ما تزرعه اليوم تحصده غداً

تجارب الحياة هي جزء لا يتجزأ من رحلة كل شخص في الحياة، فنحن نواجه يومياً مواقف مختلفة ونتعرض لأحداث تترك لنا آثاراً في حياتنا. ومن الضروري أن نتعلم من تلك التجارب ونتذكر العِبَر التي تقدمها لنا. ومع ذلك، في بعض الأحيان يحدث ألا ندرك قيمة تلك التجارب في الوقت الذي نعيشها، ونكتشف ذلك فقط بعد فوات الأوان.

لكن، من الأهمية بمكان أن نتذكر أن نتعلم من تلك التجارب في الوقت المناسب وأن نتعظ منها على الفور. والعِبَر التي نتعلمها من تلك التجارب يمكن أن تكون قيِّمة جداً، فهي تساعدنا على التعامل مع مواقف مماثلة في المستقبل بشكل أفضل وأكثر نجاحاً. وعندما نتذكر تلك التجارب، فإننا نتمكن من تقييم خياراتنا في الماضي ونتعلم كيف نتفادى الأخطاء التي ارتكبناها من قبل.



بين الماضي والحاضر والبامبو رحلة بين (إسطنبول وبروكسل)

في كتاب "تجربتي لحياة أفضل" يقول المؤلِّف زياد ريس:

أقلعت الطائرة بينما كنت أشاهد مقطعاً لطيفاً يتحدَّث عن طبيعة نبات، لا أدري لماذا شعرت بمقاربة لرحلة مدَّتها قرابة ثلاث ساعات تمضي بسرعة بفترة عمريَّة لثلاثين عاماً، وجالت بي خواطر كثيرة أحببتُ أن أشارككم بعضها.

يا ترى كم من الناس (وأنا منهم) بعد أن تقدَّم العمر بهم يُراجعون أنفسهم والسلوكات التي كانوا عليها في أيام شبابهم حين كانوا في قُوَّتهم وجبروتهم، وكان الوقت والمال لديهم وأولادهم حولهم وهم يأمرون وينهون بهم، حين كانت لديهم السُّلطة والقرار، يقودون السَّيَّارة بأنفسهم ويجولون بها يميناً وشمالاً، أيام كانت صِحَّتهم في أحسن أحوالها قبل أن يبدأ عندهم تناول الأدوية اليوميَّة (الضَّغط، السُّكر، دواء سيولة الدم، وما إلى ذلك)، ويتابعون مواعيد الأطباء والتحاليل يوماً بعد يوم، حين كانوا يستطيعون أَكْل ما يريدون دون الحاجة لتَجنُّب هذا الصنف أو ذاك، كانت أسنانهم حينها بلا تركيب ولا زرع.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح لتعيش حياة مفعمة بالسعادة

كانوا يرون أنَّهم على حق وأصحاب الرَّأي السَّديد في معظم ما يفعلونه، والآخرون هم المخطئون دوماً، وبالطَّبع يبحثون دوماً عن كيفية زيادة دَخْلهم ومكانتهم وسُلطتهم، ولا يُقدِّرون قيمة الصِّحَّة والوقت والعائلة والأصدقاء كما ينبغي.

يا تُرَى في تلك الحقبة الزَّمنيَّة من عُمْر الإنسان: هل فكَّرا أو خَطر بباله أنَّهم سوف يحتاجون يوماً ما إلى مَن يجلس معهم، ويستمع إلى قصصهم وكلامهم الذي لا يَعْني شيئاً للآخرين، وأنَّهم سيحتاجون إلى 6-8 أنواع من الأدوية يوميَّاً لكي يُرَمِّمُوا ما عندهم من عِلَل، وأنَّهم يتطلَّعون بشَغَف ليحصلوا على خمس أو عشر دقائق من حفيدهم أو حفيدتهم يتركون فيها ما يَحْملون من جَوَّال أو (الآيباد) الذي بِيَدِهم ويستمعون ويُنْصِتُون لهم، وأنَّهم بحاجة إلى صديق يسردون له من قصص الزَّمان دون امتعاضٍ منه أو مللٍ، أو يَقبل أن يلعب معهم طاولة الزهر أو لعبة الشطرنج لبرهةٍ من الوقت ويتحدثون معاً عن ذِكْريات الماضي الجميل!

يا ترى هل حَدَّثوا أنفسهم في تلك الأيام أنَّهم سوف يكونون هم مَن سيحتاجون إلى الآخرين، وليس النقيض بكلِّ كبيرةٍ وصغيرةٍ، وأنَّهم سوف يحصدون ما زرعوا، وأنَّ الدُّنيا دَيْن ووفاء، والدَّيَّان - سبحانه وتعالى - لا يموت ولا يَنْسى.

قد تأتي هذه الحاجة للآخرين بشكلٍ مُتدَرِِّج وضِمْن إشارات تحذيريَّة متتالية، ولكن قد تأتي أيضاً ضِمْن ضربات مُستعجلة ومُفاجِئَة.

إقرأ أيضاً: غَيِّر تَتَغَيَّر

كم نحن نحتاج إلى ثقافة زراعة البامبو، فلا بُدَّ من وَضْع البذور ورعايتها بشكلٍ يوميٍّ لسنين طويلة دون كللٍ ولا مللٍ وهي تحت الأرض دون أن نَرى منها ومن ثَمرها شيئاً، إلى أن يأتي اليوم الذي يشبُّ فيه الزرع فجأةً خلال أيام وأسابيع قليلة عشرات الأمتار، حين نحتاج لكل شيءٍ من مُقوّمات الحياة، وبأقصى سرعةٍ مُمكنةٍ.

إقرأ أيضاً: ثقافة العطاء سرٌّ من أسرار بناء المجتمعات السليمة

كم هو هام للجيل الجديد أن يأخذ العِبْرَة ممَّن سبَقه، وأن يزرع البامبو ويصبر عليها ليراها يوماً ما في مستقبله القريب.

(هبطت الطائرة، ودمتم بسلامٍ)




مقالات مرتبطة