الفروق الفردية وكيف تتعامل معها؟

تمثِّل الفروقات الفردية ظاهرة حقيقية موجودة لدى الكائنات الحية، لا سيَّما الإنسان، فتوجد فروقات بين الأفراد تؤدي دوراً كبيراً في بناء المجتمع وتنظيمه؛ فلو قررنا مثلاً أن نستعرض الكائنات الحية من الكائن الأدنى مرتبة إلى الكائن الأعلى مرتبةً - أي الإنسان - لوجدنا أنَّه لا يوجد فردين متشابهين تشابهاً تاماً أو لديهما استجابات واضحة محددة في مواقف معينة.



الفروقات الفردية عموماً تعني الاختلاف في درجة وجود الصفة لدى الأفراد، سواء الصفات الجسدية أم الصفات النفسية، والفروقات هي انحرافات عن متوسط الجماعة في الصفات سواء في العمر، أم في شكل الجسم، أم اللون، أم التعلم، أم التدريب، أم المهارات، أم الانفعالات، ويرى الباحثون أنَّ السبب الرئيس في الفروقات الفردية هو الوراثة، كما يجد آخرون أنَّ البيئة عامل مؤثر هام منذ لحظة ميلاد الإنسان حتى وفاته، فالبيئة التي يعيش فيها الفرد يمكن أن تُحفِّز الفروقات الفردية وتعززها، وإنَّ كلاً من التعلم والتدريب والتمرين ونمط الحياة ونمط التغذية هي مكملات للوراثة.

ما هي الفروقات الفردية؟

الفروق الفردية

تمثل الفروقات حقيقة اختلاف الناس عن بعضهم في القدرات أو المواهب، أو الاستعدادات، أو النشاطات، أو النواحي والخصائص، أو السمات الجسمية، أو السمات النفسية، أو السمات الاجتماعية وغيرها، وكلما كانت الفروقات أكبر اتضح أثرها أكثر.

كما يقول "ممدوح الكناني" إنَّ الفروقات الفردية هي الاختلاف في درجة وجود الصفة جسدية كانت أم نفسية لدى الأفراد مُقاسةً بالدرجة المئوية إذا كان الهدف هو معرفة الفروقات بين الأفراد وتحديد مستوى كل فرد في صفة معينة ومُقاسةً بالدرجة المعيارية إذا كان الهدف هو معرفة الفروقات داخل الفرد في أكثر من صفة؛ فالحديث عن الفروقات الفردية يتطلب الاعتراف بأنَّ الأفراد يشتركون في وجود صفة معينة؛ لكنَّهم يختلفون في مقدار وجود هذه الصفة.

يُعَدُّ الميدان التربوي والتعليمي من أكثر الميادين التي يُرَكَّز فيها على دور الفروقات الفردية وتأثيرها في تعليم الفرد؛ فالفروقات الفردية في الميدان التربوي هي عبارة عن الاختلافات الموجودة في قدرات التلاميذ في الفصل الواحد، فيوجد في الفصل الطفل الموهوب، والطفل بطيء التعلم، والطفل سريع التعلم، والطفل العادي ذو القدرات المتوسطة، وعند التمعن في الحياة المدرسية نجد الفروقات واضحة بين التلاميذ، وأكبر دليل على وجود تلك الفروقات هو الاختلاف في التحصيل الدراسي؛ فالفروقات الفردية:

1. عامة:

على الرَّغم من أنَّ لكلِّ إنسانٍ خصائصه التي يشترك بها مع أبناء جنسه، لكن توجد صفات وخصائص يتفرد بها للتكيف مع البيئة المحيطة، وتتجلى صفة العمومية في أنَّ ظاهرة الفروقات الفردية شاملة وتتسع لتشمل كل كائن موجود على وجه الحياة.

2. الفرق الكمي:

المقصود به الفرق بين أعلى درجة وأقل درجة في وجود خاصة أو صفة ما؛ فالفرق بين الطالب الذكي والطالب الأقل ذكاءً هو فرق في الدرجة وليس في وجود الصفة من عدمها، وممَّا تلاحظه الدراسات أنَّ أكبر مدى في الفروقات الفردية للتلاميذ موجود في السمات الانفعالية، ومن ثمَّ الفروقات في السمات العقلية المعرفية، أمَّا أقل مدى فيوجد في الصفات الجسمية.

