بناء مكان عمل أفضل من خلال الإنصات بفاعلية

فكِّر في كل المرات التي واجهت فيها مثل هذه السيناريوهات: تتحدث إلى شخص ما، وتشاركه أفكارك أو وجهة نظرك فيومِئ لك برأسه وأنت تتحدث مشيراً إلى أنَّه يصغي وينتبه إلى حديثك ومع ذلك، عندما يجيبك؛ يبدو من الواضح أنَّه ليس لديه أيَّة فكرة عما تتحدث عنه. وقد تسأل أحدهم "هل تعرف ما أعنيه؟" بعد شرح مطوَّل له عن أمرٍ ما، ويؤكِّد لك أنَّه كذلك، ومع ذلك أيضاً، عندما تسأله عما سمعه منك، فإنَّ ما يقدمه لك من تغذية راجعة لا يدلُّ على فهمه لما تقول.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن مدير ومؤسس موقع "هيومان ناتشور" (HumanNature@work) "ديفيد لي" (David Lee)، ويُخبِرُنا فيه عن أهمية الإنصات للآخرين في تحسين العلاقات في مكان العمل.

فقدان معلومات هامة:

تخيَّل كيف يبدو الأمر عند مشاركة فكرة ما في اجتماع، ثم يتحدث شخص آخر مباشرةً بعد انتهائك عن موضوع مختلف تماماً كما لو أنَّك لم تكن تتكلم؛ ربما تشعر بالانزعاج أو السخط، وربما تكون قد تلقَّيت أيضاً رسالة مفادها أنَّ ما تقوله لم يكن بتلك الأهمية.

إذاً عندما لا يُنصِت الناس لما يقوله الآخرون، فإنَّهم لا يظهرون فقط عدم أهمية الشخص الآخر بالنسبة إليهم؛ بل ربما تفوتهم أيضاً معلومات هامة يمكن أن تساعد على تعميق علاقاتهم وإثراء حياتهم.

عدم الإنصات "عملياً":

عملتُ منذ مدة مع مجموعة من المديرين في شركةٍ واحدة، وفي إحدى الندوات شاركَ أحد هؤلاء المديرين حادثةً وقعت بينه وبين أحد مرؤوسيه وشكَّك على إثرها في الطريقة التي تعامل بها مع الأمر، وقد انتابه ذاك الشعور المزعج بأنَّه كان في إمكانه الاستجابة بشكل أفضل، وعبَّر اثنان من زملائه الذين شهدوا الحادثة عن آرائهم فيما رأوه بوضوحٍ، وقالا إنَّهما يظنان أنَّه تصرَّف تصرفاً جيداً لأنَّ ذلك الشخص كان "يستحق ذلك"، بينما تجرَّأ شخص آخر شهد أيضاً تلك الحادثة وقال إنَّه كان مستاءً في أثناء مشاهدته للحدث، ولاحظ كيف قال زميله إنَّه تساءل عما إذا كان في إمكانه التعامل مع الأمر بشكلٍ أفضل، وسأله: "كيف تظن أنَّك ستتعامل مع الأمر معاملة مختلفة في المستقبل؟".

عدم الإصغاء لما يقوله الشخص الآخر:

لم تكن استجابة المدير في الرد على السؤال؛ بل كان مجرد تلخيص وإعادة لما قاله زميله، ثم تبع عدم إجابته بعض الأخذ والرد بين الرَّجلين.

لاحظتُ في نقاشهما أنَّ المدير لم يكن يبدو أنَّه يسمع ما كان زميله يطلبه، فقد أظهرَ نمطاً لاحظته كثيراً يحدث مع الأشخاص الذين يطلبون المساعدة لحل مشكلة ما وهو: عند تلقِّي التغذية الراجعة، يُعيد الشخص صياغة مشكلته فقط دون أيَّة إشارة إلى أنَّه سمع تلك التغذية الراجعة.

وبعد أن شعرتُ بحدوث هذا، سألته عما إذا كان يمكنه أن يشاركنا فهمه لرسالة زميله له، وكان جوابه: "لا يوجد شيء آخر يمكنني فعله".

