العلم السلوكي الكامن وراء اعتماد سلوكات جديدة

في الوقت الذي يجد فيه بعض الناس أنَّ التغيير أمر رائع، يجده بعضهم الآخر مُربكاً ومزعجاً، لذلك يعدُّ إقناع الآخرين بتقبُّل التغيير أمراً صعباً، لا سيما إذا كان موقفك من التغيير مختلفاً عن موقفهم.



فإذا كان التغيير سيؤثر فيك بصورة مختلفة كقائد أكثر مما لو كنت موظفاً، أو إذا كان هذا التأثير مفيداً للشركة أكثر من الموظفين، فمن الممكن أن يسبب ذلك توتراً غير ضروري على مستوى الشركة، فعلى سبيل المثال، إذا كان الموظفون يعملون ساعات إضافية أما أنت فتتوقف عن العمل في الوقت المحدد، أو كان العمال يعملون لساعات إضافية ويتقاضون الراتب ذاته، فقد تتلقى اعتراضاً بشأن التغيير التنظيمي الذي تحاول تطبيقه.

من الطبيعي أن يساور الشك والقلق الموظفين حينما تقدِّم سياسة عمل جديدة أو نظاماً أو قائداً جديداً أو حتى تغييراً في مكان عملك، حتى لو كان التغيير مفيداً في النهاية؛ حيث يحتاج الناس إلى الدعم المناسب لفهم المعلومات الجديدة والوقت لتكييف سلوكهم مع هذا التغيير.

ومن الهام ملاحظة أنَّ العديد من المؤسسات تتَّبع أسلوب إدارة ليِّن؛ حيث يستخدم الموظفون قدراتهم العقلية الكاملة للقيام بوظائفهم على أتم وجه، لذلك يتطلَّب فهم وتطبيق إدارة التغيير التنظيمي المزيد من الجهود الذهنية التي لا يمكن للموظفين إدارتها بأنفسهم.

مع ذلك، يتطلَّب التغيير من الموظفين التوقف عن اتباع العادات القديمة، وتذكُّر ما ينبغي أن يكون عليه السلوك الجديد، وتطبيق العادات الجديدة، وتعلُّم المهارات وتحسينها، فيمكن أن يُثقل ما تطلبه كاهل الموظفين عندما يمتلكون الكثير من المهام التي عليهم إنجازها مسبقاً.

لا يعني هذا الأمر أنَّ تشجيع الموظفين على تقبُّل فكرة التغيير أمر مستحيل؛ وعلى الرغم من أنَّ التغيير قد يبدو مخيفاً، إلا أنَّه في كثير من الأحيان يفيد الموظفين ويمكن أن يساعد في تحسين حياتهم المهنية؛ لذا عليك أن تشجِّع الفِرَق على التحرر من العادات القديمة، وعلى منح أنفسهم فرصة للتغيير.

لمساعدة الموظفين في التغلب على ذلك العائق الذهني، عليك التمعُّن بصورة أعمق في العلم الكامن وراء إدارة التغيير في مكان العمل لفهم طريقة معالجة الأشخاص لهذا التغيير بصورة أفضل.

نقدم لك فيما يلي نظرة سريعة عن السلوكات التي تجعل من السهل تقبُّل التغيير وتلك التي تجعله أكثر صعوبة، حتى تتمكن من تقليل العراقيل واعتماد التغيير بسرعة أكبر.

إقرأ أيضاً: مفاهيم حول إدارة التغيير، ولماذا يحتاجها القادة

فهم التغييرات السلوكية:

وفقاً لأستاذ علم النفس والاقتصاد دان أريلي (Dan Ariely)، فإنَّ السلوك البشري سيتعايش مع الوضع الراهن ما لم يحدث أحد الأمرين: إما وجود تغيير في الدوافع أو ظهور عراقيل تَحُوْل دون تحقيق السلوك المرغوب.

إنَّ الدافع هو أي أمر يعطي الناس سبباً للتغيير أو يشجعهم على اعتماد التغيير الجديد، على سبيل المثال، عند وجود أي تغيير جديد يجعل تنفيذ المهام أمراً سهلاً أو بسيطاً أو يدفع الموظفين للمشاركة في منافسة على مستوى الشركة، فإنَّ ذلك يشجع الموظفين على بذل مزيد من الجهد.

من جهة أخرى، تمثِّل العراقيل أي أمر يصعِّب على الناس اعتماد فكرة التغيير، على سبيل المثال، تُعدُّ الأعمال الورقية الروتينية الطويلة التي تستهلك الكثير من الوقت أو الشعور بالارتباك بشأن إنجاز الأعمال بطريقة جديدة، أموراً تجعل من الصعب على الموظفين اعتماد فكرة التغيير.

من الهام ملاحظة أنَّ العراقيل التي يتصوَّرها الناس في أذهانهم لا تقل أهمية عن الحقيقية منها، وحتى إذا كان التغيير أو النظام الجديد يحتوي مشكلات لوجستية بسيطة، إلا أنَّ الموظفين لن يتقبَّلوا فكرة التغيير إذا تصوَّروا في أذهانهم أنَّه يتطلب الكثير من الجهد الفكري أو البدني.

لتحسين إدارة التغيير التنظيمي، عليك تعزيز الدوافع التي تحثُّ الموظفين على تقبُّل فكرة التغيير وتقليل العراقيل الذي تجعلهم يرفضونها، وذلك لجعل عملية الانتقال أسهل عليهم؛ فقط حاول بثَّ روح الإيجابية قدر الإمكان؛ حيث تحاول العديد من المنظمات التركيز على توفير المزيد من المحفِّزات التي تدفع الموظفين إلى تقبُّل فكرة التغيير، بدلاً من معالجة العراقيل، التي غالباً ما تثير الخلافات.

ومع ذلك، إذا لم تتخلص من هذه المشكلات، فسيتعيَّن عليك تعزيز الدوافع التي تحثُّ على التغيير لتحقيق التوازن، وهذا يعني زيادة التكاليف على مؤسستك.

1. الدوافع التي تحثُّ الناس على تقبُّل فكرة التغيير (العوامل المحفِّزة):

يوجد العديد من الدوافع التي يمكنك استخدامها لإثارة اهتمام موظفيك بالتغيير، وتنطبق خمسة أنواع منها بصورة خاصة على القادة، وهي:

  1. المغزى: يُحفَّز الناس من خلال إنجاز أعمال هادفة.
  2. التقدم: يرغب الناس في رؤية نتائج وتأثيرات جهودهم، والتأكد من أنَّ جهودهم مرتبطة بهدف كبير.
  3. الارتباط: يسعى الناس إلى الاندماج والتواصل الاجتماعي؛ فهم يريدون الشعور بالانتماء والتقدير، بالإضافة إلى مساعدة الآخرين.
  4. الاستقلالية والإدارة: يرغب الناس في التحكُّم وإدارة كل ما يقومون به.
  5. الكفاءة: يرغب الناس في تجربة شعور التفوُّق والإنجاز، مثل التغلب على التحديات أو العمل نحو تحقيق أهداف كبيرة.

من الهام أيضاً ملاحظة أنَّ كل شخص يحتاج إلى مجموعة مختلفة من السلوكات لتكوين عادات جديدة بأقصى كفاءة، وعليك تعديل منهجك ليتناسب مع كل فرد، فمثلاً، عليك أن تعرف أي نوع من الأنواع الخمسة السابقة سيُشكِّل مزيجاً فريداً يميزك، وتتأكد من وجود ذلك الشخص في مؤسستك الذي من المحتمل أن يدعم فكرة التغيير، وتكتشف أي من هذه السلوكات الخمسة سيهتم بها أكثر، كما عليك أن تتأكد أيضاً من احتمال وجود شخص أو أشخاص يقاومون فكرة التغيير أكثر من غيرهم، وتستنتج إن كانت اهتماماتهم أو تفضيلاتهم أو احتياجاتهم تُشكِّل ما يهتمون به بالفعل.

تختلف طريقة كل شخص في التعامل مع أي تغيير كبير؛ إذ نشعر بالارتباك عندما نطرح فكرة التغيير على الآخرين من خلال استخدام أساليب وطرح أسباب تهمُّنا، ولا ننجح بذلك في إثارة دوافعهم؛ لذا قدِّم عرضك إلى الناس عبر إضفاء طابع شخصي عليه وإثارة اهتمامهم لمعرفة مزيد من المعلومات.

2. العراقيل التي تمنع الناس من تقبُّل فكرة التغيير:

إذا كانت الدوافع هي أي أمر يحفِّز الناس على تقبُّل التغيير، فإنَّ العراقيل هي الأمور التي تجعل من الصعب تحقيق ذلك التغيير؛ حيث يمكن أن تطغى بسهولة على أي دوافع تحثُّك على التغيير، وتعرقل استراتيجية التغيير الخاصة بك، ويوجد ثلاثة مصادر شائعة للعراقيل التي تمنع تقبُّل فكرة التغيير في الشركات وهي:

  • التغيير المتعارض: عندما يُغيِّر قسم أو شخص سلوكه وتجد بأنَّ ذلك يتعارض مع عادات الآخرين، فإنَّ هؤلاء الأشخاص هم الذين يقاومون فكرة التغيير، أو لم تتم استشارتهم في أثناء تخطيط إدارة التغيير التنظيمي، فإذا تأقلم فريق أو قسم مع السياسات الجديدة ولم يتأقلم الآخرون، فقد يجبر ذلك الأمر الجميع على العودة إلى استخدام السياسات القديمة ورفض فكرة اعتماد التغيير.
  • التغيير غير المكتمل: وهو عندما تعطي الناس سلوكات جديدة لتطبيقها، ولكنَّك لم تقدِّم الموارد اللازمة لتمكين هذا السلوك الجديد، على سبيل المثال، تحاول العديد من شركات الرعاية الصحية تحقيق التوازن بين العثور على الوقت للاهتمام بالمرضى وإنهاء العمل على الأعمال الورقية اللازمة خلال يوم واحد.
  • حالات التغيير غير الواضحة: قد لا يعرف الموظفون أنَّ العادات الجديدة يجب أن تُطبَّق في جميع الظروف، على سبيل المثال، عليهم أن يعرفوا إن كان التغيير خاص بالعميل أم ضمن الشركة فقط، فكلَّما كان هناك المزيد من القواعد حول تغيير معين في السلوك، أصبح إجراء هذا التغيير أصعب.
إقرأ أيضاً: أهم منهجيات التغيير في المؤسسات

6 نصائح لتغيير السلوك:

عندما يتعلق الأمر بتغيير السلوكات، فمن وجهة نظر العلم السلوكي نحن نتطلَّع إلى معالجة بعض الأمور مثل: التحيزات المعرفية والأنانية وتفضيلاتنا للحفاظ على الوضع الحالي والسلوك الذي اعتدنا عليه.

في إطار التغيير التنظيمي، قد يكون هذا الأمر هو معرفة طريقة جعل الموظفين يتجاوزون التكاليف الغارقة (sunk costs) - وهي السلوكات التي عفا عليها الزمن ولا تؤخذ في الحسبان عند إجراء التغييرات؛ أي أنَّنا نقاوم التغيير طبيعياً لأنَّنا استثمرنا وقتنا بالفعل في القيام بأمر ما بطريقة معينة.

ومع ذلك، يوجد عدة طرائق للتغلب على العوائق المتعلقة باعتماد فكرة التغيير، وقد اختصر فريق العلماء العملية في ست خطوات، والتي تُختَصر بدورها في عبارة (EA PIPS) حسب الحرف الأول من كل خطوة في اللغة الإنجليزية.

نقدم لك فيما يلي طريقة استخدام هذه الخطوات لتشجيع الموظفين على اعتماد فكرة التغيير، وكيف يمكن أن يساعدهم هذا الأمر على التعامل مع إدارة التغيير في مكان العمل:

1. السهولة (Easy):

أي تغيير يستغرق الكثير من الوقت أو يصعِّب فهمه سيواجه مقاومة الموظفين، وفي هذه الحالة، من الأفضل عدم اتباع نهج قطعي؛ وبدلاً من ذلك ابذل قصارى جهدك للتخلص من السلوكات التي تمنع تقبُّل التغيير وتسهِّل عملية تطبيقه على الناس.

سهِّل اعتماد التغيير من خلال الحد من الخيارات، أو القيام بخطوة أولى سهلة، أو وضع خطوات تعليمية متكررة لمساعدة الناس على القيام بعمل جديد وجعل التغيير يبدو أقل رهبة.

