القادة الأذكياء عاطفياً

لا تتمخض القيادة المُلهِمة عن جاذبية الحضور شديدة التأثير التي هي مجرد صورة منمَّقة تفتقر للجوهر، كما لا يمكن للقادة أن يتوقعوا إشراك مرؤوسيهم وإلهامهم بمجرد إظهار السمات العقلانية الخالية من العواطف مثل: الثقة أو الكفاءة أو الذكاء أو السلطة.



لا ريب أنَّ هذه السمات هامَّةٌ، ولكن كما أوضحت البروفيسورة كيري فليمينغ (Kerrie Fleming) في فصلٍ من كتابها "القيادة الملهِمة: كيف تصبح قائداً حيوياً وفعالاً؟" (Inspiring Leadership: Becoming a Dynamic and Engaging Leader): يجذب أفضل القادة مرؤوسيهم المخلِصين ويشركونهم اعتماداً على الصفات الإنسانية التي يتمتعون بها.

في ظلِّ البيئة الراهنة المتقلِّبة وغير المؤكَّدة والمعقَّدة والغامضة التي يُرمز لها بالاختصار باللغة الإنكليزية فوكا (VUCA) حيث يرمز كلُّ حرف إلى بداية هذه الكلمات:

  • متقلِّبة: Volatile.
  • يشوبها انعدام اليقين: Uncertain.
  • معقَّدة: Complex.
  • غامضة: Ambiguous.

 تقول فليمينغ: "أصبحتْ ضرورة إضفاء الطابع الإنساني على القيادة أعظم من أيِّ وقت مضى".

ما الذي يفصِل القيادة "ذات الطابع الإنساني" عن القيادة المبنيَّة فقط على السُّلطة الوظيفية و/ أو الكفاءات والسمات الفكرية؟ وفقاً لفليمينغ (Fleming)، تتجلى الإجابة في مفهوم الذكاء العاطفي؛ وذلك لأنَّ العواطف هي ما تميزنا كبَشَر، فالوعي بالعواطف وتقديرها في أنفسنا والآخرين هما جوهر القيادة ذات الطابع الإنساني.

عملت فليمينغ (Fleming) - البروفيسورة المساعِدة في السلوك التنظيمي في مركز أشريدج للتعليم التنفيذي (Ashridge Executive Education Centre) في جامعة هولت (Hult) لإدارة الأعمال الدولية، ومستشارة القيادة - عن كثب مع العديد من قادة الشركات والقادة الحكوميين.

شاهد بالفيديو: 12 علامة تدل على أنَّك قائد استثنائي

بالنسبة إلى القادة الذين يجدون صعوبةً في تحديد العواطف أو التعبير عنها، تستخدم فليمينغ (Fleming) لمساعدتهم على التطوُّر أربع قدرات رئيسة للذكاء العاطفي - أو ما يشار إليها باسْم "الفروع" - اختبار كلٍّ من علماء النفس ماير (Mayer) وسالوفي (Salovey) وكاروسو (Caruso) للذكاء العاطفي الذي يُرمز له بالاختصار باللغة الإنكليزية إم إس سي إي آي تي (MSCEIT) للدلالة على أسمائهم متبوعةً باختصار اختبار مصطلح الذكاء العاطفي (Emotional Intelligence Test).

يتمثَّل الفرع الأول للذكاء العاطفي بالقدرة على تحديد العواطف أو إدراكها:

حيث يعتقد العديد من القادة أنَّ عليهم من أجل الثبات في بيئة تنافسية صعبة، إقصاء عواطفهم والاعتماد كلياً على الكفاءات والمواقف العقلانية؛ كما أنَّهم غير قادرين أو حتى راغبين في إدراك الاحتياجات العاطفية للآخرين.

يعي القادة الأذكياء عاطفياً عواطفهم، ويدركون عواطف الآخرين مستخدمين حدسهم، فهم على استعداد للإصغاء إلى هموم الآخرين، كما يمكنهم قراءة العواطف التي تكشف عنها تعابير الوجه أو لغة الجسد أيضاً.

