السمنة مخاطر وأسرار

إن توفر الأطعمة الجاهزة، ووسائل الراحة، وأدوات التنقل الحديثة، وخلق المزيد من الوظائف المكتبية التي تشجع على الخمول، وقلة الحركة، وكثرة تناول الطعام يؤدي إلى نتيجة واحدة؛ وهي ازدياد الناس الذين يعانون من الوزن الزائد والسمنة المفرطة. وحسب الأرقام الصادرة عن وكالة يورومنتر، احتلت الكويت المرتبة الأولى في عام 2009 بنسبة %42.2 من سكانها مصابين بالسمنة المفرطة، تلتها مصر بمعدل %34.9.


ولا تزال نسب الزيادة المفرطة في الوزن بارتفاع مطرد في جميع أنحاء العالم، ولكنها تختلف من دولة إلى أخرى، وفي مناطق الدولة الواحدة، وهذا يرجع إلى عوامل عدة، كنمط الحياة والعادات الغذائية والنشاط البدني والبيئة الاجتماعية والثقافية التي يعيشها الأشخاص. ويتخوف الخبراء والاختصاصيون من جراء هذا التزايد المتصاعد، حيث إن مخاطره لا تتوقف على زيادة في كتلة الجسم فقط، بل تنتج مشاكل صحية أكثر خطورة، فيصبح هؤلاء الأشخاص عرضة لأمراض مزمنة كأمراض القلب، والنوع الثاني من مرض السكري.

ولكن ثمة أملا، حيث تساعد الأبحاث المبدئية العلماء والباحثين على فهم الأسباب التي تؤدي بنا إلى الإفراط في الأكل، وما هي أفضل الطرق للتخلص من الوزن الزائد، وقد اكتشف الباحثون أن البالغين يملكون مخازن من السعرات الحرارية تعمل على حرق الدهون، ويعد هذا الاكتشاف من أحد أهم الاكتشافات في بداية هذا العام، حيث اعتقد الباحثون بوجود هذه السعرات فقط عند المواليد الجدد، وبعض الحيوانات، وقد تبين لهم أن البالغين يملكونها بكميات قليلة في أجسامهم.

إن استطعنا في يوم ما أن نفعل الدهون البنية؛ فإننا سنجعل من أجسامنا أكثر كفاءة في حرق الدهون، وهذه الإمكانية تتطلب من الباحثين سنين عدة، إن استطاعوا على ذلك، ليجدوا طريقة مثلى لزيادة نسبة الدهون البنية في البالغين الذين يعانون السمنة المفرطة عن طريق العقاقير، أو الجراحة، أو طريقة أخرى لم تكتشف بعد. يحقق الباحثون في الوقت الحاضر في آلية عمل الأيض والحمية الزيادة المفرطة في الوزن مرتبطة بالكثير من المشكلات الصحية كالسكري، والذي يؤدي إلى مخاطر أخرى مثل مرض الكبد الوبائي والجلطات. وقد ألمحت إحدى الدراسات على الفئران إلى أن تناول الوجبات بنظام معتاد يوازي أهمية نوع الطعام، أو في أي مرحلة في اليوم تتناوله. وربطت دراسة أخرى الاستهلاك المفرط للطعام بالمواد المولدة للضغط، والتي تحدث عادة عند مدمني المخدرات عندما يقعون في دورات التراجع النفسي، وإعادة استخدام المخدرات

منذ زمن بعيد وأخصائيو التغذية ينصحون مرضاهم بتناول الوجبات الاعتيادية. ويملك ستشيدناندا باندا، الأستاذ المساعد في مؤسسة سالك للدراسات البيولوجية، المعلومات المخبرية التي تدعم هذه الفكرة، حيث نشرت دراسته في ذا بروسيدنج أوف ذي ناشيونال أكاديميكس أوف ساينسيز، أظهر فيها أن الفئران الذين يأكلون وجبات عادية يملكون أيض يعمل بكفاءة أكبر بكثير من الفئران المسموح لها أن تأكل متى ما شاءت.

لقد قام باندا بإطعام مجموعة من الفئران في أي وقت يرغبون في الطعام خلال اليوم، وأطعم مجموعة أخرى تماشيا مع جدول قاس. لقد كانت المجموعة الثانية تمنع عن الطعام 16 ساعة في اليوم، ولكن كلتا المجموعتين تناولتا كمية السعرات الحرارية نفسها لمدة أسبوعين، ثم قام بعملية مسح جيني لكلتا المجموعتين لمعرفة ماذا يحدث داخل الكبد.

في مجموعة الفئران التي سمح لها بالطعام متى ما شاءت، كانت جينات أيض الطعام في الكبد تعمل بشكل فوضوي بسبب الأكل المستمر للفئران. في المحصلة النهائية، تم ملاحظة وجود ما يقارب 3000 جين من جينات الكبد تعمل على حرق الدهون والسكريات في أكباد الفئران التي تأكل من دون حدود أثناء اليوم.

ويقول باندا: قد يبدو انخراط آلاف الجينات الحارقة للسعرات الحرارية تعمل خلال اليوم شيئا إيجابيا، ولكن هذه العملية تضعف من أداء عملية الأيض، ولها أن تخلق منتجا جانبيا يهاجم، ويدمر الحمض النووي.

وعلى النقيض نجد أن الفئران في المجموعة الأخرى ذات الوجبات المحددة والمجدولة، أظهرت جينات الكبد عندها تناسقا أكبر؛ ففي مرحلة تناول الطعام، كانت الفئران تحرق السكر فقط، ولم تبدأ عملية حرق الدهون إلا بعد ساعات عدة عندما تم منعها من الطعام.

يقول باندا: إن الأبحاث تدعم فكرة امتناع الأشخاص عن تناول الطعام ما بين 8 إلى 12 ساعة في كل يوم. وتقترح دراسات باندا أنه من الممكن إعادة بدء عملية الأيض في أجسامنا ببساطة من خلال تغيير مواعيد وجباتنا وأوقات امتناعنا عن الطعام، والالتزام بهذه المواعيد. أقنعت نتائج الدراسة، باندا بضرورة الأكل فقط بين الساعة الثامنة صباحا والثامنة مساء، حيث يأكل ما يشاء، ولكن مع التركيز على المأكولات المغذية. يقول باندا: إنه قد خسر الوزن منذ أن اتبع هذا النظام قبل عام من الزمان.

ويمتلك بيترو كوتون، صيدلي في كلية الطب في جامعة بوتون، معلومات مخبرية لربما تكشف لماذا بعض الناس، بما فيهم نفسه، يقعون في الحمية المطاطية. إذا كانت تجاربه على الجرذان صحيحة فلربما يكون الامتناع عن الأطعمة السكرية مسببا لأعراض الانسحاب الكيميائية. وحسب دراسة كوتون، تم إطعام مجموعة من الجرذان وجبة لذيذة، أو وجبة تحتوي على كميات كبيرة من السكريات لمدة يومين، ثم منعوا عنها لـ5 أيام. بشكل تدريجي أدى سحب الأطباق السكرية إلى إطلاق مادة تسمى عامل كورتيكوتروبين المحرر أو سي آر إف والتي تولد مشاعر القلق والإحباط. وربطت أيضا بالعودة إلى المخدرات عند مدمنيها.

عندما تعرض الجرذان إلى الطبق الشهي مرة أخرى قام الجرذان بالأكل أكثر من طاقتهم في حالة يصفها كوتون التطبيب النفسي. بعد مرور 7 أسابيع قام كوتون وزملاؤه بحجب مستقبلات مادة سي آر إف وعندها فقط بدأ الجرذان بالسيطرة على تصرفاتهم القلقة. إن هذا السيناريو لا يفاجئ الأشخاص الذين يعانون جراء تجاربهم مع الحمية. أراد كوتون أن يثبت أن الأطعمة اللذيذة تسبب الإدمان على المستوى البيولوجي، وأن الأشخاص الذين يتراجعون عن حميتهم يعانون أكثر من مجرد الفشل في قوة الإرادة، حيث تصبح التهديدات من زيادة أمراض القلب والسرطان والتهاب المفاصل، في بعض الأحيان غير كافية بحد ذاتها لإلزام المرضى بالحمية. يقول كوتون: إن الحل الوحيد لمشكلة الانسحاب والعودة إلى العادات القديمة قد يكون في الامتناع عن تناول الأطعمة اللذيذة أساسا.

إن الدراسات مثل دراستي كوتون وباندا تعطينا معلومات معمقة عن كيفية عمل الآلية البيولوجية للأيض والحمية، لكنها تحتاج إلى إعطائنا حلولا طويلة المدى. يذكر الدكتور مايكل باور، مؤلف كتاب تطور البدانة، أن البشر تطوروا ولديهم الدافعية البيولوجية لالتهام الطعام بكثرة متى ما توفر. يبقى التعامل مع هذه المعضلة هو التحدي الأكبر في زماننا، فيقول باور: علينا أن نفهم تغيراتنا البيولوجية ونغير من طريقة تفاعلاتنا الاجتماعية.