تحليل القدرات الأساسية: بناء ميّزة تنافسية دائمة

تُعَدّ فكرة القدرات الأساسية إحدى أفكار العمل الأكثر أهمية والتي تُحدّد شكل عالمنا في الوقت الحالي، إنَّها إحدى الأفكار الأساسية التي تقف خلف الموجة الحالية من الاستعانة بالمصادر الخارجية حيث تركز الشركات جهودها على الأشياء التي تجيد القيام بها وتستعين على أكبر قدرٍ ممكن من الأشياء الأخرى بمصادر خارجية.



سنوضح في مقالتنا هذه فكرة "القدرات الأساسية" وسنساعدك على استخدامها على المستويَيْن التنظيمي والشخصي. وسنبيِّن لك من خلال ذلك كيف يكون في إمكانك التقدم على منافسيك والحفاظ على تقدمك. حيث ستحقق من خلال استخدام هذه الفكرة أقصى استفادةٍ من الفرص المتاحة لك:

  • فستركز جهودك على تطوير مستوىً فريدٍ من الخبرة في المجالات ذات الأهمية الحقيقية بالنسبة إلى زبائنك، وستجني نتيجةً لذلك الثمار التي تترافق والحصول على الخبرة.
  • وستتعلم تطوير المهارات التي لديك بطريقةٍ تتكامل فيها هذه المهارات مع القدرات الأساسية لشركتك. فستحظى من خلال تطوير أبرز المهارات والإمكانات التي تحظى بتقدير شركتك بالاحترام وستصل إلى تحقيق التقدم المهني الذي ترغب فيه.

توضيح القدرات الأساسية: قيمة التفرُّد

إنَّ نقطة الانطلاق نحو فهم القدرات الأساسية هي فهم حاجة الشركات إلى شيءٍ يحظى بتقديرٍ فريدٍ من نوعه من قِبَل الزبائن إذا ما كانت ترغب هذه الشركات في تحقيق أرباحٍ جيدة. فالشركات التقليدية (التي لا تمتلك شيئاً فريداً يميزها عن منافسيها) يكون مصيرها المنافسة على صعيد السعر، والشيء الوحيد الذي يمكنها القيام به لجعل أنفسها من ضمن أبرز الخيارات لدى الزبائن هو تخفيض الأسعار. وعندما تقوم الشركات التقليدية الأخرى بالشيء نفسه فإنَّ هامش ربحها يصبح أصغر فأصغر. لهذا السبب نجد هذا الاهتمام ببناء والترويج لها في مجال العمل. ولذلك إذا كنت قادراً على تقديم شيءٍ جيدٍ وفريدٍ من نوعه فإنَّ الزبائن سيتجهون نحو اختيار منتجاتك وستكون لديهم الرغبة في دفع المزيد من المال من أجل الحصول عليها.


اقرأ أيضاً:
5 نصائح مهمة لتساهم في نجاح شركتك


ولكن السؤال هنا هو من أين يأتي هذا التفرُّد وكيف يمكن الحفاظ عليه؟

يقول "س. ك. براهالاد" (C.K.Prahalad) و"جاري هاميل" (Gary Hamel) في مقالتهما التي نشراها في العام 1990 والتي تحمل عنوان "القدرة الأساسية للمؤسسة" (The Core Competence of the Corporation) إنَّ القدرات الأساسية هي بعضٌ من أبرز مصادر التفرُّد: وهي الأشياء التي تتفرد الشركة في إتقانها والتي لا يمكن لأحدٍ آخر استنساخها بسرعةٍ تكفي للتأثير في المنافسة. استخدم "براهالاد" و"هاميل" أمثلةً عن مؤسساتٍ كُبرى كانت بطيئة النمو وأخفقت في التعرف على نقاط قوتها واستغلالها لذا فقد أصبحت منسيةً في الوقت الحاضر. ووازنوا بينها وبين المؤسسات ذات الأداء المتميز والتي كانت موجودةً في ثمانينيات القرن الماضي (مثل "نيك" (NEC)، و"كانون" (Canon)، و"هوندا" (Honda)) والتي كانت تعرف بوضوح الأشياء التي تتميز بها وتنمو بشكلٍ سريع. ولأنَّ هذه الشركات كانت تركز اهتمامها على قدراتها الأساسية، وتعمل بشكلٍ مستمر على بناء هذه القدرات وتعزيزها، فإنَّ منتجاتها كانت أكثر تطوراً من منتجات منافساتها، وكان الزبائن مستعدين لدفع مزيدٍ من المال في سبيل الحصول عليها. وبينما ابتعدوا في تركيز جهودهم عن المجالات التي كانوا ضعيفين فيها وركزوا اهتمامهم بشكلٍ أكبر على المجالات التي يمتلكون القوة فيها فأصبحت منتجاتهم يوماً بعد يوم المنتجات الرائدة في السوق.

لقد أصبحت ترى الآن على الأرجح أنَّ فكرة "القدرات الأساسية" فكرةٌ جميلة، ومن السهل غالباً التفكير في مجموعة واسعة من الأشياء التي تجيد الشركة القيام بها. بيد أنَّ "هاميل" و"براهالاد" قدما ثلاثة اختبارات للتأكد من كون أي شيء تختاره كفاءةً أساسيةً حقيقيةً أم لا:

  1. الارتباط: يجب أن تمنح الكفاءة الأساسية الزبون شيئاً مرتبطاً به، ويؤثر فيه تأثيراً قويَّاً، ويدفعه إلى اختيار منتجك أو خدمتك. فإذا لم يكن كذلك فإنَّه لن يؤثر في موقعك التنافسي ولا يُعَدُّ ميزةً تنافسية.
  2. صعوبة التقليد: يجب أن يكون من الصعب تقليد الكفاءة الأساسية ممَّا يتيح لك تقديم منتجاتٍ أفضل من منتجات منافسيك. ولأنَّك تعمل بشكلٍ مستمر على تحسين هذه الكفاءات فهذا يعني أنَّه سيكون في إمكانك الحفاظ على موقعها التنافسي.
  3. اتّساع نطاق التطبيق: يجب لهذه الميزة أن تفتح أمامك أبواب عددٍ جيدٍ من الأسواق المحتملة. فإذا كانت لا تفتح أمامك سوى أبواب عددٍ محدود من الأسواق الضيقة فإنَّ النجاح في هذه الأسواق لن يكون كافياً للحفاظ على مستوىً كبير من النمو.

قد تظنُّ على سبيل المثال أنَّ امتلاك معرفةٍ واسعةً وخبرةً في مجال العمل هو أحد القدرات الأساسية في مجال عملك، بيد أنَّه إذا كان منافسوك يمتلكون القدر نفسه من الخبرة فهذا يعني أنَّ ذلك ليس من القدرات الأساسية. وكل ما تقوم به هذه الميزة هو جعل الدخول إلى السوق أكثر صعوبةً بالنسبة إلى المنافسين الجدد. كما أنَّ هذه المعرفة وتلك الخبرة لن يساعدانك على الأرجح على الدخول إلى أسواقٍ جديدة قد سبقك غيرك إلى بناء خبرةٍ فيها.

اقرأ أيضاً: 8 أخطاء تقضي على الشركات الناشئة

استخدام "القدرات الأساسية" في عملك ومهنتك:

استخدم الخطوات الآتية لتحديد قدراتك الأساسية:

  1. فكّر في العوامل المهمة بالنسبة إلى عملاءك. فإذا كنت تقوم بذلك نيابةً عن شركتك فحدّد العوامل التي تؤثر في اتخاذ الأشخاص للقرار عندما يشترون منتجاتٍ أو خدمات كالمنتجات أو الخدمات التي تقدمها (تأكد من أن تنظر إلى ما هو أبعد من ميزات المنتج أو الخدمة نحو جميع النقاط التي تساهم في اتخاذ قرار الشراء). أما إذا كنت تقوم بذلك من أجل نفسك ففكر في العوامل (على سبيل المثال) التي يستخدمها الأشخاص في تقويمك في أثناء المراجعات السنوية للأداء، أو الترقية، أو الأدوار الجديدة التي ترغب في أدائها. ومن ثمَّ تعمق في بحث هذه العوامل وحدد القدرات التي من الممكن أن تدعم هذه العوامل. ففيما يخص الشركات مثلاً إذا كان الزبائن يفضلون الأجهزة الصغيرة (الهواتف النقالة على سبيل المثال) فإنَّ الكفاءة التي يفضلونها قد تكون "دمج المكونات وتصغيرها".
  2. فكر في قدراتك الحالية والأشياء التي تجيد القيام بها.
  3. قُم بفرز قدراتك وفقاً لاختبارات الارتباط، وصعوبة التقليد، واتساع نطاق التطبيق وانظر إذا ما كانت أي من القدرات التي دونتها قدرة أساسية.
  4. قُم بفرز قائمة العوامل التي تُعَدُّ مهمةً بالنسبة إلى العملاء باستخدام هذه الاختبارات لتعرف إذا ما كان في استطاعتك تطويرها بصفتها قدرات أساسية.
  5. راجع القائمتين اللتين قمت بفرزهما وفكر فيهما:
  • إذا حدّدت إحدى القدرات الأساسية التي تمتلكها بالفعل فهذا رائع. اهتم بها وتأكد من تعزيزها بشكلٍ معقولٍ قدر الإمكان.
  • إذا لم يكن لديك قدرات أساسية فابحث عن قدراتٍ تستطيع تطويرها واعمل على تدعيمها.
  • إذا لم يكن لديك قدرات أساسية ولم يكن يبدو أنَّ في استطاعتك بناء أية كفاءات يمكن أن تحظى بتقدير الزبائن، فأمامك خياران إمَّا أن يكون ثمَّة شيءٌ آخر يمكنك استخدامه لبناء التفرُّد في السوق (اقرأ مقالتنا حول )، وإمَّا أن تفكر في البحث عن بيئةٍ جديدة تناسب كفاءاتك.
  1. فكّر في الأشياء التي تستهلك القدر الأكبر من وقتك ومالك والتي تقوم بها إما كفرد أو في إطار الشركة. فإذا لم يشكل أيٌّ منها جزءاً من قدراتك الأساسية فاسأل نفسك إذا ما كان في إمكانك الاستعانة فيها بمصادر خارجية بشكلٍ فعال ومن ثمَّ إفساح المجال لكي تتمكن من تركيز انتباهك على القدرات الأساسية. فعلى المستوى الفردي على سبيل المثال هل ما زلت تقوم بنفسك بأعمال التنظيف، والكيّ، والترتيب؟ وعلى مستوى شركةٍ صغيرة هل تنظم حساباتك، وأعمال قسم الموارد البشرية، والرواتب بنفسك؟ وعلى مستوى شركةٍ أكبر هل تقوم بتصنيع مكونات المنتجات غير الأساسية أو هل تقوم بتأدية أية أنشطة غير أساسية؟

النصيحة الأولى:

كما في كل عمليات التفكير ستحصل على نتائج أفضل إذا أشركت معك أشخاصاً آخرين (تختارهم بعناية).

النصيحة الثانية:

على المستوى الشخصي وعلى المدى القصير قد يكون من الصعب الوصول إلى قدرات أساسية فريدةٍ من نوعها بشكلٍ حقيقي. ولكن أبقِ هذه الفكرة في رأسك واعمل على تطوير قدرات أساسية فريدة من نوعها.

النصيحة الثالثة:

قد تجد نوعاً من الصعوبة في إيجاد قدرات أساسية حقيقية في عملك. فإذا كان عملك ناجحاً وكان أداؤك يفوق بشكلٍ دائم من حيث الجودة أداء المنافسين فربما ثمَّة شيءٌ آخر هو الذي يعزز نجاحك (قد تساعدك مقالتنا حول على اكتشافه). ولكن إذا كنت على الرغم من عملك بجد ما تزال تجد صعوبة في تحقيق الربح فأنت تحتاج إلى التفكير مليَّاً في بناء وضعٍ تنافسيٍّ فريد. قد يتضمن هذا تطوير قدرات أساسية مرتبطة بعملك، وواقعية، ومستديمة.

النصيحة الرابعة:

كما هو الوضع دائماً، إذا كنت تنوي بذل مزيدٍ من الجهد في بعض المجالات فإنَّك بذلك ستقلل من الجهد المبذول في مجالاتٍ أخرى. فليس لديك سوى قدرٍ محدودٍ من الوقت وإذا حاولت أن تقوم فيه بالعديد من الأشياء فإنَّ ذلك سيكون على حساب أشياءٍ أخرى كذلك.

المصدر




مقالات مرتبطة