الحبسة الكلامية بعد الجلطة

الجلطة الدماغية تؤثر مباشرةً في مركز قيادة جسم الإنسان؛ إذ تتسبَّب في قطع الإشارات التي يرسلها عادةً الدماغ إلى مُختلَف أعضاء الجسم ليقوم كل عضو بعمله الطبيعي، وهذا الأمر الذي يتسبب بمعاناة الأشخاص ممَّن تعرَّضوا لجلطة دماغية من بعض المشكلات على الأمد الطويل أو القصير، فقد تؤثر الجلطة الدماغية في العضلات وتصيبها بالضعف، فيجد الفرد صعوبة في الحركة لفترة طويلة أو تصبح العضلات متيبِّسة فيصعب تحريك الذراعين أو الساقين.



أحياناً تكون تأثيرات الجلطة الدماغية نفسية وعاطفية فيشعر المُصاب بالقلق والاكتئاب أو اللامبالاة، وقد يتطور الأمر إلى عدوانية جسديَّة أو لفظية كرد فعل على التغيير في وضعه الجسدي، وكثيراً ما تتسبَّب الجلطة الدماغية بتلف مناطق في الدماغ؛ فلا يستطيع معالجة المعلومات التي تصله، ويَظهَر ذلك على شكل مشكلة في إدراك ما يحدُث وفي الفهم أو التذكُّر وأيضاً مشكلة في التحدُّث؛ فتصبح كلماته غير مفهومة فيؤثر ذلك في قدرة الشخص على التواصل مع الآخرين، ويُسمى ذلك بالحبسة الكلامية، ونظراً لكونها من أكثر الأعراض التي تتعلق بالجلطة الدماغية؛ سنتحدث عنها مفصَّلاً في مقالنا الحالي.
الحبسة الكلامية

تُعرَف الحبسة الكلامية بأنَّها اضطراب في النطق، فلا يستطيع الفرد التعبير عمَّا يريد قوله بشكل صحيح، ويرتبط ذلك بضعف قدرة الشخص على القراءة أو الكتابة أو صعوبة في فهم ما يسمعه بسبب تأثُّر المناطق المسؤولة عن الكلام والقراءة والتواصل؛ ويحدث ذلك نتيجة التعرُّض لإصابة في الرأس، أو وجود ورم دماغي ضاغط على مراكز النطق، أو إصابة الدماغ نتيجة التهاب إنتاني، أو نتيجة التعرُّض لجلطة دماغية مُفاجِئة وهو السبب الأكثر شيوعاً للحبسة الكلامية عند الكبار.

السكتة الدماغية تؤثر في تروية مناطق النطق في الدماغ نتيجة انسداد الأوعية الدموية في الدماغ أو تمزقها؛ فيؤدي ذلك إلى تلف الخلايا الموجودة في المنطقة.

أعراض الحبسة الكلامية بعد الجلطة:

يمكن معرفة أنَّ ما يعاني منه المريض هو حبسة كلامية بعد التعرُّض للجلطة الدماغية من خلال ظهور الأعراض الآتية:

  1. التحدُّث بشكل بطيء واستخدام جمل قصيرة جداً.
  2. استبدال الكلمات المناسبة للحديث بكلمات لا تمتُّ للحديث بصلة، واستخدام جمل غير مترابطة مع بعضها بعضاً وصعوبة في إيجاد العبارات المناسبة، وقد تكون الكلمات التي يتحدَّث بها غير معروفة لأحد أو ينسى المريض أسماء الأشياء أيضاً دون فقدان القدرة على التحدُّث بطلاقة.
  3. التأتأة أو التكلُّم بكلمات وعبارات غير مفهومة.
  4. استبدال صوت بصوت آخر.
  5. صعوبة في قراءة الكلام المكتوب أو صعوبة في الكتابة فتكون الجمل التي يكتبها المريض ناقصة وغير مفهومة.
  6. صعوبة تكرار الكلمات أو الجمل التي يسمعها على الرغم من فهم المريض لما سمعه.

شاهد بالفديو: 7 عادات خطيرة تؤذي الدماغ توقف عنها حالاً

أنواع الحبسة الكلاميَّة بعد الجلطة:

تُصنَّف الحبسة الكلامية إلى عدة أنواع؛ وذلك بحسب قدرة الفرد المُصاب بها على التواصل مع الآخرين، وأنواعها الرئيسة هي:

1. حبسة بروكا "الحبسة التعبيرية":

هذا النوع من الحبسة الكلامية يعني فقدان المريض لقدرته على التعبير عمَّا يريد التحدث به، ولكنَّ قدرته على فهم ما يُقال له تبقى كما هي فيفهَم جيداً ما يسمعه؛ أي يكون حديثه فقط غير مفهوم.

