المختصر المفيد عن صحيح بخاري ومسلم

يحتلّ علم الحديث مكانةً عظيمةً بعد علم القرآن، حيث أنّه يولي الاهتمام لدراسة الأحاديث النبوية التي توازي القرآن الكريم في التشريع الإسلامي؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه". وإذا ما ذكرنا "صحيح بخاري" و"صحيح مسلم" فسنجد أنّ الإمامين اللّذين وضعا هذين المؤلفين، يأتيان على رأس علماء الحديث الأكثر شهرةً عند المسلمين؛ حيث يحتلان منزلةً ومكانةً عظيمةً وأجمع على صحة أحاديثهما جماهير علماء الأمّة. فمَن هما هذان الإمامان؟ وما هو الفرق بين صحيحيهما؟ كلّ ما تريد معرفته عن صحيح مسلم وبخاري في مقالنا التالي.



من هو البخاري ومن هو مسلم؟

الإمام البخاري:

هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المُغيرة بن بردزبه الجعفي، أبو عبد الله بن أبي الحسن البخاري، نسبة إلى بخارى في خراسان الكُبرى (أوزباكستان) حاليّاً، وقد ولد في شوال سنة 194 هـ، ونشأ يتيماً، وأقبل على طلب العلم منذ الصغر وقد تحدّث عن نفسه فيما ذكره الفِرَبْري عن محمد بن أبي حاتم ورّاق البخاري قال: سمعت البخاريّ يقول: "ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب"، قلت: وكم أتى عليك إذ ذاك؟، قال: "عشر سنين أو أقل"، إلى أن قال: "فلما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع وعرفت كلام هؤلاء" -يعني أصحاب الرأي-، قال: "ثم خرجت مع أمي وأخي إلى الحج، فلما طعنت في ثمان عشرة سنة صنفت كتاب قضايا الصحابة والتابعين ثم صنفت التاريخ بالمدينة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وكنت أكتبه في الليالي المقمرة..".

وكان الإمام البخاري شعلة من الذكاء، ورأساً في العلم، ورأساً في الورع والعبادة، سافر إلى العديد من البلدان، مثل: بغداد، ودمشق، ومصر، وخراسان وغيرها، وكان يحفظ بلا كَلَلٍ ويجتهد في طلب المزيد والتدوين. ورُوِيَ أنّه لا يكتب الحديث إلا بعد أن يكون قد توضأ وصلى ركعتين.

توفي ليلة عيد الفطر سنة 256 من الهجرة النبوية رضي الله عنه وعمره اثنتان وستون عاماً، وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في كتابه البداية والنهاية: "وقد ترك رحمه الله بعده علماً نافعاً لجميع المسلمين فعلمه لم ينقطع بل هو موصولٌ بما أسداه من الصالحات في الحياة".

ومن أبرز مؤلفاته الجامع الصحيح المعروف باسم "صحيح البخاري" الذي يعتبر أصحّ الكتب المصنّفة في الحديث النبوي، بالإضافة لغيره من المؤلفات القيمة منها: الأدب المفرد، ورفع اليدين في الصلاة، والقراءة خلف الإمام، وبر الوالدين، والتأريخ الكبير، والأوسط، والصغير، وخلق أفعال العباد، والضعفاء، والجامع الكبير، والمسند الكبير، وكتاب الهبة.

الإمام مسلم:

هو أبو الحُسَين مسلم بن الحَجَّاج النيسابوري، ولد بمدينة نيسابور سنة 206 هـ، ونشأ في بيت علم وجاه، وكان لوالده أثرٌ عليه؛ حيث توجّه نحو طلب العلم منذ الصغر وهو بعد في الثانية عشرة من عمره. اشتهر الإمام مسلم بالورع والعبادة وسعة العلم، فاتسمت شخصيته بالبحث العلمي الجاد، وعلى الرغم من أن ظروف عصره لم تتح له أن يبرز أو يظهر كالإمام البخاري إلا أنّه استطاع أن يلفت الأنظار إليه من خلال "صحيحه" الذي اعتبر هو و"صحيح البخاري" من أمهات كتب الحديث النبوي.

ارتحل الإمام مسلم إلى العديد من البلدان، مثل: الري، والعراق، ومصر، والحجاز، وقد ساهمت هذه الرحلات في تكوين شخصيته، واتساع ثقافته، وساهمت في سماعه من كبار الشيوخ.

عمل الإمام مسلم بالتجارة، فكان له متجرٌ في "خان محمش" يبيع فيه البِزّ (والبزارز: هو بائع الثياب) والذي درّ عليه ثروةً طائلةً مكنته من التفرّغ لطلب العلم، وتوسيع رحلاته العلمية فيما بعد وتكرارها إلى الأساتذة والشيوخ والعلماء الذين تناثروا في مختلف الأمصار والأصقاع.

توفي الإمام مسلم -رحمه الله- عشيّة يوم الأحد الخامس والعشرين من رجب سنة 261 هـ وعمره خمس وخمسون سنة. ومن أهم مصنفاته: الجامع الصحيح المعروف بـ "صحيح مسلم" وهو الأشهر، و"الطبقات"، و"الكنى"، و"الأسماء"، و"المُنفردات والوحدان"، و"التمييز".

