التغيير المؤسساتي: لماذا تفشل جهود التغيير في المؤسسات؟

لاحظ الدبلوماسي والفيلسوف الإيطالي "نيكولو ماكيافيلي" (Niccolò Machiavelli) منذ أكثر من 500 عام -تحديداً في 1513م- مدى صعوبة تقبل القادة للتغيير.



حيث وضَّح ذلك في كتاب "الأمير" المنسوب إليه، قائلاً: "يجب علينا دائماً تذكُّر أنَّه ما من شيءٍ أصعب في التعامل معه، وأخطر في التصرف إزاءه، وغير مضمون النجاح؛ أكثر من أخذ زمام المبادرة لإدخال نظامٍ جديدٍ من الأشياء؛ وذلك لأنَّ المبتكِر لديه الكثير من الأعداء الذين حققوا أداءً جيداً في ظلِّ الظروف القديمة، والقليل من المناصرين الذين قد يكون أداؤهم جيداً في ظِلِّ التغيير الجديد؛ إضافةً إلى أنَّ المناصرين غالباً ما يكونون مترددين وباردي الهمَّة، حيث ينشأ هذا التردد من الخوف من الخصوم والمنافسين الذين يملكون القوة ومقومات النجاح، ومن عدم الثقة بقادة التغيير الذين يفتقرون إلى الخبرة الطويلة؛ كما أنَّهم في الغالب لا يؤمنون بسهولةٍ بجدوى التغييرات الجديدة".

لم يتغير الكثير في هذه السنوات الخمسمئة، ولا يزال تنفيذ التغيير صعباً، حيث لاحظت شركة (IBM) ذلك في إحدى دراساتها حول التغيير؛ ممَّا يعني أنَّ إحداث التغيير صعب، بغض النظر عن القرن الذي تعيش فيه.

لقد أُجريَت في إحدى الدراسات التي شملت الرؤساء التنفيذيين (CEOs) ضمن مؤسسة المستقبل، 1130 مقابلة مع الرؤساء التنفيذيين والمديرين العامين وقادة الأعمال ورؤساء القطاع العام، وقد كان فحواها معرفة كيفية تعاملهم مع التغيير المؤسساتي؛ فكيف قيَّم هؤلاء القادة العالميون قدرتهم على توجيه التغيير في منظماتهم؟

إليكم القصة باختصار: لقد كان معظم هؤلاء الرؤساء التنفيذيين يتوقعون تغييراً كبيراً لمنظماتهم في المستقبل، في حين لم يثق الكثير منهم بقدراتهم على إدارة التغييرات القادمة بنجاح.

يقودنا هذا إلى السؤال: لماذا تفشل جهود التغيير؟

لماذا تفشل جهود التغيير؟

هناك العديد من العوامل التي تتسبب بفشل جهود التغيير، مثل: مقاومة التغيير، وعدم فعالية عملية التغيير، ونقص الدعم المؤسساتي، وسوء التوقيت، وما إلى ذلك؛ ولكن، تفشل جهود التغيير في نهاية المطاف بسبب ضعف القيادة التي تمثِّل محور التغيير، والتي تلعب دوراً جوهرياً في نجاحه أو فشله.

يُعَدُّ التغيير المؤسساتي في الحقيقة مَهمَّةً ضخمةً لا يتحملها سوى عددٌ قليلٌ جداً من القادة، وينتج عنها -في كثيرٍ من الأحيان- نفقاتٌ هائلةٌ ونتائج أقلّ من المتوقع؛ لكن غالباً ما تتعرَّض المنظمات والمؤسسات العامة والخاصة والشركات إلى ضغوطات كبيرة لمواكبة تطور الأحداث الاقتصادية والثقافية والمجتمعية مع الاستمرار الطبيعي للحياة؛ إذ لم يعد التغيير المؤسساتي نزعةً عابرةً فحسب، بل صار حدثاً منتظماً؛ لذلك، يجد القادة أنفسهم تحت ضغطٍ هائلٍ لإحداث التغيير بسرعةٍ وتأثيرٍ أكبر.

في حين أنَّ جاهزية المنظمة وقدرتها على التكيف غالباً ما تكون ضمن المجالات التي يجب التفكير فيها عند التخطيط لتغييرٍ واسع النطاق، هناك العديد من الأخطاء التكتيكية التي يمكن تجنُّبها لمنح مشروع التغيير أفضل فرصةٍ للنجاح.

ينبغي لنا قبل الحديث عن أبرز أخطاء القادة في التغيير المؤسساتي، الوقوف على أهم بعض الافترضات التي تؤدي إلى سوء فهمنا للتغيير نفسه، وتقودنا إلى الفشل فيه؛ فعندما نتغلب على هذه الأخطاء في الفكر المؤسساتي، نكون قد تغلبنا على عقبة هامَّة، فقد ذكرت "ناديا جيكسيمبايفا" (Nadya Zhexembayeva) في مقالها في مجلة "هارفرد" أنَّ الكثير من إخفاقنا في التغيير يعود إلى افتراضاتنا الأساسية حول أسباب نجاح التغيير؛ وعندما تتغير هذه الافتراضات، نستطيع تحقيق الأهداف المرجوة.

1. الافتراض الأول، اتباع أفضل الممارسات (Best Practice):

لاقت هذه العبارة البرَّاقة اهتمام الإدارة الحديثة والقيادات على حدٍّ سواء، وأصبح الاستشهاد بنماذج "أفضل الممارسات العالمية" عنوان النجاح والتميز.

ما وَجَدَتْهُ كلية "كيلوغ" للإدارة أنَّ مشاركة الإخفاقات والقصص المحرجة أنتجَ أفكاراً أكبر بنسبة 26% مقارنةً بالمجموعات التي قدمت قصصاً حول ما يسمَّى "أفضل الممارسات"، أو التي تنمُّ عن الفخر؛ ناهيك عن أنَّ مشاركة الإخفاقات أنتجت أفكاراً تشمل مجالات أخرى، وامتدت إلى قطاعات أوسع بنسبة 15%، وأدت إلى زيادة نسب الإبداع وتقوية العلاقات البينية بين أعضاء الفريق، وفتحت شهية التواصل مع الآخرين؛ فبحسب إحدى الدراسات، تفوق أهمية مشاركة الإخفاقات أهمية اتباع أفضل الممارسات، وتؤدي إلى تحسين افتراضاتنا حول التغيير.

2. الافتراض الثاني، ما دامت الأمور على ما يرام، فلا تغيرها:

يقود هذا الافتراض إلى إبقاء الأمور على ما هي عليه ما دامت معقولة، وهذا هو الادعاء الذي يتغنَّى به المقاومون للتغيير؛ ولكن عندما نتوقف عن التغيير، فإنَّنا نقدم أنفسنا لقمةً سائغةً للمنافسين، ونسمح لهم بالتقدم علينا والتميُّز.

يكمن الحل إذاً في السعي إلى التغيير باستمرار، ما دام الكون كلُّه يتغير باستمرار.

قد يكون طرح فكرة سيناريوهات سيئة أو متشائمة حول مستقبل الشركة ومناقشتها مع القادة والرؤساء التنفيذين والموظفين، هو ما يُوقِظ هذا الإحساس بأهميّة التغيير والخروج من دائرة الأمان الوهمية؛ فقد طرحت الكاتبة فكرة تمرين "دَمِّرُوا شركتنا" على مجموعات مختارة من الموظفين، بحيث يفكِّر الجميع في الطرائق التي يمكن تُدمَّر من خلالها الشركة، ليقدموا وسائل وطرائق لإنقاذها.

إقرأ أيضاً: مقاومة التغيير في المؤسسة: كيف يتعامل معها القائد؟

أهم الأخطاء التي يرتكبها القادة في أثناء عملية التغيير:

نعود بكم الآن إلى أهمّ الأخطاء التي يرتكبها القادة في أثناء عملية التغيير، والتي تقود جهود التغيير إلى الفشل:

1. إيجاد صلة ومعنى للتغيير:

عدم ربط جهود التغيير باستراتيجية المؤسسة ربطاً واضحاً وعلنياً، حيث يخلق ربط التغيير بالأعمال صورةً غايةً في الوضوح في أذهان أصحاب المصلحة.

تملك معظم المنظمات عدداً لا يُحصَى من مجهودات التغيير التي تحدث في وقتٍ واحدٍ في جميع أنحاء المنظمة؛ ويفرض كلُّ هذا مطالبَ وضغطاً على الموظفين لمواكبة التغيير، لكنَّهم غالباً لا يعرفون السبب، وينقصهم وضوح المعنى؛ ممَّا يجعل من الصعب عليهم الالتزام الذاتي بالتغيير.

يعتقد القادة في كثيرٍ من الأحيان أنَّ هذا النقص في الالتزام نوعٌ من المقاومة، ولكنَّه في الواقع نقصٌ في فهم ضرورة التغيير لنجاح الأعمال؛ وغالباً ما تكون هذه مشكلة القادة لا الموظفين. لذا يجب أن يرى الناس أهميّة التغيير وأبعاده الاستراتيجية ليلتزموا به؛ ذلك لأنَّهم لن يفعلوا ذلك دون أن يدركوا أهمية التغيير ومعناه.

ما يدركه القادة ويغيب عن الأفراد هو أنَّ معظم التغييرات الرئيسة تكون من أجل تمكين المنظمة من التنفيذ الفعَّال لاستراتيجيها استجابةً لمتغيرات السوق.

تحدث الملاءمة فقط عندما يرى الناس كيف يناسب هذا التغيير الصورة الكبيرة للمؤسسة، وكيف يساهم في نجاح الأعمال، والاستجابة للسوق، وتحقيق رؤية الشركة، وتنفيذ الاستراتيجية لتحقيق هذه الرؤية؛ حيث توضِّح هذه الصورة الكبيرة الغايةَ من التغيير، وتزيد وعي الأفراد بضرورته؛ ويعدُّ القادة الأشخاص المسؤولين عن ضمان حصول أصحاب المصلحة على هذا الفهم الواضح.

يجب أن يحرص القادة على أن يعلم كلُّ موظف –على اختلاف درجته وموقعه الوظيفي– مدى الصلة بالموضوع، والمعنى المراد من كلِّ جهدٍ تغييريٍّ يحدث في المؤسسة؛ حيث تعدُّ هذه الاستراتيجية في توصيل المعنى وبناء الفهم الواضح أساس الدور التنفيذي للقادة.

لقد اعتدنا -مع الأسف- على اقتصار هذا المستوى من الفهم في المؤسسات على المديرين التنفيذيين فحسب، فقد كان دور الموظفين -تقليدياً- الإيمان الأعمى بالتغيير، وتنفيذه بصمت؛ ولكن نرى في عالم اليوم التنافسي، أنَّ معظم المنظمات في سباقٍ مستمرٍّ مع التغييرات، في محاولةٍ منها لمواكبة متطلبات السوق؛ ولكي يتمكَّن الموظفون من المساهمة الكاملة في التغيير، يجب أن يفهموا الصورة الكبيرة لهذا التغيير وصلته بالمؤسسة.

يفهم الموظفون المعنى من التغيير عادةً من خلال الإجابة عن التساؤلات التي تدور في رؤوسهم، مثل:

  • كيف أرى نفسي في هذا التغيير؟
  • هل هو هامٌّ لي؟
  • هل أستطيع إيجاد موقعي المناسب فيه؟ وما تأثيره فيَّ؟ وما الذي سيُطلَب مني جرَّاءه؟ وما دوري ومسؤولياتي؟ وما التغيير الذي سيطرأ على طبيعة عملي نتيجةً له؟

تذكَّر أيُّها القائد أنَّ المعنى المنشود شخصيٌّ بالأساس، وأنَّ الناس بحاجةٍ إلى معرفة التأثير الشخصي للتغيير في عملهم؛ وذلك لإيجاد معنى ملائم له، والالتزام بالمساهمة في إنجاحه.

إذا رأيت علامات مقاومة أو سمعت من الأفراد أسئلة مثل: "لماذا يجب أن نغيِّر؟ ولماذا هذا التغيير أكثر أهمية ممَّا أقوم به الآن؟"؛ فهذه علامات تتعلَّق -على الأرجح- بمسألة الصلة والمعنى.

كيف أتصرف كقائد في هذه الظروف؟

  • الخطوة الأولى: إيقاف أيِّ مبادرات تغيير لا تدعم استراتيجية المؤسسة، والتي تربك موظفيك عادةً. هذا هام، خاصةً عندما تكون الأوقات الاقتصادية صعبة والموارد شحيحة.
  • الخطوة الثانية: تحديد أكثر التغييرات المؤسساتية التي تتمتع بفاعليةٍ عاليةٍ وتحقق نتائج إيجابية، وذلك استناداً إلى استراتيجية العمل؛ ثمَّ وصفُ هذه التغييرات لأفراد المؤسسة والموظفين بطرائق ترتبط بواقع البيئة الخارجية وضرورات العمل الرئيسة. ارسم هذه العلاقات لتكون واضحة وتساعد الموظفين على فهم أهمية وضرورة التغيير، واربطها بديناميكيات السوق والنتائج المرجوة من مبادراتك الشاملة للتغيير؛ حيث سيدفعك هذا نحو بناء فهمٍ أفضل للموظفين حول احتياجات العمل، وحشد الطاقات متى ما كان ذلك ضرورياً.
  • الخطوة الثالثة: تنوير الموظفين حول أهمّ سؤالٍ يُطرَح في أثناء التغيير: "كيف سيؤثِّر هذا التغيير في عملي ومستقبلي؟". أخبرهم بما تعرفه وما لا تعرفه، وحفِّزهم للمساعدة في معرفة ما تجهله؛ إذ يجب أن يجد الناس معنىً في ما تطلب منهم القيام به، ويجب أن يروا أنفسهم أنَّهم يساهمون بشكلٍ مفيدٍ في مستقبل المؤسسة، ومستقبلهم أيضاً. بمجرَّد فهم الصلة ووضوح المعنى، يجب الحفاظ عليها بمرور الوقت؛ فإذا سمعت تعليقاتٍ مثل "هل سيظل هذا التغيير ثابتاً؟"، فهذه علامةٌ على أنَّ التغيير قد يفقد أهميَّته للناس، أو قد يتساءلون عمَّا إذا كان القادة سيظلون على المسار؛ لذا كن مستعدّاً لاختبار مستوى فهم الموظفين والتزامهم بالتغيير المؤسساتي بشكلٍ دوري. هذا هامٌّ خصوصاً لمجموعات أصحاب المصلحة الرئيسين والمشاركين في إجراء التغييرات، وكذلك المجموعات التي تتأثَّر بها. قد يفهم الناس مدى الملاءمة بين التغيير والمعنى الواضح عند إشراكهم لأول مرة؛ ولكن من المرجح أن يتضاءل فهمهم بمرور الوقت؛ لذا احرص على الصلة الاستراتيجية في أذهان الناس بشكلٍ استباقي، وتأكد من استمرارهم في معرفة كيف تُحدِث جهودهم فارقاً في نجاح الأعمال، حتَّى بعد إجراء التغيير المؤسساتي.

2. إدارة التغيير وحوكمته (Governance):

إنَّ من أبرز مظاهر الفشل: عدم وضوح كلٍّ من: قيادة التغيير، والأدوار والهياكل التنظيمية، وآليات صُنع القرار، والتفاعل مع العمليات.

تحتاج جهود التغيير المؤسساتي إلى حكمٍ واضحٍ ومدروسٍ بقدر ما تحتاجه عمليات المنظمة؛ لذا اسألالأسئلة التالية:

  • ما الأدوار المطلوبة لقيادة التغيير المؤسساتي وتنفيذه؟
  • مَن سيشغل هذه الأدوار؟
  • مَن سيكون له سلطة اتخاذ القرارات؟
  • ما الذي سيؤذن به المسؤولون؟ وكيف سيجتمعون ويتواصلون ويديرون البيانات والمعلومات، ويتواصلون مع العمليات؟

إذ تحتاج كلُّ هذه الأدوار والآليات إلى توضيحٍ قبل بدء التغيير المؤسساتي السريع والمُنَسَّق.

يضغط العديد من القادة على الموظفين من أجل خطة عملٍ تواكب عجلة الاندفاع لتحريك جهود التغيير المؤسساتي، أو يفوضون ذلك إلى فريق عمل المشروع دون منحهم السلطة لاتخاذ قرارات رئيسة حول كيفية إجراء التغيير.

كثيراً ما نسمع عبارة: "ليس لدينا الوقت الكافي في إعداد الظروف المناسبة للتغيير، فقط اعثر على الأشخاص المناسبين وادفعهم للتحرك"؛ لكن لسوء الحظ، يُبطِّئ هذا الفشل في تهيئة ظروفٍ مناسبةٍ للنجاح التقدم جذرياً، إذ هناك حاجةٌ إلى مزيدٍ من الوقت لحلّ الارتباك الناتج، أو تجهيز كواليس السياسة في المؤسسة، أو مراجعة نتائج القرارات المتخذة، أو عدم اتخاذ إجراءات من قِبل أشخاص لا يعرفون مدى صلاحياتهم أو نطاق التفويض.

تعالج حوكمة التغيير المؤسساتي الجيدة -إن أُنشِئت من البداية- كلَّ هذا، وتسهل من سرعة وكفاءة تصميم التغيير وتنفيذه.

