الساعات تاريخها وكيفية عملها

قد تكون الساعات واحدة من أقدم الأجهزة التي ابتكرها أسلافنا في مسقط رأس الحضارات بابل، وأعطونا طرائق ووسائل تتبُّع الوقت ووضعوا الجداول الزمنية والقدرة على ضبط مواعيدنا والتحكم بتدفُّق روتيننا اليومي، وتمكَّنت الساعات من تشكيل مظهر الحضارة الحديثة التي نعيشها اليوم، وفي مقالنا هذا سنتعرَّف إلى تاريخ الساعات وكيفية عملها ومن اخترعها؛ لذا تابعوا معنا.



تاريخ الساعات:

تعود السجلات التاريخية إلى الساعات الأولى التي صنعها الإنسان إلى عام 3500 قبل الميلاد عندما بدأ البناةُ المصريون القدماء تشييدَ مسلَّات طويلة وضخمة بالقرب من معابدهم ومساكنهم الملكية؛ إذ أدَّت هذه الهياكل الحجرية الطويلة واجبها عن طريق إلقاء ظلها على الحلزونات المنحوتة بدقةٍ والموضوعة على الأرض بشكلٍ مستدير، والمسلَّة موضوعة في مركزها لكي يتمكَّن المارة من رؤية موقع الظل وتحديد الوقت عند مرورهم من هذه المسلَّات.

على الرغم من أنَّ أول مَن اخترع المزولة الشمسية لتحديد الوقت هم البابليون، إلَّا أنَّ المصريين أخذوا هذا الاختراع وطوَّره وحسَّنوا استخدامه ودقته على مدى أكثر من 3000 عام، واكتشفوا خلالها الانقلاب الشتوي والانقلاب الصيفي وفصَّلوا اليوم إلى ساعات وغيرها الكثير.

ابتُكرت أعظم مزولة شمسية في اليونان القديم، وصُنعت أعقد ساعة مائية بيد المخترع الصيني الشهير سو سونغ في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، كما يُنسب إنشاء أول ساعة ميكانيكية حديثة إلى صانع الأقفال الألماني بيتر هينلين عام 1510م.

وعُثر على تصميمات لساعات البندول في أعمال العظيم ليوناردو دافينشي، واختُرِع أول منبه يعتمد على الماء بواسطة الفيلسوف والمُخترع اليوناني الشهير أفلاطون، وقد اشتكى مرة الكاتب المسرحي بلاتوس من روما القديمة في إحدى مسرحياته على الساعات وكيف أنَّها حسبما قال: "تُقطِّع حياته إلى قطع".

أعرق شركة لصناعة الساعات في الولايات المتحدة الأمريكية هي شركة Seth Thomas Clocks، والتي فتحت أبوابها عام 1813م، وتُستَخدم بلورات الكوارتز في معظم ساعات العالم؛ وذلك لأنَّها تستطيع إنتاج نبضة يبلغ طولها ثانية واحدة.

أُنشِئت الساعات الأولى بهدف تنظيم مواعيد الصلوات الدينية، وجاء توحيد الوقت والساعات الحديثة مع بدء إنشاء شبكات القطارات في القرنين الثامن والتاسع عشر.

كيفية عمل الساعة:

بدأت أجهزة قياس وعرض الوقت مسيرتها منذ آلاف السنين كما قلنا في حضارات بابل ومصر القديمة، ومنذ تلك الفترة فصاعداً بدأ قياس الوقت يأخذ ويتطور بدقة متزايدة ومستمرة إلى أن وصلنا إلى اختراع الساعات الميكانيكية.

من اللحظة التي مثَّلت فيها واحدة من أعظم الاختراعات البشرية منذ القدم، والتي بدأت بمسلَّة موضوعة على الأرض تعتمد على ضوء الشمس وظلها؛ لاح فجر التقدم والحضارة في الأفق؛ إذ وصل تقدم الساعات إلى إنشاء الساعات الذرية التي تقيس الفترات الزمنية الصغيرة للغاية والكبيرة جداً بشكل دقيق ولا يُصدَّق، وتعتمد في مبدئها على خاصية التذبذب.

على الرغم من رؤيتنا للعديد من الساعات التي استَخدمت الكثير من العمليات الفيزيائية المختلفة على مر التاريخ، إلَّا أنَّ التذبذب يمثل الأساس لكل واحدة منها، وجميعها تملك أجزاء تناظرية متشابهة ستوصَف فيما يلي.

