العلاقة بين المعلّم والوالدين: كيف تؤثر في نجاح الطفل؟

يُعدّ نجاح الطفل في المدرسة ثمرةَ تعاونٍ متكامل بين البيت والمؤسسة التعليمية، فبينما يغمره الوالدان بالدفء والدعم والتشجيع داخل المنزل، يقوم المعلّم بدور القدوة والموجّه في قاعة الصف. وحين تتلاقى هاتان الجهتان في علاقةٍ قائمة على الثقة والتواصل البنّاء، تتكوّن بيئة تعليمية متوازنة تُسهم في نمو الطفل أكاديمياً واجتماعياً وعاطفياً.



فالعلاقة بين المعلّم والوالدين ليست مجرّد تواصلٍ بشأن الدرجات أو الواجبات المنزلية والتحصيل العلمي، بل هي شراكة تربوية حقيقية تُعين على اكتشاف قدرات الطفل وتوجيهها إلى طريق النجاح. وفي زمنٍ تتسارع فيه وتيرة التحوّلات التعليمية والتكنولوجية، باتت هذه العلاقة حجر الزاوية في بناء أجيالٍ تجمع بين المعرفة والمهارة والقيم.

تؤثر طبيعة العلاقة بين المعلّم والوالدين تأثيراً مباشراً في سلوك الطفل وثقته بنفسه. فعندما يلمس الطفل انسجاماً وتعاوناً بين الطرفين، يشعر بالأمان والدعم، مما يعزّز دافعيته للتعلّم ورغبته في الإنجاز. أمّا إذا غاب التواصل أو ساد التوتر، فقد يُصاب بالحيرة أو القلق، وينعكس ذلك سلباً مباشرةً على أدائه الدراسي وتفاعله داخل الصف.

ينظر الطفل إلى والديه ومعلّمه بوصفهما المرجعين الأهم في حياته، فإن وجد بينهما اتفاقاً وتعاوناً، ترسّخت لديه صورة إيجابية عن التعليم والمدرسة، أمّا إذا لاحظ اختلافاً أو انتقاداً متبادلاً، فقد يفقد الثقة بأحدهما أو بهما معاً. ومن ثمّ، فإنَّ العلاقة الإيجابية بين المعلّم والوالدين لا تؤثر فقط في تحصيله الدراسي، بل تمتد لتصوغ توازنه النفسي وتنمّي شخصيته الاجتماعية، وتغرس فيه حبّ التعلّم والمسؤولية منذ نعومة أظفاره.

معلمة تتحدث على الطالب بكل تفهم ومحبة وهي تشير الى لابتوب أمامها

يُعدّ الوالدان أوّل معلّمين في حياة الطفل؛ فمن خلالهما، يتعلّم تناول الطعام، والجلوس، والمشي، ثم التلوين في الروضة، إلى القراءة والكتابة في المدرسة. وبما أنَّهما يرسّخان لديه المهارات الأساسية للنموّ، فإنَّ بوسعهما أيضاً مساعدته على التميّز في دراسته. ولهذا، فإنَّ تعزيز الشراكة القوية بين المعلّم والوالدين يُعدّ استراتيجية لا غنى عنها لدعم تعلّم الطفل في المؤسسات التعليمية؛ إذ تؤكد الدراسات التربوية أنَّ العلاقة الإيجابية بينهما ترفع من فرص نجاح الطفل وتطوّره الأكاديمي.

غير أنَّ الأمر ليس بالبساطة التي يبدو عليها، فالأطفال يختلفون في مشاعرهم تجاه المعلّمين كما يختلف المعلّمون في أساليبهم. فبعضهم يجد في المعلّم نموذجاً قريباً من القلب، وآخر قد لا يشعر بانسجام معه. كما أنَّ بعض المعلّمين يُقدّرون شخصية الطفل ويعبّرون عن إعجابهم به، بينما قد لا يتمكّن آخرون من فهم طبيعته على نحوٍ دقيق.

ومهما تباينت الظروف، يبقى المعلّم ثاني أهم شخصية في حياة الطفل بعد والديه، ويمكن للوالدين أن يساهما بدورٍ فعّال في بناء علاقة متينة ومثمرة بين الجانبين.

توضح الأستاذة "ديان ليفين" (Diane Levin)، أستاذة التربية في كلية "ويلوك" (Wheelock College)، أنَّ العلاقة الإيجابية بين المعلّم والوالدين تجعل الطفل أكثر ارتياحاً تجاه المدرسة، وتزيد من فرص تفوقه الدراسي؛ لأنَّها تمنحه شعوراً بأنَّ والديه يثقان بمعلّمه، فينشأ لديه إحساس بالأمان ويرى أنَّ من يحبّهم ويثق بهم يعملون معاً من أجله.

معلمة توجه حديثها الى الاطفال بحضور الوالد و تظهر الى وجوه الاطفال الراحة

ويُعدّ التواصل الفعّال بين المعلّم والوالدين مفتاح هذه العلاقة الناجحة. كما تقول المعلّمة "سوزان بيكر" (Susan Becker)، الحاصلة على درجة الماجستير في التربية: "التواصل المتبادل أمر بالغ الأهمية، فالوالدان بحاجة إلى معرفة ما يتعلّمه طفلهما وكيفية تعلّمه، والمعلّم بدوره يحتاج إلى تغذية راجعة من الوالدين حول تطوّر الطفل أكاديمياً واجتماعياً".

ورغم أنَّ التواصل مع معلّمٍ يتحمّل مسؤولية صفٍّ يضم ثلاثين طالباً ليس بالأمر اليسير، فإنَّه يظل ضرورياً. وهنا تبرز تساؤلات مشروعة: متى يحين الوقت المناسب للحديث معه؟ وما القضايا التي ينبغي مناقشتها؟ وكيف يمكن بناء علاقة حقيقية مع شخص لا يُلتقى به سوى مرات معدودة في العام؟ وكيف يتم ذلك دون أن يُفهم على أنَّه قلق مفرط أو تدخل زائد؟

شاهد بالفيديو: 8 صفات يتميّز بها المُعلم الناجح

استراتيجيات لبناء علاقة إيجابية بين المعلّم والوالدين

تُوصي مدارس "غرينسبرينغز" (Greensprings) بهذه الاستراتيجيات المستمدة من توصيات شبكة "بي بي إس" (PBS)، والتي تساعد على بناء علاقة صحية ومثمرة مع معلّم الطفل:

1. التعامل مع العلاقة باحترام

ينبغي النظر إلى العلاقة بين المعلّم والوالدين على أنَّها شراكة تربوية متكاملة، تُبنى على التعاون لا المواجهة. فعند ظهور مشكلة، من الأفضل عقد لقاء ودي مع المعلّم للتفكير المشترك في حلول تساعد الطفل، بدلاً من توجيه الانتقادات أو اللوم. وكما تقول "سوزان بيكر": "ليكن الهدف من اللقاء التعاون لا المحاسبة".

2. السماح للطفل بتكوين علاقته الخاصة مع المعلّم

تشير المرشدة النفسية "ليندا لندمان" (Linda Lendman) إلى أنَّ هذه العلاقة هي غالباً ما تكون أولى العلاقات للطفل مع شخص بالغ خارج نطاق الأسرة. وإنَّ ترك مساحة له لتطويرها دون تدخّل مباشر من الوالدين، يُسهم في بناء رابطة خاصة ومميزة.

ويضيف عالم النفس، الدكتور "مايكل تومبسون" (Michael Thompson): "بالنسبة للأطفال الصغار، تمثل علاقة المعلّم امتداداً لعلاقة المودّة الأولى بعد الأبوين، وغالباً ما تكون مؤثرةً وعميقةً".

معلمة تجلس الى طاوله و بجانبها طالب و والده

3. تجنّب المبالغة في التفاخر بالطفل

من الطبيعي أن يرى الوالدان طفلهما مميزاً، لكنَّ المبالغة في إظهار ذلك قد تُشعر المعلّم بأنَّ كفاءته موضع شك. يقول "مايكل تومبسون": "لا داعٍ لتقديم طفلك للمعلّم وكأنَّه مشروع عبقري، فالمعلّم سيكتشف قدراته بنفسه". ويضيف: "من الجميل أن تُخبر المعلّم أنَّ طفلك يحب القراءة، لكن تجنّب العبارات التي تُقارن أو تُشعر المعلّم بالتحدي مثل: (طفلي قرأ 70 كتاباً في الصيف) أو (طفلي متفوّق في الرياضيات)؛ لأنَّ ذلك قد يأتي بنتيجة عكسية".

4. التخلّي عن التجارب الشخصية السابقة

غالباً ما تلقي تجارب الأهل السابقة في المدرسة بظلالها على تعاملهم الحالي مع المعلّمين. لذا يؤكد "تومبسون" على أهمية تجاوز تلك الذكريات والتعامل مع المعلّم بموضوعية، فالحديث ينبغي أن يتمحور حول الطفل لا حول الماضي.

إقرأ أيضاً: التواصل بين البيت والمدرسة..

فوائد التواصل الإيجابي بين المدرسة والوالدين

يعود التواصل الإيجابي بين المدرسة والوالدين بالنفع على جميع الأطراف. فأسلوب المدرسة في مخاطبة الأهل ينعكس مباشرة على مستوى مشاركتهم في تعليم أبنائهم. وعندما تركز المدرسة على السلبيات أكثر من الإيجابيات، قد يشعر الأهل بالإحباط والعجز عن المساعدة.

وقد أثبتت دراسات عديدة أنَّ مشاركة الوالدين في العملية التعليمية تعود بنتائج ملموسة على الأمد الطويل، منها:

  1. تحسّن الأداء الأكاديمي.
  2. زيادة الدافعية نحو التعلّم.
  3. سلوك أكثر انضباطاً داخل المدرسة.
  4. انتظام الحضور.
  5. نظرة أكثر إيجابيةً تجاه الواجبات والمدرسة عموماً.

كما يتيح تواصل المعلّمين المستمر مع الوالدين لهم فهماً أعمق لاحتياجات الطفل وظروفه المنزلية، ما يساعدهم على تحسين طرائق التعليم. ومن جهة أخرى، فإنَّ الوالدين المشاركين يشعرون بتقدير أكبر للمعلّمين، مما يعزز روح التعاون ويرفع معنويات الطاقم التعليمي.

إقرأ أيضاً: كيف يمكن للتكنولوجيا أن تربط بين المعلمين والطلاب والآباء؟

في الختام

لا يقتصر بناء علاقة متينة بين المعلّم والوالدين على تبادل المعلومات حول التحصيل الدراسي، بل هو شراكة تربوية تهدف إلى تنمية شخصية متكاملة قادرة على التعلّم بثقة والنمو بتوازن. فعندما يشعر الطفل بأنَّ البيت والمدرسة يتحدثان بصوتٍ واحد، يزداد شعوره بالاستقرار النفسي وحماسه للنجاح.

تُثمر العلاقة الإيجابية بين المعلّم والوالدين جيلاً واثقاً، محباً للعلم، مدركاً أنَّ هناك من يؤمن بقدراته ويدعمه في مسيرته. إنَّها علاقة تبني جسوراً متينة بين البيت والفصل، وتحوّل التعليم من واجبٍ يومي إلى رحلة إنسانية مشتركة هدفها الأسمى: سعادة الطفل ونجاحه في الحياة.




مقالات مرتبطة