ما المطلوب من القائد؟

  • أولاً: تتطلَّب إدارة التغيير الواعي تعريفاً واضحاً لأدوار قيادة التغيير، من: الراعي (Sponsor)، وقائد عملية التغيير، وفريق العمل، والاستشاريين، وأصحاب الخبرة (SME). يجب أن يكون لقادة التغيير مسؤوليات تُنظَّم بطرائق واضحة، مثل: قدرته على التصرف والقيادة بطريقة منسقة. هذه المسؤوليات والأدوار بحاجةٍ إلى الاتفاق على مستويات القرار والسلطة، وأسلوب القرار والعملية التي تدعم التغيير المؤسساتي بشكلٍ أفضل.
  • ثانياً: يُنصَح بتوضيح الطرائق التي يتفاعل بها الأشخاص في المناصب القيادية -خاصة (C-Suite)- مع أولئك الذين يديرون عملية التغيير. غالباً ما يكون الأشخاص أنفسهم في كلا الفريقين، ولكن لدى الفرق مواثيق مختلفة جداً؛ لذا يجب على هؤلاء الأشخاص التمتع بالقدرة على ارتداء "القبعات" المناسبة حسب المسؤولية (إن جاز التعبير). الوضوح بين الاثنين أمرٌ ضروري، ولا شكَّ أنَّ جهود التغيير المؤسساتي سيكون لها تأثير في العمليات، بحيث تأخذ من موارد ووقت واهتمام الأشخاص لإحداث التغيير. يمكن توقع نقاط الضغط هذه تماماً؛ لذلك من الهام وجود اتفاقيات محددة مسبقاً حول كيفية التعامل مع نقاط الضغط بطرائق تخدم مستقبل الأعمال بشكلٍ أفضل.

3. غياب قواعد (ضوابط) استراتيجية التغيير:

إنَّ من أبرز مظاهرها أنَّ القادة لا يوفرون الإجراءات الاستراتيجية للتغيير، ولا أجندته، ولا منهجية عملية له؛ وقد تكون البنية التحتية أحياناً غير كافية لتنفيذ التغيير بنجاح.

لقد كان معظم القادة مهتمين بالاندفاع نحو العمل أكثر من توفير الإشراف المدروس والمنهجية والأدوات والبنية التحتية لضمان قيادة جميع التغييرات المؤسساتية بفعالية، وتحقيق أفضل النتائج؛ لكن بدلاً من ذلك، تمتلك المؤسسات مناهج متعددة ومتعارضة للتغيير، إذ لا توجد لغة موحدة أو أدوات مشتركة أو طريقة منهجية لتحديد مقدار التغيير الذي يحدث، أو كيف يُموَّل؛ ويؤدي هذا إلى خلق الفوضى وإضاعة الوقت والارتباك والمنافسة العقيمة بين جهود التغيير.

ستحظى الأصوات العالية والمطالِبة بتغييرات هامشية بأكبر قدرٍ من الاهتمام، حتى لو لم تكن ذات أثرٍ استراتيجي في المؤسسة؛ إذ تطغى الأصوات المرتفعة على الأولويات في ظلِّ غياب الاستراتيجية.

ما المطلوب من القائد؟

يحتاج القادة إلى وضع استراتيجية ضابطة لقيادة التغيير المؤسساتي بفعالية واتساق، ولدى جميع الوظائف الرئيسة الأخرى في المؤسسات مثل هذه الضوابط تقريباً؛ فعلى سبيل المثال: المالية، وسلسلة التوريد، والتسويق، والمبيعات، والموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات؛ حيث تُعَدُّ هذه السياسات والإجراءات ضروريةً لأداء وظائف الأعمال على النحو الأمثل، وتقديم النتائج المرجوة للمنظمة.

أصبح التغيير الآن معقداً ومنتشراً لدرجة أنَّنا بحاجة إلى قواعد استراتيجية مماثلة، إذ لن تُنتِج 60٪ من مجهودات التغيير التنظيمي عائد الاستثمار المقصود دون هذه الضوابط؛ لذا حان الوقت لجعل التغيير الرائد نظاماً استراتيجياً في مؤسستك، ولقيادة التغيير المؤسساتي بنيَّةٍ واعية.

ينبغي لتحقيق ذلك أن نركز على ثلاث أولويات لإنشاء ضوابط استراتيجية للتغيير المؤسساتي:

  • تحديد وإدارة أجندة التغيير المؤسساتي.
  • امتلاك منهجية واحدة مشتركة لعملية التغيير.
  • إنشاء بنية تحتية للتغيير لتنفيذ المبادرات بنجاح.

تمكِّن أجندة التغيير المؤسساتي القادة والمديرين التنفيذيين من التأكد من أنَّهم يركزون على أكثر استراتيجيات مجهودات التغيير المؤسساتي المطلوبة لنجاح الأعمال، ومن أنَّهم قادرون على قيادة هذه التغييرات بفعالية؛ كما تضمن أن تكون المؤسسة مركزة ومتوافقة مع أولوياتها، وقادرة على قياس عائد الاستثمار الذي تحتاجه نتائج الأعمال من التغيير المؤسساتي.

كما تتيح منهجية التغيير المشترك مزيداً من التنسيق والتكامل لجهود التغيير، وتتيح تنمية القيادة المطلوبة لضمان الإشراف القوي على التغيير.

وأخيراً، تشمل البنية التحتية للتغيير حوكمة التغيير والأنظمة والممارسات المعيارية من أجل إعداد فعالية التغيير المؤسساتي وتنظيمها.

4. إهمال الجوانب الإنسانية للتغيير:

أهم مظاهر ذلك: تضييق نطاق التغيير المؤسساتي، سواءً من حيث الحجم، أم من خلال إطلاق مبادرات تكنولوجية أو تنظيمية فقط، وإهمال المتطلبات الثقافية والعقلية والسلوكية.

قضى معظم المديرين التنفيذيين وظائفهم في التركيز على الجوانب الملموسة للمؤسسة لجعلها تعمل بكفاءة، مثل: استراتيجية الأعمال، والبنية التحتية، والأنظمة، والعمليات، والكفاءات؛ عندما تواجه تغييراً تنظيمياً كبيراً، ليس من المستغرب أن تحظى هذه العناصر بتركيز القادة، فهذا ميدانهم الطبيعي.

التحدي الذي يواجه القادة هو فهم وتعلم إتقان بقية الجوانب التي تؤثر في نجاح جهودهم في التغيير؛ ونقصد بها الجوانب الإنسانية المتأثرة في المنظمة بالتغيير، فعلى سبيل المثال: الأفكار والعقليات، والثقافة، والسلوك، وردود الفعل العاطفية للأشخاص الذين يخضعون إلى التغيير المؤسساتي.

ما المطلوب من القائد؟

يجعل التركيز الضيق للغاية القادة يخطئون في فهم ما ينطوي عليه التغيير المؤسساتي بالفعل، فعلى سبيل المثال: أحد أكثر الأوهام شيوعاً في التغيير المؤسساتي هو أنَّ تغيير الهيكلية الإدارية (Organization Structure) يعني إعادة ترتيب العلاقات بين القادة والموظفين، ومن يرجع إلى الآخر، وطريقة إعداد التقارير؛ لكن ما لا يدركه القادة في الواقع أنَّ هذه التغييرات التي تحدث على الورق عند تغيير الهيكل، غالباً ما يكون لها تأثير كبير في كلٍّ من النظم، والعمليات التنظيمية، وصنع القرار، وإدارة المعرفة، والتكنولوجيا، والعوامل الإنسانية للثقافة التنظيمية والعقلية، وعلاقات العمل، والسلوك، والسياسة الداخلية في المؤسسة، وما إلى ذلك.

النطاق الحقيقي الذي يجب أن يفكر فيه القادة، هو أن يكونوا واعين ومرتكزين على العلاقات الإنسانية والقضايا المطروحة في مبادرة التغيير.

5. عدم مراعاة الثقافة التنظيمية:

تؤثر عدم معالجة ثقافة المنظمة معالجةً كافية كقوة رئيسة في نجاح التغيير المؤسساتي تأثيراً مباشراً.

غالباً ما يفشل التغيير لأنَّ القادة لا يهتمون بالثقافة التنظيمية، أو لا ينجحون في تغيير الثقافة القديمة البالية؛ ممَّا يُفضِي في نهاية المطاف إلى بقاء الحالة القديمة كما هي دون تغيير.

تُظهِر الأبحاث أنَّ أكثر من 60٪ من جهود التغيير تفشل، وأحد الأسباب الرئيسة لذلك: عدم معالجة الثقافة التنظيمية بشكلٍ ملائم؛ فكما قال "جيم كولينز" (Jim Collins): "تلتهم الثقافةُ الاستراتيجيةَ في وجبة الإفطار".

يعدُّ التغييرُ الثقافيُّ التنظيميُّ الأساسَ دائماً للتغيير الناجح، وتعدُّ الثقافةُ التنظيميةُ العقليةَ الجماعيةَ للمنظمة. إنَّه نمط من الافتراضات والمعتقدات والقيم المشتركة على نطاقٍ واسع -غالباً ما تكون غير واعية- التي تشكِّل أساساً لأساليب الناس في الوجود والارتباط والعمل، فضلاً عن تفاعل المنظمة مع بيئتها ونجاحها فيه.

تحدد الثقافة التنظيمية بشكلٍ أساسيٍّ "كيف تبدو الأمور هنا، وكيف تسير الأمور هناك"، ورغم أنَّها غير ملموسةٍ إلى حدٍّ ما، ويصعب معالجتها عملياً على معظم القادة؛ إلَّا أنَّها تتغلغل فعلياً في كلِّ جانب من جوانب المنظمة، مثلاً: ما القرارات التي تُتخَذ؟ وكيف تُتخَذ؟ وما الطريقة التي تُصمَّم وتُنفَّذ بها الأنظمة والعمليات التجارية وسلوك القادة والموظفين؟ تتأثر كلُّ هذه الأشياء بالثقافة التنظيمية القائمة.

تختلف الاستراتيجية والهيكل والأنظمة والعمليات و/ أو التكنولوجيا الجديدة التي تُنفَّذ في مبادرات التغيير المؤسساتي، عن الوضع الحالي؛ حيث تتطلَّب مبادرة التغيير من الناس تبني طرائق جديدة للوجود والعمل والربط من أجل الأداء الفعَّال، لا تتحقق الحالة الجديدة أو تقدم ميزة الأداء التي صُمِّمت من أجلها دون هذه الطرائق الجديدة.

عندما تُذكَر الثقافة التنظيمية كعاملٍ يحتاج إلى الاهتمام في جهد التغيير، يرد القادة قائلين: "ليس لدينا الوقت أو الرغبة في التعامل مع هذه الأشياء غير الملموسة"، ويُفوِّضونها إلى الموارد البشرية؛ فإذا رأى القادة أن التغيير "تنظيمي" بحت، وتجاهلوا الأبعاد الإنسانية والثقافية، فهذا وصفةٌ للفشل.

ما المطلوب من القائد؟

يجب على القادة إدراك الثقافة التنظيمية من أجل تغييرها، والالتزام بها، ومشاركتها بأنفسهم لتحقيق ذلك؛ ويجب عليهم تصميم الثقافة الجديدة لتقديم ما تتطلَّبه استراتيجية الأعمال للنجاح، ورؤية أن التغييرات تحدث.

إقرأ أيضاً: مفاهيم حول إدارة التغيير، ولماذا يحتاجها القادة

6. غياب النموذج القيادي:

لا يرغب القادة في تطوير أنفسهم أو تغيير عقلياتهم أو سلوكهم أو أسلوبهم لنمذجة التغييرات التي يُطالَبون بها من موظفيهم بعلانيةٍ ووضوح.

يتحقق التغيير المؤسساتي وفقاً للدرجة التي يصوغها القادة صراحة؛ فإذا كنت ترغب في ثقافة تنظيمية قائمة على فرق عالية الأداء، فيجب أن يصبح فريق القيادة أنموذجاً لذلك؛ وإذا كنت تريد التعاون عبر الحدود، فيجب على القادة التعاون معاً؛ أمَّا إذا كنت تريد منظمة تعليمية، فيجب على القادة تعزيز التعلم من خلال استخلاص المعلومات النشطة وجلسات أفضل الممارسات، بدلاً من تقديم توبيخٍ للفشل.

على الرغم من أنَّ أدبيات القيادة الحالية تعزز نمطاً بعيداً عن أسلوب التحكم والسيطرة السائد تاريخياً، يعطي الضغط الذي لا يتوقف من أجل سرعة الإنجاز وخفض التكاليف وزيادة الربحية مبررات متزايدة للقادة لمزيدٍ من التحكُّم وقلة الاهتمام بالجوانب الإنسانية "الناعمة"؛ فإذا كانت ثقافة العمل في مؤسستك تتطلب كلَّاً من: الابتكار، والمخاطرة، والمجازفة، والتعاون عبر الإدارات، وتجاوز الشكليات، والمساءلة المشتركة؛ فمن المرجح أن يصبح أسلوب التحكم والسيطرة مثبطاً مباشراً لنجاحك، كأنَّك تسير عكس التيار. لذا تتطلب العديد من التغييرات التي تحدث في مؤسسات اليوم أن يطوِّر القادة أسلوبهم، ويضعوا نماذج أكثر إبداعاً ومشاركة.

