الجانب المظلم من الذكاء

لطالما سعى البشر إلى امتلاك الذكاء سواء بصفتهم أفراداً يدرسون ويقرؤون ويتدربون لتنمية ذكائهم أم مؤسسات تسعى إلى استقطاب الأشخاص الأذكياء من كل حدب وصوب، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الدول التي تقدِّم الكثير من الإغراءات لأصحاب معدل الذكاء المرتفع من أطباء أو مهندسين أو فنانين أو مبدعين في مختلف المجالات.



لكن لأنَّ كل وردة لها أشواك فبالتأكيد توجد بعض الجوانب السلبية لامتلاك معدل ذكاء مرتفع، وسنستعرض في هذا المقال أهم العيوب التي قد تكون موجودة لديك إذا كان معدل ذكائك أعلى بكثير من المتوسط.

بعيداً عن التعريفات التقليدية، ماذا يعني أن تكون ذكياً؟

عندما تتمتع بذكاء أعلى من المتوسط يكون من الصعب عليك الاقتناع بكلام الجهلة، بينما قد ينخدع الآخرون بالخطب حسنة الصياغة والوعود الكاذبة من السياسيين، فيما أنت تركز في مستوى تحسن الاقتصاد لتعرف مدى مصداقية وعودهم على سبيل المثال، وبالتأكيد سيكون من الجيد الاعتقاد بأنَّ الأمور ستتغير إلى الأفضل وبأنَّ الضرائب قد تنخفض وقد يرتفع مستوى المعيشة، لكن بشكل عام الأكثر ذكاءً منا هم أشخاص واقعيون لا تأخذهم المشاعر بعيداً عن الحقيقة.

عندما تعرف أكثر من غيرك فلا توجد أيَّة طريقة يمكنك من خلالها أن تصدق بشكل أعمى وعود التغيير والتحسين دون اللجوء أولاً إلى حقائق التاريخ وإحصاءات الاقتصاد وسعر الصرف وحجم التعاملات التجارية ونسبة تحسُّن معيشة الفرد وانخفاض أسعار السلع وما إلى ذلك من مؤشرات منطقية بعيدة عن الكذب.

الذكاء مرهق لأنَّك في سباق لا وجود فيه لخط النهاية:

مع كل معلومة تتعلمها ستدرك وجود الكثير من العلم الذي لم تطَّلع عليه حتى الآن، ولن يكون لدى أي شخص فهم كامل لأي شيء، وبمجرد أن تدرك ذلك يبدأ السعي إلى المعرفة.

ستسعى إلى أكبر قدر ممكن من المعرفة، لكن في النهاية سيكون لديك دائماً إحباط أساسي من حقيقة أنَّه لا يوجد ما يكفي من الوقت في العالم لفهم كل شيء.

على الرغم من ذكائك المرتفع نسبياً فقد تشعر بالإرهاق بسبب المقدار الذي لا تعرفه والإحباط بسبب ضآلة معرفتك، وأن تكون متواضعاً ليست صفة سيئة لكن من حقك أن تشعر بالفخر بمستوى ذكائك.

هل يُعَدُّ الأشخاص الأذكياء أقل صبراً من غيرهم؟

من المحتمل ألَّا يكون مستوى صبرك مقارباً لمعدل ذكائك، ففكر في الأوقات التي تحاول فيها إخبار شخص ما بأمر معيَّن ولكنَّه لا يسمعك في المرة الأولى ولا في المرة الثانية، وبعد المحاولة الثالثة ترفع يديك بيأس وتستسلم؛ فهذا هو النوع من الإحباط الذي يشعر به أصحاب الذكاء العالي عندما لا يفهمهم الناس.

نحن جميعاً نشعر بالإحباط بين الحين والآخر، لكن عندما تكون لديك فكرة أو معلومة صحيحة ومثيرة للاهتمام ولا يفهمها الناس، فهذا يقودك إلى الجنون أليس كذلك؟

إقرأ أيضاً: أربع قواعد مهمة تساعدنا على امتلاك عقل منظم

لماذا يُعَدُّ الأذكياء أقل صبراً مقارنةً مع بقية الناس؟

يعني الحصول على معدل ذكاء مرتفع أنَّه بين الحين والآخر ستجد نفسك في نقاش مع أشخاص آخرين قد لا يمتلكون معدل ذكاء مرتفع، وقد تكون يائساً للتعبير عن أفكارك المتعلقة ببعض الأسئلة الفلسفية الجديدة التي بدأت تراودك، أو إبداء رأيك في آخر الأحداث السياسية، ولكنَّ الشخص الذي تحاول التحدث إليه ليست لديه أدنى فكرة عما تتحدث عنه.

عندما يكون معدل الذكاء الخاص بك عالياً جداً، فمن المحتمل أن يكون مستوى صبرك أقل من المتوقع، بالإضافة إلى أنَّك ستحتاج إلى شرح المفاهيم والمصطلحات بعبارات الشخص العادي، لكن عندما يكون ذلك مطلباً دائماً في كل محادثة، فقد يكون ذلك مثيراً للغضب.

هل يرتبط معدل الذكاء المرتفع بتزايد الإحساس بنقص التقدير؟

توجد بعض الإنجازات تمر مرور الكرام، فربما حصل شخص ما على جائزة في الصف لأنَّه حفظ أخيراً جداول الضرب، وهو شيء فعلته قبل شهور وربما سنوات، ويبدو الأمر غير عادل إلى حد كبير، ولكنَّه ليس شيئاً محبطاً وقد يدفعك إلى ترك الدراسة لفترة نتيجة الإصابة بالإحباط.

