التعلم السريع: لماذا؟

"أنا أكره المدرسة"، "هذه الحصص مملة جداً"، "سأتغيب اليوم عن المحاضرة"، "لا داعي لحضور تلك المحاضرة، سأنقلها فيما بعد"، "هل تبدو هذه الجمل مألوفة لديك؟"، هل حدث أن فكرت أو تفوهت بمثل هذه العبارات من قبل؟ أذكر تماماً صيحة الفرحة التي كانت تملأ الدنيا عندما يرن جرس فسحة الإفطار في المدرسة، وكأنما قد فك قيد كان يلفنا فننطلق فرحين لا لنفطر بل لنلعب مع الأصدقاء ثم لا تلبث أن تمر هذه اللحظات الحلوة بسرعة ونشعر بالتذمر عندما يعلن جرس المدرسة أن الفسحة عقد انتهت وننتظر بفارغ الصبر جرس نهاية الدوام لنجري باندفاع إلي خارج المدرسة. ما السر وراء ذلك الإحساس؟



إنها طريقة التعلم التقليدية التي تلقيناها طريقة المحاضرات المملة، يدخل الأستاذ إلىالفصل ليتحدث ويتحدث ويتحدث ونحن مكتوفي الأيدي حتى يصير الأمر مملاً ولا يلبث أن يشرد ذهنك إلىخارج الفصل بالرغم من انك ما زلت بداخله!!

لماذا إذن نستمر في هذه الطريقة العقيمة للتعلم؟!!! لماذا لا نستمتع بعملية التعلم؟!

إن التعلم التقليدي يقضي على روح المبادرة كما أنه يعوّد الطالب على الطاعة العمياء والسلبية والتردد في إبداء الرأي والتلكؤ في المناقشة أنه أحد أهم الأسباب لما نعانيه الآن من عدم القدرة على الإستماع للرأي الآخر، كما أنه أحد أهم الوسائل التي علمتنا كيف نستبد برأينا ونطرح آراء الآخرين أرضاً ونهملها أو نقمعها إذا استطعنا إلىذلك سبيلاً.

تقنية التعلم السريع تقدم لنا بديلاً مميزا لطرق التعلم التقليدية، إنها توفر طرق أسرع لتبادل المعلومات ولتحقيق أساليب أكثر كفاءة في التعلم والتدرب على حد سواء، كيف؟ للتعرف على إجابة هذا السؤال سنحاول في هذا المقال عقد مقارنة سريعة بين التعلم التقليدي والتعلم السريع.

1. دائرة التعلم:

يعتقد بايبي Bybee (1997) أن دائرة التعلم مبنية على خمس خطوات متصلة بشكل دائري. هذه الخطوات الخمس هي:

  • الدمج: Engagement
  • الاستكشاف: Exploration
  • التفسير: Explanation
  • الإتقان: Elaboration
  • التقييم: Evaluation

تخيل أنك دخلت إلىمكان مظلم فلمست شيئا ساخنا بينما كنت تتلمس أزرار المصباح، إن أول ما سيحدث هو إندماجك مع الحدث حينها ستسال نفسك ما الذي حدث لي بالضبط؟ّ!!(مرحلة الدمج) ثم ستبدأ بتفحص المكان ودراسته (مرحلة الاستكشاف) ولن ترتاح إلا بعد أن تجد التفسير المناسب (مرحلة التفسير) والذي سيشكل لك خبرة سابقة تستفيد منها متي دخلت في موقف مشابه مرة أخرى (مرحلة الإتقان)، وفي كل مرة كنت تقوم بعملية تحليل وتقييم سريعة تتيح لك التحول من مرحلة إلى أخرى وفقا لما يطلق علىه دائرة التعلم.

إقرأ أيضاً: الإيجابية والتعلّم السريع

دائرة التعلم:

إحدى إشكاليات التعلم التقليدي إنها تعتمد بشكل كبير على المعلم، فالمعلم هو المسؤول الأول أو– فلنقل - الأوحد عن إدماج الطالب ولو قهراً في العملية التعلىمية، فلذلك كثيراً ما نجد المعلم – خاصة في الفصول الأبتدائية- يصرخ بأعلى صوته وقد يستخدم نوعاً من العنف البدني أو اللفظي وكل ذلك في محاولة منه لتحقيق الدمج بين الطالب وبين ما يقدم من مادة وهو إذ يفعل ذلك قليلاً ما ينجح في خلق رغبة حقيقية لدي الطالب في التعلم. كذلك فان المعلم هو المسؤول الأوحد عن تقديم الأدلة وتفحص المادة وتقديم التفسيرات المناسبة وتحقيق عملية الإتقان. هذا يعني أن الطالب سيكون بعيداً معظم الوقت عن دائرة التعلم.

