السلام الداخلي: مفهومه وكيف نستطيع تحقيقه

وُلِدَنا جميعاً من رحم الفوضى، إذ وُلِدَ الكون والنجوم والمجرات والكواكب الأولى، وبعد ملايين السنين ولدنا نحن، فمن الطبيعي أن تظل الفوضى جزءاً من حياتنا، وإنَّ عدم القدرة على التنبؤ بالأحداث - التي قد ننسبها إلى القدر أو الحظ - يقودنا طوال حياتنا من الولادة إلى الموت، وهذا يجعلنا إما ضعفاء أو مرنين.



اعتماداً على الطريقة التي نتعامل بها مع هذه المنحنيات، وبصرف النظر عن البدايات الكونية، فإنَّنا نحمل جميعاً عنصر تقلُّب بداخلنا كل يوم، وفي بعض الأحيان يمكننا توجيه هذه الطاقة بشكل منتج، لكن في العديد من الأوقات يكون للفوضى أو الاضطراب في حياتنا تأثير مضاعف في عقولنا، وهذا يجعلنا نشعر بالضياع أو القلق أو الاكتئاب.

كل يوم مليء بالضغوطات والمضاعفات بسبب العمل أو الحياة الشخصية، فقد تستيقظ متأخراً أو تفوِّت موعداً نهائياً أو تفقد مفاتيح سيارتك أو تتعثر في زحمة السير في يوم عملك أو تدخل في جدال مع صديق، وقد تكون موازنة عواطفك في أثناء التعامل مع هذه الضغوطات عبئاً ثقيلاً على عقلك وجسمك، كما قد تجد نفسك في كثير من الأحيان تشعر بأنَّك لا تريد أن تقلق بعد الآن، أو أنَّك لا تريد أن تشعر بالتوتر الشديد كل يوم، إذاً كيف يُفترض بك أن تجد السلام الداخلي في هذه الفوضى التي هي الحياة؟

الإجابة بسيطة ولكنَّها ليست سهلة دائماً؛ خذ بعض الوقت وتوقف وكن يقظاً وتأمل، فقد تهز رأسك بخيبة أمل حيال هذه النصيحة وتقول إنَّ هذا ممكن فقط عندما تكون في إجازة، وليس عندما يصدر هاتفك صفيراً بإشعارات البريد الإلكتروني والمكالمات والرسائل، وأعتقد أنَّ هذه هي أفضل الطرائق للعثور على السلام الداخلي، ويمكنك القيام بذلك في الحياة اليومية.

لا تعني الرفاهية الشاملة إصلاح حياتك في يوم واحد؛ إذ يتعلق الأمر باتخاذ خطوات صغيرة تغير طريقة معيشتك مع مرور الوقت، ولا تكمن الخطوة الأولى في تجديد نظامك الغذائي أو البدء بروتين اللياقة البدنية؛ بل هي ببساطة تغيير طريقة تفكيرك؛ إذ يفوز البطيء والثابت بالسباق، وأولئك الذين يتخذون خطوات صغيرة وهادفة ومقصودة نحو العيش اليقظ سيجدون في النهاية السلام الداخلي.

ما هو السلام الداخلي؟

لنبدأ بتعريف المصطلح؛ السلام الداخلي هو حالة الهدوء التي تشعر بها داخل نفسك، وهو حالة ذهنية قابلة للتحقيق لها علاقة بكل ما تشعر به بداخلك، بدلاً مما يحدث من حولك.

السلام هو في الواقع أكثر حالات وجودنا طبيعية، فإذا لم نعد بانتظام إلى قلوبنا وإلى السكون بداخلنا، فمن المرجح أن نكون مفرطين في التحفيز دائماً أو مفرطي النشاط أو منهكين أو حتى محترقين نفسياً، وقد يكون العالم من حولنا مسبباً للتوتر وفوضوياً، لكن إذا حاولت الحفاظ على هدوئك بصرف النظر عن أي شيء، فمن المرجح أن يكون السلام الداخلي هو طريقتك الافتراضية.

شاهد: 9 إرشادات تساعدك على الإحساس بالسلام الداخلي

كيف تحقق السلام الداخلي؟

فيما يأتي نصائح لتكوين عادات صحية يمكنك تطويرها لتحقيق السلام الداخلي:

1. كن حاضراً:

إذا وجدت نفسك في كثير من الأحيان عالقاً في التمرير اللامتناهي الطائش على هاتفك، فأنت بحاجة إلى التوقف، فكونك متيقظاً يعني أن تكون حاضراً في الوقت الحالي، فضع أجهزتك بعيداً عندما تكون في منتصف محادثة واستمع إلي مُحدِّثك وانتبه إليه.