جميعنا نمتلك مواردَ معرفية محددة ونتعامل غريزياً مع ما نعرفه، وتتمثل بعض الطرائق السهلة لتسهيل فكرة اعتماد التغيير باستخدام بعض البرامج، أو إدراج التغيير ضمن برامج تدريب المديرين الجدد.

2. الانتباه (Attention):

عند إجراء تغيير، يجب أن تراعي مدى اهتمام جمهورك؛ لهذا السبب ابذل قصارى جهدك لجعل المعلومات ممتعة وسهلة الفهم والتذكر، يتشتت انتباهنا جميعاً؛ لذا عليك أن تخطط وفقاً لذلك، وليكن لديك رسائل تذكيرية وتسجيلات، حتى يتمكَّن فريقك من الحصول على تحديثات سريعة للتغييرات التي تُجرى وطريقة تطبيقها في الوقت الذي يناسبهم.

3. إضفاء الطابع الشخصي (Personalize):

نحن جميعاً نرغب في معرفة كيف يؤثر التغيير فينا شخصياً ولماذا يجب أن نهتم به، فعند إجراء التغيير، ابذل قصارى جهدك لإضفاء طابعك الشخصي على سلوك التغيير وجعله مناسباً لجمهورك، وهادفاً بالنسبة إليك، على سبيل المثال، قد تشرح فوائد نظام جديد للمديرين الجدد والمديرين الحاليين بطرائق مختلفة وتذكُرَ لهم كيف يمكن أن يساعد ذلك في تلبية احتياجاتهم الخاصة.

4. الغاية (Intention):

من السهل إقناع الأشخاص اعتماد التغيير عندما تحصل على تأييدهم وتُخضِعُهم للمساءلة، وتوجد طريقة رائعة للقيام بكلا الأمرين وهي الحصول على تعهُّد من موظفيك، ولإضافة المزيد من المساءلة، يمكن للإفصاح عن الغايات علناً أو إعطاء الموظفين خيار مشاركتها مع المديرين أو الأقران أن يحفِّزهم على الوفاء بالتزاماتهم.

على سبيل المثال، أيهما أفضل؟ أن تجعل الأشخاص يتركون التدريب بعد تقديم تعهُّد بأن يكونوا أفضل المديرين؟ أم أن تجعلهم يدوِّنون الهدف ذاته، إلى جانب خطتهم للتحسُّن، والإجراءات التي سيتخذونها ليكونوا أفضل المديرين، وكذلك متى يرغبون في إعادة تقييم تقدُّمهم أو تقييم نجاحهم؟ إذ يمكن أن تحفزهم الحالة الثانية على الاستمرار بوعدهم وتحمُّل المسؤولية.

5. التقدم (Progress):

يرغب الناس في رؤية تأثيرات جهودهم، ويمكن استخدام التقدم لتعزيز السلوك الجيد وذلك من خلال إظهار التغيير والنمو والحركة، تلك الأمور التي يمكن أن تشجع فريقك على مواكبة فكرة التغيير للمضي قدماً.

6. الاجتماعية (Social):

يجب مشاركة ما يفعله الآخرون، والاعتماد على حاجتنا إلى التواصل والانتماء، وتتمثل إحدى طرائق إدراج هذه الخطوة ضمن استراتيجية التخطيط الخاصة بك في مطالبة الموظفين بمشاركة قصص نجاحهم أو أي ممارسات متعلقة باستخدام النظام الجديد والسياسة والتكنولوجيا الجديدة وغيرها.

إقرأ أيضاً: نموذج جون كوتر للتغيير المؤسسي

تحفيز التغيير للمضي قدماً:

اتبع هذه الخطوات عند استخدام العلوم السلوكية لتحفيز الناس وإقناعهم باعتماد سلوكات جديدة، وتذكَّر أنَّ تطبيق التغيير والحصول على تأييد موظفيك يحتاج إلى القيام بذلك بصورة مناسبة لتتمكن من مشاركة الآخرين في هذا التغيير.

ومع ذلك، لن تتمكن من النجاح إذا قام موظفوك بتغيير سلوكهم على الأمد القصير، فيجب أن تكون ثابتاً وتتعمَّد تطبيق خطة اعتماد التغيير الخاصة بك لتتأكد من التزام موظفيك بها على الأمد الطويل.

 

المصدر




مقالات مرتبطة