الشعر في العصر العباسي: نشأته وخصائصه وأغراضه وأبرز شعرائه

شهد العصر الأموي ازدهارًا في الشعر نتيجة الانفتاح الثقافي، والتوسع والتعرف إلى حضارات جديدة نتيجة احتضان بيئات مختلفة من الجزيرة العربية، على الرغم من التحديات السياسية التي حالت دون استقرار الحكم. ومع بداية العصر العباسي، استقرّت الأوضاع، مما أتاح المجال لازدهار الأدب والفكر، حيث لعبت البيئة المستقرة والثراء دورًا في دعم الإبداع الشعري.



في هذا المقال، سنستعرض أسباب تطور الشعر في العصر العباسي، إلى جانب أغراضه وخصائصه التي ميزته عن العصور السابقة، فتابع معنا!

العصر العباسي

يقصد بهذا العصر المرحلة التاريخية التي بدأت وأعلنت انتهاء العصر الأموي،  وقد حكم خلالها أحفاد العباس بن عبد المطلب، وتعد ههذ الفترة من أطول العصور التي شهدتها الحضارة الإسلامية، فكان الوقت مناسباً ليحدث تطور الشعر.

ينقسم هذا العصر إلى ثلاث عصور أولها يبدأ في عام 132 ويستمر إلى عام 232 هجري والذي يعد العصر الذهبي، أما ثاني العصور فاستمر من نهاية 232 إلى عام 334 هجري، أما العصر الثالث والأخير فهو عصر الدولة البويهية الذي انتهى في عام 656 هجري نتيجة الغزو المغولي الذي حدث على بغداد وقام بإسقاطها فأعلن ذلك انتهاء هذا العصر.

نشأة الشعر في العصر العباسي

تطوَّر الشعر العربي فيه نتيجة اتساع رقعة الدولة عما كان عليه سابقاً في الدرجة الأولى؛ لأنَّ التوسع أدى إلى تعرُّف واختلاط الشعب العربي بشعوب من قارات العالم القديم (أوروبا وآسيا وأفريقيا)، ونتيجة لذلك ظهرت عدة مدارس فكرية أو فلسفية وفقهية أيضاً، أما ما ساعد على نشأة وتطور الشعر في العصر العباسي عن سابقه من العصور فهو اهتمام الخلفاء والسلاطين وتقديم قصورهم بوصفها منابر للشعراء.

شعراء بني العباس

خصائص الشعر في العصر العباسي

كثيرة هي خصائص الشعر فيه، فهو عصر الإبداع في الشعر، وفيما يأتي أبرز تلك الخصائص:

1. انتشار المقدمة الطللية

من أهم خصائص الشعر في عصر بنو العباس هو انتشار المقدِّمة الطللية، فقد تميَّز شعراؤه من البدو حصراً نتيجة تأثرهم بالشعراء القدامى بأنَّهم استهلوا قصائدهم بأبيات تخص الأطلال تتضمن معاني ومقاصد مختلفة، منها المديح ومنها الحزن على الرحيل والألم، ومنها التغزُّل بالحبيبة.

لكن فيما بعد نتيجة تطوره؛ انقلب بعضهم على المقدمات الطللية واستعاضوا عنها بمقدمات تتحدث عن الطبيعة أو وصف الخمر وما شابه.

2. الانحراف عن القصائد المطولة

إنَّ التطور الحضاري الذي أدى إلى تطور الشعر جعل الشعراء ينحرفون عن المسار القديم في كتابة قصائد مطولة ويعتمدون كتابة مقطوعات صغيرة، ويعود ذلك غالباً إلى أنَّ القصائد لم تعد تُلقى كما السابق في الأسواق أو المهرجات، فالناس في هذا العصر ابتعدوا قليلاً عن تذوق الشعر وانحازوا إلى أشغالهم الصناعية والزراعية وغيرها من مجالات العمل، كما أنَّ انتشار الغناء أدى دوراً هاماً في ذلك.

