التعلم الممتع إستراتيجية التعلم الحديث

في ظل التسارع النمائي الذي تعيشه معظم الدول حول العالم، والتطور السريع في شتى مجالات الحياة، والهوس الإلكتروني والتكنولوجيا الذي أصبح في متناول جميع الشعوب؛ لم يعد للتعليم التقليدي مكان يُذكَر ولم تعد الأساليب القديمة وطرائق السرد والإلقاء ذات معنى، وكذلك الأمر لم يعد الطلبة ينسجمون مع هذا النوع من التعليم، فنحن أمام جيل لديه مهارات وإمكانات كبيرة تحتاج إلى طرائق وابتكارات تتناسب مع ما لديه، فلا سبورة تغنيه ولا عصى المعلم تخيفه، بل أصبح يجد في ذلك أمراً مُمِلَّاً جداً ومضيعة للوقت ومثبطاً للجهود.



من هنا جاءت دراسات عديدة تؤكد ضرورة البحث عن سبل أخرى أكثر متعة لينخرط المتعلم في جو العمل المدرسي، فانطلقت معظم الدول للبحث عن مناهج مطوَّرة وطرائق واستراتيجيات محفزة خاصة بالتعلُّم والتعليم، والهدف الأول والأخير منها جعل المتعلم في حالة تفاعل تمكِّنه من الاستفادة العظمى من المادة المدروسة.

عملية التعلُّم معقدة وتحتاج إلى وسائل وطرائق ميسرة وليس إلى طرائق تقليدية تعوق عملية التقبل لدى الطلبة، ومن هذا المنطلق جاءت فكرة التعلُّم الممتع لدمج الطلبة في عملية تعليم ممتعة هادفة تسير بهم إلى آفاق النجاح، والسير مع كل أنواع التطور المتاحة، فما هو التعلُّم الممتع؟

ما هو التعلُّم الممتع؟

تطلق عدة تسميات على التعلُّم الممتع منها: التعلُّم بالمرح، التعلُّم بالترفيه، بهجة التعلُّم، التعلُّم بالفكاهة، ويقوم التعلُّم الممتع على إثارة دافعية المتعلمين والطلبة وجذب انتباههم لفترة طويلة باستخدام وتوظيف الفكر الإبداعية ومختلف النشاطات المتميزة والطرائق والاستراتيجيات الحديثة، فيسير التعلُّم الممتع بهذا نحو هدفه بزيادة نشاط المتعلمين ويشحذ همتهم ليتفاعلوا بشكل ناجح في العملية التعليمية، فأنت بصفتك معلماً تتصف بالنجاح عندما تطرح أفكارك ومعلوماتك بطريقة محببة وممتعة وتنفذ عملك بأفكار مبتكرة بعيدة عن التقليد الممل.

تعرف استراتيجيات التعلُّم الممتع بأنَّها استراتيجيات متنوعة تشمل الأنظمة التمثيلية السمعية والبصرية والحركية، وتعزز إشباع حواس المتعلمين على اختلاف ميولهم وقدراتهم وأنماط التعلُّم لديهم؛ لدعم بقاء أثر التعلُّم دون شعور الطالب بالمعاناة.

في الواقع يقوم هذا التعلُّم على فكرة رئيسة وهي ألا يكون المتعلِِّم سمعياً مئة بالمئة، ولا يكون متعلِّماً حركياً مئة بالمئة ولا بصرياً مئة بالمئة، بل أن يجمع المتعلِّم في تعلُّمه بين جميع هذه الحواس لكن بدرجات مختلفة بين متعلم وآخر، وكلما عمل التعلُّم على إشباع حواس المتعلم، كان أكثر نجاحاً وأكثر فاعلية وتشويقاً.

عادة ما يتضمن التعلُّم الممتع محتوى يجمع بين العلم والترفيه، ويعد كل من الباحثَين التربويَين (ريتشارد ماناك) و(بنيامين فرانكلين) من أوائل مَن استخدموا التعلُّم الممتع مثل الألغاز، وبعد ذلك رُبِطَ التعلُّم الممتع بالتلوين مع الفيلم الأول التعليمي لوالت ديزني في عام 1922، واستخدم كذلك لمعالجة قضايا اجتماعية وصحية في الولايات المتحدة الأمريكية في فترة السبعينيات وفي أماكن أخرى كثيرة.

شروط التعلُّم الممتع:

1. المعلم المبدع:

المعلم كالمتعلم إن بقي على نفس الأسلوب سينال الملل منه ويعاني في عمله؛ لذا لا بد للمعلم من إيجاد التنوع والابتكار ضمن عمله، ويبدع طرائق واستراتيجيات فعالة قادرة على جذب انتباه تلاميذه، فمن واجب المعلم تطوير مهاراته بما يتناسب مع الخطط التعليمية الجديدة ويواكب التطورات ويبتعد عن النمطية التي اعتاد عليها.

2. اتباع استراتيجيات البحث والاستكشاف:

على المعلم دائماً أن يترك مجالاً للتلاميذ ليبحثوا عن معلوماتهم بنفسهم ويستكشفوا حيثيات ما تعلموه؛ وذلك بالواجبات المعتمدة على البحث في الإنترنت والمواقع الإلكترونية أو المحيط أو التراث، فهنا سيبدأ الطالب بالبحث البسيط عن معلومة ويتعمَّق بها شيئاً فشيئاً وينجذب للموضوعات بشكل أكبر وسيكتشف أكثر ممَّا طُلِب منه، ومن ثم سوف تتوسع ثقافته وتزداد تلقائياً.

شاهد بالفديو: أفضل 8 استراتيجيات تعلم نشط للناس المشغولين

3. القيام بالتجارب:

يقول كونفوشيوس: "قل لي وسوف أنسى، أرني ولعلِّي أتذكَّر، أشركني وسوف أفهم"، من الضروري اتِّباع أسلوب التجربة في أثناء الحصة الدراسية، فمن مزايا التجريب أنَّ الطلبة عندما يقومون بالعمل بأنفسهم في جو تفاعلي ممتع، يحصلون على الخبرة بالموضوع، ويرسخ في أذهانهم لفترات طويلة، ويلغي الحواجز الموجودة بين مادة التعليم وبينهم كالخوف والقلق من المادة ذاتها.

4. الألفة والحب والإنسانية:

وجود علاقات مودة وحب وألفة بين المعلم والمتعلم يحقق إيجابية في التعلُّم ويبقي المتعلم في حالة نشاط تُمكِّنه من تقديم أفضل ما لديه ويسعى إلى إنجاح درسه كما يرغب المعلم، فالعلاقة الإنسانية بين الطرفين من شأنها أن تزيل العوائق النفسية في أثناء الحصة الدراسية وسيكون لدى الاثنين حب وتنافس بالوصول إلى المعلومة.

5. مواكبة التكنولوجيا والتطور المستمر:

يجب على المعلم مواكبة كل جديد في الميدان التربوي والتعليمي ودمجه في عمله؛ ليحقق الاستفادة القصوى منه ويوظفه بشكل جيد في تحفيز الطلاب وجذب انتباههم في أثناء الحصة الدراسية.

إقرأ أيضاً: توظيف الخيال في التعلُّم السريع ومنهج التعلُّم التخيلي (الجزء الثالث)

أدوات التعلُّم الممتع:

1. الألعاب الخاصة بالتعليم:

يختار المعلم الألعاب الهادفة التي صممت لتسير عملية التعلُّم في كل مادة، فهي وسيلة اتصال ممتازة بين المعلم والمتعلم، وتم التأكيد على أنَّها تصلح لجميع المراحل التعليمية، فهي نشاط هام للطفل يعمل على تكوين شخصيته، وصلة وصل تربوية فعالة تشبع فضوله واحتياجاته، وتعدُّ من العوامل الهامة في إثارة دافعيته للتعلم، وعلينا التأكيد على أنَّها تخضع لقواعد وقوانين مُحكَمة ونجد فيها المتعلمين إما متعاونين أو متنافسين؛ بهدف الوصول إلى أهداف تعليمية توجِّه نشاطهم وتقرب معارفهم ومفاهيمهم، وتحول خبرات التلاميذ المجردة إلى خبرات حسية ومن ثم فهم معاني الأشياء.

تؤدي هذه الأدوات دوراً هاماً في علاج المشكلات السلوكية كالخوف والقلق واضطراب الانتباه، وتمنح التلاميذ فرصة للتحرك داخل الصف والابتعاد عن الملل، وتنشئ بين المعلمين علاقات اجتماعية قائمة على التواصل والتفاعل.

2. السبورة الذكية:

من الأدوات التي يتم العمل عليها باللمس، وتُستخدَم لعرض ما تم تصميمه على الحاسوب من صور ومقاطع صوتية، توفر هذه الأداة الوقت باستثمارها في الاستغناء عن السبورة الكتابية، كما توفر عنصر الحركة في البرامج التعليمية متعددة الوسائط؛ فهي تعمل على تحريك الرسوم والأشكال باللمس، تجذب التلاميذ وتبعدهم عن فكرة الخوف من استخدام التكنولوجيا وتتيح للمعلم فرصة لتسجيل الدرس كاملاً مع الصوت، هي أداة ممتعة في التعلُّم.

3. الدمى في تمثيل الأدوار والقصص:

أطلق عليها في التعلُّم استراتيجية تأدية الأدوار، تُستخدَم:

  • لحل بعض المشكلات المتصلة بالبيت والمدرسة والمحيط الاجتماعي.
  • لترجمة وتمثيل الشخصيات التاريخية أو الدينية.
  • للتدريب على مهارة صنع القرار.
  • لتوضيح قيم واتجاهات وسلوكات معينة تتصل بالحياة الاجتماعية.
  • لتتيح فرصة للمتعلم لتقمُّص المشاعر والأحاسيس الشخصية التي يؤدي دورها.
  • لتحقيق الأهداف التعليمية المختلفة.

4. الصور والبطاقات التعليميَّة:

تندرج هذه الأداة ضمن الأدوات الهامة في التعليم الممتع فهي تقدم الحقائق العلمية في صورة بصرية تثير اهتمام التلاميذ وتجذب انتباههم نحو التفكير الاستنتاجي، وتوفر هذه الأداة براهين مرئية عن المادة المدروسة، تقرب المسافات وتوفر وقت المعلم وجهده، وعُدَّت هذه الأداة من البرامج المساهمة في علاج بطء التعلُّم أو التأخر الدراسي؛ أي باختصار معالجة كافَّة أنواع صعوبات التعلُّم.

إقرأ أيضاً: استراتيجيات التعلم وأنماط التعلم

طرائق جانيل ماكس للوصول إلى التعلُّم الممتع:

1. دمج التكنولوجيا في العملية التعليمية:

من شأن ذلك دعم المتعلم ومساعدته على الانخراط والتفاعل بطريقة ممتعة في التعليم، ومن وسائل الدمج ألعاب الفيديو أو حتى رسائل نصية مع أصدقائهم أو الاستماع إلى قصة أو القيام بالواجبات عن طريق البحث في الإنترنت.

2. الرحل والزيارات:

يتم التخطيط لتنفيذ الدروس عن طريق القيام برحلات أو زيارات للأماكن المطروحة ضمن الدروس التعليمية، مثل القيام بزيارة إلى متحف أو حديقة وجمع معلومات بشكل مباشر والتعبير عنها بطرائق مختلفة مثل الرسوم.

3. مراجعة الدروس بطريقة مفعمة بالمرح:

لإثارة دافعيتهم مثل استخدام استراتيجية "الكرسي الساخن" واستراتيجية "مَن أكون؟".

4. العمل على إجراء التجارب:

أثبتت هذه الطريقة فاعليتها ونجاحها في القضاء على الجو المتوتر في المادة الدراسية، فهذا ما يسمى التعلُّم بالممارسة.

5. نشاطات المتعة التعليمية في الدروس:

يتم ذلك بإنشاء بيئة صفية تتصف بالمرح والمتعة، فبعض الموضوعات صعبة وليس من السهل إيصال محتواها لأذهان الطلبة؛ لذا يتم اللجوء لطرائق التعليم الممتع مثل المسابقات والألعاب.

أضافت جانيل حديا طرائق أخرى للتعلم الممتع: التعلُّم التعاوني، إنشاء مراكز للتعلم، وضع قواعد للصف تتيح للطلبة الاختيار بين الاحتمالات المختلفة، وغير ذلك من الطرائق التي تُطبَّق بشكل حقيقي ضمن غرف الصف.

في الختام:

إنَّ فكرة التركيز على المتعلم بوصفه عنصراً فعالاً في عملية التعليم هي الفكرة الأساسية التي أثبتت فاعليتها في المناسبات المختلفة، وقد أظهرت العديد من الدراسات أنَّ التعلُّم الممتع حقق نتائج إيجابية في العمل التعليمي، وخفف عن المعلم بذل الجهود الكبيرة وهدر الوقت، فقد تحول دوره من ملقِّن إلى مشرف وموجِّه وميسِّر للعمل التعليمي وداعم له، وأعطى للمتعلم الدور الأكبر في الحصول على المعلومات بنفسه والابتعاد عن النمطية في التعلُّم والاعتماد على الفكر التفاعلي، فهو محفز نفسي وجسدي وعامل إيجابي لتقديم العلم والرقي به.




مقالات مرتبطة