تعزيز الإحساس بالرضى: كيف نتوقف عن مقارنة حياتنا بحياة الآخرين؟

عندما ننظر إلى الآخرين فإنَّ أول ما نفعله هو أنَّنا نراهم مثلما تُصوِّرهم لنا عقولنا، لا مثلما تكون صورتهم على أرض الواقع، ثم نقارن حياتهم بحياتنا ونتحسَّر على عجزنا عن الارتقاء إلى مستواها.



وحينما نرى أشخاصاً "مؤثرين" على "إنستغرام" (Instagram) يبلغ عدد متابعيهم مليون شخص، نستخف بعدد أصدقائنا القليل؛ وحينما نتابع برامج التلفاز التي تصوِّر حياة المشاهير الأغنياء، نتساءل كيف لهم أن يمتلكوا منازل تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، بينما نحن لا تبلغ مساحة منازلنا سوى بضعة أمتار؛ وحينما نتابع حياة المشاهير نتعجَّب من مستوى الشهرة الذي بلغوه بينما نحن نعاني الأمرَّين قبل أن نجد شخصاً يقدِّرنا، هذا إن وجدناه أساساً.

ومع ذلك، فإنَّ هذه الأشياء لا تتعلق بكيفية تقدير الآخرين لحياتهم، ولكنَّها هي الطريقة التي نحن نريد أن نقدِّر بها حياتنا؛ وهذا يعني أنَّه عندما ننظر بنظرة حسد إلى حياة شخص آخر، فمن المحتمل أنَّه ينظر إلينا بنفس الطريقة.

ترادف الرغبات:

إنَّ ترادف الرغبات هو تحيُّز للتصورات، فنحن نُسقِط تصوراتنا على الآخرين ونفترض أنَّهم يريدون نفس الشيء الذي نريده نحن؛ لذلك إذا كنتَ مُمثِّلاً طموحاً ومحاطاً بعائلة محبة، فأنت بنظرك تظن أنَّ آخر ممثلة فازت بجائزة الأوسكار قد تكون حياتها مثالية.

لكن ماذا لو كانت حياتها المنزلية غير مُستقرة ويائِسة؟ ربما قد اختارت مهنة التمثيل للهروب من مشكلاتها العائلية، ومن الممكن أيضاً أن تكون أنت بنظرها شخصاً يتمتع بحياة مثالية، وهذا غريب أليس كذلك؟

يوجد بعض المشاهير الذين ينظُر إليهم الناس على أنَّهم عباقرة وأنَّهم قد حققوا نجاحاً هائلاً في مجالٍ معيَّن، بينما في الواقع، قد يكون هؤلاء المشاهير ينظرون إلى أنفسهم على أنَّهم فاشلون؛ وذلك بسبب فشلهم في مجالات أخرى لا نملك عنها أدنى فكرة.

يجب ألَّا نحكم على الأشخاص الذين لم نقابلهم قط، فظاهريَّاً من الممكن أن تبدو حياتهم مثالية جداً، بينما قد تكون في الواقع أبعد ما يكون عن المثالية، وربما قد يعانون في جانب معيَّن من حياتهم الشخصية من أمورٍ خفيَّة لا نعلم بها.

إقرأ أيضاً: حرر عقلك من الرغبة في التحكم بتصرفات الآخرين

تغيير طريقة تفكيرنا في حياة الآخرين:

نحن نحتاج إلى التوقُّف عن النظر إلى الأشخاص الآخرين وإسقاط رغباتنا لتتجلى في حياتهم، فنحن لا نملك أدنى فكرة عما يفكرون فيه وكيف يقيِّمون حياتهم، فهُم يملكون وجهات نظرهم ونحن لنا وجهات نظرنا، وإذا رأينا حياتهم من وجهة نظرنا، سرعان ما قلَّلنا قيمة حياتنا.