لقياس الوقت تحتاج الساعة إلى مصدر للطاقة، وجسم متذبذب يكرر حركته مراراً وتكراراً، وجهاز تحكم يلتقط تلك الذبذبات في سلسلة من النبضات، وتُجمع هذه النبضات بعد ذلك في سلسلة عدادات ذات أطوال معيارية: "ثوانٍ، دقائق، ساعات، وما إلى ذلك"، وأخيراً يُرحَّل عداد الوقت إلى مؤشر العرض "عقارب الساعة أو الأرقام" والذي يعرض النتائج في شكل أو قيمة يستطيع البشر قراءتها.

إقرأ أيضاً: رحلة في الوقت وتاريخ الساعات

مصدر الطاقة في الساعات:

يجب أن تعمل الساعات بشكل مستمر دون توقُّف؛ ولهذا السبب تحتاج إلى أن يكون لها مصدر للطاقة، والذي سيعمل على تسيير آليتها ويضمن قياسها للوقت بشكل دقيق ومنتظم وموثوق.

يمكن تشغيل الساعات الميكانيكية عن طريق الأوزان المعلقة "البندول" أو العجلات المسننة أو الأسطوانة أو الزنبرك الرئيسي، أو عن طريق الكهرباء التي تُنقَل إلى الساعة مباشرةً من مصدر الطاقة أو عن طريق الكهرباء المخزَّنة ببطاريات.

توجد أيضاً مصادر الطاقة الأوتوماتيكية التي تستخدم القوة الحركية للشخص لتوليد طاقة حركية للأوزان الصغيرة أو محاور الطاقة الأخرى كالزنبرك الرئيسي الميكانيكي أو المولد الكهربائي الصغير المتصل بوحدة التخزين المدمجة "البطارية".

المذبذب في الساعات:

المذبذب التوافقي المادي هو المكوِّن الرئيس لكل ساعة حديثة، ويعمل على توفير حركة ترددية ثابتة ومستمرة ومتساوية؛ إذ يمكن لآليات الساعة التقاط الذبذبات وتحويلها إلى سلسلة من النبضات الموقوتة بدقة، والتي تساوي ثانية واحدة وتبين مرور الوقت بدقة.

فيما يأتي بعض من المذبذبات الأكثر شيوعاً:

  1. عجلة الموازنة والبندول في الساعات الميكانيكية.
  2. بلورات الكوارتز في ساعات الكوارتز.
  3. اهتزاز الإلكترونات والذرات في الساعات الذرية.

أجهزة التحكم بالساعات:

جهاز التحكم أو المونيتور وهو آلية يُلتَقَط فيها تردد حركة المذبذبات وتُحوَّل إلى سلسلة من النبضات التي تقيس مرور الوقت.

أكثر أجهزة تحكم الساعات شيوعاً ما يأتي:

  1. الميزان: الذي يُستخدم في الساعات الميكانيكية التي تعمل بالبندول المتأرجح وعجلات التوازن.
  2. دارة التذبذب الإلكترونية: والتي تعمل على توليد سلسلة من النبضات الكهربائية المتزامنة مع المذبذب.

اختراع الساعة

سلسلة العدادات والمؤشر في الساعات:

سلسلة العدادات:

هي آلية لحساب النبضات التي أُنشِئت بواسطة المذبذب وجهاز التحكم، وتتظاهر في وحدات قياس الوقت التقليدية من ثوانٍ ودقائق وساعات.

المؤشر:

هو الجزء المعروض من الساعة، ووظيفته التمثيل المرئي للمعلومات التي تُظهرها الساعات الآلية وهذه المعلومات هي الوقت.

في السابق كانت تُشير الساعات القديمة إلى الوقت عن طريق قرع الأجراس عند تمام كل ساعة، وبعدها وفي القرن التاسع عشر بدأ إدخال عقارب الدقائق، وتلاها في بدايات القرن العشرين إدخال عقارب الثواني، وبعدها جاءت الساعات الرقمية مع توسُّع التكنولوجيا الحديثة في الجزء الثاني من القرن العشرين.

ومع وصول القرن الواحد والعشرين كان قد جلبَ معه الساعات الناطقة كجزء من عالم الحوسبة المحمولة الحديث؛ كالهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وأجهزة الكومبيوتر المحمولة وغيرها.

من اخترع أول ساعة؟

الساعات هي الأجهزة التي تبعتنا خلال التاريخ الطويل للحضارة الإنسانية؛ وذلك منذ الوقت الذي كانت الشمس تمثل الطريقة الوحيدة لقياس الوقت وتتبُّعه، إلى العصر الحديث الذي أصبحت فيه الساعات الذرية أداة قياس الوقت المُطلقة، بالإضافة إلى التوسُّع الكبير في علوم الحواسيب والاتصال الدائم بأحدث طرائق قياس الوقت وأدقها عن طريق الأجهزة المحمولة.