أما في تقنية التعلم السريع فما على المعلم إلا الإشراف على العملية التعلىمية بينما تقع مسؤولية التعلم على الطالب نفسه. يعني هذا أن علىه أن يتحرك ويشارك ويناقش مع المعلم وزملاءه علىه أن يفحص المادة ويفسرها ويحقق درجة الإتقان بنفسه وهو حين يفعل ذلك ينغمس في العملية التعلىمية ودائرة التعلم بكلياته، مما يتيح له الاستفادة القصوى من التعلم.

إن الفرق بين استفادة الطالب من المعلومات المقدمة بالطريقة التقليدية مقارنة بالتعلم السريع هو كالفرق بين أن أشرح لك في محاضرة كيف تخيط جرحاً نازفاً (التعلم التقليدي) وبين أن أدخلك إلىغرفة العمليات لأدربك خطوة بخطوة على كيفية خياطة الجرح النازف. أيهما تعتقد أبقى في الذاكرة وأفضل في تعلم المهارة؟ إن الإجابة على هذا السؤال البسيط يلخص لك كفاءة التعلم السريع وتميزه عن التعلم التقليدي.

شاهد بالفديو: ماهو التعلم السريع؟

2. العلاقة بين الطالب والمعلم:

كما في الشكل التالي فان التعلم السريع يتيح 3 مستويات علائقية:

  1. بين المعلم والطالب.
  2. بين الطالب والطالب.
  3. بين الطالب والمعلم.

العلاقة بين الطالب والمعلم في التعلم السريع:

أما في التعلم التقليدي فالعلاقة هرمية وفوقية بحته كما إنها ذات اتجاه واحد يصل بين المعلم والطالب.

3. من المسؤول عن التعلم؟ العقل أم الجسد والعقل معاً؟

في التعلم التقليدي فان المبدأ المتحكم في العملية التعلىمية هو أن العقل هو المسؤول الأوحد عن تلقي المعلومة لذا يجب على الجسد أن يبقي هادئاً وساكناً طوال الوقت حتى يستوعب الدماغ المعلومات. أما في التعلم السريع فان تحريك الجسد وإشغاله في العملية التعلىمية يساهم في تفعيل التعلم وجعله أكثر كفاءة.

على سبيل المثال، قدمت أبحاث Henrietta Leiner and Alan Leiner (علماء الأعصاب من جامعة ستانفورد) أول دليل على وجود صلة بين العقل والجسم ففي الماضي، كان يعتقد أن مسؤولية المخيخ هو فقط إيصال الإشارات إلىالمخ. لكن على الرغم من أن المخيخ لا يمثل إلا عُشر الدماغ من حيث الحجم إلا إنها تحتوي على أكثر من نصف الخلايا العصبية لمجمل الدماغ.

إن مهمة هذا الجزء من الدماغ ليس فقط التنسيق والتوازن والحركة كما هو معروف وليس فقط اخذ المعلومات إلىالمخ بل وأيضا وإرجاعها مرة أخري منه إلىالقشرة الحركية، وقد دعمت بحوث عالم الأعصاب Robert Dow  من بورتلاند، أوريغون إتجاه العلاقة بين الدماغ والحركة بعد أن أجري بحوثاً على احد مرضاه الذي كان يعاني من خلل في وظائف المخيخ مما أدي إلى إصابته بضعف في وظيفة الإدراك لديه وكانت هذه البحوث أول لبنة في تأطير العلاقة العلمية بين الدماغ والحركة.

وفي تطور لاحق أثبتت أبحاث عالمة الأعصاب Carla Hannaford التفاعلات الداخلية بداخل الدماغ والتي تساعد على الحفاظ على التوازن لدينا، وعلى تحويل التفكير إلىأفعال وأنشطة، وعلى تنسيق تحركات الجسد. كذلك أكد هذا الأرتباط بين الحركة والتعلم البحث الذي ترأسه Peter Strick في المركز الطبي لشؤون المحاربين القدامى في نيويورك حيث تتبع فريق البحث مساراً من وإلى المخيخ والذي يمر بأجزاء من المخ لها علاقة بالذاكرة، والانتباه، والإدراك المكاني، فاكتشف أمراً مثيراً للدهشة وهو أن ذلك الجزء من الدماغ الذي يعالج الحركة هو نفس الجزء من الدماغ الذي يعالج التعلم.

أما عالم الأعصاب Eric Courchesne من جامعة كاليفورنيا فيعتقد أن حجم المخيخ لدي الأطفال المصابين بالتوحد أصغر والعصبيات الدماغية لديهم أقل وهذا ما يفسد قدرتهم على تحويل الأنتباه من موضوع إلىآخر بالسرعة المطلوبة، وبالتالي فإن مجمل بحثه يثبت مرة أخرى أن ذلك الجزء من الدماغ المسؤول عن التحكم في الحركة يتحكم أيضاً في التعلم واتخاذ القرارات المعقدة.

مجمل هذه البحوث إذن تثبت التداخل بين الحركة والتعلم، ولهذا السبب فإن التعلم السريع يوصي بالألعاب والنشاطات الجسدية وبالتالي يحقق تعلماً أفضل مما يحققه التعلم التقليدي الذي يوصي بفصل الجسد عن العقل.

إقرأ أيضاً: كيف تمارس التعلّم السريع بنجاح؟

4. الغاية من التعلم:

في التعلم التقليدي فإن المعلومات المقدمة من المعلم هي محور العملية التعلىمية، لكن الإشكالية هنا أن الطالب سرعان ما سيبخر تلك المعلومات لأنه يعتمد على حاسة واحدة فقط وهي حاسة السمع والتي أيضاً لا تكفي مطلقاً لاكتساب مهارات جديدة. وحتى عند إدخال البوربوينت فانه سيفعّل حاستين فقط السمع والبصر.

أما في التعلم السريع فإن اكتساب المعلومة هي وسيلة فقط وليست غاية وحيدة وذلك من أجل اكتساب الخبرة أو المهارة. لذا فإن الأستماع إلى المعلومة واجترارها فقط أمر غير مجدي من وجهة نظر التعلم السريع، بل يجب دعم تلك المعلومات بنشاطات الطالب لتحويلها إلىخبرة أو مهارة مما يعمل على إبقاء المعلومة لأطول وقت ممكن.

وفي سبيل ذلك يقوم الطالب بتفعيل حاستي السمع والبصر إضافة إلى الحركة التي تعمل على تفعيل عقله بالتفكير والمشاركة بدلاً من أن يكون مجرد متلقي سلبي للمعلومة. أي أن التعلم السريع يعبر الحاجز الفاصل بين فصي الدماغ الأيمن والأيسر من أجل ضمان أكبر مشاركة للدماغ في العملية التعليمية.

5. مستويات التعلم:

يؤكد Raymond J. Wlodkowski في بحثه تحت عنوان Accelerated Learning in Colleges and Universities أن هناك بعض البحوث المقارنة التي تم إجرائها على مستوي التعلىم الدراسي الجامعي بين مستويات التعلم باستخدام التقنيات التقليدية وتلك السريعة. وقد أثبتت تلك البحوث أن التعلم السريع يساهم في جعل العملية التعلمية أكثر كفاءة.

على سبيل المثال، البحث الذي أجراه Wlodkowski, Iturralde-Albert, and Mauldin (2000) في اسبانيا على أربعة مواد دراسية جامعية والتي أثبتت أن درجات الطلاب الذين تلقوا تعلم هذه المواد بتقنية التعلم السريع قد فاقت كثيراً درجات الطلاب في السنة السابقة الذين تلقوا نفس المواد لكن بالطريقة التقليدية، كذلك أثبتت بحوث Conrad (1996) أن التجربة التعلىمية تصبح أكثر كفاءة عندما تتخللها تفاعل بين الطلاب، نشاطات، وتخفيف الضغط على الطلاب.

لكل ما سبق فان التعلم السريع يبحر بالطالب إلىأقصي درجات التعلم، بينما في التعلم التقليدي فلا يصل الطالب إلى أقصي مستويات التعلم وإن وصلها فسيكون ذلك في وقت أطول وبجهد أكبر.




مقالات مرتبطة