الخرائط الذهنية واستخدامها في التعليم

يهتم الباحثون في ميدان التربية والتعليم بالتجديد والتطوير المستمر لأساليب التدريس وطرائقه لكي تلائم التحديات الصعبة التي برزت نتيجة النمو السريع للمعرفة الإنسانية في عصر التكنولوجيا والانفجار المعرفي الحاصل في وقتنا الحالي، فالمجتمعات عامة بحاجة إلى العقول الواعية القادرة على التكيف مع هذا التغير، وسبيل أي مجتمع في بناء ذلك النوع من العقول هو التربية والتعليم، والأداة الرئيسة التي تستخدمها التربية لتحقيق ذلك هي المناهج الدراسية ودعمها بالطرائق التدريس الملائمة لها.



إذ أصبحت المناهج تُبنى على أساس ضرورة إكساب المتعلم مهارات التفكير العليا؛ وذلك بهدف الخروج من عقلية التلقين التي كانت قائمة في المناهج القديمة وصولاً إلى مناهج ذات معلومات أعمق وأبقى وتستمر لوقت طويل، ومن أجل تعليم التلميذ كيف يفكر، برزت العديد من استراتيجيات التدريس والطرائق الحديثة، كان من أهمها استراتيجية الخرائط الذهنية التي تسهم في فهم واستيعاب المفاهيم والمعلومات وتوضِّح البناء المعرفي والمهاري للمتعلم، وتصمم هيكلاً مبسطاً من المعرفة المعقدة وبطريقة تربوية مشوقة تخدم عمليتي التعلم والتعليم على حدٍّ سواء.

ساهمت هذه الخرائط في إنشاء بيئة تعلُّم تفاعلية تتماشى وطبيعة ميول وتوجهات المتعلمين، فهي أداة تساعد على فهم كافة العلوم بطريقة بسيطة يسهل تصورها واستيعابها وإدراكها وفهمها وتجميعها وترتيبها وتصنيفها وتخزينها والبحث عنها واسترجاعها واكتناف علاقتها بغيرها وإسقاطها على الحياة الواقعية.

أولاً: التعريف بالخرائط الذهنية

هي إحدى استراتيجيات التدريس الحديثة التي تحتوي على الشبكة الترابطية التي توضح عناصر الموضوع وترسخ الحقائق والمعلومات في أذهان الطلاب من خلال اختزال صفحات عديدة من المعلومات في خريطة منظمة واحدة، وتشتمل الخريطة على مفهوم مركزي واحد يتفرع عنه أفكار رئيسة عدة؛ إذ تنطلق المعلومات فيها من الأكثر شمولاً باتجاه الأقل شمولاً وتحتوي على رموز وألوان ورسومات.

لقد ظهرت فكرة الخرائط الذهنية على يد "توني بوزان" مؤسس مسابقات العالم للذاكرة وحامل أعلى درجة في الذكاء الإبداعي؛ وذلك في السبعينيات من القرن الماضي وقد عرَّفها بأنَّها "أشكال مرئية ملونة لأخذ الملاحظات، ويمكن أن يقوم بها شخص واحد أو مجموعة من الأشخاص، ويوجد في قلب الشكل فكرة مركزية أو صورة، ويتم بعد ذلك استكشاف هذه الفكرة عن طريق الفروع التي تمثل الأفكار الرئيسة"، وقال عنها أيضاً إنَّها النظام الذي من شأنه توسيع مجال استخدام الفرد للغة والألفاظ والصور بهدف التذكر والتفكير الإبداعي، وحل المشكلات.

تعرفها الباحثة في التربية "شيماء حسن" بأنَّها "إحدى استراتيجيات التعلم النشط التي تعمل على ترتيب المعلومات بطريقة تساعد الذهن على قراءة وتذكر المعلومات بدلاً من التفكير الخطي التقليدي"، وللخرائط الذهنية مصطلحات مرادفة كثيرة منها الخرائط المعرفية والخرائط الدماغية وشجرة المفاهيم وشجرة الموضوعات والمخططات الذهنية.

تُعَدُّ الخرائط الذهنية من الأدوات الرائعة جداً في تنظيم التفكير، فهي أداة مرئية إيضاحية تعبيرية تُستخدم بقصد تلخيص المعلومات والأفكار الهامة والعناصر المترابطة، وتعمل على اكتساب وتنظيم وتصنيف وتخزين عدد كبير من المعلومات، كما تتيح العودة إليها بكل سهولة ومن ثمَّ القدرة على استخدام المعلومات في التوصل إلى قرارات جيدة والتعامل مع المشكلات الجديدة التي يواجهها المتعلم.

فنحن نقوم برسم الخرائط الذهنية من أجل زيادة سرعة وكفاءة الدرس وتدوين الملاحظات وتلخيص الموضوع وتوسيع دائرة الأفكار وتنظيمها وتوسيع المعرفة الموجودة، بالإضافة إلى تعزيز مهارات التحليل العلمي والنقدي وتنمية مهارات البحث والاستقصاء.

ثانياً: أهداف الخرائط الذهنية

  1. استغلال طاقة العقل بفاعلية ونجاح.
  2. الحصول على النظرة الشمولية والكاملة للموضوع قيد الدراسة.
  3. ربط المعلومات بروابط ذهنية بحيث يستطيع المتعلم التعامل معها بسرعة.
  4. أن يشعر المتعلم بالثقة بالنفس بعيداً عن الضغوطات النفسية التي تنجم عن عدم فهم المادة العلمية.
  5. التخلص من مشكلات النسيان وعدم الانتباه وشرود الذهن وقلة التركيز وعدم القدرة على الاستيعاب أو تنظيم وترتيب المعلومات.
  6. توفير الوقت والجهد على المتعلم؛ وهذا ما يزيد من إنتاجيته وكفاءته.

ثالثاً: طريقة إعداد الخرائط الذهنية

يمكن توضيح طريقة صناعة الخريطة الذهنية بشكل بسيط بوضع عنوان رئيس للموضوع يمثل المركز ويوضع في المنتصف، ومن ثم تحديد العناوين الرئيسة المتعلقة بالموضوع الرئيس وتتفرع عنها العناوين الفرعية، ولكي تجذب المتعلم يقوم المعلم الذي يُعِدُّها بإضافة الرسومات والألوان بحيث يعكس ذوقه الفني ولمسته كما في الصورة الآتية التي توضح هرم "ماسلو" للحاجات الإنسانية.

رابعاً: أنواع الخرائط الذهنية

1. الخرائط الذهنية الثنائية:

هي الخرائط التي ينطلق فيها من المركز خطين مشعين.

2. الخرائط الذهنية المركبة:

وتشمل عدداً من الفروع أكثر من ثلاثة وأقل من سبعة، ويساعد هذا النوع على اكتساب مهارات هامة كالتصنيف والترتيب.

3. الخرائط الذهنية الجماعية:

هذا النوع يقوم بتصميمه مجموعة من الأفراد على شكل مجموعات.

4. الخرائط الذهنية الإلكترونية:

ويتم تصميم هذا النوع باستخدام الحاسوب؛ إذ أصبح هناك برامج خاصة لإعداد الخرائط الذهنية.