3. ثبات الفروقات الفردية:

تتغير الفروقات الفردية وتتبدل مع مرور الزمن؛ أي كلما تقدم التلميذ في العمر وازداد عدد سنواته، كما أنَّ مقدار هذا التغيير غير ثابت وليس معروف، ولكن بالنتيجة يرى الباحثون في هذا الشأن أنَّ معدل الثبات في السمات العقلية أكبر من معدل الثبات في السمات الانفعالية، فالسمات الانفعالية أكثر تأثراً بعوامل البيئة المحيطة بالفرد.

4. توزُّع الفروقات الفردية:

نلاحظ أنَّ أكثر المستويات انتشاراً تكون حول درجة المتوسط من السمة، وتقل هذه الفروقات كلما اتجهنا نحو المستوى الضعيف أو الممتاز.

يبقى الهدف الأساسي من دراسة الفروقات الفردية هو معرفة مستوى التباين بين الأفراد ومحاولة مساعدة الفرد على تحقيق التوازن في كافة الجوانب المكونة لأدائه؛ فأهم خاصَّة تُميِّز المعلم الكفء عن سواه من المعلمين هو استطاعته فهمَ احتياجات تلاميذه وخصائصهم؛ فمعرفة الفروقات الفردية تساعد على:

  • فهم سلوكات الأفراد.
  • مساعدة الفرد على استغلال قدراته ومواهبه.
  • التوجيه العلمي للفرد.
  • التوجيه المهني للفرد.
  • الوراثة

العوامل التي تؤثر في الفروقات الفردية وتعززها:

يرى علماء الوراثة أنَّ العامل الأساسي والفارق في وجود الفروق الفردية هو الوراثة؛ فانتقال الخصائص التي يحملها الوالدين إلى الأبناء أمر مؤكد لا مفر منه؛ أي الفروق الفردية هي حقائق بيولوجية في أساسها، وبسبب ذلك فقد أرجَعَ قسمٌ كبيرٌ من العلماء الفروقات الفردية إلى عوامل وراثية؛ لأنَّ مختلف ما نملكه من مواهب وقدرات نرثُها من الوالدين بالضبط كما نرث السلوك الفطري؛ فكل صفة من الصفات التي يمتلكها الإنسان بما فيها الصفات الجسمية كالطول والوزن والصفات الانفعالية مثل المزاجِ الحادِّ لا بد أن تظهر في الأجيال التالية.

1. المرحلة العمرية:

يبدو أنَّ العمر من أكثر العوامل التي تُحدِث تأثيراً في الفروقات الفردية وتميزها بدرجة كبيرة؛ فكلما كان العمر صغيراً كانت الفروقات الفردية غير واضحة، وكلما كبر الفرد اتضحت الفروقات أكثر وأصبحت أكثر اتساعاً، لكن على الرغم من أنَّ الفروقات الفردية تصبح واضحة في مرحلة الرشد وما بعدها إلَّا أنَّها تكون موجودة لدى التلاميذ في مراحل التعليم المختلفة، لا سيَّما الابتدائية.

2. الجنس:

تختلف القدرات بين الذكور والإناث في مراحل العمر المختلفة؛ فمن الناحية التعليمية مثلاً تتفوق الإناث في القدرة اللفظية على الذكور في مرحلة المراهقة أو بعد سن الحادية عشرة - إن صحَّ التعبير - على الرغم من أنَّ هذه القدرة تتساوى لديهم في مرحلة التعليم الأولى.

3. الذكاء:

هو قدرة الإنسان على التصرف على نحو صحيح بناءً على الأهداف التي حددها سابقاً ومعاملة البيئة المحيطة معاملة فعالة، فتوجد علاقة ارتباط وثيقة بين مستوى الذكاء ومستوى الفروقات الفردية الموجودة بين التلاميذ.