ما هو الفرق بين صحيح بخاري ومسلم؟

1. من حيث سبب التأليف:

بالنسبة للإمام البخاري فإن سبب تأليفه لصحيحه ما ذكره الحافظ ابن حجر في مقدمة كتابه فتح الباري من ثلاثة أسباب دعته لذلك أحدها: ما سمعه البخاري من أستاذه أمير المؤمنين في الحديث والفقه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهوية، وساقَ بسنده إليه أنّه قال: (كنا عند إسحاق بن راهوية فقال: "لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: "فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الصحيح")، كما ذكر الحافظ ابن حجر سبباً آخر حيث قال: (وروينا بالإسناد الثابت عن محمد بن سليمان بن فارس قال سمعت البخاريّ يقول: "رأيت النبيّ صلّى الله عليه وسلم وكأني واقفٌ بين يديه وبيدي مروحةٌ أذبُّ بها عنه، فسألت بعض المعبرين فقال لي: "أنت تذبّ عنه الكذبَ فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح").

وأما السبب الرئيسي الذي دفع الإمام مسلم لتأليف "صحيحه"، فهو تلبيةٌ لطلب أحد النجباء وهو "الحافظ أحمد بن سلمة صاحبه وتلميذه ورفيقه في الارتحال والطلب، والذي طلب من الإمام مسلم أن يوقفه على جملة الأخبار المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنن الدين وأحكامه، فوقع ذلك في قلبه، فأخذ في جمع صحيحه. وهناكٌ سبب آخر دفعه لذلك وهو الحال الذي كان عليه الحديث قبل جمع "الصحيحين"، من اختلاط الصحيح بالسقيم، والقويّ بالضعيف، وقصور الاستفادة من الأحاديث على الخاصة دون العامة. فَكَتَبَهُ حرصاً على حفظ أحاديث سيد المرسلين، ولدرء المسلمين من الوقوع في غرر الأخبار المنكرة والروايات الضعيفة.

2. من حيث مقدمة الصحيحين:

لم يحتوِ صحيح البخاري على مقدمة، أما صحيح مسلم فقد وضَع له الإمام مقدمة، والتي تعتبر من أوئل المقدمات العلميّة المنهجية، وهذه الميزة لمسلم ينفرد بها دون البخاري.

3. من حيث مدة التأليف وتاريخه:

مدة تأليف صحيح البخاري تقدَّر بـ 22 سنة، أمّا الإمام مسلم فقد اختُلِفَ في المدّة التي استغرقها في تأليف صحيحه لكنّ الرواية الأصحّ أنّه ألَّف صحيحه في حوالي 15 سنة.

أما بالنسبة لتاريخ تأليف الصحيحين فقد سبق الإمام البخاري مسلم من حيث تاريخ البدء في تأليف "صحيحه" حيث كان في سنة 232 هـ، ثم تلاه صحيح مسلم والذي فرغ من تأليفه في سنة 250 هـ وبذلك فقد ابتدأ به في سنة 235 هـ.

4. من حيث الأبواب في الصحيحين:

بوَّب الإمام البخاري صحيحه بقرابة 3882 باباً:

  • أوّلُهَا: "باب كيف كان بَدْء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
  • وآخرها: "باب قول الله تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ [الأنبياء: 47]، وأنَّ أعمال بني آدم وقولهم يوزن.

على خلافه لم يقم الإمام مسلم بتبويب صحيحه، وإنما قام بذلك الشيخ الفقيه المحدث الإمام النووي والذي ضمنه 1329 باباً:

  • أولها: "باب معرفة الإيمان والإسلام والقدر وعلامة الساعة".
  • وآخرها: "باب في قوله تعالى: ﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ﴾ [الحج: 19].
إقرأ أيضاً: 20 حديث نبوي عن أهمية طلب العلم

5. الأحاديث في الصحيحين:

5. 1. عدد الأحاديث في الصحيحين:

يضمّ صحيح البخاري 7563 حديثاً، أما صحيح مسلم فقد تمّ الاختلاف على عدد الأحاديث الواردة في الكتاب وهي في حدود 4000 حديث، لكنّ تلميذه الحافظ أحمد بن سلمة عدّها 12 ألف حديث، حيث لم يستثني المكرّر منها.

5. 2. الشرط في الأحاديث المعنعنة:

وهي الأحاديث التي في سندها مثلاً "فلان عن فلان"، وقد اشترط الإمام البخاري في السند المعنعن اللقاء، أمّا الإمام مسلم فقد اشترط لصحتها المعاصرة مع إمكانية اللقاء.

5. 3. شرطهما في الرجال:

على الرغم من اشتراك الإمامين في اشتراط توافر العدالة والضبط في رُواة صحيحيهما، إلا أن البخاري كان أكثر تشدُّداً من مُسْلِم في هذا الشرط؛ لذا فإنّ ما انتُقِدَ على البخاري من الأحاديث أقلّ عدداً مما انتُقِدَ على مُسْلِم.