2. حبسة فرينكا "الحبسة الاستقبالية":

في هذا النوع من الحبسة الكلامية يفقد المريض قدرته على فهم ما يسمعه من كلام، أمَّا قدرته على التكلُّم فتكون جيدة؛ أي يكون كلامه مفهوماً فلا يجد صعوبة في التكلُّم بقدر الصعوبة التي يجدها في الفهم، فحبسة فرينكا هي عكس حبسة بروكا.

3. الحبسة الشاملة:

هذا النوع من الحبسة الكلامية هو الأصعب؛ إذ إنَّ المريض يفقد قدرته على فهم ما يسمع من كلام، كما يفقد قدرته على التحدُّث إلى الآخرين والتعبير عمَّا يريد قوله، فسُمِّيت الحبسة الشاملة لأنَّها تشمل حبسة فرينكا وحبسة بروكا معاً.

إقرأ أيضاً: تجمد الدماغ: أسبابه وأعراضه وعلاجه

علاج الحبسة الكلامية بعد الجلطة:

تسبِّب غالباً الحبسة الكلامية مشكلة في التواصل مع الآخرين، ومن ثم تؤثر في العلاقات الشخصية وفي القيام بالمهام اليومية كالذهاب إلى الوظيفة؛ لذلك يُعَدُّ علاج الحبسة الكلامية أمراً هاماً، وتُعالَج كما يأتي:

1. تشخيص الحبسة الكلامية:

قبل علاج الحبسة الكلامية يُشخِّص الطبيب الحالة من خلال إجراء فحص سريري شامل للمريض؛ إذ يتم التحري عن وظيفة الأعصاب بإجراء اختبارات التصوير كالتصوير المقطعي المُحوسَب أو التصوير بالرنين المغناطيسي، كما يقوم بتقييم لغوي شامل للمريض ومدى فهمه للكلام ليتم تحديد نمط الحبسة الكلامية؛ وذلك من خلال إجراء محادثة مع المريض وطرح أسئلة متنوعة عليه، ويطلب الطبيب منه إعادة تكرار الكلمات أو كتابتها أو قراءة بعض الجمل وما شابه ذلك؛ بهدف التأكُّد أيضاً من أنَّ المشكلة التي يعاني منها ليست ناتجة عن مشكلات في السمع أو النظر أو العضلات التي تؤثر في عملية التحدُّث أو الكتابة بعد التعرُّض إلى الجلطة.

2. تحديد نوع العلاج:

يختلف نوع العلاج باختلاف درجة الضرر والأذية التي تعرَّض لها المريض نتيجة الجلطة الدماغية، ويتم تحديد النوع بناءً على التشخيص الصحيح الذي أُجري، وأنواع علاج الحبسة الكلامية بعد الجلطة هي كما يأتي:

3. إعادة تأهيل المهارات اللغوية:

يهدف هذا العلاج إلى استعادة أكبر قدر ممكن من القدرات والمهارات اللغوية التي كان يتمتع بها المريض قبل الإصابة بالحبسة الكلامية، ويتم ذلك من خلال العديد من الجلسات؛ إذ يحتاج إلى فترة طويلة لاستعادة التواصل الطبيعي؛ لأنَّ الاستجابة تتم بوتيرة بطيئة لكنْ يحرز المرضى عادةً تقدُّماً كبيراً عند الالتزام بهذه الجلسات.

على الرغم من ذلك فقد لا يعود المريض كما كان سابقاً بنسبة 100%، وكلَّما تم البدء بجلسات إعادة التأهيل وعلاج النطق باكراً، كانت الفائدة أكبر وفرصة التحسُّن أفضل؛ لذلك يَنصَح الأطباء المتخصصون بالبدء بهذه الجلسات فور التعرُّض للإصابة وعدم تضييع الوقت أبداً.

تتم جلسات استعادة المهارات اللغوية في مراكز خاصة لعلاج مشكلات النطق؛ إذ تكون مجهَّزة بمعدات طبية، فالجلسات تتضمن استخدام حواسيب خاصة تُعلِّمهم الكلمات وكيفية نطقها وتُعلِّمهم الأفعال بإشراف خبراء متخصصين، وقد تكون هذه الجلسات فردية تضم المريض والكادر الطبي المُتخصص أو قد تكون جماعية تضم العديد من الأشخاص المصابين بالحبسة الكلامية ممَّن يعانون من نفس الأعراض.

