التصالح مع الخوف

لطالما عانيتُ الخوف الذي كان يلازمني في حياتي في كل ما أفعله، وفي كل مكان أذهب إليه، فقد كان يصرخ في أذني ويتحدث بصوت عالٍ، لقد أفسد حياتي، ومنعني من معاشرة الناس، ومواجهة الحياة، وجعلني أشك في كل ما فعلته.



بالطبع حاولت التخلص منه؛ لقد صَمَمْتُ أذنيَّ؛ لكنَّ صوته دوى من الداخل، وحاولت لفظه إلى الخارج؛ لكنَّه تشبث بمخالبه في جسدي، وحاولت إسكات صوته؛ لكنَّ صوته كان أعلى من صوتي، ومع ازدياد كرهي له كان صوته يعلو أكثر فأكثر.

سبب وجود الخوف:

لطالما تساءلتُ لماذا سكن بداخلي، وكيف ازداد قوةً وعناداً، ومتى سيتركني وشأني؛ حتى أدركت بعد سنوات عديدة أنَّ هذا الخوف كان أداة نجاة أجدادي؛ فقد أبقاهم على قيد الحياة لنقل جيناتهم إلينا، بطريقة ما كان هذا الإدراك نقطة تحوُّل في حياتي؛ إذ بدأتُ أرى خوفي بطريقة مختلفة، فقد بدأت أرى فيه شخصاً بالغاً يهتم لأمري ويحذرني، وصديقاً حسن النية يذكرني بالمخاطر المقبلة، ووجدت فيه جَدَّاً مُحِبَّاً يروي لي تجاربه الخاصة لأتعلم منها، هل كان حقاً صوت أجدادي؟

الخوف يبنيك من الداخل:

لقد منحتني رؤية الخوف بهذه الطريقة الجديدة القوة اللازمة لمعاملته، ماذا أقول لكل هؤلاء الناس الذين اهتموا بي؟ أولئك الذين حرصوا على سلامتي وأرادوا حمايتي من المخاطر؟ هل سأدير ظهري لهم وأعيش حياتي منفصلةً عن العلاقات التي بنتني؟ هل سأستمع إلى الجميع وأبدأ ببطء في إغفال مشاعري؟ هل سأستسلم لعيش حياة آمنة ولكن هامشية وأتخلى عن كل تجربة قد تساعدني على النمو؟

إقرأ أيضاً: 15 أمراً يساعدك في التغلب على الخوف

جعلني النظر إلى الحياة من منظور الخوف أرغب في تهدئة مخاوفها دون التخلي عن أحلامي، وتعلمتُ أن أقدر وجود رفيق يحذرني، وأن أصغي إليه بانتباه لأميز المخاوف الحقيقية من المخاوف المبالغ فيها، كما تعلمتُ متى يجب التراجع ومتى يجب التحلي بالشجاعة للقيام بما أريده عندما تفوق الفوائد المخاطر، وقد عزز قناعاتي ومنحني القدرة على الدفاع عما كنت أؤمن به بصرف النظر عن الأصوات من حولي، ولكن لم يكن الأمر سهلاً أبداً؛ إذ كان الخوف يلازمني دائماً، وحتى إذا لم يستطع منعي كان يراقبني من بعيد مبتسماً، ولكن في بعض الأحيان فقط؛ ففي الغالب كان يعض على شفتيه، ويهز رأسه بهدوء كأنَّه الأم والجد والصديق جميعهم معاً، وعلم أنَّني أصغي إليه، فلم يعد يصرخ في أذني إلا نادراً؛ لأنَّني لم أعد أتجاهله أبداً، وفي نهاية المطاف، إنَّه يريد الدفاع عني؛ لأنَّه لم يدرك أنَّني كبرت.

أنا ممتنة لخوفي؛ فلولاه لربما كنتُ متهورة أو مضلَّلة أو غير مهيئة لمواجهة الحياة كما ينبغي، ولما نظرتُ إلى الظروف من زوايا مختلفة، ولفشلتُ في التوصل إلى طرائق مبتكرة لإنجاز مهامي، ولولاه لما استثمرتُ إمكاناتي الحقيقية.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح بسيطة تساعدك على التخلص من مخاوفك

الخوف يوسع آفاقك:

يمنحني الخوف قدرة مذهلة؛ فهو القوة الوحيدة التي تطلق العنان لخيالي وتشعل فتيل إبداعي، نعم إنَّه يكشف عن أسوأ السيناريوهات؛ لكنَّه يمكِّنني أيضاً من الكتابة بشغف، ورسم ما وراء الواقع، واقتناص الفرص.

إقرأ أيضاً: 10 طرق لتوليد الطاقة الإيجابية في داخلك

التاريخ مليء بأمثلة من عظماء الفن والفكر الذين ابتُلوا بالمخاوف، ومع ذلك استمروا في تحقيق العظمة وتركوا بصمتهم في الحضارة؛ لأنَّهم صالحوا مخاوفهم ووجهوا طاقتها لخدمة مصالحهم؛ لذلك أنا أكوِّن صداقة مع خوفي؛ ليس بمعنى أنَّني ألجأ إليه للنصح والمشورة؛ بل لأبتسم له وأصغي إليه بحنان؛ أحياناً يهمس في أذني، وأحياناً يصرخ فيها؛ لكنَّه يعلم أنَّني أصيغتُ إليه، وأنَّني سأفعل ما أريده في النهاية، لقد اعتدتُ صحبته وصرتُ أخشى أن يغادرني بعد أن أدى واجبه؛ لكنَّه يرفض أن يفارقني مثل الأم التي ترفض مفارقة أبنائها وتجمعهم حولها حتى في يوم احتضارها، ربما هو أيضاً وجد العزاء بصحبتي.




مقالات مرتبطة