يتمثَّل الفرع الثاني للذكاء العاطفي بالقدرة على توظيف العواطف:

فتُستخدم هذه المهارة للتلاعب بالعواطف، وإدراك تأثير العواطف في الأحكام التي نطلقها أو في قراراتنا أيضاً؛ حيث تقول فليمينغ (Fleming) إنَّ القادة الأذكياء عاطفياً: "يستثمرون البيانات العاطفية" ويتصرفون بناءً عليها.

إنَّ أبسط مثال على ذلك، سواء كنت في مزاج حسَن أم سيئ، فسوف يخفف القادة الأذكياء عاطفياً مِن شِدة ردود أفعالك تجاه الأحداث أو المواقف، ومن خلال تعاطفهم؛ حيث يغلِّف القادة الأذكياء عاطفياً المعلومات التي يقدِّمونها أو المهام التي يسندونها أو تعاملهم مع مرؤوسيهم بقالب عاطفي.

إقرأ أيضاً: ما العلاقة بين الذكاء العاطفي والقيادة؟

يتمثَّل الفرع الثالث للذكاء العاطفي بالقدرة على فهم العواطف:

فعندما يواجهون عواطف الآخرين، يستجيب بعض القادة بمثلها، على سبيل المثال: تكون ردة فعل القادة الذين يواجهون نوبة غضب من أحد الموظفين الغضب أيضاً، مقارنةً بالقادة الأذكياء عاطفياً الذين يحاولون اكتشاف الأسباب التي تثير هذه العواطف، والذين قد يسعون أولاً إلى التخفيف من حدتها، وربما يتحدثون بانفراد مع الموظف الغاضب مثلاً، ثم يطرحون أسئلةً مفتوحةً تهدف إلى نبش جذور السبب الذي أثار هذه العاطفة.

يتمثَّل الفرع الرابع والأخير للذكاء العاطفي بإدارة العواطف:

حيث تبدأ إدارة العواطف بعدم الانجرار وراء تجاهلها أو قمعها، فهذا رد فِعل شائع لدى العديد من القادة، وفي الوقت نفسه، لا ينبغي أن ندع هذه العواطف تستفحل وتسير على هواها؛ إذ يكمن السر كما تقول فليمينغ (Fleming) في: "اختيار استراتيجيات عاطفية فعالة للوصول إلى نتيجة عاطفية معيَّنة في المواقف الاجتماعية".

إنَّ أفضل الاستراتيجيات للتعامل مع العواطف، هي التي تجمع بين التفكير والشعور، في الوقت الذي يدرك فيه القادة الأذكياء عاطفياً الحاجة إلى أن يكونوا عقلانيين في قراراتهم أو ردود أفعالهم، يتقبَّلون أيضاً العواطف، حتى لو كانت مزعجة؛ حيث يضمن هذا التوازن بين التفكير والمشاعر اتخاذ قرارات أفضل لكلٍّ من القادة ومرؤوسيهم.

إقرأ أيضاً: كيف تعزز الذكاء العاطفي في فريقك؟

وتستنتج فليمينغ (Fleming) أنَّ: "الناس يتبعون القادة الإنسانيين، حتماً أولئك الذين يعرفون القيادة على أصولها، ولكن أيضاً الذين يلهمونهم ويُظهرون شيئاً من كونهم غير معصومين عن الخطأ".

للأسف، قد يدفع الغرور أو انعدام الأمان لدى العديد من القادة إلى رفض مكوِّنات القيادة القوية، لكن لا عليك، توجد أدلة كثيرة تدعم الزعم القائل إنَّ القادة الأكثر فاعليةً هم مَن يدركون عواطفهم وعواطف مَن حولهم ويوظفونها ويفهمونها ويديرونها، فتكون النتيجة قادةً "يقودون بطريقة ملهِمة وذكية".

 

المصدر




مقالات مرتبطة