تأثير القلق والتوتر على القلب لدى الرجال متوسطي العمر

تشير الأبحاث إلى أنَّ الفحوصات الدورية للاطمئنان على الصحة النفسية، قد تقي من الإصابة بالأمراض القلبية الاستقلابية، وتظهر الأبحاث الحديثة أنَّ مشاعر القلق والضيق تزيد من خطر إصابة الإنسان بالأمراض القلبية والسكتات الدماغية والداء السكري من النمط الثاني لاحقاً في الحياة.



وقد أشارت دراسة منشورة في مجلة جمعية القلب الأمريكية (Journal of the American Heart Association) إلى ارتفاع خطورة إصابة الرجال في منتصف العمر، ممَّن ذكروا معاناتهم من كثيرٍ من مشاعر القلق أو الإرهاق، بالأمراض القلبية الاستقلابية عند التقدُّم في السن.

تقول الدكتورة "ليفينا لي" (Lewina Lee)، المُعِدَّة الرئيسة للدراسة السابقة وأستاذة مساعدة في الطب النفسي في كلية الطب في جامعة "بوسطن" (Boston University School of Medicine)، والباحثة المتخصصة بعلم النفس السريري في المركز الوطني لمعالجة اضطراب ما بعد الصدمة في مكتب الولايات المتحدة المعني بشؤون المحاربين القدماء (U.S. Department of Veterans Affairs): "في حين كان المشاركون في الدراسة من الرجال البيض بصورة رئيسة، تشير نتائج الدراسة إلى ارتباط المستويات الزائدة من القلق والضيق لدى الرجال بعدَّة عمليات حيوية داخل الجسم تؤدي إلى أمراض القلب والمشكلات الاستقلابية، وقد تنشأ هذه الارتباطات في أعمار مبكِّرة أكثر ممَّا هو متعارف عليه، وربَّما منذ مرحلة الطفولة أو الشباب".

قلق مفيدٌ ما لم يتعارض مع أداء الأعمال اليومية:

استخدم الباحثون المعلومات من دراسة التقدُّم المعياري في السن، لاكتشاف العلاقة ما بين القلق وعوامل الخطورة للإصابة بالأمراض القلبية بمرور الوقت، وهي دراسة مطوَّلةً لعمليات الشيخوخة التي تحدث عند الرجال، وقد شارك فيها 1,571 رجلاً وكان 97% منهم من البيض وبعمر 53 سنة وسطياً.

لم يكن أيٌّ من الرجال المشاركين في الدراسة حينها مصاباً بالسرطان أو بالأمراض القلبية؛ إذ كانوا يخضعون للفحوصات الجسدية ويجرون الفحوصات الدموية كل 3-5 سنوات إلى حين وفاتهم أو انسحابهم من الدراسة، كما أكمل كلٌّ منهم إحصائيةً للشخصية درست مستوى العُصابية لديهم على مقياس من 0 وحتى 9، واستخدموا أداة تقييمٍ للقلق تضمَّنت 20 عنصراً.

لا تُعَد العُصابية والقلق شيئاً واحداً وفقاً للباحثين؛ إذ إنَّ العُصابية سمة شخصية يتميَّز أصحابها بالميل إلى تفسير المواقف على أنَّها خطرة أو مرهقة، وتشرح الدكتورة "لي" عنها قائلةً: "يميل الأشخاص الذين يعانون من مستويات عالية من العُصابية إلى الشعور بالمشاعر السلبية كالخوف والقلق والحزن والغضب بصورة أقوى وبتواتر أكبر".

تضيف الدكتورة "لي": "يدلُّ القلق على محاولاتنا لحل المشكلات بخصوص قضية ما لسنا متأكدين من نتائجها المستقبلية، والتي ربَّما تكون إيجابية أو سلبية، ومن ثم لا يُعَد القلق إذاً سيئاً دوماً؛ إذ يمكن أن يفيدنا بالواقع حين يقودنا للتوصُّل إلى حلول بنَّاءة، إلا أنَّه يمكن أن يصبح ضاراً بالصحة، خصوصاً حين نفقد السيطرة على أنفسنا ولا نتمكن من التوقف عن الشعور به، ممَّا يعوق إنجاز أعمالنا اليومية".

لقد لاحظ الباحثون خلال فترة المتابعة في الدراسة السابقة، والتي استمرَّت 40 عاماً، ارتفاعاً في مستويات سبعة عوامل خطورة تؤدي بشكلٍ رئيس إلى الإصابة بالأمراض القلبية الاستقلابية، والتي تضمَّنت ضغط الدم الانقباضي والانبساطي، ومستوى الكوليسترول الكلِّي في الدم، والشحوم الثلاثية، ومؤشر كتلة الجسم - يُحسب بتقسيم الوزن مقدَّراً بالكيلوغرامات على مربع طول الجسم مقدَّراً بالأمتار، ويُستخدم بوصفه مؤشِّراً على الإصابة بالبدانة أو الوزن المنخفض حسب قيمته - وسكر الدم، ومعدل ترسيب الكريات الحمراء، وهو أحد المشعرات الدالة على الالتهاب في الجسم.

