القرارات الخفية التي تسيِّر حياتك

حينما تذهب إلى مطعم، غالباً ما يكون أفضل طبق في قائمة الطعام هو أول طبق طلبته عندما زرت المطعم لأول مرة؛ فإذا كنت تعيش في مدينة كبيرة، ويوجد فيها مواقع كافية لتناول الطعام بالخارج فستجرب عدة أماكن، فإذا تناولت وجبة سيئة في أحد المطاعم، فمن المحتمل أنَّك لن تذهب إليه مرةً أخرى، وإذا تناولت وجبةً رائعةً فستعود إليه كثيراً.



ستكون بعض الأطباق ممتازة عندما تذهب إلى مطعم ما لأول مرة، وبعضها الآخر سيكون متوسطاً، وعندما تتناول وجبةً رائعةً، وتقرر العودة مرةً أخرى، فستكون تلك الوجبة من الأطباق الممتازة.

ما تأكله في المطعم هو قرار سهل، ولكنَّه يمثل أحد أكثر أنواع القرارات شيوعاً التي تتخذها في حياتك كلَّ يوم: الاستكشاف أو الاستغلال.

الاستكشاف أو الاستغلال:

سيواجهك عندما تذهب إلى المطعم دائماً خيار، وهو هل يجب أن تأكل وجبةً تعرف أنَّها جيدة جداً؛ وهذا ما يسمى بالاستغلال، أو أنَّك ستجرب وجبةً أخرى قد تكون أفضل؛ وهذا ما يسمى بالاستكشاف؟

كما ذكرنا أعلاه، من المنطقي أن تفضل اختيار أول شيء طلبته في المطاعم التي تعجبك، وهذا لا يعني أنَّك يجب ألا تبدأ تجربة أطباق جديدة؛ وإنَّما اختيارك الأول يميل إلى أن يكون أفضل من الاختيار العشوائي.

ومع ذلك، تَظهر قرارات الاستكشاف والاستغلال في كلِّ جانب من جوانب الحياة:

  1. هل يجب أن تستمر في مجال عملك الحالي أم تنتقل إلى عمل جديد؟
  2. هل تستمر في العمل على النوع نفسه من المشاريع التجارية أم تجرب أمراً آخر؟
  3. هل تذهب إلى المكان نفسه في العطلة أم تحجز رحلةً إلى وجهة جديدة رائعة؟
  4. هل تستمر في قراءة الكتاب الحالي أم تقرأ كتاباً جديداً؟

حتى القرارات الصغيرة مثل قيادة السيارة إلى المنزل من الطريق المعتاد نفسه في أثناء تنقلاتك، أو الانعطاف إلى طريق جديد هي نسخة من مشكلة الاستكشاف والاستغلال.

شاهد: 5 خطوات لإتقان فن اتخاذ القرارات

حل مشكلة الاستكشاف والاستغلال:

ليته كان يوجد قاعدة تفيدنا في تحديد متى علينا الاستكشاف أو الاستغلال؛ إذ اتضح أنَّه لا يوجد حل معروف لهذه المشكلات عموماً.

حتى في المواقف المفتعلة، والتي يجب أن تحدد فيها الخيار الأفضل - إذ يمكنك الاختيار من بين قائمة محدودة من الفرص، والتي لن تتغير قيمها في حال عدم استخدامها - فإنَّ الحل معروف، لكن من الصعب جداً حسابه لدرجة أنَّه من غير المحتمل أن يتمكن أيُّ شخص فعلياً من تحديد الاختيار الصحيح.

لذلك، إذا كانت مشكلات الاستكشاف والاستغلال شائعة جداً، فإنَّ الحل العام لهما غير معروف، لكن أحد الخيارات هو ببساطة اتخاذ القرار الأفضل الذي تعرفه في كل مرة؛ أي الاستغلال، وإضافة بعض العشوائية حتى تتمكن من تجربة أمر مختلف؛ أي الاستكشاف.

يوجد خيار آخر يتمثل في الاستكشاف عن عمد عندما يكون لديك مزيد من الوقت، فيستكشف الأشخاص في التجارب خيارات جديدة عندما يعتقدون أنَّه سيكون لديهم مزيد من الوقت للتصرف، أمَّا إذا كان وقتهم ضيق، فالخيارات المعروفة والأكثر أماناً، يمكن أن تكون هي الخيارات المنتقاة.

فإذا كنت تتوقع الذهاب إلى المطعم نفسه لسنوات قادمة، فقد ترغب في تجربة جميع الأطباق الموجودة فيه، موازنةً بما إذا كنت ستزور المدينة التي يوجد فيها المطعم لمدة أسبوع فقط.

الخيار الثالث هو استخدام المعلومات خارج تجربتنا الشخصية لتخمين مدى جودة فرصنا الحالية. فإذا كان أصدقاؤك يمدحون طبقاً معيناً من الطعام، وكان طبقك رديئاً بعض الشيء، فقد ترغب في التبديل في المرة القادمة حتى لو لم تجربها بعد.

العمر والاستكشاف:

يؤدي الوقت دوراً هاماً في اتخاذ القرارات القائمة على الاستكشاف أو الاستغلال، فإذا كان لديك كثيراً من الوقت للاستفادة ممَّا تصادفه، فستصبح أكثر استعداداً لتجربة أمور جديدة، أمَّا إذا كان وقتك محدود فستتمسك بما تعرفه جيداً.

يؤثِّر هذا الأمر في طريقة تقدُّمنا ​​في العمر، فالأطفال هم أكبر مستكشفين؛ إذ يحاولون تجربة أمور لا يتقنونها، وتكوين صداقات جديدة بسهولة، والتعامل مع المواقف الجديدة بفضول.

في المقابل مع تقدمنا ​​في العمر نوجِّه حياتنا نحو المكافآت المعروفة، ونقضي الوقت مع العائلة والأصدقاء القدامى بدلاً من مقابلة أشخاص جدد، ونتمسك بمهننا وهواياتنا.

فخ الوصول إلى الحد الأقصى:

الحد الأقصى هو أشبه بتلٍّ صغير بجوار جبل، وعندما تصل إلى قمة التل، فإنَّ الطريقة الوحيدة التي يمكنك بها الصعود إلى الأعلى هي النزول أولاً، لكنَّ البقاء على قمة التل سيمنعك من رؤية المناظر من قمة الجبل.

يمكن أن يؤدي الفشل في استكشاف ما يكفي إلى الوقوع في فخ الحد الأقصى، فقد تسمع عن طالب طب تمكَّن في أيامه الأولى في الكلية من جني كثير من المال بسبب عمله في أحد المقاهي؛ ومن ثَمَّ أصبح من الصعب عليه القيام بالأمرين معاً، ممَّا أثِّر في دراسته، وانتهى به الأمر إلى ترك الجامعة.

إنَّ الحصول على فرصة عالية القيمة مبكراً في حياتنا، يمكن أن يخدع عقولنا، فبعد أن تحصل على نجاح مميز سيرتفع سقف طموحاتك ارتفاعاً لن تلبيه بعد ذلك أيَّة فرصٍ مميزةٍ على الأمد البعيد؛ لذا كن حذراً من طريقة حكمك على النجاحات، والإخفاقات المبكرة، فأحياناً يمكن أن يكون النجاح المبكر بمنزلة فخ لنا.

الطموح والاستكشاف:

من الواضح أنَّ الانفتاح على التجارب الجديدة مرتبط بالاستكشاف، فقد يكون لدى بعض الأشخاص صفة شخصية تدفعهم إلى استكشاف المزيد بينما يختار آخرون اتخاذ الخيار الآمن.

مع ذلك، الطموح هو أحد العوامل أيضاً؛ إذ يبدو أنَّه مزيج من المعرفة بالإمكانات التي يمكن تحقيقها والموجودة في العالم، إضافة إلى وجود ثقة معينة بأنَّك قد تكون قادراً بالفعل على تحقيقها.

من المحتمل أن يستكشف الأشخاص الأكثر طموحاً المزيد، ويرفضون الوظائف الجيدة؛ نظراً لأنَّ توقعاتهم الأساسية المتعلقة بمدى وجود المكافآت الجيدة أعلى بكثير، وهذا التغيير في الاستراتيجية قد يسرِّع من نجاح تجربة الناس الطموحين.

لا يكون الاستكشاف في حالات أخرى مدفوعاً بطموح محدد كأن تحصل على أموال أكثر؛ بل بسبب عدم الرغبة في الحصول على مكافآت تقليدية في المقام الأول.

شاهد: 7 خطوات لاتخاذ القرارات والالتزام بها

تمكين الاستكشاف:

يؤدي الوقت دوراً هاماً للغاية في استكشاف القرارات واستغلالها، والوقت هنا لا يعني فقط مقدار الوقت الذي تحتاجه للعيش؛ وإنَّما الوقت الذي تحتاجه للحصول على مكافأة من أجل الاستمرار.

إنَّ ظروف حياتك تحدد الوقت اللازم لاستكشاف القرارات أو استغلالها، فإذا كنت تشعر بالأمان، والراحة، والثقة، فستكون أكثر استعداداً لترك عملك وتجربة مهنة جديدة أو تغيير تخصصك الدراسي أو مرافقة شخص مختلف أو تجربة أعمال جديدة قد تفشل تماماً.

كثرة الاستكشاف ليست أمراً جيداً دائماً، لكن وجود مساحة للاستكشاف هو أمر جيد؛ وذلك لأنَّ حدسنا المتعلق بمعرفة متى يجب أن نستغل أو نستكشف أمراً ما يميل إلى أن يكون جيداً إلى حدٍّ ما، أو على الأقل أفضل من تحليل القرارات، ومع ذلك إذا أُجبِرنا على هذا القرار - لأنَّ الحصول عليه اليوم يتطلب التضحية بمحاولة تجربة أيِّ أمر جديد - فقد ينتهي بنا الأمر باتخاذ قرارات أسوأ.

توجد عدة طرائق يمكنك بها تحديد هذا الأمر، فللسماح على الأقل بإمكانية تحقيق مزيد من الاستكشاف في حياتك، يجب:

1. توفير الضمان المالي:

هذا يعني العيش دون إمكاناتك، وتوفير المال باستمرار.

2. تجنُّب الانشغال:

نظِّم حياتك، وجدول مهامك؛ إذ لا يميل الأشخاص المرهقون إلى الاستكشاف كثيراً.

3. تخصيص بعض الوقت للقيام بأمور جديدة:

إذا لم تتمكن من إلغاء الأمور الموجودة في جدولك الحالي، حاول دفع نفسك للقاء أشخاص جدد، وتعلُّم أمور جديدة، والذهاب إلى أماكن جديدة.

إقرأ أيضاً: منهجية كينيفن: أفضل منهجية يجب على القادة اعتمادها في اتخاذ القرارات

4. إنشاء صداقات وعلاقات مستقرة:

نحتاج إلى ما هو أهم من المال للازدهار؛ إذ يمكن أن تؤثِّر الوحدة أو الوجود في علاقات سامة في القرارات قصيرة الأمد التي لا تتطابق مع اهتماماتنا طويلة الأمد.

5. تقبُّل القليل:

إنَّ الأشخاص الذين يحققون أرباحاً كبيرةً يشعرون بأنَّهم محاصرين في قراراتهم، في حين أنَّ الأشخاص الذين يكسبون أرباحاً قليلة يمتلكون قدرة أكبر على اتخاذ القرار؛ هذا لا يعني أنَّ المال ليس هاماً، لكن من الممكن أن يكون لديك القليل، وتتمكن من ربط أسلوب حياتك بالمبلغ الذي تكسبه.

إقرأ أيضاً: التردد في اتخاذ القرارات: الأسباب والعلاج

في الختام:

توجد أمور في الحياة لا تحتاج إلى استكشاف، على سبيل المثال، إذا حصلت على شريك رائع، فأنت لا تحتاج إلى معرفة شخص آخر بدلاً من ذلك، فإنَّ وجود شخص كهذا سيساعدك على تقديم قرارات مثالية.

يمكنك إجراء تغييرات صغيرة تساعدك على الاستكشاف؛ إذ يمكنك تحسين وضعك المادي، والصحي، ووقتك؛ إذ تقلل من القيود المفروضة عليك.

بالنسبة إلى معظم الأشخاص، فإنَّ الهدف من الحياة هو الاستفادة من كلِّ لحظة فيها، ومن كلِّ قرش تنفقه، ومن كلِّ ثانية في جدولك، وفي هذه الحالة إذا كان يوفر لك ذلك فرصاً جديدةً، فقد يكون ذلك أفضل شيء يحدث على الإطلاق.

المصدر




مقالات مرتبطة