الساعة البيولوجية عند الطيور: تعريفها وميزاتها وارتباطها بمواسم الهجرة

تُعَدُّ الساعة البيولوجية من أهم ما يميز الكائنات الحية وخاصة الطيور؛ إذ تشكل الساعة البيولوجية دليلاً قاطعاً وحجةً دامغةً وبرهاناً واضحاً غير قابل للشك بأنَّ الله أنعم على مخلوقاته بنعم كثيرة، ومنها أنَّه منحها القدرة على تنظيم ساعات النوم واليقظة ومواسم الهجرة والعودة.



فوجود هذه الساعة البيولوجية في دماغ الكائن الحي سواء أكان طيراً أم إنساناً يصمم تنظيماً في الوظائف النفسية والفيزيولوجية والحيوية والهرمونية، كما تتعاون الغدد مع الأجهزة قي سبيل تنظيم عمل الساعة البيولوجية؛ إذ يتم التنسيق بين هذه العوامل لمصلحة صحة وسلامة وأمن الكائن الحي وانتظام دورة حياته.

تعريف الساعة البيولوجية عند الطيور:

لكل طائرٍ من الطيور ساعة بيولوجية خاصة به ميزه الله بها لتساعده على تنظيم وقت النوم والاستيقاظ، والإحساس بالتغيرات والتقلبات على مستوى الهرمونات الداخلية، وإفراز الغدد والحاثات في جسم الطائر، والساعة البيولوجية وسيلة فعالة لتنظيم وتحديد مدى تأثر الجسم بارتفاع وانخفاض درجات الحرارة وتقلبات الطقس من برودة ورطوبة وجفاف وثلوج وأمطار، وتعرف هذه التغيرات الحيوية والنفسية والجسمية التي تحدث عند الطائر على مدى 24 ساعة خلال اليوم الواحد، وتندرج تحت ما يسمى بالإيقاع اليومي.

تفيد الساعة البيولوجية لدى الطائر في تحديد الدوافع والغرائز والأنماط السلوكية والإيقاعية الدورية، التي تحدث بشكل دوري ومنتظم وخلال فواصل زمنية مضبوطة ومنتظمة ومرتبة زمنياً ومكانياً كتعاقب الليل والنهار، وتعاقب الفصول الأربعة، وتموجات البيئة الخارجية وعواملها المؤثرة من حرارة وضوء ورطوبة وما شابه ذلك.

ميزات الساعة البيولوجية الموجودة لدى الطيور:

  1. الساعة البيولوجية هي ساعة فطرية؛ أي توجد في جسم الحيوان وبنيته الهيكلية منذ ولادته، وقد خُلِقَت بمكرمة من الله ورحمة منه؛ وذلك لتساعد جسم الطائر على تنظيم حياته وسلوكاته ووظائفه الحيوية وتقلباته الفيزيولوجية والنفسية.
  2. تسير هذه الساعة الفطرية المسماة علمياً بالساعة البيولوجية ذاتياً ومن تلقاء ذاتها؛ أي دون التأثير فيها من قبل الطائر أو دفعها بقوة معينة.
  3. على الرغم من أنَّ الساعة البيولوجية لدى الطائر تسير بحركة ذاتية، إلا أنَّه يمكن ضبطها وضبط إيقاع حركتها عن طريق استعمال أو دمج أو إدخال مؤثرات خارجية مثل الأجهزة المطورة الرقمية، التي لجأ أصحاب المداجن الكبرى وحظائر الدجاج لاستعمالها؛ وذلك ليتأكدوا من ضبط الفوارق أو ما يسمى بالفواصل الزمنية التي تحددها الساعة البيولوجية في سبيل تنظيم أوقات تكاثر الدجاج بالبيوض وخروج صغار الدجاج من البيوض وتنظيم نمو الفراخ.
  4. تعمل الساعة البيولوجية عند الطيور وفق جداول زمنية مرتبة ومنظمة تتعلق بالوظائف الصحية والإيقاعات الحياتية، ويُعَدُّ الجهاز العصبي والجهاز الهرموني مشرفين رئيسين على التحكم وضبط الأنماط السلوكية والحياتية للطائر، بحيث تظهر لدى الطائر أنماط سلوكية وإيقاعات حياتية منتظمة، ولكنَّها تتغير بتغير إفراز الهرمونات وتأثر الجسم بالمؤثرات الخارجية.
  5. يوجد أمر آخر لا بد من التطرق إليه والحديث عنه؛ ألا وهو التنسيق بين الغدد والدم والأجهزة المتعلقة بالإفراز الهرموني وإفراز المواد الكيميائية، التي تؤثر في حالة الجسم النفسية والفيزيولوجية والأجهزة المسؤولة عن تحديد الأنماط السلوكية والدوافع الفطرية الغريزية؛ إذ يتم التنسيق والتنظيم بين هذه الأشياء كلها بما يخدم ويدعم الساعة البيولوجية وينظم عملها ونشاطها، ويمنح الطائر شعوراً بانتظام الحركة والحياة.

