الطريق نحو الشفاء: هل أنتَ في مرحلة التعافي أم تبحث عن علاج؟

نحن نتوق إلى الراحة حين تُحاصرُنا المعاناة الناجمة عن مرضٍ ما أو إصابة ما، وينطبق ذلك على الحالات المَرَضية جميعها سواءً كانت جسدية أم عاطفية أم نفسية أم روحيَّة، فحين ينحسر الأمل تاركاً شعاعاً صغيراً فقط، تلتفُّ الآثار المتبقية من التفاؤل حول نواةٍ من الرغبة في تخفيف العذاب.

من طبيعتنا الحرص على البقاء على قيد الحياة، ونادراً ما ينتصر الاستسلام طويلاً؛ إذ سرعان ما تخرج العزيمةُ وإرادة الحياة من مكان ما في أعماقنا، ونبدأ القتال.

ما نفعله بهذه القوة الحياتية البدائية في داخلنا والإرادة المُطلَقة للانتصار على المعاناة أقلُّ بساطةً ووضوحاً؛ إذ يمكننا التمسك بأية فرصة مُتاحة لنكون أصِحَّاء آخذين أيَّة مُساعدةٍ تُقدَّم لنا، وقد نتحول إلى نفوسنا، فنؤجج فيها نار المشاعر لحرقِ الدَّنَس والشوائب فيها، وربَّما نميل إلى المرض، ونبدأ باستكشاف جُرحِنا؛ فقد تتحول كلَّ ذرة من ذرات وجودنا إلى موجة عاتية نركبها لنعبر بحر الحياة ذي الأمواج المتلاطمة.

للطريق نحو العافية وصفةٌ خاصَّة، وسيتَّخذ الشكلَ الذي يريده؛ المباشرَ أو المُتعرِّج، لكنَّ المشكلة تكمن في دماغِنا الذي يريد المشاركة، وعلى الرَّغم من عدم قدرتنا على المساعَدة؛ فإنَّنا نتعارك من أجل السيطرة، ونتساءل عن السبب باحثين عن الأجوبة والأسباب، ونكون في أمسِّ الحاجة لنفهمَ كيف سينجح كلَّ ذلك، وما الذي يمكننا فعلُه، ونتمنَّى لو أنَّه بإمكاننا الإسراع في سير الأمور وتجنُّب العَقَبات.

الشفاء في مقابل العلاج:

من الهام للغاية التمييز بين الشفاء والعِلاج؛ إذ يُعرَّف العلاج بأنَّه تخفيف أعراض المرض عن الإنسان أو الحيوان كما أنَّه أيضاً مادَّة أو دواء يشفي المرض كما يُلقَّب حل مشكلة ما بالعلاج.

أمَّا تعريف الشفاء فهو العملية التي يصبح فيها الشخص سليماً أو بصحَّة جيدة مرة أخرى، وأن تُشفَى يعني أن تصبح سليماً، وصحيحاً مرة أخرى كما قد يتضمَّن الشفاء تسكين الآلام، وإعادة الصحة لشيءٍ ما؛ إذ نقوم باستخدام إحدى الكلمتَين مكان الأخرى دائماً، ولكنَّ وضعَ مسافة مدروسة بينهما يمنحنا فرصةً لفهم مزيد عن طريقنا نحو التعافي.

غالباً ما نبحث عن العلاج في الخارج؛ فنقصُد المُتخصِّص بوخز الإبر واختصاصي تقويم العظام وطبيب العظام، والمُعالِجين باحثين عن ذلك؛ ومن ثمَّ يسعَون جاهدين لعلاج الحالة المرضية التي أمامَهم، وحتَّى إن كُنَّا مخوَّلين للذهاب إلى متجر الطعام الصحي والمشيَ في أروقتِه بحثاً عن العلاجات العُشبية بأنفسِنا، فسنلجأ دائماً للنبات طالبين منه إرسال العلاج الكيميائي أو المعدني إلينا من الخارج نحو الداخل.

يوجد شيءٌ ما في كلمة "علاج" يبدو أكثر حسماً ودقَّة؛ إذ يُحدِث أثراً كبيراً في النفس، وربَّما يتعلق ذلك بكونه حلَّاً للمشكلات بمعنى اختفاء المرض وحلِّ المشكلة، وبمُجرَّد أن نُعالَج نستطيع الابتعاد؛ إذ تبعثُ هذه الكلمةُ شعوراً عظيماً بالحرية في أنفسنا.

لا بدَّ من أنَّك سمِعتَ بمُصطلَح "المعجزة العلاجية"، والذي قد أُفرِط في استخدامه بوصفه وسيلة لشرح العلاج السريع، والمُخادعٍ الذي تعلَّمنا ألا نثق به، ولكنَّه من الواضح أنَّه يجذبُنا وإلَّا لم يكُن المسوِّقون ليُصبحوا مهووسين به لهذه الدرجة، وعلى الرَّغم من خروج هذا المُصطلَح من دائرة التفضيل بسبب الإهمال غالباً، ما زلنا نأمل الحصولَ على ذلك العلاج السحري السريع والبسيط بصورة رائعة، وإلَّا لم نكُن لنمتلك عدة خيارات دوائية علاجية للاختيار بينها.

أمَّا الشفاء، فهو عمليَّة يمكن تنفيذُها من قبل شخصٍ أو شيءٍ ما في محيطِنا لتجعلَنا كاملِين مُجدَّداً، ولكنَّ الخيار الإضافيَّ المتمثِّل بأن تصبحَ متعافياً في تعريف عملية الشفاء، هو الجزء الرئيس الذي ينبغي لنا أخذُه بالحسبان؛ فالشفاء هو العملية التي نصبح فيها كاملين، وهي عبارة عن تحوُّل داخلي.

يُعَدُّ التركيز على عملية الشفاء مساراً نحو الصحة، وبينما يكون الهدفُ وراءَ العلاج هو إيجاد حلٍّ لمشكلة المرض على الرَّغم من أنَّ ذلك اختلاف طفيف، إلا أنَّه جدير بالذِّكر.

حين نبحثُ عن علاج ما نقوم بالتركيز على آليات حدوث المرَض، ونبحث عن كيفية عمله وسببه وكيفيَّة مواجهته، كما أنَّ السؤال عن سبب المرض هو سؤال هام للغاية للوصول إلى علاج له؛ فحينما ندركُ السبب وراءَه نستطيع التخفيف منه.

شاهد: 8 عادات يومية من أجل صحة قوية

أمَّا حين نسعى إلى الشفاء، فإنَّنا نكافح جاهدين للحصول على شعورٍ بالعافية بصرف النظر عن معرفتنا لسبب المرض على الإطلاق، ويجبُ ألا يكون الشفاءُ قضاءً جذرياً على المرض فهو ليس مضموناً، وهو مفهومٌ شامل؛ فقد يكون الجسد مُثقَلاً بالسرطان، لكنَّ القلب والدماغ يَمُرَّان بعملية شفاء عميق؛ ومن ثمَّ فالشفاء هو طريق مُتَّجه من الداخل نحو الخارج.

تمتلك القوى التحويلية لعملية الشفاء تأثيراً دائماً؛ فقد تجد امرأةٌ ما تلقَّت علاجاً لمرض السكري تعاني لاحقاً سلسلة من الأمراض الأخرى الناجمة عن البدانة، بينما يدعم ويعزز التحوُّل الداخليُّ لديها الناجم عن عملية الشفاء ثقتَها بنفسها؛ وهذا بدوره يخفِّف من عادات تناول الطعام المُفرِط لديها، ويشجعها على الاعتناء بنفسها بصورة أفضل.

إذاً، يتناول الشفاء نظامَك بأكمله؛ أي العقلَ، والقلبَ، والروحَ، والجسم، بينما يركِّز العلاج على مرض أو مجموعة من الأمراض.

توجد فسحة أكبر من الحرية في عملية الشفاء ممَّا يُفسح المجال للأمل، كما يُحتفى بالخطوات التي تتخذُها نحو الصحة والعافية كونَها عملية متكاملة، بينما يُنظَر إلى الخطوة التي نتخذها نحو الصحة والعافية عند البحث عن علاجٍ ما بوصفها خيبة أمل بعلاجٍ غير مكتمِل.

بخلاف ذلك عندما نَعلَق لمدة طويلة في عملية الشفاء؛ فإنَّنا نقوم بتضييع فرصتنا في الحصول على علاج، ونجد أنفسنا عالِقين في عملية الأبدية والخلود؛ إذ نتوقَّف عن الاعتقاد بوجود أيِّ علاج على الرَّغم من وجوده حقاً على الدوام.

في الختام:

لا يُعَدُّ الشفاء أفضل من العلاج، ولا يُفضَّل العلاج على عملية الشفاء، ونتمكن بطريقة ما من الانجذاب نحو أحدهما دون الآخر، لكنَّ تحقيق توازن بينهما يجعلُنا مستعدين لمعجزة التحسُّن والتعافي.

المصدر