إقرأ أيضاً: أهم النصائح لزيادة ذكاء الطفل وتحقيق التفوق في المدرسة

4. البيئة:

تمثل البيئة عاملاً مكتسباً يؤثر في وجود الفروقات الفردية؛ فهي عبارة عن مجموعة المؤثرات التي يتلقاها الفرد منذ ولادته حتى وفاته، سواء أكانت هذه المؤثرات ناتجة عن التفاعل مع الأسرة أم المدرسة أم جماعات الرفاق والأقران، وتجدر الإشارة إلى أنَّ هذه المؤثرات تكون خاصة بكل فرد ويستغلها بطريقته الخاصة.

على سبيل المثال، إذا كان هناك أخوان يعيشان في المنزل نفسه وفي الظروف المعيشية نفسها فليس هذا معناه أن يتساويا في المواهب والقدرات؛ فلكل منهما تجربته المرتبطة بخبراته الماضية الخاصة به والمختلفة عن الآخر، والشيء نفسه ينطبق على القاعات الدراسية، فيوجد فيها أطفال من بيئات مختلفة ولكل منهم خبراته وتجاربه الخاصة به، كما أنَّ النمو العقلي يتوقف إلى حد كبير على ما يواجه الفرد من عوامل البيئة، لا سيَّما خلال مراحل حياته الأولى؛ أي الطفولة.

بالنظر إلى العوامل السابقة يمكن القول إنَّ الفروقات الفردية بين الأفراد هي نتيجة تفاعل نوعي العوامل الوراثية والبيئية؛ فالقدرات والاستعدادات تمثل الجانب الوراثي، في حين تمثل الخبرات والممارسات الجانب البيئي.

أنواع الفروقات الفردية:

1. الفروقات بين الأفراد:

هي الفروقات التي نجدها بين الأفراد سواء أكانت تلك الفروق في الصفات الجسمية أم في الصفات النفسية، فيُقارَن الفرد بغيره من الأفراد ويُحدَّد مركزه النسبي بين الأفراد بناء على تلك الصفة المختارة؛ فالفرق هنا هو فرق في الدرجة وليس النوع، والفرد الذي يحصل على درجة معينة في صفة ليس بالضرورة أن يحصل على الدرجة نفسها في صفة أخرى؛ فعلى مستوى الفصل الدراسي قد يحتل أحد الطلاب المركز الأول في معدل الذكاء، في حين يحتل المركز الثالث أو الرابع من حيث المهارات الاجتماعية.

2. الفروقات في الفرد نفسه:

إنَّ الأمر مشابه لوجود الفروقات بين فرد وآخر؛ فكما يختلف الفرد عن فرد آخر في القدرات فإنَّ الأمر ذاته يحدث في الفرد، فلا تتساوى جميع قدراته ومهاراته مع بعضها؛ فقد يمتلك الفرد مهارة لفظية عالية، في حين تكون مهاراته العددية متوسطة، كما تختلف قدرة الفرد من حيث القوة والضعف فقد يكون الفرد ذكي جداً؛ لكنَّه ضعيف الإرادة، وبإسقاط تلك الكلمات على الميدان التربوي نرى أنَّ التلميذ يمكن أن يكون متمكناً وقوياً في نشاط معين وضعيفاً في نشاط آخر.

3. الفروقات بين الجماعات:

أثبتت الدراسات الكثيرة التي تناولت الفروقات الفردية وجود فروقات بين الجماعات المختلفة وبين الأجناس المختلفة وبين المراحل العمرية المختلفة، ودراسة مثل هذه الفروقات تسهم إسهاماً فعالاً في معرفة الطريقة التي يجب معاملة الآخر فيها.

إقرأ أيضاً: 10 طرق يمكن للمعلمين اتّباعها لجعل التعليم أكثر متعة

الفروقات الفردية بين التلاميذ كيف نفهمها ونعاملها؟

فكرة أنَّ الأفراد يتعلمون على نحو مختلف هي فكرة قديمة، والفروقات الفردية بين التلاميذ تمثل الاختلاف الذي يُلاحَظ بين الطلاب في أسلوب التعلم؛ فالتعلم سوف يتم على نحو أفضل إن استخدم كل تلميذ أسلوبه المميز الذي يناسبه في التعلم، كما يمكن للمعلمين بناء نشاطات وأنموذجات تعليمية وفق أساليب تعلم التلاميذ المفضلة.

الفروقات الفردية في القدرات العقلية والسمات الشخصية أمر واقع يجب على المدرسة والمعلمين فيها تقبل هذا الاختلاف والعمل على إيجاد الحلول المناسبة له؛ فوجود فروقات يعني وجود الصفة الأساسية بنسب متفاوتة بين التلاميذ؛ أي وجود توزع للصفة عن المستوى المتوسط إمَّا إيجاباً أو سلباً، ومن واجب المعلم هنا رعاية الأفراد المتطرفين عن القيمة المتوسطة بحيث يهيئ لكل فئة سواء من الموهوبين أم من ضعاف العقول ما يناسبهم، وتوجد مجموعة من الطرائق والأساليب التي يمكن للمعلم اعتمادها في معاملة الفروقات الفردية داخل الصف منها:

1. أسلوب المجموعة الواحدة:

هو أسلوب يقوم على تقسيم التلاميذ وفقاً لمستوى قدراتهم العقلية؛ أي تقسيم التلاميذ إلى مجموعة متجانسة من الناحية العقلية ضمن شعبة واحدة، بحيث تُصمَّم نشاطات خاصة بكل مجموعة منهم تناسب إمكاناتهم وقدراتهم.

2. أسلوب التقسيم العشوائي:

يُجمَعُ الطلابُ وفقاً لهذا الأسلوب من كافة المستويات العقلية في محاولة لتحقيق الاندماج بينهم وتحفيز الضعفاء منهم على الالتحاق بزملائهم المميزين.

ومن النصائح التي يمكن للمعلم الأخذ بها في تعامله مع الفروقات الفردية في صفه ما يأتي:

  • تنويع أساليب التدريس التي يستخدمها في الصف.
  • تنويع الأمثلة التي يقدمها والسماح للتلاميذ بالتعليق وإبداء الآراء وطرح الاستفسارات.
  • تنويع الحركات التي يقوم بها المعلم في الصف؛ فلا يطيل الجلوس أو الوقوف، أو يستخدم السبورة بكثرة أو لا يستخدمها على الإطلاق؛ بل يجب التوسط في كل شي داخل الصف.
  • تأمين جو مناسب من التفاعل داخل الصف بحيث يشعر كافة التلاميذ بالراحة ويشاركون في نشاطات الدرس.
  • التنويع في أساليب جذب التلاميذ للدرس.
  • استخدام أساليب مختلفة في الثواب، والتقليل قدر الإمكان من أساليب العقاب.
  • بناء المناهج وفقاً للفروقات الفردية.
  • السعي إلى إشباع كافة رغبات التلاميذ وميولهم وتشجيعهم على إتقان ما يملكون من مواهب.

شاهد بالفيديو: 8 طرق تساعد المعلم على أداء مهنته بنجاح

في الختام:

يقول الأصمعي: "ما يزال الناس بخير ما تباينوا، فإذا تساووا هلكوا"؛ فقد فطن الإنسان منذ بدايته على هذه الأرض إلى وجود الفروقات الفردية، وصبَّ اهتمامه خلال مراحل تطور المجتمعات المختلفة على ملاحظة هذه الفروقات وتوصيفها؛ فلا يوجد شخصان متشابهان تماماً؛ فكل فرد يختلف عن الآخر في خصائصه وصفاته التي تؤهله إلى العمل في مجالٍ ما مختلفٍ عن المجال الذي يصلح للفرد الآخر؛ فعلى الرغم من التشابه الكبير في مظاهر النمو الإنساني إلا أنَّ التفاوت موجود في الخصائص الإنسانية "الجسمية والنفسية والعقلية والاجتماعية والحركية واللغوية وغيرها"، وفي الحقيقة هذه الفروقات هي التي تعطي المعنى للحياة.




مقالات مرتبطة