خامساً: ما هي الفوائد التربوية والتعليمية للخرائط الذهنية؟

  1. تنظِّم البناء المعرفي لدى كل من المعلم والمتعلم.
  2. تراجع المعلومات بطريقة مرتبة وممنهجة فتترسخ في الذاكرة وتحتفظ بها لوقت طويل.
  3. تراعي الخرائط الذهنية الفروق الفردية؛ إذ تسمح لكل فرد بصياغة الموضوع بطريقته وحسب قدراته بعد مشاهدتها.
  4. تجمع جزيئات الموضوع ورسم صورة كاملة له.
  5. تساعد المعلم على عرض الدرس بطريقة فعالة، والتقليل من سرد المعلومات عن طريق التلقين.
  6. تعمق من المهارات المعرفية وهي: التصنيف والمقارنة والتحليل والاستنباط والتركيب والتجريد وغيرها.
  7. تعمق من مهارات استخدام المعرفة كاتخاذ القرار وحل المشكلات والابتكار والاختراع.
  8. دمج المعارف والخبرات الجديدة مع المعارف والخبرات القديمة في بناء معرفي جديد.
  9. تضع أكبر قدر من المعلومات في ورقة واحدة بشكل مركز؛ إذ تستطيع تحويل القوائم الطويلة من المعلومات الجامدة إلى رسم بياني منظم وبألوان جذابة؛ وهذا يسهل عملية فهمها وحفظها.
  10. تتيح للمتعلم وضع كل أفكاره في ورقة واحدة والنظرة إليها بنظرة شمولية تمكنه من اتخاذ القرار.
  11. تزيد من تركيز المتعلم ومن انتباهه واحتفاظه لمدة طويلة بالمعلومات؛ وهذا ينعكس على زيادة التحصيل الدراسي.
  12. تساعد على تسريع التعلم واكتشاف المعرفة بصورة أسرع من خلال رسم المخطط الذي يوضح الفكرة الرئيسة والأفكار الفرعية التابعة لها.
  13. تحقق هدف المراجعة السريعة للمتعلم حين لا يملك وقتاً طويلاً للمراجعة.
  14. تُعَدُّ الخرائط الذهنية سهلة التحديث من سنة إلى سنة؛ وهذا يضمن مواكبة التغيرات العلمية والتكنولوجية باستمرار.
  15. تمنع الإصابة بالملل وتمكِّن المعلم من الحفاظ على التوازن بين التحدث بعفوية وبين تقديم عرض جيد البناء.
  16. تنمي التفكير المرئي والخيالي والشمولي.
  17. يستطيع المعلم من خلالها إدارة الوقت بشكل جيد وتكييفها مع الوقت المخصص للحصة الدرسية.
  18. تضفي المتعة والتشويق على المادة العلمية، وتنمي القدرة على توظيف مهارة الرسم.
  19. إيجاد العلاقات بين المتغيرات والمفاهيم والربط بينها.

سادساً: استخدامات الخرائط الذهنية في التعليم

  1. تحضير المحاضرات والدروس بشكل أسرع بدلاً من تدوين كلماتها بشكل كامل.
  2. شرح الدروس وتقديمها؛ إذ يتم تحضير الخريطة الذهنية متضمنة كافة التفاصيل المتعلقة بموضوع معين، ويتم عرضها على المتعلمين بواسطة الحاسوب أو جهاز عرض.
  3. إمكانية استخدامها في الامتحانات والاختبارات إذا ما أُريد قياس فهم المتعلم للمادة العلمية؛ إذ تكشف عن مستوى معرفته هل هو عميق أم سطحي.
  4. تدوين الملاحظات؛ إذ يمكن للمتعلم تدوين ملاحظاته المتعلقة بموضوع الدرس من خلال استخدام الخرائط الذهنية، وتستطيع تنظيمها بالشكل الذي يسهل على المتعلم العودة إليها في وقت الحاجة بكل سهولة.
  5. فائدتها الحقيقة عند استخدامها مع طرائق التدريس الحديثة مثل جلسات التفكير الإبداعي والعصف الذهني والتحليل والتخطيط والخيال والابتكار والتجديد والتنظيم، أو الترتيب والتلخيص والتشخيص والدراسة والمراجعة وإعداد خطط الدرس وصنع القرار وتحسين الذاكرة وحل المشكلات والعروض التقديمية والمخططات التفصيلية ومخططات الهياكل التنظيمية.
إقرأ أيضاً: ماهي الخرائط الذهنية وكيف نستخدمها لتسريع الحفظ وعلاج النسيان؟

في الختام:

لقد أدى التطور التكنولوجي لظهور أساليب وطرائق حديثة في التدريس إلى تحقيق التعلم المطلوب، وقد تزايد الحديث في الفترة الأخيرة في الأوساط التعليمية عن الخرائط الذهنية خاصة في ظل الأهمية الكبيرة والفوائد الجمة التي تحققها، فالخرائط الذهنية هي طريقة لترتيب المعلومات سواء كانت جديدة تحتاج إلى الحفظ أم موجودة سابقة في العقل البشري وتحتاج إلى ترتيب فقط.

إقرأ أيضاً: نصائح هامة لتساعد طفلك على تحقيق التفوق الدراسي

على الرغم من أنَّ فكرة هذه الخرائط ليست بجديدة، إلا أنَّها خضعت لتعديلات عدة عبر الزمن حتى أصبح هناك الخرائط الإلكترونية وأصبحت فرصة الاستفادة منها متاحة للجميع وفي كافة المجالات، فالخرائط الذهنية ضرورية من أجل الإبداع والتذكر وزيادة الفهم والإنتاجية والإحساس بالرضى، فهي تنفع للمتعلمين في كافة الأعمار؛ إذ تعمل على تطوير أفكارهم وترتيبها وعرضها بشكل أفضل.




مقالات مرتبطة