الجانب المظلم للامتنان

مررت قبل عدة أسابيع بيوم كان كل شيء فيه يسير بصورة خاطئة، سواء في العمل أم مع أطفالي أم مع نفسي التي لم تتوقف قط عن التفكير؛ لذلك أعددت القهوة، وقمت بما أفعله دائماً عندما أحتاج إلى كلام مشجع، حيث أخذت سماعة الهاتف واتصلت بصديقة لأخفف عن نفسي.



لقد قاطعتني صديقتي بعد بضع دقائق من الكلام، قائلة: "كوني ممتنةً لأنَّ الفيروس لم يصبك بعد"؛ وأخبرتني أنَّ القليل من الامتنان قد يساعدني في الخروج من المزاج السيئ الذي أعانيه.

لطالما كنت ممتنة، وأنا ممتنة كل يوم لأنَّني وعائلتي تمكَّنا حتى الآن من تجنب العدوى التي أصابت الكثير من الناس، ولكنِّي لم أتصل بصديقتي للحديث عن فيروس كورونا (كوفيد-19) أو أي شيء يتعلق به.

أعلم أنَّ نصيحتها كانت عن حُسنِ نية، وبالتأكيد فإنَّ تذكر كل ما أنت ممتن له يساعدك في تعديل وجهات نظرك؛ لكنَّ الإفراط في التركيز على الأمور الجيدة قد يبعدك عن التعبير عن مشاعرك الحقيقية.

بينما يقول المعالجون النفسيون أنَّ ممارسة الامتنان وسيلة فعالة لتحسين الصحة العقلية والعافية عموماً، إلَّا أنَّ للامتنان القسري جانب مظلم؛ فهو يجبر الناس على تجاوز آلامهم بحثاً عن جانب مضيء، سواءً كان ذلك موجوداً أم لا.

تقول كيلسي ماكلولين (Kelsey McLaughlin)، اختصاصية علاج الأسرة والزواج في مينيسوتا: "الامتنان من الممارسات المفيدة حقاً عندما نستخدمها في الأمور المعقدة، ولكنَّ المخاوف الشخصية والمهنية يكون المقصود منها إيجاد حلٍ سريع، فهي عبارة عن أداة إضافية يستخدمها الأشخاص لتجاوز الأشياء الصعبة؛ إذ تكمن المشكلة في محاولة تفادي التفكير في المشاعر التي تجعلك أنت والآخرين غير مرتاحين، إلَّا أنَّها تعاود الظهور لاحقاً وبقوة؛ فعندما نستخدم الامتنان بهذه الطريقة، فإنَّنا نتجاهل تماماً ما تحاول مشاعرنا إخبارنا به في الوقت الحالي؛ فهي طريقة لكبت ما نشعر به بالفعل، والتي نعلم بأنَّها تزيد من التوتر، وتؤدي إلى العديد من المشكلات الصحية والنفسية في المستقبل؛ فإذا وضعت طبقة من الكريمة على كعكة سيئة، فلن يصبح طعمها جيداً أبداً".

لذا أقدم إليك في هذا المقال طريقة ممارسة الامتنان دون أن تحاول تلطيف مشاعرك:

1. اعترف بالأمور السيئة:

امنح نفسك فرصة للتفكير في الأشياء السيئة أيضاً؛ إذ لا ينفي الاعتراف بالتفاوت بين الأمور العظيمة وغير الجيدة في حياتك وجود الأمور الإيجابية، وإنَّما يعززها.

تقول ماكلولين: "يساعدك وصف الألم وتحديده بدقة على أن تكون شخصاً أكثر امتناناً، فأنت في الأساس ممتن للأمور التي تجلب لك الفرح والسعادة؛ كما يساعدك تحديد المشاعر السلبية أيضاً على أن تكون أكثر ارتباطاً بالواقع، ممَّا يزيد قدرتك على ملاحظة الأشياء الجيدة".

للبدء بذلك، دوِّن واكتب الأمور السيئة، أو اتصل بصديق تثق به وصف له ما تشعر به بالضبط، والأفكار العالقة في ذهنك، وكيف ينعكس الألم على جسدك.

لاحظ هذه الأشياء دون الحكم عليها؛ إذ تؤكد ماكلولين أنَّه بمجرد قبولك مشاعرك السلبية دون محاولة التخلص منها، ستتمكن من التحكم بها بشكل أكبر.

إقرأ أيضاً: 6 طرق لتحسين الطريقة التي تفكر بها

2. حافظ على الامتنان في مساره الصحيح:

إنَّ الامتنان ليس تفادياً سريعاً لمشاعرك، وإنَّما يعدُّ جزءاً من التجربة البشرية مثل الألم تماماً؛ وحسب قول عالمة النفس ثيما براينت ديفيس (Thema Bryant-Davis): "لا يعدُّ الامتنان عاطفة أو تجربة حصرية؛ فلدى البشر الأصحاء مجموعة مشاعر تخبرنا معلومات هامة عن تجاربنا وعلاقاتنا وأنفسنا".

لذلك، ضع قائمة بالأشياء التي تمتن لها، ولكن فكر فيها على أنَّها الحل لمساعدتك على تجاوز وقتك الصعب، وليست منفذاً للهروب من المأزق؛ وكما تقول براينت ديفيس: "لا تستخدم قائمة الأشياء التي تمتن لها كأداة للرفض أو التهرب من مشاعرك".

شاهد بالفيديو: 5 فوائد مثبتة للشعور بالامتنان.

3. استجب للحياة بشكل مطلق:

يتسبب إجبار نفسك على الامتنان عندما لا تشعر بذلك بالإحباط والشعور بالذنب؛ لذا دع الامتنان يظهر بشكل تلقائي، وقل كلمة "شكراً" عندما تكون ممتناً حقاً، وقل "هذا مقيت" عندما يكون هناك شيء سيئ بالفعل؛ فعندما تقوم بذلك، فأنت تخاطب نفسك بأفكار مفادها أنَّ مشاعرك صحيحة سواء كانت جيدة أم سيئة، وهو أمر مفيد لصحتك العقلية.

تقول ماكلولين: "عندما تظهر الأمور بوضوح وتشعر بالسعادة، فهذه هي اللحظات المناسبة لممارسة الامتنان؛ إذ يؤدي الاعتراف بالامتنان في نهاية المطاف إلى مزيد من السعادة وعيش حياة أكثر انسجاماً؛ ذلك لأنَّك تصبح أقرب إلى الواقع".

إقرأ أيضاً: كيف نصل إلى مشاعر الرضا والسعادة في الحياة

4. ابحث عن دعم عاطفي:

نجبر أنفسنا في كثير من الأحيان على الامتنان لأنَّنا لا نريد تجربة مشاعرنا الخاصة، إلَّا أنَّ الآخرين يدفعوننا إلى القيام بذلك.

تقول براينت ديفيس (Bryant-Davis): "عندما يتجاهل شخص ما مشاعرك، فإنَّه يفعل ذلك لحماية نفسه؛ ففي كثير من الأحيان، يبتعد الناس عن مشاعر المزعجة للآخرين لأنَّهم يخافون من أن تطغى على مشاعرهم؛ لذلك ينتهي بهم الأمر بتجنب كل الأشخاص من حولهم، وهو أمر غير جيد، ويدفعهم إلى إسكات الآخرين وعدم تقديم الدعم لهم".

عندما يحدث ذلك، فإنّك لن تفوِّت فرصة التعامل مع مشاعر الآخرين فحسب، وإنَّما ستعاني من الخجل والتوتر نتيجة حكم الأشخاص عليك؛ لذا بدلاً من معاناتك بصمت، ابحث عن أشخاص لديهم القدرة العاطفية للإصغاء إلى آلامك ومتاعبك دون إجبارك على الامتنان، وفكر في الأصدقاء وأفراد الأسرة الذين يسمحون لك بالتعبير عمَّا تشعر به دون إصدار أحكام عليك، والذين يصغون إليك ويتعاطفون معك بدلاً من تقديم نصائح غير مرغوب فيها أو عبارات امتنان مبتذلة لست بحاجة إليها.

قد يكون هذا النوع من الأشخاص نادراً ومن الصعب الوصول إليه، لكنَّ قدرتك على التعبير عمَّا تشعر به في علاقات آمنة وعاطفية يكون أكثر فاعلية من تصنُّع الامتنان باسم الرعاية الذاتية.

المصدر




مقالات مرتبطة