بناء مجتمع حضاري

المجتمع الحضاري هو حالة متقدِّمة من المجتمع البشري الذي وصل إلى مستوى عالٍ في مجالات الصناعة والتجارة والزراعة والعلوم والثقافة والآداب والاقتصاد وتشريع القوانين وممارسة الحرية، والسؤال الأبرز الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل نحن العرب والمسلمون مؤهلون لإحداث نقلة نوعية، وبناء مجتمع حضاري؟



يقول الكاتب زياد ريس في كتابه "تجربتي لحياة أفضل": ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ الأديان تحمل الشَّيء العظيم من القِيَم والمبادئ، ولكنْ من الواضح أنَّ لتكريس وتفعيل هذه القِيَم والمبادئ في أي مجتمع نحتاج إلى استراتيجيَّة من الممارسة والتجربة وآليَّات تطبيقيَّة حقيقيَّة، ضمن منظومة عامَّة تعمل على جميع المستويات في المجتمع.

تبدأ أُولَى خطوات بناء مجتمع حضاري من الأعمار الأُولَى لأطفال المجتمع، على أن تكون غير محصورةٍ في التَّلقين والمادَّة الأكاديميَّة فحسب، وإنَّما تشمل المُمارَسة الحقيقيَّة في جميع نواحي الحياة، وضِمْن برنامج تعليمي تطبيقي حقيقي مع كل مرحلة من مراحل التَّدريس.

محاور بناء مجتمع حضاري:

المحور الأوَّل:

يتعلَّق بغرس الصِّفات الشَّخصيَّة من التَّحلِّي بالصِّدق والأمانة والشَّجاعة، والمُبادَرَة والإخلاص والمروءة، وكذلك فيما يخصُّ العلاقة بين الفرد والدِّين الذي يحمله والعبادات المُرتَبَطة به.

المحور الثَّاني:

يشمل التَّطبيقات والممارسات التي تخص العمل الجماعي والحياة المدنيَّة العامَّة، وما يتبعها من العيش المشترك والمصلحة العامَّة؛ بحيث يتم الحرص فيها على غَرْس مفاهيم هامَّة جداً في الطفل.

شاهد بالفيديو: أهمية التسامح للفرد والمجتمع

من أهم مُنطلَقات العيش المشترك:

  1. الحفاظ على الممتلكات العامَّة.
  2. حُسْن الجوار.
  3. الآداب العامَّة.
  4. احترام الآخرين، واحترام الكبير، والعطف على الصَّغير.
  5. مساعدة المحتاج والعاجز.
  6. احترام القوانين التي تُنظِّم الحياة العامَّة؛ مثل قوانين المرور، وغيرها.

إضافة إلى ذلك ينبغي توجيه النَّشء إلى الحرص على حُسْن استخدام الوسائل والمرافق العامَّة، واحترام حدود الحُرِّيَّة الشَّخصيَّة عندما تتعارض مع حُرِّيَّة الآخرين، فضلاً عن قَبُول الآخر وحُب الوطن، وحق المُواطَنَة، وقُدسية الحُرِّيَّة.

ممَّا سبق أعتقد أنَّه من الهام لمن هو مُهتم بالشَّأن العام، وخاصة في حقل العِلْم والتَّعليم، أن يبحث عن الطرائق التَّطبيقيَّة وآليَّاتها واستحضار الخبرة من تجارب الآخرين النَّاجحة، وذلك لغرس هذه المفاهيم وتكريسها وتطبيقها، وألَّا يكون موضوع التَّعليم محصوراً على المادَّة الأكاديميَّة البحتة حتى لو كانت تحتوي على التَّوجيهات والأفكار الأيديولوجيَّة.

أعتقد أنَّ التركيز على العبادات الشَّخصيَّة - رغم أهميتها ودون العمل على تكريس وتطبيق ما هو مُتعلِّق بالمحور الثاني فيما يخص الشَّأن العام - سوف يُولِّد خللاً حقيقياً، ويعوق بناء المجتمع الحضاري في دولة مُتعدِّدة الأعراق والأديان والانتماءات، كما يزيد من الضَّغينة والحقد، وتبعثر الجهود، فضلاً عن زيادة الصِّراعات والحروب إلى ما لا نهاية. 

من جهة أخرى أعتقد أنَّ المادَّة النظريَّة من القِيَم والمبادئ والأخلاق، وما إلى ذلك؛ أصبحت في مُتناوَل الجميع الكبير والصغير، وذلك بعد إنشاء وسائل التَّواصل الاجتماعي وما فيها من زَخَم كبير في تداول هذه الشِّعارات وهذه القِيَم، وما يتبعها من قصص تَحُثُّ على امتثال هذه القِيَم والأخلاق.

إقرأ أيضاً: ثقافة العطاء سرٌّ من أسرار بناء المجتمعات السليمة

لكنْ للأسف لا نرى أن ذلك ينعكس على واقع الحال في المجتمع، ولا مَن يتداولها وينشرها كُل ساعة صباحاً ومساءً، ولذلك لا بُد من المراجعة والبحث عن طرائق جديدة عبر استراتيجيَّة مُتوسطة وبعيدة الأمد تهدف إلى بناء جيل جديد، بحيث يكون هو المستقبَل المنشود لبناء هذه الحضارة من جديدٍ.

إقرأ أيضاً: الثقة وأهميتها في العلاقات الإنسانية

في النهاية:

لا بُد من التَّأكيد على أهمِّيَّة دراسة التجارب النَّاجحة السَّابقة في هذا المجال الهام، والعمل على إسقاط المعطيات الموجودة على واقع الحال الذي نحن فيه؛ بحيثُ نستفيدُ من التَّطوُّر التكنولوجي الذي أصبح عاملاً هامَّاً ومتداخلاً في التَّركيبة المجتمعيَّة التي نعيشها.




مقالات مرتبطة