كم منَّا لديه صديق يجني مالاً أكثر منا؟ ومع ذلك، كم مرة يتحدث نفس الصديق عن جانب من حياتك المهنية بحسد شديد؟ ربما قد تكون تتمتع بالحرية أكثر منه، وقد يكون هذا الصديق يجني راتباً أكبر، لكن بأي ثمن؟ إنَّنا لا نعرف كيف هي حياته في الواقع لأنَّنا لا نعيشها، ونحن ننظر فقط إلى فوائد الراتب الذي نريده وليس عيوبه؛ أي إلى الأمور السطحية فقط.

إنَّ حياة الآخرين تبدو لنا دائماً بأنَّها أفضل من حياتنا، وفي هذه الحالة يصبح من المستحيل رؤية حياتنا بأنَّها أفضل بأي شكل من الأشكال؛ إنَّها وظيفة من وظائف التفكير البشري - على ما أظن - فنحن نبحث باستمرار عن كيفية تحسين حياتنا، وليس عن الجوانب الإيجابية فيها، ومن ثم نحن لا نرى سوى الأشياء التي يقوم بها الآخرون بطريقة أفضل منا، ونستخدم وجهات نظرنا لنقلِّل من قيمتنا الخاصة ونبالغ في تقدير حياة الآخرين.

لذا من أجل مكافحة هذا الأمر، علينا التوقُّف عن إسقاط رغباتنا على حياة الآخرين، وعلينا أن نسعى جاهدين إلى تغيير طريقة تفكيرنا ونحاول أن نرى الآخرين كما يرون أنفسهم، وعندئذٍ سوف نحصل على صورة حقيقية عن نجاح الشخص وقيمة حياته الخاصة؛ وذلك لأنَّ القيمة مشتقة من الذات، فلا يهُم عدد الأشخاص الذين يقولون لك إنَّ حياتك رائعة؛ بل ينبغي عليك أن تصدِّق بنفسك أولاً بأنَّها رائعة؛ وذلك من أجل أن يكون هذا الأمر حقيقياً.

شاهد بالفديو: 7 طرق تمنع بها نفسك من الإفراط في التفكير

الناس يريدون ما تملك:

من الضروري أن تُحدِّد ماهيَّة هذه الأشياء التي يحسدك الناس عليها ويرغبون في الحصول عليها أيضاً، فإذا كنتَ تظن أنَّ حياتك المهنية مُعيبة، فربما قد تكون تتمتع بحياة شخصية رائعة، وإذا كانت حياتك الشخصية فارغة، فربما قد تكون ناجحاً في حياتك المهنية.

الحياة عبارة عن تطوُّر مستمر ولن نكون راضين عنها بنسبة 100%، وعلى الرغم من ذلك، يوجد العديد من الجوانب المذهلة في حياتنا، ولكنَّنا لا نفكر فيها ونوجِّه تركيزنا إلى الأشياء التي لا نملكها.

لكي نساعد أنفسنا، يجب أن نكفَّ عن مقارنة أنفسنا بالآخرين، فنحن لا نعرفهم على الإطلاق، ونحن لسنا بداخلهم، وليست لدينا أدنى فكرة عن مدى سعادتهم في الواقع.

وهنا تكمن المشكلة؛ فالمغزى هو تحقيق السعادة، وللوهلة الأولى، قد تظن أنَّك ستكون أكثر سعادة وأفضل حالاً إذا زاد عدد متابعيك على إنستغرام بضعة آلاف شخص، أو ستكون أكثر سعادةً إذا أصبحتَ مشهوراً في مجالٍ معيَّن، لكن ليست لديك أدنى فكرة عما إذا كان هذا الأمر صحيحاً أم لا، فكل ما تفعله هو الحكم على الأشخاص الآخرين، والمقارنة بين حياتك وحياتهم والافتراض بأنَّ حياتهم أفضل، ولكنَّ ذلك الشخص الذي تحسده على حياته، يبادلك على الأرجح الشعور نفسه تماماً.

إقرأ أيضاً: كيف تستخدم قوة القبول لتعزيز الرضى عن الحياة؟

الخلاصة

في المرة القادمة التي تتمنى فيها أن تكون حياتك أشبه بحياة شخص آخر، تخيَّل أنَّه ينظر إليك بنفس الرغبة؛ لأنَّه كذلك على الأرجح.

المصدر




مقالات مرتبطة