التنفيس عن المشاعر: تعريفه، وطرق التعامل معه

نحن نشأنا على فكرة إنكار المشاعر السلبية وعدم الاعتراف بها، وتبنَّينا سياسة كبت المشاعر وتخزينها في أعمق طبقات النفس، متوقِّعين أنَّنا استطعنا الانتصار عليها بهذه الطريقة، ولكنَّ الحقيقة غير ذلك تماماً؛ إذ تعود تلك المشاعر إلى الظهور في حياتنا وتستأنف نشاطها في تشكيل سلوكنا وتصرفاتنا، وكل ذلك يحدث بطريقتها الخاصة دون أن يكون لدينا أي سيطرة عليها.



فقد تظهر تلك المشاعر على شكل انفعالات غير منطقية وغير مفهومة، أو على شكل ألفاظ خارجة عن اللباقة أو على شكل بكاء هيستيري فجائي أو على شكل ضحك هيستيري غير متوقَّع أو على شكل فقدان سيطرة على تناول الطعام، أو تظهر بطرائق إبداعية كالكتابة والرسم والغناء وما إلى ذلك.

ومن هنا تظهر طرائق التنفيس عن المشاعر السلبية، ولكن لكي تحوِّل المشاعر السلبية إلى أكبر داعم في حياتك؛ عليك بدايةً أن تعترف بوجودها ومن ثمَّ تتعلَّم إدارتها إدارةً سليمةً، وهذا هو مدار حديثنا في هذا المقال.

ما هو التنفيس عن المشاعر؟

وهو التعبير عن شحنة انفعالية إيجابية كانت أم سلبية باستخدام الطريقة المعتادة من أيام الطفولة؛ أي الطريقة التي تبنَّاها الطفل من خلال والديه، على سبيل المثال: قد يتبنَّى شخص ما طريقة السباب والشتيمة والكلام البذيء للتنفيس عن غضبه وسخطه، في حين يتبنَّى شخص ثانٍ طريقة البكاء للتنفيس عن غضبه، في حين يعبر شخص آخر بالضرب والعنف.

يعدُّ التنفيس من أهم الأمور من أجل الوصول إلى استقرار الإنسان وسعادته، ولكن بشرط أن يُنفَّذ تنفيذاً صحيحاً.

الطرائق الصحية للتنفيس عن المشاعر السلبية:

1. البكاء:

يعدُّ البكاء من أهم طرائق التنفيس الصحية بالنسبة إلى الذكور والإناث، وهذا يتعارض مع الموروثات التي تدحض حق الرجل في البكاء وتفريغ طاقته السلبية، فعلى الرجل أن يسعى إلى التخلِّي عن تلك الموروثات البالية ويتبنَّى طريقة البكاء للتعبير الصادق عن مشاعره السلبية، كأن يجلس مع ذاته ويبكي بقوة.

2. الكتابة:

تعدُّ الكتابة من أجمل طرائق تنفيس الطاقة السلبية وأكثرها رقياً، وهنا يكتب الإنسان بصدق كل ما يزعجه ويثير غضبه، ومن ثمَّ يكتب التفسيرات التي خلقها عقله عن الحدث والتي أدت إلى اختباره لتلك المشاعر السلبية، ويعود الإنسان عندما يهدأ إلى تلك الكلمات بعد فترة من الزمن، لكي يحلِّل ما كتبه تحليلاً منطقياً، ويكتشف السبب الأساسي لمشاعره السلبية.

على سبيل المثال: قد يغضب شخص ما من آخر ويوجِّه له كلاماً بذيئاً، فهنا إن فسَّر الشخص الثاني الموقف على أنَّه إهانة وضرب بالكرامة؛ فسوف يغضب كثيراً ويسخط، أمَّا في حال تفسيره للحدث على أنَّ الشخص الأول مفتقر إلى قيمة الاحترام، ولا يمتلك سوية وعي تؤهله للتعامل بطريقة أرقى من ذلك؛ فعندها سوف يهدأ ويسأل نفسه عن الأمور التي قد اقترفها والتي أسفرت عن غضب الآخر منه بهذه الطريقة، كأن يقول له: "على ما يبدو أنت غاضب، ولكن هذا ليس أسلوباً ناضجاً للحوار، هل تستطيع أن تقول لي ما الذي يغضبك مني؟".

3. الله:

يعدُّ الحديث مع الله من أهم طرائق التنفيس عن المشاعر السلبية؛ لذلك اجلس مع نفسك وخاطب الله وأفصِح له عن كل ما يجول في خاطرك من أفكار ومشاعر.

4. الرقص:

عليك بالرقص، فهو من أكثر الطرائق الفعَّالة للتنفيس عن المشاعر السلبية؛ حيث يساعد الاهتزاز على التخلص من كل الطاقة السلبية.

إقرأ أيضاً: كيف غيَّرت كتابة اليوميَّات بخط اليد حياتي؟

كيف أتعامل مع مَن يُنفِّس عن مشاعره تنفيساً سلبياً؟

1. القيمة المستمدة من الله:

اعلم أنَّ قيمتك مستمَدَّة من الله عز وجل، وليس من البشر؛ لذلك لا يستطيع مخلوق على وجه الأرض التقليل من قيمتك أو رفعها، فلا تهتم في حال تعرُّضك لمواقف مؤذية من قِبل الآخرين، وتأكَّد أنَّ الإنسان الضعيف هو مَن يلهث إلى جرح الآخرين والتقليل من شأنهم.

2. سويات الوعي المختلفة:

تقبَّل فكرة اختلاف سويات الوعي بين البشر، فلا تتوقَّع أنَّ الجميع يمتلك قيمك في الحياة ذاتها، ومن هنا يصبح لديك تقبُّل لطرائق التعامل المختلفة بين الناس، وعندها ستعلم أنَّ مَن يشتم عند الغضب، إنسان ضعيف ولا يملك سوى هذه الطريقة للتنفيس عن غضبه، ومن ثمَّ ستأخذ بيده إلى التغيير، كأن تبيِّن له تفهُّمك لأسلوبه المختلف عن أسلوبك، ومن ثمَّ تقنعه أنَّ الحياة قصيرة ولا تستحق كل هذا القدر من الطاقة السلبية؛ بل تستحق منَّا العمل والسعي إلى إدارة انفعالاتنا، واكتشاف مثيراتنا الداخلية، لكي نعمل على تلافيها، فقد يكون الجوع هو من المثيرات المحرِّكة لغضبك وتوتُّرك، فعليك هنا ألَّا تترك نفسك تصل إلى مرحلة الجوع.

إقرأ أيضاً: لماذا لا تعد المشاعر السلبية سيئة للغاية؟ وكيف تتعامل معها؟

3. التفسير:

اعلم أنَّ تفسيرك للحدث هو الذي يصنع مشاعرك تجاهه؛ أي أنَّ أفكارك هي التي تصنع مشاعرك، فإن استطعت التحكُّم بأفكارك؛ ستتحكَّم بمشاعرك.

على سبيل المثال: إن فسَّرتَ وفاة والدك على أنَّها ظلم إلهي وعدم عدل كوني؛ عندها ستنتابك مشاعر من الحزن العارم والسخط على كامل البشرية، ولكن في حال فسَّرت الأمر على أنَّه حقيقة وقدَر على كل البشر، ونفَّذت الأمور الواقعة ضمن دائرة تأثيرك؛ كأن تتصدق لوجه الله عن روح والدك، أو تسعى إلى بلوغ أهدافك من أجل تحقيق الوعد الذي قطعته لوالدك؛ فحينها تستطيع التعامل بعقلانية مع خبر وفاة والدك، ومتابعة الحياة بطريقة سليمة.

إذاً عندما تركِّز على دائرة تأثيرك، وتنسى الظروف المحيطة بك التي لا تستطيع تغييرها؛ فحينها تستطيع إدارة مشاعرك السلبية.

في الختام:

كن عقلانياً، وراقب أفكارك لأنَّها مَن تحدد مشاعرك، ولا تنسَ تفريغ المشاعر السلبية بطرائق صحية؛ حيث يليق بك الرقي والنضج والتميز.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة