برامج المسابقات: من الأفضل أن تغير رأيك بدلاً من الالتزام بخطة

لا بدَّ أنَّك تلقيت النصيحة الآتية في صغرك: "عندما تتخذ قراراً، التزم به، ولا تتردد أو تغير رأيك، وسوف تُحقق ما تريد من خلال الالتزام والعمل الجاد فقط".



ربما سمعتها عندما كنت طفلاً وتفكر في ترك فريق الكرة، ثمَّ سمعتها بعدما كبرت وحان الوقت لاختيار مهنتك، وحتى رؤساء الدول يستخدمونها لتحديد مصير بلدان كاملة مليئة بالناس، إنَّها نصيحة كلاسيكية من نصائح القيادة؛ لكنَّها خاطئةٌ تماماً، على الأقل وفقاً للرياضيات.

إنَّ بلوغ ما تريده في الحياة غالباً ما يتطلب عملاً شاقاً؛ لكنَّ الفكرة القائلة إنَّ اتخاذ القرار والالتزام به هو الطريق إلى النجاح ليست مجرد معلومات مضللة؛ بل إنَّها خاطئة تماماً، ويمكن شرح كل ذلك بمثال بسيط من واقع الحياة، ومن برامج مسابقات ليس إلا.

أيُّ باب ستختار؟

تخيَّل أنَّك في برامج مسابقات وتواجه المعضلة الكلاسيكية الآتية:

أمامك ثلاثة أبواب، وخلف أحدها يوجد جائزة رائعة، إنَّه يخت، وبينما خلف الاثنين الآخرين يوجد جرة مخللات من النوع العادي الرديء.

يسألك مُقدِّم البرنامج، "أي باب خلفه اليخت؟".

ليس لديك أدنى فكرة، وعليك أن تُجري تخميناً عشوائياً، واحتمال نجاحك يبلغ 33% فقط؛ لكنَّك تُحدق بعينيك وتتظاهر، وكأنَّك تستخدم بصيرتك الثاقبة، وتختار الباب الأول.

يلوح المضيف بيده، ويفتح أحد الأبواب التي لم تخترها، فتجد خلفها جرة مخللات، ولم تخسر بعد، ثم يسألك المضيف: "هل تريد تغيير رأيك؟".

تفكر للحظة وتتذكر طفولتك، عندما أخبرت والدك أنَّك تريد ترك فريق الكرة وممارسة الجمباز بدلاً من ذلك، وكان معارضاً للفكرة؛ لكنَّه لا يريد أن يبدو متعجرفاً؛ لذلك، ذكرك بتلك النصيحة عن التمسك بالقرارات، وترك الخيار لك، لكن إذا تركت فريق الكرة، فلن تتمكن من تناول الآيس كريم لمدة شهر، فقررت البقاء في الفريق.

رفع مُقدِّم البرنامج أصابعه وأشار إلى ساعة يده، إنَّه يريد سماع قرارك، لقد أخَّرتك ذكرياتك، وقد أتى الفاصل الإعلاني، فتشعر بالذعر وتصرخ: ما زلتُ متمسكاً بالباب الأول".

شاهد بالفيديو: 7 طرق لتحسين مهارة اتخاذ القرار

تغيير رأيك يُحسِّن احتمالات النجاح:

هل كانت هذه الخطوة الصحيحة؟

قد تعتقد أنَّه لا فرق، وعلى الأقل أصبحت احتمالاتك الآن أفضل وتبلغ 50%، ألا تعتقد ذلك؟ في الواقع، لا، لقد اخترت في الخطوة الأولى خياراً عشوائياً ذا احتمالات فوز تبلغ 33%، والكشف عن أحد الأبواب الخاسرة لا يغير شيئاً من ذلك، وما لم يحالفك الحظ، سوف تذهب إلى المنزل حاملاً جرةً من المخللات.

لكن إليك ما أغفلته: لو غيرت قرارك واخترت الباب الآخر، لكنت قد ضاعفت احتمالات فوزك إلى 67%، كيف يكون هذا ممكناً؟ أما يزال اختيارك عشوائياً؟

لو دخلت المسابقة في وقت متأخر بعد أن ألغى مُقدِّم البرنامج بالفعل باباً لم تره أبداً، فسوف تكون احتمالاتك 50%، لكن نظراً لأنَّك رأيت أحد الأبواب الثلاثة تُحذف، فإنَّك الآن على دراية بمعلومات جديدة لم تكن لديك عندما حددت خيارك الأول، وهذه المعلومات تغير كل شيء وتزيد من احتمالات فوزك.

السبب في ذلك هو أنَّ الباب المتبقي، الذي لم تختره، لم يعد عشوائياً بعد الآن؛ وإنَّما فائزٌ في جولة الإقصاء الأولى.

يسهل فهم ذلك عندما تكبر اللعبة، ماذا لو بدلاً من ثلاثة أبواب، كان هناك 100 باب و99 جرة من المخللات وعليك أن تختار، ولديك فرصة 1% للفوز، فُتحت 98 من هذه الأبواب، وكان خلف جميعها جراتٌ من المخلل، وتبقى لك بابان مرةً أخرى.

هل ستظل الآن متمسكاً باختيارك الأول؟ الخيار الذي يحظى بفرصة للفوز بنسبة 1%؟ أو ستختار الآخر الذي هزم 97 باباً آخر؟ ربما أصبح الخيار أكثر وضوحاً.

إقرأ أيضاً: التردد في اتخاذ القرارات: الأسباب والعلاج

في الختام، يجب أن تغيِّر المعلومات الجديدة قراراتك:

مهما كان الأمر الذي تعمل عليه، سواء معرفة الاتجاه الذي يجب أن تسلكه في حياتك المهنية، أم وجهتك في الإجازة القادمة، أم المنزل الذي ستشتريه، يجب أن تغير المعلومات الجديدة التي تتعلمها خلال هذه العملية القرارات التي تتخذها.

يفتح القرار الأول الباب أمام اكتشاف جديد، والمعلومات الجديدة التي تكتشفها غالباً ما تغير القرار الأفضل الذي يجب أن تتخذه؛ لذا لا تتجاهل تلك المعلومات القيِّمة لمجرد التمسك بقرارك فقط.

ليس هذا ما يفعله الأذكياء، ويجب ألا تفعل ذلك أيضاً، وإذا كنت تريد ترك فريق الكرة، فجميعنا ندعمك حتى إن قال والدك إنَّه لا يمكنك تناول الآيس كريم لمدة شهر.




مقالات مرتبطة