3. التنوع والتجديد في الأفكار والمعاني

بالرغم من الجديد الحاصل في شعر العصر الأموي، فإنَّ تطور الشعر في العصر العباسي أدى إلى ازدحام الأشعار بالأفكار الجديدة والمعاني والصور المختلفة الناتجة عن مبالغة الشعراء في تجسيد الموصوف وتضخيمه والمبالغة في مدحه والتغزُّل به.

4. التجديد في القافية والوزن والأسلوب

من أبرز خصائص الشعر في العصر العباسي السهولة واللين والجزالة، فالتنوع الثقافي والحضاري أثَّر في أسلوب كتابة الشعر وفي اللغة أيضاً، فقد ابتعد الشعراء عن التكلف وحاولوا التحرر من قوالب القدماء من الشعراء.

بالرغم من أنَّ بعضهم استمر في اتباع الأساليب القديمة، إلا أنَّ معظمهم اتبع أساليب جديدة، منها المزدوج وهو اتفاق شطري البيت بالقافية مع وجود اختلاف من بيت إلى آخر، ومنهم اتبع المسمَّط وهو أسلوب تتضمن القصيدة فيه أدواراً وفي كل دور أربعة أشطر منها ثلاثة ذات قافية واحدة أما الأخيرة مختلفة.

منهم اتبع أسلوب المخمَّس المشابه للمسمَّط من ناحية الأدوار، ولكن كل دور يتألف من خمسة أشطر يتفق أربعة منها في القافية وتختلف في الشطر الأخير.

5. موسيقى القصائد الداخلية

وقد تشابه شعراء هذا العصر مع شعراء الجاهلية، فقد حملت الموسيقى الداخلية تكراراً للألفاظ أو اشتقاقاً منها أو تماثلاً لألفاظ الفصل الأول مع الثاني من حيث الإعجاز والأوزان، ويسمى ذلك "الترصيع"، وكثُر ذلك في مطلع القصيدة حيث اتفقت قافية الشطر الأول مع الثاني.

6. انتشار الطابع الشعبي

لم تعد القصائد مرتبطة بفئة الأغنياء والأمراء كالسابق، بل شملت جميع الفئات ووصفوا كل ما يتعلق بهم من صناع وحرفيين وخمر وشباب وجاريات وأزهار وثمار.

إقرأ أيضاً: قواعد اللغة العربية في النحو والصرف والإملاء والبلاغة

أغراض الشعر في العصر العباسي

تنوعت أغراض الشعر فيه نتيجة تطور الشعر بشكل عام، ومن أبرز أغراضه ما يأتي:

1. المدح

المدح من أهم أغراض الشعر في عصر بني العباس، فقد ركز الشعراء في هذا العصر كثيراً على مدح الأمراء والخلفاء والسلاطين نتيجة علاقاتهم مع هذه الفئات، فقد توطدت علاقة الشعراء بقصور حكامه، فمنهم مَن مدح هارون الرشيد كأبي النواس، ومنهم مَن مدح سيف الدولة الحمداني كأبي الطيب المتنبي، ومعظمهم اختار في المدح الألفاظ البسيطة وكذلك الصور.

الشعراء العباسيين

2. الهجاء

انتشر لونان من شعر الهجاء؛ أولهما الهجاء السياسي، وثانيهما الهجاء الشخصي، واتفق اللونان بوجود إيذاء وسخرية مؤلمة وبأنَّها قصائد قصيرة، كما أنَّ شعر الهجاء في عصر العباسيين مال إلى الشعبية.

3. الرثاء

من أغراض الشعر في العصر العباسي التي لاقت رقياً واضحاً؛ لأنَّ الحروب والفتن أوجعت قلوب كثير من الناس وتركت أحزاناً كبيرة في قلوب الشعراء، فأبدعوا في الرثاء.

4. الزهد

أولى الناس اهتماماً كبيراً لشعر الزهد؛ لكونه أصبح بمنزلة حركة تقف بوجه مظاهر الزندقة والمجون التي كثرت فتبعها انتشار قصائد تعظ الناس.

5. الغزل

اشتهر كثير من الشعراء العباسيين بشعر الغزل، الذي اتسم عند معظمهم بالرقة وعذوبة الألفاظ وسلاسة الصياغة والوصف.

6. المجون

تميز بعض شعرائه بالانغماس بالمجون والخمر الذي جعله يكتب قصائد تصف هذا العالم ويتفاخر فيه ويمتنع عن تركه كما فعل أبو نواس الذي قال مثلاً:

فالخمر ياقوتة والكأس لؤلؤة

في كف جارية ممشوقة القدِّ

عوامل ازدهار الشعر في العصر العباسي

كثرت عوامل اذدهاره، وكان أبرزها ما يأتي:

  1. تقدير وحب الخلفاء العباسيين للشعر، الذي دفعهم للتشجيع من خلال العطايا الكثيرة للشعراء، فبعض الشعراء جعل الشعر مصدراً للكسب المادي فحسب.
  2. اختلاط شعراء العرب بثقافات متنوعة منها حضارات وثقافات عالمية.
  3. منح الشعراء حرية في التعبير عن الآراء والأفكار والعواطف، فلم يمنعهم خوف أو خجل.

أبرز شعراء العصر العباسي

من أهم شعراء العصر العباسي ممن كان لهم دور بارز في تطور الشعر في ذلك العصر، ومنهم::

1. المتنبي

 لا يدرك المجد إلا سيد فطن

المميز بأنَّه واسع الحيلة وشعلة من الذكاء المتوقدة، إضافة إلى اعتداد النفس والغرور فدفعه ذلك إلى ادعاء النبوة.

2. البحتري

الذي لُقِّب بذلك نتيجة قصر قامته، وتميز بحفظه للقرآن الكريم بعمر صغير، والاطلاع على الأشعار العربية القديمة فاكتسب البلاغة والفصاحة.

3. أبو العتاهية

لا تعتبن على الزمان

وُصف شعره بالشعر الشعبي، لأنَّ ألفاظه واضحة كما معانيه، فكان قريباً من جميع الناس، وحملت قصائده تجاربه في الحياة.

4. أبو النواس

انقسمت حياته إلى قسمين؛ أولهما المجون، أما ثانيهما فهو الزهد في الحياة.

5. أبو تمام

الذي امتاز شعره بالغموض والتكلف في استخدام الصور والمعاني، فمعظم من قرأ شعره لم يفهم ما كتبه أبو تمام.

6. أبو العلاء المعري

أبو العلاء المعري

الذي امتاز شعره بالنظرة السوداوية، إضافة لكونه تخليداً للمنطق والتجارب الحية والحكم التي اكتسبها في حياته.

7. ابن الفارض

هو شاعر متصوف اتسم شعره بالفلسفة المتعلقة بالذات الإلهية، ونتيجة ذلك صنفه كثير من الشيوخ من الزنادقة.

إقرأ أيضاً: قصائد عنترة بن شداد في الغزل

في الختام

تطوَّر الشعر في العصر العباسي نتيجة اتساع رقعة البلاد واندماج الشعب العربي مع الشعوب والثقافات المختلفة، ويُعدُّ ذلك من أهم عوامل ازدهار الشعر في هذه الفترة. أما أغراض الشعر، فقد كانت كثيرة، لكننا ذكرنا أبرزها في مقالنا، مثل المدح والرثاء والهجاء.

وبالنسبة إلى خصائصه، فقد اتسم بالابتعاد عن القصائد الطويلة، ودخول معانٍ وصور جديدة، إلى جانب استخدام أساليب متنوعة في الكتابة، والقوافي، والأوزان؛ نتيجة رغبة كثير من شعراء ذلك العصر في التحرر من القوالب التقليدية. كما تميّز الشعر العباسي بطابعه الشعبي، لكونه عبّر عن مختلف الفئات الاجتماعية، وعكس ملامح المرحلة الزمنية بكل تفاصيلها.




مقالات مرتبطة