التقوى في شهر رمضان المبارك

هل يمكن للإنسان أن يحقّق التقوى التامة في رمضان؟ وهل نحن مطالبون بالوصول إلى منتهاها؟ لابدّ أن يغلب عليك في يومك التقوى.



عليك أن تسأل نفسك كل يوم قبل أن تأوي إلى فراشك في رمضان: ماذا فعلت في هذا اليوم؟

لو أنّك أحرزت 60% من التقوى فهذا شيء جيد، لو أحرزت 80% فأنت غالبة عليك التقوى إذن أنت صمت، نحسب أن رمضان قُبل، وأن المغفرة حدثت وأنّك معتوق من النار، فنحن نصوم لأن الصيام يحقّق التقوى ولو صمنا حقيقة فسنكون أتقياء، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة - 183.

فالذي لم يكن قبل رمضان يصلي في المسجد وأصبح منذ رمضان يصلي فيه، هذا مقبول صيامه والتي كانت لا تقرأ القرآن قبل رمضان وأصبحت تقرأه في رمضان وأصبحت تقرأه بعد رمضان قبل صيامها هؤلاء حققوا الهدف من رمضان: "لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" وكلمة "لَعَلَّكُمْ" حين تأتي في قول الله عز وجل تكون تأكيداً، رغم أنّها على لسان البشر تعني "ربما" هنا يقول لك الله أنّك لو صمت صوماً حقيقياً فستكون تقياً. 

وأنا أقول بصدق والله شاهد على كلامي: رأيت مئات من الناس في حياتي الشخصية طلعوا من رمضان أتقياء لا تظن أبداً أن ذلك شيء مستحيل، ومن هؤلاء شبان وبنات صغيرات خرجوا من رمضان غير ما دخلوه وتحقّق معهم هدف الصيام.

إقرأ أيضاً: الإيمان بالله منبع السعادة والنجاح

ما الذي يؤدّي إلى التقوى في الصيام؟

الصيام يقوّي أشياء بداخلنا، ويضعف أشياء أخرى، فالصيام يعني الامتناع عن الطعام والشراب والشهوة من الفجر حتى المغرب، هنا تضعف سيطرة البدن على الروح، كل المخلوقات العاقلة خلقها الله من مادة واحدة فقط. الملائكة خلقت من النور، والجن خلقوا من النار، المخلوق الوحيد الذي خلق من مادتين هو الإنسان: جسد وروح، الجسد مثل غلاف خارجي بداخله تجويف تسكنه الروح، وكل شق من الشقين آتي من مصدر مختلف، فالجسد مصدره طين الأرض، أمّا الروح فمصدرها نفخة علوية من السماء، "فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ" الحجر -29. شق جاء من قاع الأرض، والشق الآخر جاء من السماء. أنت بداخلك هذان الضدان، تكن الروح محبوسة داخل الجسد، لا تستطيع الانطلاق، إلّا إذا ساعدها الجسد، ولكلّ شق الغذاء المناسب له فغذاء الجسد يأتي من الأرض التي جاء منها وغذاء الروح يأتي من السماء التي جاءت منها.

غذاء الجسد هو المأكل والمشرب والفسح والشهوة، أمّا غذاء الروح فهو القرآن والصلاة وذكر الله والصدقة، ومثلما يجوع الجسد للطعام، تجوع الروح للتقوى ولابدّ من توازن بين غذاء الجسد وغذاء الروح، لكي تصح الحياة.

إقرأ أيضاً: أفضل العبادات عند الله سبحانه وتعالى

الصيام يأتي إذا غلب غذاء الجسد على غذاء الروح، فيوقف غذاء الجسد لكي ينتعش غذاء الروح، تعلو الروح فتحدث التقوى، فأول شيء يحقّقه الصيام هو إطلاق الروح من قيود الجسد، أمّا الشهوة فأكثر غريزة تؤثّر في الإنسان هي غريزة الجنس وعلماء النفس يقولون أنّ الجنس هو المحرك الأساسي للسلوك الإنساني، الصيام هنا يوقفه، وينظّم الأكل والشرب والشهوة، فتحدث التقوى، والصيام يقوّي مجاهدة النفس ويقوّي العلاقات الاجتماعية بين الأهل وصحبة الصالحين، أي حكمة الصيام هي التقوى.

والله أعلم.

 

المصدر: مقال للأستاذ عمرو خالد لجريدة الأهرام العربي بتاريخ 4/11/2003




مقالات مرتبطة