شاهد بالفديو: أنواع التلوث البيئي وطرق علاجه

ارتباط الساعة البيولوجية بمواسم الهجرة لدى الطيور:

حين تهاجر الطيور من منطقة إلى أخرى أو من قارة إلى أخرى، فإنَّه يسبق رحلتها هذه مجموعة من التغيرات والتقلبات الفيزيولوجية والحيوية والنفسية، ونذكر منها:

  1. الذوبان أو ما يسمى بالخاصية الانحلالية؛ أي ترسب الدهون وبقاؤها دون ذوبان أو دون انحلال، وتطور ونضج واكتمال الغدد المسؤولة عن إفراز الهرمونات والحاثات الجنسية لدى الطيور.
  2. قبل هجرة الطيور في مواسم الربيع والخريف يحدث ما يسمى بالتعرية، ويتم تنظيم أوقات الهجرة ومواسمها من قبل الساعة البيولوجية عموماً والغدد الصم خاصةً، ويُعَدُّ تنظيم وترتيب وضبط مواسم الهجرة لدى الطيور جزءاً لا يتجزأ من الإيقاع الفيزيولوجي الحياتي السنوي.
  3. ينشأ هذا الإيقاع الداخلي وتنبت جذوره بتأثير وتضافر عوامل خارجية مؤثرة، تأتي أحياناً من الجو أو الوسط المحيط، وعلى الرغم من أنَّ الساعة البيولوجية أو الإيقاع الحياتي الفيزيولوجي يسيران بشكل تلقائي ذاتي، إلا أنَّهما يمكن أن يتغيرا بتغير الظروف المحيطة.
إقرأ أيضاً: روعة الحياة البرية ورحلات السفاري في كينيا

ما هي أسباب هجرة الطيور من مكان إلى آخر ومن بلد إلى آخر؟

  1. تغير الحالة المناخية للمكان وفقدان القدرة على التكيف مع الظروف الجوية القاسية من برد وحر وثلوج؛ وهذا يسبب هجرة الطيور ورحيلها إلى مكان يجعلها أكثر قدرةً على التكيف والتأقلم مع المناخ.
  2. البحث عن موطن يتمتع بحرارة معتدلة وطقس ملائم لدرجة حرارة جسم الطائر، وهرباً من الأماكن شديدة البرودة والأماكن شديدة الحرارة.
  3. البحث عن غذاء متوفر وبكثرة قد يكون سبباً رئيساً لهجرة الطيور بعد معاناتها من الجوع وقلة توفر الطعام، وبقاء الطيور لفترة طويلة في نفس المكان يؤدي إلى استهلاك الغذاء والحبوب الموجودة في المنطقة؛ وهذا يؤثر سلباً في عملية تكاثرها وإنتاج عدد فراخ أقل، ويُعَدُّ هذا السبب كفيلاً بأن يدفع الطيور للهجرة والتنقل من مكان لآخر بحثاً عن غذاء متوفر وموجود وظروف أفضل لعملية التكاثر والتزاوج والتناسل.
  4. تهاجر الطيور بحثاً عن مكان أكثر برودة بعد هروبها من الأماكن الحارة والجافة شديدة الرطوبة كما يحدث في ظاهرة هجرة الطيور في الأماكن الاستوائية الحارة.
  5. قد تهاجر الطيور لسبب آخر أكثر خطورةً ألا وهو هروبها من هجمات الحيوانات الشرسة والمفترسة؛ إذ تخاف الطيور على نفسها، ويُعَدُّ وجود الحيوانات المفترسة من حولها عاملاً خطراً يهدد أمنها وحياتها؛ لذا تهاجر الطيور بحثاً عن الأمان والسلام والاستقرار بعيداً عن عيون الحيوانات المعتدية كي لا تصبح فريسة ووجبة دسمة تُعلَك في حلق حيوان مفترس.
  6. تهاجر الطيور أحياناً بحثاً عن وطنٍ يحميها ويحتضنها ويوفر لها الأمن والأمان والدفء والغذاء، فقد يكون فقدان الموطن، وضياع المأوى، وجفاف المستنقعات، وتضرر الغابات، واحتراق الأشجار سبباً وجيهاً من أسباب هجرة الطيور ورحيلها.
  7. هرباً من الأمراض المستشرية والسارية والمُعدية والخبيثة، فحين تصاب فصيلة معينة من فصائل الطيور بأمراض خبيثة أو نوع من الإنفلونزا، حينها تهاجر بحثاً عن بيئة صحية مساعدة خالية من الأوبئة والجراثيم والطفيليات والفيروسات والأمراض والكائنات الغريبة.
إقرأ أيضاً: كيف تساعدنا التكنولوجيا على الحد من تغيرات المناخ؟