5. 4. تكرار الأحاديث في الصحيحين:

عمد البخاري إلى تكرار الأحاديث كثيراً في "صحيحه"، وكان مجموع الأحاديث بدون المكرر حوالي 4000 حديث من أصل 7563 حديثاً بالمكرر.

أما صحيح مسلم فتُجمع الأحاديث وتورد ضمن بابٍ واحد، ويجمعها بدون أن تتكرّر في أبواب أخرى.

5. 5. تقطيع الأحاديث في الصحيحين:

وهو الاقتصار على طرفٍ من الحديث، وهذه سمةٌ بارزةٌ شائعةٌ في صحيح البخاري؛ إذ كثيراً ما يقطِّع البخاريُّ الحديثَ إلى أطراف بحسب الباب المناسب وطرق الحديث، وهذا المنهج يبين فقه البخاري في صحيحه.

أما في صحيح مسلم فيذكُرُ الحديث كاملاً في مكانٍ واحدٍ، وبكلّ رواياته التي وصَلَتْ إليه.

5. 6. تعليق الأحاديث في الصحيحين:

وهو حذف راوٍ واحدٍ أو أكثر من أوّل السند، وقد يُذْكَرُ الحديث بدون سند، وهو كثيرٌ في صحيح البخاري بخلاف صحيح مسلم فإنّه قليلٌ جداً وقد ألّف الحافظ ابن حجر في وصل تعليقات البخاري كتاباً سمّاه (تعليق التعليق)، وصَل فيه أغلب الأحاديث المعلّقة في صحيح البخاري، وبيَّن أن البخاري -رحمه الله- كان يعلِّق الأحاديث للاختصار.

أحاديث من صحيح بخاري ومسلم:

  • عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار"، رواه البخاري ومسلم.
  • عن أنس بن مالك الأنصاريّ رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رغب عن سنتي فليس مني"، رواه البخاري ومسلم.
  • عن أنس رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم أنه قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده وولده والناس أجمعين"، رواه البخاري ومسلم.
  • عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبةٌ من الإيمان"، رواه البخاري ومسلم.
  • عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة"، رواه البخاري ومسلم.
  • عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: سبقت رحمتي غضبي"، رواه البخاري ومسلم.
  • عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجلٌ آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجلٌ آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار"، رواه البخاري ومسلم.
  • عن أبي بكرة رضي الله عنه قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور"، رواه البخاري ومسلم.
  • عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الذي تفوته صلاة العصر كأنما وُتِر أهلَه ومالَه"، رواه البخاري ومسلم.
  • عن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ظلم قِيد شبر من الأرض طُوِّقه من سبع أرَضِين"، رواه البخاري ومسلم.
  • عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوّل ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء"، رواه البخاري ومسلم.
  • عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والظن، فإنّ الظنّ أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا"، رواه البخاري ومسلم.
إقرأ أيضاً: آيات قرآنية وأحاديث نبوية عن الأمانة

صلة الإمام مسلم بشيخه البخاري:

كان مسلم تلميذاً للبخاري قال ابن حجر: "ومن كبار الآخذين عن البخاري من الحفاظ" وسرد الجماعة، منهم "مسلم بن الحجاج"، ومن شدّة ملازمة مسلم للإمام البخاري، وحرصه عن الأخذ منه، والتتلمذ على يديه، قال الإمام الدارقطني: "لولا البخاري ما راح مسلم ولا جاء"، وفي هذا شدة انتفاع التلميذ بالأستاذ، وأنه صُبِغَ بصِبغتِه، وتأثّر بمنهجه.

وكان من أثر إعجاب المسلم بشيخه البخاري أنّه وقف معه في أصعب الظروف التي مرّ بها -حيث وقع خلافٌ بينه وبين محمد بن يحيى الذهليّ ما وقع- ومنع الناس من الاختلاف إليه، حتى هُجر، وسافر من نيسابور، فقطعه أكثر الناس غير مسلم، فإنّه لم يتخلّف عن زيارته.

كانت هذه نبذة مختصرة عن شيخين وعالمين جليلين تركا إرثاً إسلامياً قيّماً للأمّة الإسلاميّة، وما أجملهما من قدوة نقتدي بها ونحذوا حذوهما في نفع هذا الدين وهذه الأمة التي أصبحت أحوج ما يكون لهذه النماذج العظيمة.

 

المصادر:

  1. التعريف المختصر بصحيح البخاري وصحيح مسلم.
  2. الإمام البخاري وكتابه صحيح البخاري؛ لعبد المحسن العباد.
  3. الإمام مسلم بن الحجّاج صاحب المسند الصحيح ومحدّث الإسلام الكبير، تأليف مشهور حسن محمود سلمان، دار القلم (دمشق)، الطبعة الأولى 1414هـ 1994م
  4. الأحاديث القصار (200 حديث من الصحيحين).



مقالات مرتبطة