التغيرات المناخية وتأثيرها على الاقتصاد

الاضطرابات التي تحدث في الطقس والتغيرات البسيطة هي أمر عادي، أما "تغيُّر المناخ" فهو تغير على الأمد الطويل في التوزيع الإحصائي لأنماط الطقس، وقد تكون تلك التغيرات طبيعية نتيجة الانفجارات البركانية الكبيرة أو تغير نشاط الشمس، ولكن منذ القرن التاسع كان المسبب الرئيسي للتغيرات المناخية هو النشاط البشري.



حرق الوقود الأحفوري كالنفط والغاز والفحم هو النشاط الأساسي المسبب للتغيرات المناخية، فهو يسبب زيادة انبعاث الغازات الدفيئة (ثاني أوكسيد الكربون والميثان) التي تعمل على زيادة الاحتباس الحراري، ولأنَّ التغيرات المناخية تترك آثاراً سلبية في مختلف جوانب الحياة؛ سنركز الآن على الاقتصاد لأنَّه أحد أهم الركائز الأساسية لتحقيق التكامل الاجتماعي، فهو من ينقل الأمم من الركود إلى الرفاهية.

يساعد علم الاقتصاد المجتمعات البشرية على إيجاد حلول البطالة والفقر ونقص الموارد ويضع الخطط المناسبة ليتم تجاوز تلك المشكلات والعقبات مستقبلاً للوصول لنتائج إيجابية تنقل المجتمع إلى الرخاء الاقتصادي، ولكن يحتاج ذلك إلى موارد بشرية وطبيعية؛ لذا يعد تغير المناخ أكبر تهديد للاقتصاد فنتائجه السلبية بدأت الظهور فوراً، ومقالنا الحالي سيوضح الآثار السلبية للتغيرات المناخية في الاقتصاد بشكل مفصل.

الآثار السلبية لتغير المناخ في الاقتصاد:

تهدد التغيرات المناخية الناتجة عن الانبعاثات الكربونية العالم بأسره وتمنعه من التقدم الاقتصادي؛ لأنَّها تترك كثيراً من الآثار السلبية، وأبرزها ما يأتي:

1. تدمير البنية التحتية:

البنية التحتية للاقتصاد هي كل ما يتعلق بالمقومات الأساسية اللازمة لتبني المجتمعات اقتصادها القوي، وجميع المقومات تتأثر في الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية بمختلف أشكالها، فشبكات الاتصالات والإنترنت لم تسلم من العواصف الحارة والرياح والأمطار، فيتأثر تدفُّق البيانات عبر الشبكات فتضعف الاتصالات وتنقطع، ومع ارتفاع درجات الحرارة ترتفع تكلفة التبريد ومولدات الطاقة، أما المعدات النحاسية المستخدمة في تمديد الألياف الضوئية فقد يصعب إيجادها مستقبلاً.

بالنسبة إلى المرافق العامة فجميعها بخطر وخاصة الطرق والجسور التي تشهد ضغوطات باستمرار كما تمديدات الكهرباء والمياه وخطوط النقل السريعة، وأيضاً حركة الطيران تتأثر بموجات الحر والسكك الحديدية تتمدد، وتؤكد الدراسات أنَّ احتمال تضرر البنى التحتية بشكل أكبر يزداد بمرور الزمن حتى عند استخدام المواد العازلة واتباع المعايير الحديثة في التشييد والصيانة.

2. خسائر في الإنتاجية:

سينتج عن ارتفاع درجات الحرارة المستمر والمتوقع وصوله إلى 4.5 درجة مئوية في عام 2090م ارتفاعَ الإصابة بالأمراض التنفسية والدورانية والنفسية والأمراض المنقولة بالماء والغذاء أو بالحشرات؛ لأنَّ نشاط الحشرات سيرتفع وستزداد معه الإصابة بالأمراض كحمى الضنك ومرض لايم وغير ذلك.

من الممكن تفاقم الأمر وارتفاع معدل الإصابة بأمراض الصحة العقلية إضافة إلى أعداد كبيرة من الوفيات، ورغم أنَّ الفئة الأكثر تضرراً هي الأطفال وكبار السن، لكنَّ المتوقع هو انخفاض الإنتاجية بنسبة 3% كل عام، فتتم خسارة ملياري ساعة عمل سنوياً، ومن ثم الخسائر الاقتصادية المتعلقة بالتغيرات المناخية ناجمة بشكل كبير عن الخسائر الفادحة في الإنتاجية.