مواعيد هجرة الطيور:

عموماً تبدأ الطيور هجرتها في مواسم وأوقات ومواعيد محددة في السنة، وتستعد الطيور لموعد الهجرة من خلال تنظيم عمل الساعة البيولوجية في جسم الطائر، وفي الوقت المستقطع الذي تنتظر فيه أسراب الطيور والعصافير موعد الرحيل تقضيه معظم الأحيان في التغذية وتناول الحبوب.

إنَّ أجسام الطيور تتميز بقدرتها على تحويل الغذاء بعد أن يتم هضمه وتفكيكه وامتصاصه وترسيبه على شكل دهون وأحماض دهنية بسيطة يسهل امتصاصها وانتقالها إلى الدم، وتختزن هذه الدهون على شكل طبقة دهنية شحمية تتوضع تحت سطح الجلد، وحين يشرع الطائر بالهجرة، تبدأ هذه الدهون المترسبة تحت الجلد بالتحول إلى طاقة تساعد الطائر على القيام برحلته وتساعده على الطيران والتحليق في السماء عالياً.

أما عن هجرة الطيور في فصل الخريف، فمن الصعب تحديد موعد هجرتها بدقة، فكل نوع وكل فصيلة من الطيور لها موعد محدد ثابت للهجرة، وبالنسبة إلى هجرة الطيور في الربيع، فالأمر مماثل لهجرتها في فصل الخريف أيضاً، فمن الصعب وضع يوم أو ساعة أو تاريخ محدد تنطلق فيه أسراب الطيور المهاجرة إلى بلاد أخرى أكثر دفئاً وأمناً وأماناً.

إنَّ مواعيد هجرة الطيور في أغلب الفصول وفي أغلب المواسم تتصف بأنَّها غير ثابتة ولا يمكن تحديدها، لكن توجد عدة عوامل تؤدي دوراً رئيساً في تحديد موعد هجرة الطيور كالغذاء، والتغذية، والمنافسة، والأمراض، والافتراس، وغيرها.

في الختام:

تحتاج الطيور إلى الهجرة من وقتٍ لآخر ومن سنةٍ لأخرى من أجل أن تستمر دورة حياتها، وتحقق لجسمها حالة من التوازن والاتزان والاستقرار، ويسمى هذا النوع من الهجرة بالهجرة السنوية؛ لأنَّها تحدث في السنة مرةً واحدةً وفيها تهاجر الطيور بشكل منفرد؛ أي كل طائر يهاجر وحده، أو جماعياً؛ أي على شكل أفواج وأسراب ومجموعات.

دون الهجرة، ستواجه الطيور عموماً صعوبة في استمرار دورة حياتها، وقد تموت من الجوع أو من شدة البرد أو من تغلغل الأمراض، وقد تفقد صغارها على يد الحيوانات المفترسة التي تصطاد الطيور كفريسة من وقت لآخر ومن حين لآخر.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة