التعامل مع المدير السَّام: تجربة شخصية

إنَّ تأمين وظيفة جديدة أمر مثير للغاية، يا له من تشويق، فتُعقَد آمال كثيرة في رحلة بحثك عن عمل جديد، ويمدُّك اجتياز عملية التقديم على العمل وإجراء المقابلة بنجاح بشعورٍ غامرٍ من التقدير المهني، ولقد قابلوك ويريدون توظيفك، مرحى!



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتبة والاختصاصية النفسية إلين ميد (Elaine Mead)، وتُحدِّثنا فيه عن تجربتها الشخصية في التعامل مع مدير عمل سام.

لكن ماذا ستفعل إن وجدت بعد أسبوعين من العمل أنَّ منصبك الجديد الذي تطلَّعت إليه لم يكن بالفرصة الذهبية التي اعتقدتها؟ واتضح أنَّ بيئة العمل عدائيةٌ، ويوجد شخص محدد مُذنِب في ذلك.

المدير السَّام:

لقد تعرَّضتُ لهذا الموقف منذ سنوات عدة، وكنت أعمل بجدٍ لأرتقي سلُّم النجاح في عملي السابق، لكن ما إن أتقدم قليلاً حتى أُحبَط من جديد، دون أن أحظى بتغذية راجعة مفيدة، تساعدني على تقديم أداءٍ أفضل لاحقاً؛ لذا بدأت البحث عن عمل جديد، وفي غضون بضعة أشهر، وقعت يدي على فرصة بدت مثالية، إنَّها وظيفة في منظمة عالمية، راتب كبير وامتيازات، والتقدم في المنصب الوظيفي الذي كنت أطمح إليه، تقدمت بطلبٍ وأجريت مقابلة توظيف وعُرضَت عليَّ الوظيفة.

مع اقتراب اليوم الأول في وظيفتي الجديدة، انتظرت بفارغ الصبر رنين المنبه صباح يوم الإثنين، فلاحظت خلال أسبوعي الأول أنَّ بقية أعضاء الفريق كانوا مغلوبين على أمرهم؛ لكنَّني افترضت أنَّ ذلك يعود إلى منصبي الذي كان جديداً في المنظمة، وأنَّهم لم يكونوا معتادين على العمل بقيادة قائد للفريق، وفي نهاية الأسبوع، اصطحبتهم جميعاً لتناول المشروبات بعد العمل كي أتعرف إليهم عن قرب؛ ففوجئت عندما أخبروني أنَّهم مرتاحون لعملي معهم، ولم أفهم إصرارهم المبهم على "أنَّ الوضع سيتحسَّن الآن".

في الأسبوع التالي اتضح كل شيء؛ فقد كشف مديري الذي كان يشرف على الفريق، والذي أجرى مقابلة التوظيف معي عن جانب آخر من شخصيته صدمني بشدَّة.

إقرأ أيضاً: كيف تميِّز المدير السام؟

الإشارات التي تدل على المدير السَّام:

أفاد 60% من الموظفين المشاركين في تجربة في بحث أجرته مؤسسة الاستشارات الإدارية غالوب (Gallup)، بأنَّ مديريهم يتسببون بتعاستهم في العمل، وليس أمراً نادراً أن نواجه شخصيات نتصادم معها في مكان العمل، ومعرفة تجاوز هذه الصدامات هو علامة على الذكاء العاطفي العالي، كما بالتأكيد تُعدُّ مهارة يجب تعلُّمها للحفاظ على الوِفاق في العمل.

مع ذلك، يوجد فرق كبير بين التصادم مع شخص ما بسبب اختلافات معينة، وبين شخص سام، وخاصة عندما يكون هذا الشخص في منصب رفيع.

بعض الإشارات التي تدل على المدير السام:

  • التدخل في أدق تفاصيل العمل.
  • نقص التعاطف أو المهارات الاجتماعية.
  • عدم الاكتراث بمصلحة الموظفين أو تطورهم.
  • ينسب فضل إنجازات جميع الفِرق إلى نفسه.
  • إلقاء اللوم في أخطائه على الفريق.
  • التقليل من شأنك أو السخرية أو الإساءة إليك أو إلى زميل لك.
  • رفض أفكار الفريق وملاحظاتهم.
  • النميمة والخيانة والشكوى في العمل.

أظهر مديري فيما يخص تجربتي كل هذه السلوكات؛ فأحياناً يكون عذباً ولطيفاً ومهتماً بعملي وحياتي الشخصية، وأحياناً أخرى يكون سفيهاً، ومتقلِّب المزاج، ويستمتع بإخباري عن عدم كفاءتي.

كان ذكياً أيضاً، لم يترك أي دليل ملموس على الطريقة التي يعامل بها الموظفين، عكست جميع رسائل البريد الإلكتروني ورسائل البريد الصوتي، الشخصية العذبة التي عمل بجدٍ لادعائها أمام العملاء والإدارة العليا.

شاهد بالفيديو: 8 طرق للتعامل مع مديرك السيء

ماذا يجب أن تفعل في التعامل مع المدير السَّام؟

ينقسم المديرون السامُّون إلى ثلاثة أنواع: النرجسي أو المستبد أو غير الكفؤ، وتعتمد معرفة كيفية التعامل مع مدير سام على النوع الذي ينتمي إليه، فقد يكون المديرون غير الكفؤ هم الأسهل من بين الثلاثة للتعامل معهم، وإيجاد الطرائق للوصول إلى وِفاق معهم؛ لأنَّ السبب في كونهم سامين واضح، فهم عادة ما يخشون أن تقوم بعمل أفضل منهم.

من الأصعب بكثير تخطي عقبات العمل لدى مدير سام إذا كان ينتمي إلى النوع النرجسي أو المستبد؛ إذ عادةً ما تكون تصرفاته سلوكٌ راسخ، ناتج عن تجاربه وتصوراته الخاصة للعالم، وقد يكون من الصعب جداً تغيير هذا السلوك.

يوجد عدد هائل من المقالات التي تقدِّم نصائح استباقية عن كيفية التعامل مع رئيس سام، وتقدِّم معظمها نصائح عمليةً مثل وضع حدود شفوية، وكيفية الإبلاغ عن سلوكاتهم لموظفي الموارد البشرية.

ماذا فعلت أنا؟ قدَّمت استقالتي:

بعد شهرين من العمل في وظيفتي الجديدة علمت أنَّه يتحتَّم عليَّ اتخاذ قرار، كانت الأضرار العاطفية للتعامل مع هذا الشخص تؤثِّر سلباً في جميع جوانب حياتي، وكنت أعلم أنَّني لا أريد قضاء استراحة غداء أخرى مختبئةً في دورة المياه، أذرف الدموع فوق طعامي.

في حين أنَّ تصرفي قد يبدو انهزامياً بعض الشيء، إلا أنَّني أعطيت الأولوية لصحتي العاطفية، ولقد أخبرني أحد الأصدقاء أنَّه كان ينبغي لي التمسك بوظيفتي، وتقديم شكاوى رسمية، وحماية زملائي، وكان زملائي في القسم يشغلون وظائفهم منذ ما يتراوح بين سنة إلى ثماني سنوات، ويعملون تحت إدارة المدير السام.

قررت أنَّني لست مجبرةً على مواكبة قدرتهم في مجاراة أو تحمل هذا الشخص، ناقشت قراري بالاستقالة مع بقية زملائي قبل عقد اجتماعٍ مع أحد أعضاء الموارد البشرية؛ إذ أوضحت سبب مغادرتي، وطلبت إنجاز ما تبقى من مهامي من المنزل، دون أيِّ تواصل آخر مع المدير، وقد وافقوا على ذلك.

استغرق الأمر شهراً لأعثر على وظيفة أخرى؛ لكنَّ الراحة في التخلص من العمل لدى مديري السام فاقت إلى حدٍّ كبير ضغوطات البحث عن عمل، وأكدت لي وظيفتي التالية من جديد أنَّني اتخذت القرار الصحيح؛ إذ إنَّني الآن أعمل مع مدير وموجِّه داعمين دعماً كبيراً؛ فقد ساعداني حقاً على التقدُّم والتطور للوصول إلى الاحتراف في مجالي.

إقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع رئيس سيء في الاستماع إليك؟

في الختام:

إليك هذه المقولة: "أنت لا تعيش لتعمل؛ بل تعمل لتعيش"، فأحد أهم الدروس المهنية التي تعلمتها هو أنَّ العمل يجب ألا يكون مؤلماً، وإعطاء صحتي العاطفية الأولوية قادني إلى واقع أفضل والأهم من كلِّ شيء، إذا وجدت نفسك في موقف مماثل، فخُذ بالحسبان أن تحذو حذوي.




مقالات مرتبطة