حاول الانخراط بشكل أكثر انفتاحاً وإجراء محادثات حقيقية في العالم الحقيقي، بعيداً عن الهواتف أو وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ تُظهر الدراسات أنَّ العلاقات الاجتماعية - نوعاً وكمَّاً - تُشكل صحتنا العقلية، وخصص وقتاً لمقابلة الأصدقاء ومشاركة مشاعرك مع عائلتك وتناول وجبة مع أحبائك.

2. تدرَّب على الأكل بيقظة:

يمكن أن تكون استراحة الغداء أو تناول وجبة خفيفة فرصة مثالية للتخلص من التوتر في يوم عملك؛ إذ يمكنك أيضاً فك الضغط عن طريق التسلل في لحظة اليقظة، فعندما تستمتع بكل قضمة، حاول تهدئة عقلك وكن حاضراً تماماً واستمتع بوجبتك، فقد يكون وقت الأكل بيقظة هذا أيضاً وقتاً مثالياً لتقييم مشاعرك وسؤال نفسك "ما الذي يحدث معي؟".

3. اقضِ بعض الوقت في الطبيعة:

اليقظة الذهنية هي ببساطة الانتباه إلى كل ما يحدث في الوقت الحاضر دون إصدار حكم، فإذا قمت بذلك، فسوف تفتح عقلك على الجمال الذي يحيط بك، فإنَّ قضاء الوقت في الطبيعة هو أكثر من مجرد استراحة بصرية؛ بل له  فوائد جسدية  أيضاً، وأفضل طريقة للقيام بذلك هي أن تعيش الآن وحدك في الطبيعة، فاجلس في ضوء الشمس والهواء النقي واستمتع بأصوات الطبيعة، وستشعر بالحيوية مباشرةً.

4. كن شاكراً ومقدِّراً للفضل وممتنَّاً للجميل:

نحن جميعاً مدفوعون بالرغبة في الاستحواذ؛ إذ نتمنى أشياء أو نضع أهدافاً تجلب معها المزيد من القلق والتوتر، وعندما لا نستطيع تحقيق هذه الأهداف النبيلة، نشعر بالحزن والغضب، وإذا قلبنا هذه الرغبة في التوق إلى موقف الامتنان، فيمكننا تجربة السعادة التي تأتي من حالة ذهنية ممتنة، وربما يساعدنا هذا على إيجاد السلام وإعادة ترتيب ما نرغب فيه، فإنَّ كونك ممتناً وفي خدمة من حولك سيساعدك على تقدير العلاقات ذات المغزى في حياتك.

5. تصوَّر وتخيَّل يومك:

تختبر أدمغتنا  الخيال بشكل مشابه للواقع، ويمكنك استخدام هذا لمصلحتك من خلال التخيل؛ إذ يمكن أن يساعدك على تهدئة جسمك في المواقف العصيبة والتغلب على مخاوفك القديمة، وقد يساعدك أيضاً على تحقيق أفضل النتائج في موقف مستقبلي، وربما يساعدك تخيُّل نفسك تقوم بعمل جيد في عرض عمل مستقبلي أو تفاعل اجتماعي أو أداء إبداعي على التخطيط للحياة والاحتفاء بها.

6. ابدأ ممارسة التأمل:

يمكن أن تساعدك ممارسة التأمل على تغيير موقفك تجاه إيجاد لحظات من الصفاء يومياً، فسوف يجلب لك التأمل السلام والوعي المتزايد، وسوف تتعلم ما يعنيه الشعور بأنَّك على الأرض، كما يمكنك اختيار مجموعة من الممارسات البسيطة التي يمكن الوصول إليها والتي يمكن أن توجهك خلال مواقف حياتك اليومية، فلا يمكنك التسرع في السعي إلى إيجاد السلام وسط الفوضى، لكن ثق بنفسك وجرب العيش اليقظ، وأنا أؤكد لك أنَّ السلام سيأتي.

7. تمرَّن على التنفس:

انظر إلى تنفُّسك على أنَّه جهاز التحكم عن بُعد في جهازك العصبي اللاإرادي، فمن خلال تغيير طريقة التنفس، يمكنك تغيير حالتك الذهنية في بضع ثوانٍ فقط، وقد تشعر بالتوتر أو القلق؛ إذ يؤدي التنفس البطيء المتحكَّم به إلى تحفيز استجابة أجسامنا للاسترخاء، وهذا يؤدي إلى إبطاء معدَّل ضربات القلب وإرخاء عضلاتك وتهدئة أعصابك وأفكارك، فقط اجلس وأغلق عينيك وتنفس ببطء من البطن والزفير لفترة، وستلاحظ قريباً الهدوء الذي يحل عليك، فالتنفس هو من أسرع الطرائق وأكثرها فاعلية لتحقيق السلام الداخلي.

8. كن لطيفاً مع العالم من حولك ومع نفسك:

عندما تبذل مجهوداً واعياً لتكون لطيفاً مع من حولك، ستشعر دائماً بتحسُّن، فإذا ركزت على الأشياء الجيدة، فسيعود الخير إليك وستدرك سريعاً أنَّك أكثر راحة لأنَّ عقلك لا يولي اهتماماً للأشياء التي تسبب لك الضيق.

إذا كنت تمر بأوقات عصيبة، فحاول القيام بأعمال طيبة يومياً، وساعد الآخرين لكن لا تنسَ نفسك في هذه العملية، وعموماً يصبح العالم أكثر سلاماً إذا كنت لطيفاً مع نفسك، فافعل الأشياء التي تجعلك سعيداً وترفع روحك، فالحب لنفسك وللآخرين هو مفتاح عيش حياة بسلام داخلي أكثر.

شاهد أيضاً: 10 أشياء تحرمك من متعة العيش بسلام داخلي

9. اضحك بقدر ما تستطيع:

الضحك هو أفضل دواء؛ وذلك لأنَّه يعالج في الأساس أي شيء؛ إذ يعزز الضحك المناعة ويقلل من هرمونات التوتر ويقلل من الألم ويريح عضلاتك ويمنع أمراض القلب ويضيف الفرح والحماسة إلى الحياة ويخفف من القلق والتوتر ويحسِّن الحالة المزاجية ويقوي المرونة ويقوي العلاقات ويعزز الترابط الجماعي ويساعد على نزع فتيل النزاع.

لن يتحقق السلام الداخلي أبداً عندما تأخذ حياتك على محمل الجد، نعم يمكن أن تكون الحياة مرهقةً ومليئةً بالتحديات وتتخذ منعطفات غير متوقعة، ومع ذلك فالدعوة هي أن تستمر في العثور على البهجة والجمال فيها، وإذا كنت تواجه وقتاً عصيباً وكان عقلك يضعك على حفة الهاوية، فابحث عن الأشياء التي تجعلك تبتسم، مثل فيلم مضحك أو ليلة في الخارج مع الأصدقاء أو الرقص في غرفة المعيشة الخاصة بك أو أي شيء يناسبك.

إقرأ أيضاً: قبول الذات هو الطريق نحو السلام الداخلي

10. عبر عن نفسك:

السلام الداخلي هو أساس الإبداع وداعمه، فالتعبير عن نفسك وصنع الفن بجميع أنواعه يحسن من رفاهيتك، وإنَّه واحد من أكثر الأشياء التي يمكنك القيام بها؛ إذ تركز فقط على ما تفعله وتنتبه إلى كل التفاصيل وتدخل في حالة الانغماس؛ إذ لا تلاحظ مرور الوقت سواء كان ذلك بتأليف الموسيقى أم رسم صورة أم غيرها، فكونك في العملية الإبداعية، يريح ذلك عقلك ويحوِّل انتباهك من الألم والقلق إلى شيء جميل، فهل تعتقد أنَّك غير مبدع؟ كل شخص مبدع في جوهره، وليس عليك أن تصبح "بيكاسو" لتقوم بالفن، فقط قم بذلك وثق بالعملية وليس بالنتيجة.

شاهد بالفيديو: كيف تحقق السلام الداخلي؟

في الختام:

السلام الداخلي أمر مرهون بأنفسنا وبالقدرة على استحضاره بأبسط الطرائق وتكييف أنفسنا على الدخول فيه دون السماح للعوامل الخارجية بالتأثر في اتزاننا وهدوئنا، ومع ممارسة تلك الطرائق السابقة على الرغم من بساطتها، سنرى أنَّها فعالة كثيراً، كنا معكم في هذا المقال وتحدَّثنا فيه عن مفهوم السلام الداخلي وطرائق تحقيقه، على أمل تحقيقه للفائدة المرجوة منه.




مقالات مرتبطة