النزاع كظاهرة سيكولوجية

كثيراً ما نصل في نقاشاتنا مع طرف ما إلى مكان مسدود، فتنعدم الحلول وتتأزم المواقف ويسيطر الغضب على الطرفين، وفي الواقع نسمي هذه الحالة أو العلاقة المتأزمة "النزاع"، وهذا النزاع لا يحدث على مستوى الأفراد فحسب؛ بل يحدث أيضاً على مستوى الجماعات والدول، ويختلف الناس في طريقة تعاطيهم وتعاملهم مع هذا النزاع وفقاً لعوامل عديدة ومختلفة، كما أنَّ النزاع نفسه يمر بمراحل مختلفة ويأخذ أشكالاً متعددة، فإذا أردت معرفة المزيد يمكنك متابعة قراءة مقالنا هذا فهو يتحدث عن النزاع بوصفه ظاهرة سيكولوجية.



ما هو النزاع؟ وما هي أسبابه؟

يتم استخدام مصطلح النزاع في مجالات مختلفة، فما يحدث بسبب اختلاف الأفكار والمعتقدات من نقاشات وصراعات ليس إلا شكلاً من أشكال النزاع، كما قد تنحصر هذه النزاعات في منطقة واحدة كأن يكون نزاعاً ضمن الأسرة الواحدة، أو قد تكون نزاعات عالمية أو حتى مسلَّحة، وفي هذا المقال سنتناول نوعاً واحداً من النزاع وهو النزاع القائم في العلاقات الخاصة بين الأفراد والجماعات.

النزاع عبارة عن علاقة تتفاعل فيها العوامل الاجتماعية والفكرية المختلفة للأفراد؛ إذ تختلف طرائق تعاطي كل شخص مع النزاع تبعاً لظروفه وطريقة تربيته وثقافته ووضعه النفسي والاجتماعي، وهذا ما يجعل علاقة النزاع تقوم على أساس حوافز الأفراد المختلفة والمتعارضة مثل الحاجات والمصالح والأهداف والقيم والمبادئ والقناعات، أو الأحكام مثل الآراء والنظريات والمعتقدات.

أما بالنسبة إلى طول النزاع وحدته فلا توجد مدة ثابتة ومحددة فقد يطول النزاع وقد يقصر، ويمكن تصنيف النزاعات على حسب المدة، مثل الصدمات العاصفة قصيرة الأمد سريعة التي تقوم على أساس الخاصيات الفردية السيكولوجية كتلك التي تحدث بسبب تبدلات المزاج، والنزاعات طويلة الأمد وهنا تكون هذه النزاعات ناتجة عن تناقضات عميقة ومن الصعب الوصول فيها إلى تسويات أو نقاط تشابه مثل النزاعات بين دولة ما والمستعمر.

يمكن أن تصنَّف النزاعات على حسب حدتها، مثل الصراعات والنزاعات الضعيفة كتلك التي تحدث عندما تكون التناقضات غير عميقة مثل النزاعات اليومية بين أفراد الأسرة الواحدة على الحياة اليومية، في حين توجد نزاعات حادة كما يحدث عند اختلاف الأفكار والمعتقدات وقد يصل الأمر إلى النزاعات المسلحة مثلاً، وغالباً ما يتوجه الباحثون إلى التصنيف الذي ينظر إلى الصدام من وجهة نظر أشخاص التفاعل النزاعي التصادمي، فيصنفون النزاع إلى:

  1. نزاع داخل الفرد الواحد.
  2. نزاع بين الجماعات.

لا يوجد النزاع بصورة منعزلة عن العوامل المحيطة به فهي التي تشكل هويته في الحقيقة، كما لا يوجد بصورة جزئية فالصراعات والصدامات المختلفة كثيراً ما تكون مترابطة فيما بينها ومشروطة ببعضها بعضاً، ولذلك يرى الكثير من العلماء أنَّ لا حاجة إلى تلك التصنيفات.

أسباب النزاع:

تتنوع أسباب نشوء النزاع بين أسباب عامة وأسباب خاصة، فأما الأسباب العامة تكون مثل:

  1. الجنس والسن والانتماء العرقي، وتُعَدُّ هذه الأسباب ديموغرافية.
  2. أسباب اجتماعية سيكولوجية مثل العلاقات المتبادلة والزعامة وحوافز الجماعة والرأي العام للجماعة وغيرها.
  3. أسباب فردية ذاتية ترجع إلى طباع الشخص وسماته وصفاته مثل التفوق والمزاج.

أما الأسباب الخاصة فتتعلق بنوعية حياة الفرد نفسه وظروفه الشخصية مثل:

  1. عدم الرضى عن ظروف العمل.
  2. خرق الآداب.
  3. خرق قانون العمل وضيق الموارد والاختلاف في الأهداف والقيم وضعف وسائل الاتصال والتواصل.
إقرأ أيضاً: إدارة النزاع: كيف تحول النزاعات إلى فرص؟

بنية النزاع:

أما بالنسبة إلى بنية النزاع فهو يتكون من العناصر الآتية:

1. طرفا النزاع:

هما أفراد التفاعل الاجتماعي المتأزم والتفاعل الذي بلغ مرحلة النزاع، ويضم كذلك من يقف مع أطراف النزاع بصورة واضحة أو غير واضحة مثل المتعاطفين والمصلحين، كما يتم شمل الضحايا مع أطراف النزاع مثل الأطفال في حالة طلاق الأهل والجنود في حالة الحرب والمهجرين.

2. موضوع النزاع:

يحدد طرفا الصراع موضوع النزاع وسبب نشوئه، ومن الصعب جداً في العادة تحديد موضوع النزاع بمدلول واحد أو بصفة واحدة أو بهدف واحد، ومثال عن ذلك الأسباب العديدة والمختلفة التي تقف وراء نشوب الحرب، فقد تكون هذه الأسباب طمعاً بالثروات أو بسبب الكراهية الشخصية بين الزعماء وغيرها من الأسباب.

3. منطقة الاختلاف:

حين يكون موضوع النزاع بحد ذاته ليس واضحاً دائماً - حتى بالنسبة إلى أطراف النزاع أنفسهم - فإنَّه من الصعب تحديد منطقة الاختلاف فهي متبدلة ومتغيرة، وعلى الرغم من أنَّ النزاع ناتج في الأساس عن أسباب جوهرية فإنَّ شكل التعبير عنه قد يزيد من حدة العلاقات بين المتنازعين.

مثلاً إذا ما تم التعبير عن المطالب بصورة انفعالية وتم النظر إلى هذه الطريقة في التعبير من قِبل الطرف الآخر على أنَّها إهانة، يظهر أثر آلية العداوة؛ إذ تُنسى المطالب ذاتها وتبدأ عملية الدفاع عن الكرامة، وبخلاف ذلك يساعد الموقف الهادئ والتحلي بالصبر والإصغاء على إيجاد حل للمشكلة.

شاهد بالفديو: 5 نصائح لاكتساب مهارة حل المشكلات

4. دوافع النزاع:

أي القوة الداخلية المؤثرة التي تدفع أطراف النزاع إلى المواجهة فيما بينهم ولا يمكن إدراكها بشكل كامل، وحقيقةً فإنَّ هذه الدوافع هي ما ترسم الموقف النزاعي، وهي ما تشكل رؤيا أطراف النزاع الخاصة للمشكلة وتعبِّر عن حاجاتهم ومصالحهم.

5. أهداف طرفي النزاع:

هي النتائج التي يتصورها طرفا النزاع في أذهانهم فقط ويرغبان في تحقيقها، وهذه الأهداف يدركها كل منهما إدراكاً كاملاً ولكنَّ كل طرف لا يبوح بها للآخر إلا بصورة جزئية أو على شكل مواقف واضحة، كأن تنهي علاقتك مع شخص ما من خلال تجنبه وعدم الوجود في مكان وجوده.

6. الخطوات العملية للنزاع:

هي ما يلاحَظ من النزاع ملاحظةً مباشرةً، فإن كان لدى طرفي النزاع أهداف مختلفة فإنَّهما سيصلان إلى المواجهة المباشرة عاجلاً أم آجلاً، وكل منهما سيرى الطرف الآخر معادياً له، وقد تتلخص بعض الخطوات العملية في الإعاقات المباشرة وغير المباشرة التي يعوق بها أحد الأطراف الطرف الآخر من النزاع، واستحواذ طرف على ما يراه الطرف الآخر من حقه، وأيضاً القيام بأفعال تهين الطرف الآخر في كرامته والقيام بالتهديدات والأفعال القمعية الأخرى والتفسير الخاطئ للأفعال والخطوات.

مراحل ظاهرة النزاع:

تمر ظاهرة النزاع بأربع مراحل أساسية، وفيما يأتي سنقوم بتعداد مراحل ظاهرة النزاع:

1. الموقف ما قبل النزاع:

تبدأ هذه المرحلة بتقييم المواقف التي نتعرض لها من الناحية العاطفية، وينتج عن هذا التقييم العاطفي للنزاع شعور سلبي يؤدي إلى الاستياء والغضب، وحتى لو لم نستطع التعبير عن هذه المشاعر بالكلمات فإنَّنا نكتفي بوصف حالتنا بعبارة: "نحن لسنا على ما يرام"، وهنا ينصح الخبراء بعدم تجاهل هذا الشعور؛ بل الإسراع إلى إدراكه وفهمه.

في حال لم يتم تقييم هذا الشعور تقييماً جيداً ومنطقياً سيتحول إلى أشكال أخرى أكثر حدة مثل اللهجة الحادة والكبت، وربما تتفجر الانفعالات الناتجة عن هذا الشعور في أشياء بسيطة لا تمت للجوهر بصلة مثل الغضب لترك أواني المطبخ دون غسل، وإنَّ مرحلة ما قبل النزاع غالباً ما تختتم بالحادثة؛ أي مرحلة الإعلان عن النزاع والوصول إلى مرحلة النزاع المكشوف.

شاهد بالفديو: 7 نصائح تساعدك على حل مشاكلك والعيش باستقرار

2. مرحلة بدء النزاع المكشوف:

أي نصل إلى مرحلة الاعتراف، فعلى سبيل المثال، عندما نصل إلى مرحلة قطع العلاقة بالشريك وقطع أيَّة صلة به يعني أنَّنا قد دخلنا في مرحلة بدء النزاع المكشوف، وفي هذه المرحلة من النزاع المكشوف يتخذ كل من الشريكين خطوات وسلوكات واضحة، مثل ضعف الرقابة على انفعالاتهما والتخلي عن السلوك الراعي للعلاقة كما كان سابقاً، كما سيلجأان إلى القوة المتخيلة أو الواقعية، وهذا يؤدي إلى اتساع النزاع أكثر وتصعيده، وهنا قد يكون التصعيد مستمراً أو متموجاً أو انحدارياً أو خاملاً.

3. ختام الصراع المكشوف:

إنَّ تطور المواقف والأحداث يجعلنا نصل إلى الذروة، وقد تكون هذه الذروة عدداً من الخطوات المتتابعة أو انفجاراً واحداً يحل الصراع ويضع نهاية له، وقد تكون نقاط الذروة خطيرة جداً بشكل محدد في النزاعات المديدة؛ أي طويلة الأمد كما في الجرائم اليومية المنزلية، وقد يختتم النزاع المكشوف دون الوصول إلى مرحلة انفجارية؛ إذ يحدث انعطاف العلاقات تدريجياً مع إدراك الطرفين لضرورة التوقف عن زيادة التوتر في العلاقات واللجوء إلى الصبر والاحتمال إدراكاً من الطرفين أنَّ هذا الأفضل لحل النزاع القائم وإنهائه.

4. ما بعد النزاع:

هي مرحلة من مراحل ظاهرة النزاع وتأتي بعد انتهاء مرحلة المواجهة المكشوفة، ويمكننا وصف هذه المرحلة بأنَّها مرحلة تحطيم الخصم أو قبول الطرفين بهدنة رغماً عنهما أو تجميد النزاع وتضييق حدوده عن طريق التخفيف والتقليل من مجالات اللقاء والاحتكاك بين الطرفين، كما أنَّ ذروة النزاع قد تغيِّر تغييراً جذرياً العلاقات بين الطرفين فمثلاً قد تتحول العداوة إلى حب.

إقرأ أيضاً: العصف الذهني وأهميته في إيجاد الحلول لمشاكلك

ما هي العوامل الدافعة لحدوث النزاع؟

تختلف العوامل والقوى الدافعة لحدوث النزاع، وسنقوم بتعدادها فيما يأتي:

1. الدوافع الموضوعية:

يمكن تقسيمها إلى مجموعتين في النزاع المكشوف؛ إذ تضم المجموعة الأولى الظروف المعيشية للفرد مثل عدم المساواة الاجتماعية والتنافس على الأسواق واختلاف الصلاحيات وضيق الموارد وغيرها؛ أي كل ما دعاه "هوبز" "بحرب الجميع ضد الجميع"، ومن ثمَّ فإنَّ سعي الإنسان الطبيعي إلى العيش وسد هذه الحاجات هو ما يمكننا عَدُّه السبب الأول للاختلافات.

يدخل ضمن المجموعة الثانية ظروف التاريخ الشخصي للطرفين المتنازعين مثل الخاصيات النفسية والاجتماعية للفرد أو الجماعة مثل التعليم والنمو العقلي والسمات الثقافية والمواقف والاتجاهات، وبالنسبة إلى الفرد أو الخاصيات الفردية كالمزاج والطباع.

2. الدوافع الذاتية:

هي الدوافع المحفزة لحدوث النزاع ولا يتفق تفسيرها مع الواقع وتنبع من ذات الشخص ونظرته، ومثال عن ذلك لو أخذنا موعداً من شخص ما لأجل العمل ولم يحضر هذا الشخص فسنَعُدُّ ذلك تقليلاً من شأننا دون أن نفكر باحتمال حدوث أمر طارئ له منعه من حضور لقاء العمل، فهنا الظروف الوهمية المتخيلة تشكل أسباباً لتولِّد الصراع أو حافزاً لتصعيده، وباختصار يمكننا القول إنَّ الدوافع الذاتية هي بمنزلة الوقود لأي صراع.

في الختام:

لا يمكن إنكار وجود النزاعات بشكل دائم سواء على مستوى الأفراد أم الجماعات أم الدول، وحقيقةً وعلى الرغم من التأثيرات السلبية الكثيرة التي تنتج عن النزاعات المختلفة، إلا أنَّ طرائق التعامل مع النزاع ستختلف حسب هذا النزاع وموضوعه والأطراف المتنازعة، ففي حالة نزاع أخين على الميراث نجد أنفسنا مدفوعين إلى التقريب بينهما، لكن إن كان النزاع بين صاحب حق ومعتدٍ فسننحاز لا إرادياً إلى أحد أطراف النزاع، وهذا ما يمكن إسقاطه على النزاعات القائمة بين الدول، فلا يمكن المساواة بين طرفي النزاع في حال كان أحد الأطراف صاحب حق والآخر معتدياً.




مقالات مرتبطة