تفاجأت بإجابته وصرخت فيه قائلاً: "هل هذا ما سمعته؟"، على الرغم من أنَّه ربما لم يكن الرد المثالي، إلَّا أنَّه كان حقيقياً، ولم أصدق ما كنت أسمعه.

وبعد أن فوجِئ بصدمتي قليلاً، تلعثم في سلسلة من الجمل التي نقلت بشكل أساسي الفكرة الأساسية: "حسناً، نعم"، ثم سألت المجموعة عما سمعوه، فأشار أحدهم على الفور إلى وجهتي النظر المختلفتين اللتين سمعهما.

إقرأ أيضاً: أنواع مهارات الإصغاء مع أمثلة عليها

لا تغيِّر الموضوع وأجِب عن سؤالي:

عندما فكرت في مثاله عن عدم سماع بعض التغذية الراجعة المفيدة، وجدت نفسي أتذكَّر مجموعة أُخرى عملت معها؛ إذ أجاب 2-3 أفراد بشكل متكرر عن أسئلتي بعباراتٍ لا علاقة لها بالسؤال؛ فأجابوا من خلال طرح قضية أخرى ليس لها صلة، كانت على ما يبدو تدور في أذهانهم.

وبعد المرة الثالثة التي حدث فيها ذلك، تذكرتُ شيئاً شاركه معي صديقي العزيز وزميلي "فران لياوت" (Fran Liautaud): نحن مدينون للمشاركين في الندوة بتوضيح السلوكات التي تؤدي إلى نتائج عكسية وكيف يمكن أن تكلفهم في حياتهم اليومية.

لذلك، عندما ظهرت الحالة الثالثة، طلبتُ من الشخص والمجموعة ككل أن يلاحظوا مدى تأثير "عدم الإنصات"، وطلبتُ منهم أن يلاحظوا أنَّ "الإجابات" عن أسئلتي لم تكن في الحقيقة إجابات عنها، ثم التفكير بوضع أنفسهم مكان الطرف المتلقي للسلوك "غير المستمع" وكيفية شعورهم بهذا الشعور.

وطلبت منهم أن يكونوا أكثر وعياً بالتفاعلات التي يواجهونها في الحياة اليومية، وأن يلاحظوا ما إذا كانوا يصغون.

هل أنت تصغي؟

جرِّب ما يأتي، ولاحظ ما إذا كنتَ تصغي أم لا:

  1. الانتباه جيداً في أثناء التفكير في أشياء أخرى.
  2. التخطيط لردك.
  3. الشعور بالحاجة المتزايدة إلى مشاركة شيء يدور في ذهنك، والانتظار بفارغ الصبر حتى ينتهوا وتتمكن من التحدُّث.

لاحظ أيضاً مدى قلة إصغاء شخص ما إليك، فكم هو نادر أن يركز شخص ما فيك تركيزاً كاملاً ويحاول بكل إخلاص فهم ما تقوله، ولاحظ في المقابل كم هو رائع عندما يمنحك شخص ما اهتمامه الكامل.

شاهد بالفديو: 8 نصائح لتطوير مهارة التواصل الفعّال

المزيد من الأمور التي يتعيَّن عليك ملاحظتها:

لاحِظ كم هو رائع عندما يسألك الشخص الآخر أسئلة ذات مغزى؛ أسئلة لا يمكن إلَّا أن يسألها شخص يستمع باهتمام، ولاحظ كم هو شعور رائع أيضاً عندما لا يحاول الشخص الآخر استعجالك في إنهاء ما تقوله لأنَّه يريد التحدث أو إلقاء نظرة على هاتفه، وبدلاً من ذلك يتيح لك أن تأخذ الوقت الذي تحتاج إليه لاستكشاف ومشاركته ما يدور في ذهنك.

لاحظ أيضاً مدى الاختلاف الذي تشعر به عندما يُسلِّطون الضوء على أهمية ما تقول، بدلاً من الرد بـ "نعم، أنا أعرف ما تقصده" ومشاركة تجاربهم الخاصة دون العودة إلى ما كنت تقوله.

عند ملاحظتك هذه الأشياء، ستجد أنَّ الاستماع هو موهبة نادرة ومميزة، لذا أعطِ موهبة الاستماع فرصة ولاحظ كيف يستجيب الآخرون.

المصدر




مقالات مرتبطة