لكن كيف نحدد من اخترعَ أول ساعة؟ حسناً؛ على مدار التاريخ كانت توجد عدة مراحل من تصاميم الساعات، والتي لم تكُن أصولها واضحة تاريخياً نتيجة عدم توثيقها وفقدان مصمميها عبر الزمن.

تُعَدُّ الساعات الشمسية أول جهاز قياس للوقت عرفه الإنسان وأُنشئ في بابل منذ ما يزيد عن 5000 عام، وتطورت الساعات الشمسية وظيفياً بشكل كبير في مصر القديمة، وأصبحت الساعات التناظرية الشمسية أداة مفيدة للغاية وظلَّت معتمدة لآلاف السنين، وما زالت مُستَخدمة إلى يومنا هذا.

بدأت الساعات تكسب شعبيتها في مصر عندما أنشؤوا أولى المسلَّات، والمسلة هي هيكل حجري طويل ونحيف أتاح ظله تسهيل قراءة الوقت عن طريق توضُّع ظله على نقاط مرسومة ضمن قرص دائري أفقي على الأرض والمسلة في مركزه.

باستخدام هذه الأداة اكتشف المصريون الأيام الأطول والأقصر "الانقلاب الصيفي والشتوي"، وحددوا النقطة الدقيقة لمنتصف النهار، وبعدها وصلت الساعات الشمسية إلى إمبراطوريتي اليونان وروما؛ إذ عمدوا إلى تطويرها وتحسينها، وأنشؤوا ساعات شمسية صغيرة ومحمولة؛ لتكون بذلك أول ساعة محمولة في العالم.

نظراً لدقتها وموثوقيتها في الطقس المشمس؛ بقيت هذه الساعات قيد الاستخدام حتى بدأت أوروبا بمرحلة صناعة وابتكار الساعات الميكانيكية، وحين قدَّمت هذه الساعات قياسات دقيقة للوقت؛ أصبحت الساعات الشمسية في نظر الحكومات والتجار والصناع قديمة وتوقَّف إنتاجها في منتصف القرن التاسع عشر، وبدأ جيل الساعات الميكانيكي بالانتشار.

الساعة الميكانيكية

تستخدم الساعات الميكانيكية القديمة الماء مصدراً للطاقة، وعلى الرغم من أنَّ المهندسين اليونانيين والرومانيين حاولوا إتقان هذا النوع من الساعات في الألف الأولى قبل الميلاد، واشتهر منهم بلوتو الذي أنشأ أول ساعة منبه تعتمد على الماء، إلَّا أنَّه يوجد عالِم صيني متعدد المواهب تغلَّب عليهم وصنع ساعة مائية تعتمد على مبدأ الميزان، وكان قياسها للوقت دقيقاً جداً، وعلى الرغم من أنَّها لم تحظَ بشعبية خارج نطاق الصين، إلَّا أنَّها شكلت أساس صناعة الساعات الأوروبية والإسلامية الحديثة، والتي أُنشِئت خلال القرون التالية.

بدأت الساعات الميكانيكية الأوروبية التي لا تعمل بالماء بالظهور ببطء في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، ولكنَّ وزنها الكبير وتعقيدها جعلاها قابلة للاستخدام من قِبل العلماء الذين ابتكروها فقط.

من الناحية التاريخية أُنشِئت ساعة اليد الحديثة بواسطة المخترع الألماني بيتر هنلين، والذي قدم للعالم الساعة التي يحركها الربيع عام 1511، وقد أثبت هذا الجهاز البدائي - الذي غالباً ما يفقد تسجيل عدة ساعات خلال اليوم الواحد من العمل - أنَّه نقطة انطلاق مفيدة للمخترعين الآخرين الذين سرعان ما ركزوا تفكيرهم في حل مشكلة صناعة ساعة صغيرة وقوية وسهلة الاستخدام ودقيقة معاً.

إقرأ أيضاً: 5 اختراعات غيرت شكل العالم خلال الـ 50 سنة الماضية

في الختام:

لقد تحدثنا في هذا المقال عن تاريخ صناعة الساعات، وكيفية عملها، ومكوناتها من المذبذب ومصدر الطاقة والمؤشر وجهاز التحكم وغيرها، بالإضافة إلى تعرُّفنا إلى أول من اخترع الساعات والتسلسل التاريخي التطوري الذي لحق صناعتها.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة