العواقب الخفية للإجازة مدفوعة الأجر غير المحدودة

إذا عرض ربُّ العمل إجازةً مدفوعة الأجر غير محدودة، فمن المُرجح أن يغتنم معظم العمال هذه الفرصة. وفقاً لمكتب إحصاءات العمل في أمريكا (Bureau of Labor Statistics) يُمنح عمال القطاع الصناعي الخاص الأمريكيين والذين يشكلون نسبة 85% فقط من إجمالي العمال في الولايات المتحدة 10 أيام إجازة مدفوعة الأجر وسطياً بعد عام من الخدمة و20 يوماً مقابل 20 عاماً عندما يكون هذا هو المعيار المُتَّبع، فهل من المُستغرب أن يكون بإمكان أرباب العمل إغراء الموظفين المحتملين بإجازة غير محدودة؟



يبدو مع ذلك أنَّ المؤسسات التي تعتمد سياسات الإجازة مدفوعة الأجر غير المحدودة لاحظت بأنَّ موظفيها يأخذون في الواقع إجازات أقل ممَّا كانوا يفعلون قبل اعتماد هذه السياسات، ففي حين أنَّ هذا قد يعود بالنفع على المؤسسة فإنَّ أرباب العمل الذين ينظرون في أمر هذه الإجازة يهتمون بموظفيهم كذلك، ويحاولون الحد من الاحتراق الوظيفي الذي يُعدُّ من أكثر العوامل المساهمة في انخفاض الأرباح، ولكن من الهام الاعتراف بأنَّ الإجازة المدفوعة غير المحدودة لن تعالج ضغط العمل الذي يشعر به الموظفون والاحتراق الوظيفي وعدم الاندماج بحد ذاتها.

التكاليف الخفية للإجازة مدفوعة الأجر غير المحدودة:

تعتقد كيلي بريستون (Kelli Preston) عالمة نفس صناعية مُعتمَدة أنَّ إجازةً مدفوعة الأجر غير محدودة قد تمنع الموظفين من أخذ إجازة لأنَّهم لا يريدون أن يُنظر إليهم على أنَّهم "متقاعسون" أو ضعيفو الأداء، وتُضيف قائلةً: "مع ازدياد متطلبات مكان العمل وقلة موارد القوى العاملة المتاحة خلال السنوات القليلة الماضية، قد يعاني الموظفون زيادة في أعباء العمل أكثر من أيِّ وقت مضى، ممَّا يعني أنَّهم قد يشعرون بأنَّهم مضطرون لرفض الاستفادة من إجازتهم السنوية كاملةً كالمعتاد"، وإذا كان تطبيق السياسة موجهاً نحو تعزيز سلامة الموظفين وعافيتهم فسيكون لذلك تأثير مناقض بالطبع إذا لم يأخذ الموظفون ذاتَ القدر من الإجازات قبل اعتماد السياسة.

يمكن أن ينتج عن إجازة مدفوعة الأجر غير محدودة أيضاً إجراء مقارناتٍ بين الموظفين حتى في الشركات التي تتعهد بأنَّ الإجازة لا تخضع للمراقبة؛ إذ تشير بريستون إلى أنَّ الموظفين الذين لا يحظون بكثير من الإجازات مثل أقرانهم قد يتولد لديهم شعورٌ بالاستياء من بقية أعضاء الفريق لأنَّ تحمُّل عبء العمل يقع على عاتقهم عندما يكون أحد الأفراد في إجازة.

تقول بريستون: "قد تتزعزع ثقة الموظفين بالمؤسسة، ممَّا يؤدي إلى شعورهم بالظلم ويؤثِّر في سلامتهم النفسية"، ومن المحتمل أن تؤثِّر هذه العوامل السلبية في ثقافة الشركة والجو السائد في مكان العمل.

شاهد بالفديو: 6 نصائح لطلب إجازة في العمل والحصول عليها

كيف يؤثِّر هذا في المنظمة؟

بعيداً عن كونها فكرةً غريبة يتوقعها كثيرون فقد أصبحت الإجازة مدفوعة الأجر غير المحدودة الآن عبارةً رنانةً بين الشركات، وعلى الرَّغم من أنَّ الفكرة الكامنة وراءها تستند إلى علم وبحث متعمقَين، فإنَّ تنفيذ هذا النوع من سياسة الإجازات لا يُمثل سوى نصف المعركة.

كما أُشيرَ من قبل يمكن أن يترتب على التطبيق غير الصحيح لها مشكلات متعلقة بالمنافسة والضغط النفسي وزيادة أعباء العمل على الموظفين، وهذه المشكلات الطفيفة على المستوى الفردي سيكون لها تداعيات كبيرة على الشركة بحد ذاتها.

وفقاً للمعهد الأمريكي لدراسة آثار التوتر (American Institute of Stress) تخسر الشركات حوالي 300 مليار دولار سنوياً بسبب الموظفين المُرهَقين، وتوقعات حضور الموظفين رغم المرض، والإنتاجية الناتجة عن رصد عدد الحاصلين على إجازة مدفوعة الأجر غير محدودة تُضاعف هذا الضغط، ممَّا يضيف عبئاً آخر إلى المستوى المتأزم أساساً من الاحتراق الوظيفي في مكان العمل، ويؤدي الاحتراق الوظيفي بدوره إلى انخفاض الإنتاجية وارتفاع معدل دوران العمالة، وقد صنفته منظمة الصحة العالمية على أنَّه "ظاهرة مهنية".

هل يجب على الشركات أن تنظر في أمر الإجازة مدفوعة الأجر غير المحدودة؟

بالطبع عليها ذلك شريطةَ أن يُجرى البحث المطلوب؛ إذ يبدو أنَّ القضية الرئيسة هي أنَّ أرباب العمل يُطبقون سياسات الإجازة مدفوعة الأجر غير المحدودة دون مراعاة الأخلاقيات المرافقة لها بالضرورة؛ إذ تعتمدهُ بعض الشركات لجذب موظفين جدد؛ ولكنَّها غفلت عن إدراك أنَّ سياسات الإجازة غير المحدودة هي نتيجة لوجود بيئة عمل متفهمة وشاملة للجميع وليس سبباً لها.

تُحذر بريستون قبل تطبيق أيَّة سياسات من أنَّ القيادة التنظيمية يجب أن تأخذ في الحسبان ما يأتي:

  1. تحليل الثقافة الحالية للشركة بعناية والنظر في الإجراءات التي أسفرت عن نتائج سلبية أو إيجابية في السابق.
  2. إجراء بحث قبل الشروع بالتطبيق لتبيُّنِ أفضل الممارسات المتبعة في أماكن عمل أخرى ذات فكر مماثل وضمن مكان عملك كذلك.
  3. التحقق من قوانين العمل في البلد؛ إذ تُحذِّر بريستون من أنَّ "بعض البلدان تعتمد قوانين صارمة للغاية بشأن الإجازات المدفوعة وأنظمة استحقاق الإجازات؛ لذا عليك إجراء هكذا بحث قبل تطبيقها في مكان عملك".
إقرأ أيضاً: 12 نصيحة لطلب إجازة في العمل والحصول عليها

استراتيجيات لجعل الإجازة مدفوعة الأجر غير المحدودة مناسبةً لشركتك:

إذاً هل من الأفضل تجنُّب الإجازة مدفوعة الأجر غير المحدودة؟ ليس بالضرورة إذا كان من المُقرَّر اتباعها؛ لذا تُوصي بريستون بما يأتي:

  1. إدماج الإجازة مدفوعة الأجر في ثقافة شركتك من قمة الهرم الوظيفي إلى أدناه، مع اعتماد القيادات العليا لهذا الإجراء بوصفها قدوة يُحتذى بها لتبنِّي الفكرة بأحسن شكل، وعلى المشرفين حثُّ الموظفين على أخذ إجازة.
  2. وضع معايير وتوثيق إجازة كلِّ موظف لرصد فاعليتها في المؤسسة.
  3. توفير التدريب والكوتشينغ على السياسات الجديدة.
  4. تقديم التوعية وإجراء النقاشات المفتوحة وطرح الهموم والشكاوى في جلسات تبادل المعلومات.

"الحد الأدنى للإجازة" بديل الإجازة مدفوعة الأجر غير المحدودة:

رفض لي تشامبرز (Lee Chambers) مؤسس شركة إيسنشلايز (Essentialise) وهي وكالةٌ مُختصة بسلامة الموظفين وعافيتهم وإدماجهم في مكان العمل ومقرها المملكة المتحدة اعتمادَ سياسة الإجازة مدفوعة الأجر غير المحدودة في شركته؛ إذ قال: "من خلال البحث والتحدث إلى أولئك الذين حاولوا تطبيقها، وجدنا بأنَّها ليست الخيار المناسب لنا؛ لأنَّ هذا يفرض تحديات تتمثل بعدم أخذ أيام إجازة، بسبب الرغبة بتحقيق نتائج مع العميل وتجنُّبِ تحميل أعضاء الفريق الآخرين عبئاً إضافياً وتفادياً للشعور بالتجاهل فيما يخص المنصب الوظيفي والنمو المهني بسبب أخذ مزيد من الإجازات".

كان الحلُّ هو تطبيق سياسة إجازة لا تقل عن 25 يوماً بدلاً من ذلك؛ إذ يقول تشامبرز: "إنَّ هذا يعزز أهمية أخذ الإجازات لضمان سلامة فريقنا وعافيته، ويمنحهم هدفاً يسعون إليه لأنَّ عليهم إنجاز الحد الأدنى منها، وهذا الرقم ليس نقطة ارتكاز؛ ولكنَّه بمنزلة مبدأ توجيهي يوفر المرونة والاستقلالية".

استحدث تشامبرز في تطبيق الحد الأدنى للإجازات سياسة استخدام منطقيةً وعادلةً إلى جانبها، فبلغ العدد الأقصى لأيام الإجازات التي أُخذت 41 يوماً والأدنى 27 يوماً، وأخذ تشامبرز 34 يوماً لنفسه؛ إذ تؤيد بريستون هذا تأييداً تاماً وتعترف بأنَّ القيادات يجب أن تكون قدوةً يُحتذى بها فيما يتعلق بالإجازات سواء كانت إجازةً موحدةً أم سياسة إجازة محدودة أم إجازةً مدفوعة الأجر غير محدودة.

يعتقد تشامبرز أنَّ السياسة ناجحة، ولدى أعضاء فريقه التزامات مختلفة خارج أوقات العمل؛ لذا فإنَّ أولئك الذين يجب عليهم رعاية الأطفال أو القيام بأيَّة واجبات أخرى لا يتعرضون للتمييز، ويقول تشامبرز: إنَّ "كلَّ موظف يستفيد منها استفادة مختلفة، وقد حقق الجميع الحد الأدنى؛ لذا فإنَّها تحقق ما خططنا له؛ إنَّها سياسة مبتكرة ودليل على وجود ثقافة عملٍ شاملة للجميع".

إقرأ أيضاً: 6 نصائح لتعزيز قيم الشركة وثقافتها التنظيمية

في الختام:

إذا كنت تفكر في تطبيق الإجازة مدفوعة الأجر غير المحدودة في عملك الخاص، تجاهل المظهر الخارجي البرَّاق، وانظر في الآثار المترتبة على ذلك، فقد يُحدِث هذا النوع من الإجازات تحولاً كبيراً في ثقافة الشركة إذا لم تكن على استعداد تام فقد يَثبتُ في الحقيقة أنَّها تُعرقل الجوانب الأخرى في مؤسستك، ومن ذلك تراجع سلامة موظفيك وعافيتهم، وهو الأمر الأهم الذي تهدف سياسة الإجازة المدفوعة غير المحدودة إلى تحسينه.




مقالات مرتبطة