الفلسفة التجريبية بوصفها فلسفة جديدة في الحياة

تدور الحياة حول التجربة واختبار الواقع، وليس مجرد فهمنا له، ويجب أن تعكس فلسفة حياتنا ذلك، فكما يقول الكاتب الأمريكي فرانك هربرت (Frank Herbert) في رواية "كثيب" (Dune): "لغز الحياة ليس مشكلة يجب حلُّها؛ بل حقيقة يجب تجربتها".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب الأمريكي إيفان ترافر (Evan Traver)، ويُحدِّثنا فيه عن تجربته في اعتماد التجربة بوصفها فلسفة جديدة في حياته.

هل الوجودية خدعة؟ وهل من الممكن أن يكون عظماء الفلسفة مثل: كيركيجارد (Kierkegaard)، ودوستويفسكي (Dostoyevsky)، وسارتر (Sartre)، ونيتشه (Nietzsche) مخطئين في تفكيرهم؟

قبل أن نحدد ما إذا كان الفلاسفة السابقون على خطأ أكثر من كونهم على صواب دعنا نُعرِّف الوجودية، فمن الأفضل دائماً أن نفهم لماذا يمكن لشيء ما أن يكون صحيحاً قبل محاولة إثبات أنَّه غلط؟

إذاً، الوجودية هي اعتقاد فلسفي يفيد أنَّ الحياة تبدأ من الفرد، وأنَّ الفرد هو الذي يعطي المعنى للعالم؛ وعلاوةً على ذلك يظنُّ الوجوديون أنَّ البشر كلَّهم يبدؤون "بموقف وجودي"، ويتصرفون بناءً على ارتباكهم في مواجهة عالم يبدو بلا معنى، وغالباً ما يكون عبثياً.

1. العبثية:

هي كلمة مثيرة للاهتمام؛ وتعني في الوجودية أنَّه لا يوجد معنى للعالم بخلاف المعنى الذي نعطيه له بصورة فردية، وقد يبدو هذا صحيحاً، وخاصةً إذا كنت تؤمن بفلسفة العصر الحديث، ومدى ارتباطها بهدف الحياة.

2. الواقعية:

هي كلمة أخرى مثيرة للاهتمام شاعها سارتر (Sartre)، وهي بالنسبة إلى الوجوديين فكرة تبين أنَّه على الرَّغم من أنَّ الفرد هو الذي يخلق واقعه، إلا أنَّ البشر جميعهم في حالة عدم وجود؛ بسبب حقيقة أنَّ "ماضي المرء يحدِّد ما هو عليه"؛ وتتحدث عن حقيقة أنَّ ماضينا يحدُّ فعلياً من حريتنا؛ إذ إنَّه يتكون من عدة أشياء لا يمكننا التحكم بها؛ مثل مكان الولادة والتنشئة، بقدر ما يتكون من أشياء يمكننا التحكم بها؛ أي حرية الاختيار.

إضافة إلى ذلك، وعلى الرَّغم من أنَّ الوجوديين يعترفون أنَّ الحاضر والمستقبل مهمان أيضاً، إلا أنَّ إنكار الأهمية القصوى لماضيك هو إنكار أصل مسار حياتك؛ وحتى فعل تغيير هذا المسار لا يمكن تحقيقه إلا بأفعال سابقة.

يمكننا الاستمرار في الحديث عن الأمر، لكن أظنُّ أنَّنا فهمنا جوهر الوجودية على أنَّها وجهة نظر للعالم تقول: إنَّ البشر لديهم القدرة على إعطاء معنى لعالم لا طائل منه على ما يبدو؛ وأنَّ ماضي الإنسان يؤدي مباشرة إلى ما هو عليه اليوم وغداً.

لعلَّك تظنُّ أنَّ الوجودية تشبه إلى حد كبير المفاهيم الفلسفية المتداولة اليوم التي تحاول جميعها - ومن ذلك الوجودية - الإجابة عن سؤال: ما هو الهدف من الحياة؟

إقرأ أيضاً: هل تعتمد سعادتك على المكان الذي تعيش فيه؟

ما هو الهدف من الحياة؟

عندما أحاول الإجابة عن هذا السؤال باستخدام المعتقدات الوجودية والفلسفات الحديثة كلِّها، مثل تلك التي ابتكرها الفيلسوف إيكهارت تول (Eckhart Tolle) أفشل دائماً في ذلك، وعندما يكون السؤال الذي تطرحه عن موضوع في غاية الأهمية بوصفه "معنى الحياة"، ويتخلل كلَّ جانب من جوانب حياتك، سواء كان ذلك في حياتك المهنية أم حياتك الشخصية أم حياتك العاطفية أم غيرها، ومن الهام أن تحدد معتقداتك، ولا تعتمد على الفلسفات العامة التي أُعيد استخدامها لقرون.

تحديدُ معتقداتنا:

يبدو لي أنَّ الوجودية، وفلسفة العصر الحديث - التي هي مزيج من الفلسفة الوجودية والوضعية والرومانسية - تشرح أمرين متعارضين هما: إنَّ الحياة مشكلة يجب حلَّها، وواقع يجب تجربته.

عندما تفكِّر في الأمر، وعلى الرَّغم من أنَّ العالم مليء بالفروق الدقيقة يجب أن تكون الحياة واحدة من أمرين: مشكلة قابلة للحلِّ، أو واقع تجريبي، وربما ليست كذلك، فربما علينا من أجل حلِّ المشكلة تجربة الواقع فقط بالتجريب الفعَّال الذي يمكِّننا من العثور على إجابة لأيِّ سؤال، أو إذا كنت تريد التفكير في التجربة أولاً يمكن أن تؤدِّي تجارب الحياة إلى العثور على إجابات لأسئلة لم تكن تفكر مطلقاً في طرحها.

بصرف النظر عمَّا تركِّز عليه أكثر: المشكلة القابلة للحل، أو الواقع التجريبي، فيبدو أنَّ كلَّ شيء يبدأ بالتجربة؛ إذ إنَّ تجارب الحياة هي ما تهمنا حقاً، وبواسطتها فقط نسلِّح أنفسنا بالمعرفة والفهم الكافيين حتى نبدأ الإجابة عن أسئلة الحياة العميقة التي تبدو غير قابلة للحلِّ.

شاهد بالفديو: رحلة الحياة بـ (10) خطوات بسيطة

ما هو الهدف والمعنى من كلِّ هذا؟

قد يتضح أنَّ الإجابة عن هذه الأسئلة هي "لا شيء"، وأنَّ الوجوديين أصابوا عندما قالوا إنَّ الحياة لا معنى لها بخلاف المعنى الفردي الذي نعطيه لها، لكن بالتجارب المرجعية فقط نصبح قادرين على المعرفة؛ فهي ليست إجراءات قابلة للحلِّ، لكنَّها تجارب لا تُنسى تمنحنا الفهم.

ماذا يجب أن نسمي فلسفتنا الجديدة إذاً؟ هل نسميها التجريبية؟ وربما يمكن تسمية مُمارِس تلك الفلسفة بالتجريبي؟

تعجبني حقاً فكرة الفلسفة التجريبية؛ لأنَّها تبدو شاملة للجميع؛ فهي بالتأكيد الأساس الذي يمكن من أجله بناء جميع الفلسفات الأخرى طالما أنَّهم يتفقون على أنَّ جذور كلِّ معتقد هي التجربة، وعندما تكون الحياة شديدة الدقة؛ فيكون هناك تناقض بين كلِّ معتقد؛ فإنَّ امتلاك فلسفة يمكنها جمع المعتقدات الفلسفية الأخرى يبدو أنَّها الفلسفة الوحيدة التي تستحق العمل بها.

إقرأ أيضاً: أقوال وحكم رائعة لأشهر الفلاسفة والحكماء

في الختام:

في الوقت الحالي، سأعتمد ذلك وأتبنى الفلسفة التجريبية؛ فأظنُّ أنَّ كلَّ شيء في الحياة من الحتمية إلى حرية الاختيار، يأتي نتيجة للتجارب التي يمر بها المرء في الحياة؛ لذا أظنُّ أنَّ الهدف من الفلسفة التجريبية هو تعزيز قيمة تجارب.

المصدر




مقالات مرتبطة