كيف يمكن لمعدل ذكائك المرتفع أن يجعلك تشعر بالخذلان؟

إذا كبرتَ مع توقُّع أنَّ ما لديك هو أكثر مما هو موجود لدى غيرك أو أنَّ لديك القدرة على التفوق أكثر من غيرك، فمن المحتمل أن تتوقع الأكثر من نفسك، وهو أمر جيد نوعاً ما، ولكنَّه يحمل في طياته بعض السلبيات.

ستدفع نفسك إلى تقديم الأفضل دوماً وفي بعض الأحيان سيكون هذا شيئاً جيداً، وكلما دفعت نفسك أكثر، تقدمت أكثر وشعرت بالثقة أكثر، لكن إذا لم تصل إلى أهدافك ولم تصل إلى المكان الذي كنت تعتقد أنَّك ذاهب إليه، فقد تشعر بالخذلان من نفسك أكثر من أي شخص آخر يمر بنفس تجربة الفشل، وعلى الرغم من العديد من الإنجازات التي حققتها على طول الطريق، فإنَّك مع الأسف قد لا تدركها أو حتى لا تعلم بوجودها.

ما هي العلاقة بين معدل الذكاء المرتفع والكسل؟

من ناحية أخرى بدلاً من الضغط على نفسك بشدة، قد تجد نفسك لا تبذل أي جهد على الإطلاق؛ وذلك لأنَّك قد لا تحتاج إلى ذلك.

الأشياء التي يحتاج الآخرون إلى العمل بجد من أجلها وبذل الوقت والجهد فيها، قد تتمكن أنت من إنجازها بقليل من الاستعداد؛ لذا فكِّر مرة أخرى في أيام دراستك، وكيف يوجد دائماً بعض الأشخاص الذين يمكنهم بذل الحد الأدنى من الجهد، وربما المراجعة قبل ساعات قليلة فقط من الامتحان، ويحصلون على درجات أعلى من أولئك الذين كانوا يراجعون منذ شهور.

شاهد بالفديو: كيف تصبح حاد الذكاء؟

الذكاء والكسل علاقة نسبية:

في النهاية ستصادف أشياء لن يكون من السهل الحصول عليها، وإذا كنتَ قد اعتدت حقاً على عدم الحاجة إلى القيام بالكثير من الجهد، فقد تكافح أكثر من أولئك الذين اعتادوا على التحديات؛ وذلك لأنَّ الأمر نسبي ويختلف حسب طريقة تفكيرك ومدى فهمك لأسباب انتصارك، وطريقة إدارة ذكائك وقدراتك العقلية.

ما هي الحلقة التي تربط بين الذكاء والسعادة؟

إنَّه لأمر رائع أن تكون قادراً على الاستمتاع بالحياة وتحقيق الإنجازات دون بذل الكثير من العمل والتعرُّض للكثير من القلق أو التوتر، ولكنَّ هذا كله مشروط بأن تتعلم كيف تصبح راضياً، وعندها ستكون مسروراً بإنجازاتك، أما في حال كنتَ متعجرفاً فإنَّك ستتعامل بقلة الجهد التي أعطتك نتائج إنجازاتك السابقة، وهذا ما يمكن أن يضر بتطورك ويجرك إلى الفشل.

لماذا يَعُدُّ الناس الإنسان الذكي إنساناً متفاخراً؟

يعتقد الناس في كثير من الأحيان أنَّك متفاخر؛ وذلك لأنَّك لا تتوانى عن مشاركة معارفك، وإبداء آرائك المتعددة التي تغطي عدة مجالات بسبب ثقافتك الواسعة واطِّلاعك، وهذا ما يَعُدُّه بعض الأشخاص ميلاً إلى الاستعراض، وقد يظن أحدهم أنَّك تفعل ذلك بقصد سرقة الأضواء منه، عموماً فإنَّ أصحاب الذكاء المرتفع عرضة دائماً للحسد والغيرة.

يقول بيل فانيو: إنَّه أمر محبط جداً عندما يقول الناس أشياء مثل: "يعتقد أنَّه ذكي جداً"، أو "يعتقد أنَّه يعرف كل شيء"، بينما كنتَ تحاول فقط أن تكون مفيداً، ولم تقصد أبداً أن تكون "متفاخراً".

إقرأ أيضاً: 5 أساليب فعّالة لتطوير الذكاء والقدرات العقليّة

الذكاء بين النعمة والنقمة:

غالباً ما يترافق معدل الذكاء المرتفع مع مقدرتك على معرفة حدود إدراكك، ومهما فعلتَ فلن تكون قادراً على تعلُّم أو فهم كل شيء، يقول مايك فاركاس: "الذكاء هو لعنة لصاحبه، وكلما عرفتَ أكثر، شعرت بمزيد من النقص والحاجة إلى المعرفة".

في الختام:

في نهاية هذا المقال يمكننا استنتاج عبرة مفيد جداً وهي أنَّ الحياة عادلة مهما بدت لك ظالمة، فلكل شيء فيها إيجابياته وسلبياته، وهذه هي قوانين الكون؛ قد تعطيك المال ولكنَّها قد تحرمك من الأطفال، قد تحرمك من المال وتعطيك راحة البال، وكما قلنا في هذا المقال قد تعطيك الذكاء وتأخذ منك أشياء كثيرة؛ لذا اغسل قلبك من مشاعر الحسد والغيرة، وانظر إلى نفسك، لا بدَّ أنَّ الحياة قد أعطتكَ كنزاً وأنتَ لم تكتشفه بعد بسبب انشغالك في مشاعرك السلبية من حسد وغيرة، هيا انطلق، ماذا تنتظر؟

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة