المعرفة والسذاجة والنظر إلى الأمور من وجهة نظر محايدة

"أفكارنا مقيدة بما هو مألوف، إنَّ الدماغ نقطةٌ لالتقاء الأعصاب تجتمع عندها احتمالاتٌ شبه لا نهائية، مما يعني أنُّه يقضي كثير من الوقت والطاقة في اختيار الأمور التي لا يودُّ ملاحظتها، ونتيجة لذلك، يُضحَّى بالإبداع في سبيل الكفاءة؛ فيتحول إلى التفكير الجامد عوضاً عن التفكير الإبداعي" - جوهان ليرر (Johan Lehrer)، من كتاب "تخيَّل" (Imagine).



التركيز في تخصص معين ليس أسلوباً سيئاً:

يقولون لك: "تخصص"، ويقولون أيضاً: "ركز في تخصص محدد"، ويقترحون عليك أن تصبح صاحب خبرة، ولا يهم من هم، فقد يكونون من زملائك أو والديك أو أقرانك أو شخصاً محبباً لقلبك، ويدفعنا من حولنا باستمرار لاختيار مجال والبقاء فيه، ويعطي المجتمع الأولوية للخبرة والمعرفة والفهم، ويُكافَأ الناس عندما يتقنون عملاً ما.

توسَّع خارج تخصصك:

توجد مدارس فكريِّة كثيرة تُعنى بالتخصص المعمق في موضوع ما، وإنَّ أحدث استراتيجية هي أن تركز في تخصص ما، ربما كنت قد سمعت الناس من قبل يقولون: "استمر بالتركيز في تخصص ما حتى الرمق الأخير"؛ فإنَّ التركيز على تخصص واحد، أو أن تصبح خبيراً في مجال معين؛ ليس استراتيجية، فقد أصبح كثير من الناس ناجحين إلى حد كبير بعد أن ركزوا على الاهتمام بمجالاتٍ معروفةٍ وغريبة.

لكن في حين أنَّ المعرفة المعمقة في موضوع ما هامة، والتخصص مفيد للأمان الوظيفي، إلَّا أنَّه لا ينبغي اتباع هذه الاستراتيجية دون تفكير، دائماً ما نركز على ما نكسبه عند العثور على تخصص محدد، لكن ما الذي نتخلى عنه؟

يوجد على الجانب الآخر من استراتيجية "التركيز على تخصص واحد" مفهوم يُعرف باسم "التأثير الخارجي"، يدافع التأثير الخارجي عن فكرة أنَّ الابتكار يحدث خارج حدود التخصصات؛ بعبارة أخرى، لا يحدث الابتكار والإلهام الحقيقي عندما يكون لدى شخص ما معرفة معمقة في مجال معين؛ بل يحدث عندما ينظر شخص ما إلى مجال نظرةً جديدة؛ إذ سيتمكن الشخص الذي ينظر إلى الأمور نظرةً محايدة من التعامل مع مشكلته بالتفكير خارج الأُطر النمطية؛ ذلك لأنَّه يشاهدها بصورة أفضل.

فبدلاً من الانغماس في المعرفة الخاصة في مجال معين والتي قد تكبِّل قدرته على التقدم لسنوات، سيكون عقله قادراً على فهم موضوع أو مجال، والتعامل معه بعقل خالٍ من الأعباء، فيكون كالأطفال ساذجاً بما يكفي ليسأل "لماذا؟" أو ليطرح سؤالاً أكثر أهمية وهو: "لماذا لا؟".

شاهد بالفديو: 8 طرق تفكير ستضعك على طريق النجاح

المعرفة من خارج نطاق تخصصك أفضل من التركيز في تخصص واحد:

لنأخذ ألبرت أينشتاين (Albert Einstein) على سبيل المثال، عندما يفكر الناس في أينشتاين، يخطر في بالهم نظريته عن النسبية العامة، لكن ما لا يعرفه معظم الناس هو أنَّ أينشتاين قضى سنوات في مكتب براءات الاختراع الألماني قبل انطلاقته في الفيزياء.

نعم لقد كانت معرفته بالفيزياء هائلة، فقد حصل على درجة علميَّة متقدمة من جامعة زيورخ بوليتكنيك الشهيرة (Zurich Polytechnic)، لكنَّ الوقت الذي قضاه في مراجعة صلاحية براءات الاختراع الواسعة النطاق، منحه نظرة واسعة للعالم، والتي كانت ضرورية لتجعله يبني نظريته الشهيرة.

مُنح أينشتاين وقتاً للتأمل في مجالات واختصاصات مختلفة خلال فترة عمله كمراجع لبراءات الاختراع، لقد درَّب نفسه على أن يكون لديه مستوى صحياً من السذاجة، وهذا بدوره سمح له بالنظر إلى مجاله بعينين جديدتين، صحيح أنَّه كان يمتلك معرفة معمقة في الفيزياء، لكنَّ تعرضه المستمر لأفكار جديدة وجوهرية سمح له بإنشاء نظريته الرائعة.

قد لا نكون قادرين على تغيير تفكيرنا بسرعة؛ إذ إنَّه من الصعب أن نلغي التكيف الاجتماعي الذي تتفوق فيه المعرفة على السذاجة في البحث عن الإلهام، لكن، كما يذكرنا عالم النفس دين سيمونتون (Dean Simonton) في جامعة كاليفورنيا ديفيس (UC Davis): "إذا كنت قادراً على العثور على تحديات جديدة باستمرار، يمكنك التفكير بصفتك شخصاً في مقتبل العمر حتى عندما تكون كبيراً في السن".

إقرأ أيضاً: كيف تكون منتجاً مثلما كان ألبرت أينشتاين؟

المعرفة هامة، لكنَّ وجود مستوى صحي من السذاجة هام أيضاً:

لنواجه الأمر؛ فالمعرفة التخصصية هامة، لكن عندما تقلل هذه المعرفة من مستوى إلهامنا، سينتهي بهذه المعرفة أن تُسبب الضرر أكثر من النفع، لذلك، بدلاً من التركيز على التخصص ركز على معرفة أشياء خارج تخصصك أيضاً، وركِّز على تعلُّم كل ما تجده ممتعاً، ولا تقلق بشأن ما يتعلق بالمجال الذي اخترته، تعلَّمه على أي حال.

إنَّنا من خلال إبقاء أنفسنا في حالة من الدهشة المستمرة، نمنح عقليتنا مستوى من السذاجة الطفولية التي ستؤدي إلى الإلهام والابتكار والنجاح الشخصي وتحقيق الإنجازات في النهاية.

المصدر




مقالات مرتبطة