الجلسات الجماعية أكثر فاعلية من الجلسات الفردية؛ وذلك لأنَّها تُشعِر الفرد بالانتماء إلى مجتمع معيَّن، فيكون تقبُّله للوضع الجديد أفضل بكثير، كما أنَّه يتلقى التحفيز من الآخرين ليستمر في متابعة الجلسات، ويَنصَح الأطباء بمشاركة الأسرة للمريض في علاج النطق، فيُعطى أفراد الأسرة تعليمات عن بعض التمرينات تتم ممارستها في المنزل مع المريض بين الجلسات لتحقيق أفضل نتائج.

إقرأ أيضاً: تأثير التعرض للعنف في الطفولة على السلامة اللغوية عند الكبر

4. تعليم طرائق بديلة للتواصل:

في أثناء علاج المريض المصاب بالحبسة الكلامية يتم تعليمه كيفية التواصل مع الآخرين بطريقة بديلة عن التحدُّث ريثما يستعيد جزءاً من قدراته؛ وذلك بحسب حالة المريض، فقد تُستَخدَم رموز معيَّنة أو من خلال الكتابة إن أمكن ذلك، كما تُستَخدَم بعض الأجهزة الإلكترونية الحديثة التي تم تصميمها لمن يعاني من النطق؛ فيُقدِّم الجهاز مثلاً للمريض صوتاً يمكنه التحدُّث من خلاله.
العلاج الدوائي

يجري المتخصصون العديد من الأبحاث المتعلقة بالأدوية التي يمكنها علاج مشكلة الحبسة الكلامية، وبشكل عام لا يمكننا تحديد دواء معيَّن لعلاجها، لكنْ يجب أن يُعطى المريض أدوية تُعزِّز وصول الدم إلى الدماغ لتُغذيَ المناطق التي تضررت فتتمكن من التعافي.

5. التحفيز المغناطيسي:

هو من الطرائق الحديثة التي تُجرَّب لعلاج الحبسة الكلامية؛ إذ يتم تسليط موجات كهرومغناطيسية عبر الجمجمة وبشكل دقيق إلى الأماكن المسؤولة عن النطق، لكنْ لم يتم اعتماد هذه الطريقة نهائياً؛ وذلك لأنَّها ما زالت قيد الدراسة لمعرفة مدى تأثيراتها طويلة الأمد.

شاهد بالفديو: 8 عادات يومية لزيادة فعالية الدماغ

نصائح للمصابين بالحبسة الكلامية بعد الجلطة:

إليك بعض النصائح التي تمكِّنُكَ من تسهيل التواصل مع الآخرين:

  1. احملْ بطاقتك الشخصية "الهوية" دائماً ومعلومات للتواصل مع عائلتك أو المقربين منك.
  2. احملْ بطاقة تشرح بأنَّك مُصاب بالحبسة الكلامية.
  3. احملْ دائماً ورقة وقلم فقد تحتاج إلى التوضيح والتعبير باستخدام الكتابة إن كنتَ تستطيع الكتابة والقراءة.
  4. اعتدْ على استخدام الإشارات والإيماءات.
  5. حاوِلْ الاعتماد على الصور والرسوم البيانية والتوضيحية للتعبير عمَّا تريد قوله.

في الختام:

الحبسة الكلامية هي إحدى الآثار التي تتركها الجلطة الدماغية في الشخص المُصاب؛ فيفقد قدرته على التحدُّث بشكل سليم أو فهم ما يسمعه من كلام إضافة إلى صعوبة في القراءة والكتابة وتكرار الجمل وتسمية الأشياء بمسمياتها الصحيحة نتيجة الضرر الذي تُلحِقُه الجلطة الدماغية بالمناطق المسؤولة عن ذلك في الدماغ.

تُقسَم الحبسة الكلامية إلى ثلاثة أنواع رئيسة هي حبسة بروكا وفرينكا والحبسة الشاملة، وعلاج الحبسة الكلامية بعد الجلطة يتم بعد تشخيص الحالة بواسطة الأطباء والاختصاصيين لتحديد طريقة العلاج المناسبة، ويبدأ العلاج بجلسات لإعادة تأهيل المهارات اللغوية والتي تتم عبر فترة طويلة وضمن مراكز متخصصة تضم حواسيب ومعدات طبية ضرورية لاستعادة النطق.

قد تكون هذه الجلسات فردية أو جماعية يتلقى فيها المريض التحفيز والدعم بوجود بيئة مناسبة له، ويتم أيضاً تعليم المريض طرائق بديلة للتواصل مع الآخرين كي يستطيع ممارسة حياته بالشكل المُعتاد، أمَّا بالنسبة إلى العلاج الدوائي فما زالت الأبحاث مستمرة لتحديد الأدوية الملائِمة التي تعيد المناطق المتضررة في الدماغ إلى وضعها الطبيعي.




مقالات مرتبطة