لقد كان لدى الرجال الذين عانوا من مستويات أعلى من القلق عند بداية الدراسة، احتماليةٌ أعلى بنسبة 10-13% لبلوغ قيم عالية لعوامل الخطورة القلبية الاستقلابية خلال فترة المتابعة؛ ذلك وفقاً للدكتورة "لي"، والتي تقول: "نجد لدى هؤلاء الرجال مخاطر أكبر في الإصابة بالأمراض القلبية الاستقلابية، تستمر منذ منتصف العمر وحتى الشيخوخة، أكثر ممَّا نجدها لدى الرجال الأقلَّ قلقاً؛ وهو ما يدعم وجود رابط بين القلق والخطورة المرتفعة للإصابة بأمراض القلب والسكري لدى الرجال".

شاهد بالفديو: 9 خطوات تساعدك على السيطرة على القلق

ترافُق القلق مع العادات غير الصحية لدى الرجال:

لاحظ الباحثون أنَّ الرجال الذين أبلغوا عن معاناتهم من مستويات عالية من القلق، كانوا أكثر ميلاً إلى التدخين واحتساء المشروبات الكحولية وعدم الانتظام في ممارسة التمارين الرياضية، ومع ذلك، بقي الرابط بين القلق والخطورة المرتفعة للإصابة بالأمراض القلبية الاستقلابية على حاله، رغم سيطرة الباحثين على تلك العوامل وغيرها من العوامل الاجتماعية والاقتصادية في حياة أولئك الرجال، ومن ضمنها الدخل المادي والتعليم.

تذكُر "لي" أنَّه من غير الواضح إلى أيِّ درجة يمكن تعميم نتائج هذه الدراسة التحليلية على عامة الناس؛ إذ إنَّ المشاركين فيها كانوا جميعاً من الذكور، وجميعهم من البيض تقريباً، فضلاً عن أنَّ نتائجها كانت محدودة بحقيقة أنَّ جميع المشاركين فيها كانوا في منتصف العمر عند بدايتها.

تضيف الدكتورة "لي" قائلةً: "سيكون من الهام للغاية أن تقيِّم الدراسات المستقبلية وجود روابط بين القلق والخطورة المرتفعة للإصابة بالأمراض القلبية الاستقلابية عند النساء، وكذلك الأشخاص الذين ينتمون إلى المجموعات الإثنية والعرقية المختلفة، وفي عيِّنات بشرية أكثر اختلافاً من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، ولدى أشخاصٍ أصغر سناً بكثير من المشاركين في دراستنا".

إقرأ أيضاً: 5 عادات سيئة يجب تجنبها في الصباح

تسلِّط المعطيات الضوء على أهمية دور الصحة النفسية في المحافظة على الصحة العامة إجمالاً:

تقول الدكتورة "لي": "إنَّ الاكتشافات من الدراسة السابقة، تؤكِّد من جديد على أهمية الكشف عن مشكلات الصحة النفسية التي يعاني منها الرجال كالقلق والتوتر مبكراً في بداية الثلاثينيات أو الأربعينيات من حياتهم".

قد لا يتحرى الأطباء عن أمراض القلب والسكَّري، أو قد لا يقدِّمون النصائح حول تخفيض مخاطر الإصابة بها حتى الأعمار المتقدمة أو حتى ظهور العلامات الأولى للمرض؛ غير أنَّ الاكتشافات من الدراسة السابقة، تشير إلى ارتباط القلق والتوتر بعمليات حيوية داخل الجسم، يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب قبل ظهور أيٍّ من أعراضها، وفقاً للدكتورة "لي"؛ لذلك يُعَد الكشف عن مشكلات الصحة النفسية واحدةً من طرائق منع حدوث الأمراض القلبية الاستقلابية، وتعزيز الصحة القلبية. وينبغي للناس أن يدركوا أنَّ المحافظة على سلامتهم النفسية، ربَّما تكون إحدى الطرائق التي يمكن من خلالها حماية الصحة القلبية الاستقلابية.

وتضيف "لي" قائلةً: "في أحيانٍ كثيرة، لا يعير الناس اهتماماً بصحتهم القلبية إلى أن تُشخَّص إصابتهم بأمراض القلب، وتدلُّ الاكتشافات من دراستنا على أهمية الانتباه للمؤشرات الخاصة بالصحة القلبية الاستقلابية كوزن الجسم وضغط الدم في أعمار مبكرة جداً؛ ممَّا يعود بفوائد طويلة الأجل، تتجلَّى بالوقاية من الإصابة بالسكري وأمراض القلب".

المصدر




مقالات مرتبطة