التغلَُب على التسويف من خلال جعل الآخرين يحددون لك المواعيد النهائية

لا جدوى من تحديد المواعيد النهائية بنفسك؛ لأنَّه من السهل عدم الالتزام بها؛ لذلك اجعل الأشخاص الذين تثق بهم يضعون لك المواعيد النهائية، فهذا يزيد من إنتاجيتك.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "تايلر تيرفورين" (Tyler Tervooren)، ويتحدَّث فيه عن فائدة تحديد المواعيد النهائية من قبل الآخرين كي تتمكَّن من حل مشكلة التسويف.

بالنسبة إلي، أستطيع أن أتذكَّر كل ورقة بحث كتبتها في الجامعة تقريباً؛ وذلك لأنَّ كل ورقة كان يسبقها ليلة من البحث والكتابة والقلق، والنتيجة هي ورقة دون المستوى المطلوب، مكتوبة على عجالة، لكن جيدة بما يكفي للحصول على علامة النجاح فقط.

هذه كانت عادتي طوال حياتي الجامعية، فمع أنَّني في كل مرة يكون لديَّ ما يكفي من الوقت لإعداد ورقة بحث جيدة دون أن أشعر وكأنَّني أتسابق مع الزمن؛ فإنَّني كنت معتاداً على التسويف.

نعم، كنت أنشغل بأمور أخرى لمدة 10 أسابيع، ومن ثمَّ أشعر بالقلق قبل 5 أيام من موعد تقديم الورقة لأجد نفسي أُعِدُّ المطلوب على عجل، وأحاول قدر الإمكان بناء جمل متماسكة لجعل الأمر يبدو وكأنَّني استثمرت الفترة الماضية كلها في إعداد البحث.

لكن، هذه الطريقة لم تنجح مع جميع المقررات، ففي بعض الأحيان يضع البروفيسور جدولاً للكتابة ويتفقده حتى يوم إنهاء الورقة وتقديمها، وفي هذه الطريقة لم أكن أنا من يقوم بتنظيم الوقت؛ بل كان البروفيسور يفعل ذلك من أجلي إذا صحَّ القول، ويُحدَّد مقاييس التقدُّم بوضوح من قبله.

لقد كنت أُعِدُّ أوراقاً بحثية أفضل في هذه الحالة من الحالة التي كنت أتحكَّم فيها بوقتي شخصياً، فمع أنَّني لا أحب الصرامة في القواعد إلا أنَّ المواعيد النهائية الصارمة كانت تساعدني على إعداد أوراق أفضل سواء من حيث التحرير والدراسة.

أجد نفسي اليوم، في نفس الموقف، فقط يكفي أن تمنحني ما أشاء من الوقت حتى أفعل شيئاً ما وستجد أنَّني أستمر بالتأجيل حتى اللحظات الأخيرة، أو حدِّد لي موعداً نهائياً صارماً، واذكر لي العواقب التي تترتب على عدم إنجاز العمل في الموعد المحدَّد، وستجد أنَّني أنجز العمل في الوقت المحدد بل مع نتائج أفضل.

لست الوحيد الذي لاحظ هذه المفارقة، فقد أظهرت دراسة أُجريت في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" (Massachusetts Institute of Technology) أنَّ الطلاب المتفوقين يعانون مع المواعيد النهائية، ووجد البحث نتائج مدهشة ليس فقط حول ما يحفِّزنا على العمل بطريقة أسرع، لكن في تحقيق نتائج أفضل أو جودة أعلى.

تحديد المواعيد النهائية بذكاء من خلال جعل الآخرين يقومون بذلك:

تعاون عالما النفس "دان آريلي" (Dan Ariely)، و"كلاوس ورتنبراك" (Klaus Wertenbroch)، في عام 2002، في تجربة لمعرفة كيفية إقناع طلاب معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالتوقف عن التسويف، وكانت الأبحاث مبهرة حقاً؛ إذ أرادوا معرفة ما إذا كان إجبار الطلاب على الالتزام بمواعيد نهائية خلال دراستهم للمقررات سيؤدي إلى رفع مستواهم، ومن أجل ذلك، وضعوا خطة لاختبار هذه الفرضية وأجروا تجربتين.

في التجربة الأولى؛ قسَّموا الطلاب الذين يدرسون نفس المقرر إلى ثلاث مجموعات، وطُلب من المجموعة الأولى إنهاء ثلاث أوراق بحث في مدة أقصاها نهاية الفصل الدراسي، ولهم مطلق الحرية في التعامل مع الوقت المخصَّص لهم، وكان لطلاب المجموعة الثانية جدول زمني محدَّد، بمعنى أنَّه كان عليهم إنهاء كل ورقة في تاريخ معيَّن خلال الفصل الدراسي، في حين كُلِّف طلاب المجموعة الثالثة بنفس الوظيفة، لكن أُخبِروا أنَّ لهم مطلق الحرية في تحديد المواعيد النهائية لإنجازه.

كانت النتائج كما يأتي؛ المجموعة الأولى التي أُعطيت حرية التعامل مع الوقت المُعطى استمروا بالتأجيل وحصلوا على أسوأ الدرجات كونهم أنجزوا الوظيفة على عجالة في الأيام الأخيرة من المهلة المعطاة، أمَّا أداء المجموعة الثالثة التي أعطيت الحرية في تحديد المواعيد النهائية كان أفضل بكثير؛ إذ حصلوا على درجات أفضل وغالباً ما سلَّموا أوراقهم في الوقت المحدَّد، لكن تفوَّقت المجموعة الثانية على المجموعتين؛ أي إنَّ المجموعة التي حُدِّدت المواعيد النهائية لها لكل ورقة من الورقات الثلاث هي التي حصدت أفضل النتائج.

شاهد: 10 طرق للتغلب على المماطلة والتخلص منها

في التجربة الثانية اختبر الباحثون الطلاب مرةً أخرى للتأكُّد من صحة نتائج التجربة الأولى، فعيَّنوا طلاباً لتصحيح الأوراق التي أنجزها طلاب غرباء، طبعاً لم يكن مَن كتب هذه الأوراق طلاب في واقع الأمر، بل كُتبت عشوائياً من قبل الباحثين أنفسهم مع ارتكابهم عن قصد لأخطاء إملائية ونحوية دقيقة لتُكتشَف وتصحَّح من قبل الطلاب.

كما الحال في التجربة الأولى، قُسِّم الطلاب إلى ثلاث مجموعات، ومُنحت المجموعة الأولى مطلق الحرية لتصحيح الأوراق في الوقت الذي يختاره الطلاب، وطُلب من المجموعة الثانية تحديد مواعيد نهائية بأنفسهم والالتزام بها، بينما أُعطيت المجموعة الثالثة جدولاً صارماً للمواعيد النهائية لتصحيح كل ورقة من الأوراق.

لكن في هذه التجربة سيُدفع أموال للطلاب مقابل أدائهم، وسيُعاقبون على عدم الالتزام، وجاءت النتائج مماثلة تماماً لنتائج التجربة الأولى، فالطلاب الذين عملوا بناءً على مواعيد نهائية محددة لهم من قبل الباحثين حقَّقوا أفضل النتائج وحصلوا على أكبر قدر من المال مقابل عملهم، في حين أنَّ الطلاب الذين وضعوا لأنفسهم المواعيد النهائية لم يتمكَّنوا من الالتزام بخطتهم وإنجاز المهمة في الوقت المحدد، أمَّا الطلاب الذين لم يكن لديهم مواعيد نهائية مطلقاً فقد حصلوا على أسوأ النتائج وتأخروا في إنجاز المهمة أكثر من أي مجموعة أخرى.

يصبح المغزى واضحاً، فبصرف النظر عن مستوى ذكائك، فإنَّ أداءك وسرعتك في الإنجاز يزدادان عندما تحدَّد المواعيد النهائية تحديداً صارماً من قبل شخص آخر غيرك.

إذاً من الذي يجب أن يضع لك المواعيد النهائية؟

جد الشخص المناسب ليقوم بتحديد مواعيدك النهائية:

إذا كنت لا تستطيع تحقيق أداء عالٍ عندما تضع المواعيد النهائية بنفسك، فأنت تحتاج إلى أن يحدِّدها لك شخص آخر، فمن البديهي أن يقوم مدرِّسك بهذه المهمة إذا كنت طالباً، أمَّا إذا كنت موظفاً يعمل تحت إشراف مدير حازم ودقيق في المواعيد النهائية فمن المؤكَّد أنَّه يقوم بهذه المهمة بكفاءة عالية.

لكن، ماذا لو لم تكن طالباً، أو كنت تعمل تحت إمرة مدير متساهل، من يمكنه أن يؤدي هذه المهمة؟

يمكنك اختيار أحد الحلين:

  1. تكليف شخص آخر بتحديد المواعيد النهائية لك كلما سنحت لك الفرصة.
  2. جعل تفويت المواعيد النهائية مقترناً بعواقب جدية.

يمكن أن تطبِّق هذين الحلين على عدة جوانب في حياتك من المُحتمل أنَّك تلجأ فيها إلى التسويف، ومنها مثلاً:

1. الدراسة:

إذا كنت تدرس مقرراً ما وتجد صعوبة في وضع مواعيد نهائية والالتزام بها، فقابل أستاذ المقرَّر، وأخبره برغبتك بأن يضع لك جدولاً زمنياً مع معايير لقياس التقدُّم الذي تنجزه في دراسة المقرر، وإذا رفض المدرِّس مبرراً ذلك بأنَّه يحاول أن يجعلك تتحلَّى بمزيد من المسؤولية، فقدِّم له نتائج البحث الذي أُجري في معهد ماساتشوستس، ووضِّح له أنَّ غايتك ليست الحصول على معاملة خاصة أو طريقة لدفعك لمزيد من الدراسة، كل ما في الأمر أنَّك تحتاج إلى الشعور بأنَّ تفويت الموعد النهائي سيترتَّب عليه عواقب من أجل تحسين أدائك.

2. العمل:

تستطيع التعامل مع مديرك بنفس الطريقة التي تعاملت فيها مع المدرِّس؛ أي اشرح له أنَّك تريد تحقيق أفضل النتائج الممكنة للشركة، وأنَّ تحديد مواعيد نهائية مع عواقب تترتب على تفويتها سيساعدك على تحقيق ذلك، وأخبر مديرك أيضاً بأنَّك أجريت بحثاً عن هذا الموضوع وتوصَّلت إلى أنَّ هذه هي أفضل طريقة.

شاهد أيضاً: 10 أخطاء شائعة في إدارة الوقت

3. العمل المستقل:

إذا لم تكن تعمل لحساب شركة أو شخص آخر؛ أي إنَّك تمارس مهنة أو عمل مستقل، فمن المؤكَّد أنَّ ما من أحد يُملي عليك ما يجب أن تفعله ومتى يجب أن تفعله؛ لذلك يبدو الحل هنا صعباً جداً، لكن أحد الحلول هو من خلال اللجوء إلى كوتش عمل يمكنه أن يضع لك المواعيد النهائية.

4. التمارين الرياضية:

إذا كنت تحاول الحصول على مظهر جسماني لائق من أجل الإجازة، أو مناسبة أخرى مثل حضور زفاف أو حفلة أو ما إلى ذلك، ولكنَّك تجد صعوبة كبيرة في الالتزام بالحصص التدريبية، فيمكنك ببساطة أن تلجأ إلى مدرِّب شخصي ليحدِّد لك بدقة ما يجب أن تفعله ومتى يجب أن تفعله، وللحصول على نتائج أفضل اختر مدرِّب متمرِّس بحيث أنَّه سيتوقف عن تدريبك عندما يجد أنَّك لا تلتزم بتوجيهاته.

بالنسبة إلى غير ذلك من الأهداف الشخصية، فالحل الأفضل هو إيجاد شخص في إمكانه مساءلتك عن مدى التقدُّم الذي تحرزه، واطلب منه تحديد الجدول الزمني.

إقرأ أيضاً: التسويف: تعريفه، وأسبابه، وأهم طرق التخلص منه

حدِّد موعداً نهائياً فعَّالاً الآن:

كما رأينا فإنَّ العلم يؤكد أنَّك يجب أن تلجأ لشخص آخر كي يساعدك على التغلب على عادة التسويف، وإليك هذه الأسئلة التي ستساعدك الإجابة عليها في تطبيق ذلك:

  1. ما هو المجال الذي تعاني فيه من مشكلة التسويف، هل هو العمل، أم الدراسة، أم مشروع شخصي؟
  2. بمن يمكنك الاستعانة من أجل وضع مواعيد نهائية؟ من الممكن أن يكون مدرساً، أو مديرك في العمل، أو صديق وحتى كوتش أو أي شخص آخر.
  3. ما هو الشيء الجاد الذي يمكنك أن تفرضه على نفسك بوصفه عقوبة في حال تفويت المواعيد النهائية؟ إذا أخفقت بالالتزام في موعد نهائي فما الذي ستخسره والذي من الممكن أن يجعلك متحمساً للالتزام بالعمل من أجل تجنب هذه الخسارة؟ حاول أن تجعل العواقب من قبيل الأشياء التي يصعب عليك الغش فيها.
إقرأ أيضاً: 5 طرق للحفاظ على الإنتاجية عند عدم وجود موعد نهائي

في الختام:

من خلال جعل شخص آخر يحدِّد لك المواعيد النهائية، ومن خلال فرض عقوبة على تفويت المواعيد النهائية، ستتغلَّب على مشكلة التسويف.




مقالات مرتبطة