يتطلب التحرك في هذه الاتجاهات الجديدة أن يكون القادة على استعدادٍ للنظر في أساليبهم القيادية، وتقييم عقلياتهم وسلوكياتهم وأنماطهم الحالية؛ وذلك لمعرفة ما إذا كانوا يدعمون أو يمنعون التغييرات التي تحتاج المنظمات إلى إجرائها.

حتَّى مع النوايا الحسنة لتحفيز الناس على التغيير بسرعةٍ أكبر، إن لم يكن القادة على استعداد لمراجعة أساليبهم في القيادة، مثل: تصادم أساليبهم ورؤيتهم للتغييرات مع رؤية ومتطلبات المؤسسة والمستقبل الذي يتطلع إليه أصحاب المصلحة؛ فإنَّهم يحدون شخصياً من سرعة التغيير واحتمال تحقيقه. على سبيل المثال: قد يفرض القادة التغيير المؤسساتي فرضاً على الأفراد، أو يطالبون بمواعيد زمنية غير واقعية، أو يستثنون مشاركة بعض أصحاب المصلحة في استراتيجية التغيير، أو يخلقون بيئة الخوف إن لم يجري الوفاء بالمواعيد النهائية للتغيير أو الالتزام بالميزانيات المقررة؛ وإنَّهم يثيرون من خلال القيام بذلك، الارتباك والريبة والاستياء.

تؤدِّي هذه الأساليب إلى ابتعاد الناس عن تحقيق النتائج الحقيقية المرجوة من التغيير، والتركيز بدلاً من ذلك على كيفية تجاوز الظروف الصعبة لتحقيق التغيير المؤسساتي ولو شكلياً؛ ولتغيير هذه النهج، يجب على القادة أن يكونوا نماذج فعلية في التغيير، ويقودوا الأفراد بالقدوة.

ما المطلوب من القائد؟

يجب أن تكون نمذجة التغيير في السلوك والأسلوب على رأس أولويات قادة التغيير.

أحد أكبر محفزات التغيير المؤسساتي: رؤية القادة والمديرين التنفيذيين يعيشون التغيير ويتصرفون وفقاً لذلك؛ فهم بمثابة نموذجٍ يتوافق مع الحالة المستقبلية المرغوبة، ويختلف تماماً عن الطرائق القديمة؛ فعندما يرى بقية أفراد المنظمة أنَّ القادة يغيرون تفكيرهم ولغتهم وأفعالهم بشكلٍ شخصي، فإنَّهم يضعون الأساس الذي سيتصرف كلُّ شخصٍ في المؤسسة بناءً عليه؛ حيث تعدُّ هذه البيئة التي يحدث فيها وضع الافتراضات والتوقعات الإيجابية لتغيير السلوك من خلال نمذجة القيادة.

هل يعني هذا أنَّه يجب دفع التغيير المؤسساتي من أعلى إلى أسفل؟ ليس بالضرورة؛ ومع ذلك، إن لم يبدأ القادة إجراء تغييرات شخصية ملحوظة على آدائهم وسلوكاتهم توافقاً مع التغيير المنشود في مرحلة مبكرة من عملية التغيير، فسوف يفشل هذا التغيير؛ إذ يعتقد الناس من حولهم أنَّه ليس ذا مصداقية أو مستدام.

يجب على القادة ببساطةٍ أن يعيشوا التغيير الذي يطلبونه من المنظمة؛ وإذا لم يفعلوا ذلك، فسيفقدون المصداقية في أعين الناس، بالإضافة إلى صعوبة إمكانية تصور المستقبل الذي يحاولون خلقه.

وأخيراً، عندما يكون القادة فعَّالين في تنفيذ التغيير والابتكار، يتفاعل الموظفون وفرق العمل بشكلٍ إيجابي؛ لذا، يعود نجاح جهود التغيير أو فشلها -مثل معظم الأشياء في بيئة العمل-إلى القيادة؛ والحقيقة أنَّ القيادة -في كثيرٍ من الأحيان- لا تنقصها النيَّة، بل الوعي الكافي بخبايا التنفيذ.

المصادر: 1 2 3 4




مقالات مرتبطة