3. ارتفاع تكاليف الإنتاج:

تهدد التغيرات المناخية الشركات المنتجة بمختلف أشكالها، فتنتج عنها ظروفاً جوية قاسية تشمل الأعاصير والفيضانات والجفاف وموجات البرد والحر، وتنتج عن ذلك أعطال كثيرة وتخريباً للبنية التحتية للمصانع والشركات ووسائل النقل، ومن ثم صعوبة في عملية الإنتاج ينشأ عنها ارتفاع في تكلفة المواد الخام وتكلفة إنتاج مختلف المنتجات وصعوبة في تأمينها ونقلها ونقل الطاقة، ومن ثم ارتفاع تكلفة تبريد المنتجات وحفظها، مع العلم أنَّ بعض المنتجات قد تفقد سوقها تماماً.

كمثال على ذلك نذكر شركة ويسترن ديجتال التي تصنع الأقراص الصلبة والتي تكبدت خسائر فادحة في عام 2011 نتيجة الفيضانات في تايلاند، كما أنَّ سلوك الشركات قد يتسبب في إيقاف عملها نتيجة سمعة الشركة بأنَّها تسيء للبيئة.

4. هجرة السكان:

أصبحت الهجرة لأسباب مناخية مشكلة تتفاقم يوماً عن يوم، فموجات الحر وفترات الجفاف تسببت بأمراض متنوعة ومنعت بعض المجتمعات من القيام بأعمالها المعتادة وحوَّلت الإنسان إلى وضع صعب مادياً ومعنوياً؛ دفعت كثيراً من الناس إلى الهجرة فضلاً عن الكوارث التي أودت بحياة كثير من البشر.

تنعكس الهجرة سلباً على المجتمعات الفقيرة وتسبب زعزعة استقرار الدول التي تتم الهجرة إليها، ومن المتوقع وصول عدد المهاجرين نتيجة المناخ إلى 200 مليون شخص بحلول 2020م.

شاهد بالفديو: 8 حلول للحد من ظاهرة التلوث البيئي

الآثار الإيجابية لتغير المناخ في الاقتصاد:

رغم الآثار السلبية لتغيرات المناخ والتي تضعف كثيراً من المجتمعات، لكنَّها تمتلك بعض الإيجابيات هي الآتية:

أولاً: فرص الاستثمار في تقنيات الطاقة المتجددة

تتسارع وتيرة الاستثمار في تقنيات الطاقة المتجددة مع ازدياد التغيرات المناخية في مختلف بلدان العالم؛ لكونها فعالة وتساهم في النمو الاقتصادي وتسرع التحول إلى الطاقة النظيفة وأقل تكلفة أيضاً، فتوليد الكهرباء من الشمس أو الرياح كان أقل تكلفة بحسب الإحصاءات، ومن ثم تقل الانبعاثات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري، وهذا ينعكس إيجاباً على صحة الإنسان وعلى اقتصاد الدول.

بحسب آيرينا (الوكالة الدولية للطاقة المتجددة) فإنَّ الاستثمار العالمي في تقنيات الطاقة المتجددة بلغ 499 مليار دولار خلال 2022، ويؤكد التقرير أنَّ نسبة الاستثمار زادت تقريباً 40% عن عام 2021.

إقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي وتحسين الاستدامة البيئية في قطاع الطاقة

ثانياً: نمو الصناعات المرتبطة بتغير المناخ

توجد عدة قطاعات تحقق ازدهاراً واسعاً في المستقبل، وهي كما يأتي:

1. النشاطات الزراعية التجارية الواعية بالمناج:

فتلبية الطعام مستقبلاً ستصبح من أهم التحديات العالمية؛ لذلك بدأت معظم المؤسسات بالعمل الزراعي، ولكن بطرائق ولأهداف محددة كالحد من الفاقد من الطعام.

2. إنشاء المباني الخضراء:

يتم ترشيد النفقات ووضع معايير مواتية للبيئة وتخفيض استهلاك الطاقة والمياه والاعتماد على تقنيات الطاقة المتجددة.

3. بناء المدن الذكية:

التي يتم فيها تخفيض ملكيات السيارات والاعتماد على وسائل نقل صديقة للبيئة واستخدام شبكات إنارة ملائمة.

4. العمل في تكنولوجيا تخزين الطاقة:

التي ستصبح مجالاً واسعاً يعود بمنافع بيئية واقتصادية جمة.

الآثار المترتبة على تغير المناخ في الاقتصاد:

يترتب على تغير المناخ مجموعة من النقاط الرئيسة المتعلقة بتدهور الاقتصاد العالمي، وفيما يأتي لمحة عن الآثار:

1. تراجع الاقتصادات الكبرى:

تؤكد الدراسات العالمية تراجعاً في حجم الاقتصاد في الدول الكبرى بمعدل 5%، وفي أمريكا الجنوبية تقريباً 9%، وفي الشرق الأوسط وإفريقيا 17%، وينتج عن ذلك فقدان الإنتاجية وأضراراً بالممتلكات والبنى التحتية.

2. تدمير الاقتصادات الضعيفة:

تتأثر الدول الفقيرة أيضاً بالتغيرات المناخية، فهي الدول الأكثر حاجة إلى التكيف مع التغيرات والظروف القاسية، فمثلاً بالرغم من مشاركة دول القارة الإفريقية البسيطة جداً في زيادة الانبعاثات الكربونية في الكوكب، إلا أنَّها الأكثر تضرراً من تغير المناخ.

3. تهديد الإنتاج الزراعي:

تشكل الزراعة جزءاً من الاقتصاد، وتساعد التغيرات المناخية على تدميرها نتيجة غياب الظروف المناسبة لنمو كثير من النباتات والمحاصيل، كما أنَّ الزراعة تصبح عملية مكلفة جداً، ومن ثم سيزداد عدد الجياع حول العالم.

إقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي والمستقبل الزراعي: حلول للتحديات الغذائية

4. ارتفاع أسعار الغذاء:

كما ذكرنا فإنَّ الزراعة في تدهور مستقبلاً، ومن ثم سيصبح الغذاء أكثر كلفة وزيادة الطلب عليه ستساهم في رفع الأسعار وجعلها خيالية مستقبلاً.

5. تدهور حركة النقل العالمية:

تأثر الشوارع والجسور وجفاف المسطحات المائية وسوء حركة الطيران حول العالم، وتأثر المطارات بالتغيرات المناخية سيعوق حركة النقل العالمي، ومن ثم يسبب ذلك نقلاً كبيراً في المواد الغذائية والمواد الصناعية، وهذا ما يزيد تدهور الاقتصاد العالمي بشكل كبير.

6. تراجع السياحة:

ينتج عن التغيرات المناخية تآكلاً في الشواطئ وارتفاع مستويات البحار وحموضة مياهها وتدهور الغابات وغيرها من عناصر جذب السياح، ولأنَّ السياحة عمود الاقتصاد في كثير من الدول؛ فهذا يعني الهلاك والفقر لها.

الحلول الممكنة للحد من تأثير تغير المناخ في الاقتصاد:

يؤكد العلماء أنَّ الحد من ارتفاع درجات الحرارة سيساهم بشكل كبير في تجنُّب آثار التغيرات المناخية القاسية أحياناً، ومن ثم يساهم في الحفاظ على البيئة ويحسِّن حياتنا، والحلول الممكنة هي التكيف مع تأثيرات المناخ وخفض الانبعاثات وتمويل التعديلات المطلوبة، ويتم ذلك بتخفيض الانبعاثات الكربونية من خلال تحويل أنظمة الطاقة من الوقود الأحفوري إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والشمس.

يؤكد الأخصائيون أنَّ تحقيق ذلك يتطلب خفض الانبعاثات الكربونية إلى النصف للحفاظ على الاحترار أقل من 1.5 درجة مئوية في عام 2030، أما التكيف مع تأثيرات المناخ فيتم من خلال تطوير أنظمة الإنذار المبكر للكوارث والحماية منها باتباع معايير معينة في البناء والنقل وغيرها من البنى التحتية.

شاهد بالفديو: أكبر 5 تحديات في الاقتصاد العالمي الجديد وطرق مواجهتها

في الختام:

التغيرات المناخية إحدى أهم القضايا في عصرنا الحالي، فالآثار الناتجة عنه تصل لمختلف جوانب حياتنا وبشكل أساسي للاقتصاد، فتُدمّر البنى التحتية وتسبب خسائر في الإنتاجية وارتفاعاً بتكاليف الإنتاج، وهذا يدفع السكان إلى الهجرة لأماكن يمكن فيها الحصول على الغذاء والعمل وتغطية تكاليف الحياة التي تزداد صعوبة بزيادة التغيرات المناخية التي تساهم في تدهور الاقتصادات القوية والضعيفة وحركة النقل والسياحة وكل ما يقوم عليه الاقتصاد القوي.

تفرض محاولة مواجهة التغيرات المناخية الاتجاه للاستثمار في تقنيات الطاقة المتجدِّدة ومحاولة التكيف مع التغيرات المناخية باستخدام مواد بناء ملائمة وشبكات إنارة ومياه ووسائل نقل صديقة للبيئة، وواجب المجتمعات البشرية المساهمة في تقليل الانبعاثات الكربونية؛ لذلك يُفضَّل الحد من استخدام البلاستيك والاتجاه نحو العبوات القابلة لإعادة التعبئة واستخدام شبكة كهربائية صديقة للبيئة، وكذلك وسائل التدفئة والنقل، فمثلاً يمكن التوجه للسيارات الكهربائية، وتركيب الألواح الشمسية بغرض الإنارة والتدفئة، وتجنب الهدر في الطعام، والتوسع بزراعة الأشجار ومختلف النباتات والمحاصيل.




مقالات مرتبطة