادة من أكبر عددٍ ممكنٍ من هذه المواهب؛ حتى لو كان ذلك يعني استعمال اللاعبين استعمالاً غير تقليدي. لقد كانت النتيجة تحقيقهم لسلسلة انتصاراتٍ غير مسبوقة استمرت 20 عاماً.

إذا استُعمِل الخوف بوصفه أداةً تحفيزية في شركتك، فمن المحتمل أن تُهمَّش بعض المواهب لديك. والمديرون الذين يشعرون أنَّه يجب عليهم إثبات جدارتهم باستمرار خوفاً من العواقب السلبية، يصبحون مدفوعين بالمصلحة الذاتية بدلاً من مساعدة الشركة على التفوق ككل. وهم بطبيعة الحال ينظرون إلى أي شخص قد يتفوق عليهم على أنَّه منافس.

إقرأ أيضاً: كيفية التعامل مع التمييز على أساس العمر في مكان العمل

إنهاء ثقافة الخوف:

هناك نصائح عدة يمكنك اتباعها بصفتك قائداً لإزالة الخوف من مؤسستك:

1. ابدأ ببناء ثقافة التعزيز الإيجابي وليس السلبي:

ابتكِر حوافز تحثُّ المديرين والموظفين على المشاركة الملموسة في نجاح الشركة ككل، وأكِّد على أنَّ الطريق إلى نجاح الشركة هو العمل بوصفكم فريقاً موحداً يسير فيه الجميع في الاتجاه نفسه، وأنَّ الطريقة لبناء فريقٍ رابحٍ تتم من خلال تعظيم وتمكين مواهب الجميع، وليس بتهميشها.

2. كافئ المديرين عندما يدفعون بالمواهب قدماً:

خصِّص بعض الوقت في اجتماعات الإدارة الأسبوعية أو الشهرية لتشجيع وتحفيز المديرين على التحدُّث مع أعضاء فريقهم الموهوبين، واطرحوا الأفكار - بوصفكم فريقاً إدارياً - عن أفضل طريقةٍ لاستعمال تلك المواهب داخل الشركة، وضع في حسبانك استعمال المواهب بطرائق تشاركيةٍ بين الأقسام.

إقرأ أيضاً: المنافسة في العمل: أنواعها، وأشكالها، وإيجابياتها وبعض سلبياتها

3. أنشئ اتصالاً مباشراً مع الموظفين:

شجِّع الناس على الاقتراب من الإدارة العليا مباشرةً إذا شعروا أنَّهم لا يبرزون مواهبهم في العمل كاملاً كما يجب، ووفِّر الآليات التي يمكن للموظفين من خلالها إظهار مواهبهم المخفية أو مواهب زملائهم في العمل.

شاهد بالفيديو: 7 نصائح لتستطيع التركيز في بيئة عمل سامة

4. كافئ على خوض المخاطرات وتحمَّل وقوع الفشل:

احتفِ بالمبادرات الإبداعية داخل الفِرق، لا سيما تلك التي تستفيد من مواهب أعضاء الفريق بطرائق جديدة. وضِّح أنَّه لن يُعاقَب على الفشل؛ بل سيُستعمَل بوصفه آليةٍ إرشادية، وأبعِد التركيز عن منحى: "إذا أفسدتَ الأمر، فسوف تُعاقب"، ووجهه بقولك: "نحن ندعمك في تجربة أشياء جديدةٍ مع فريقك. أبهرنا بما لديك".

عندما تُهمَّش الموهبة يخسر الجميع؛ وعندما تُعظَّم يفوزون جميعهم. إنَّها وظيفتك بصفك قائداً أن توصل هذه الرسالة إلى جميع أفراد مؤسستك على اختلاف أدوارهم الوظيفية.

المصدر: 1




مقالات مرتبطة