التربية الانفعالية وتربية الهيجان

يشير الانفعال إلى الخبرات الشعورية المختلفة التي يشعر بها المرء، كاللذة والألم والخوف والغضب والفرح والحزن والقلق والحب والكره والغيرة وهكذا حتى نصل إلى مشاعر الهوى الصوفي، لكنَّ الانفعال لا يتألف من هذا المحتوى من الشعور فحسب؛ بل يتضمن جانباً سلوكياً أيضاً، فهناك تعابير الوجه وتصرفات الإقدام أو الإحجام أو التردد، وتغيرات العمليات الفيزيولوجية الهضمية والدورانية والفردية والعصبية وغيرها من التغيرات التي تحدث في الانفعال. وسنتناول في مقالنا هذا مفهوم التربية الانفعالية وتربية الهيجان، تابعوا معنا.



التربية الانفعالية:

يميز الباحثون بين أنواع ومستويات من الانفعال فهناك الهيجان والعاطفة والهوى، ولكلٍّ منها طابعه وخصائصه وتأثيره في تفكير الإنسان وتصرفاته. وهناك إمكانية انحراف هذه الانفعالات عن النضج والاستواء، وهذا ينشئ الحاجة إلى مواجهتها بالتربية الملائمة في مراحل نموها، وهذا ما يسمى بالتربية الانفعالية.

تعمل التربية الانفعالية على توجيه نمو الحياة الانفعالية للناشئ حتى تساعده على الوصول إلى النضج السليم، وتوجِّهه نحو الموضوعات ذات القيم السامية، الفكرية والاجتماعية والأخلاقية والقومية والجمالية؛ إذ يغدو هيجان المرء وعواطفه مرتبطٌ بالقيم الأفضل التي يستثار بها الشخص ويدفعه إلى تحقيقها.

هناك اختلافٌ بين تربية الهيجان وتربية العواطف والأهواء، وهناك اختلافٌ في التوجيه التربوي بين انفعالٍ وآخر، فالتوجيه الملائم للغضب يختلف عن التوجيه الملائم للقلق أو عن التوجيه للحب أو الحقد أو الإدمان.

تربية الهيجان والتغيرات الاضطرابية المميزة له:

يعرف الهيجان بأنَّه حالة اضطرابٍ نفسيٍ جسديٍ تحدث فور مواجهة المرء لمثيرٍ مهيِّجٍ، لكنَّها لا تدوم طويلاً، ومثاله الخوف والغضب والفرح؛ إذ يضطرب الشعور والتفكير وحتى الجسد.

والتغيرات الاضطرابية المميزة للهيجان:

  • التوتر واضطراب الشعور.
  • اضطراب التفكير وضعف المحاكمة.
  • تغير تعبيرات الوجه وألوانه.
  • ارتفاع ضغط الدم أو انخفاضه.
  • قد يحدث اضطراباتٌ هضميةٌ وزيادةٌ في الإفراز الغدِّي والبولي.
  • تغير نمط التنفس عن الحالة العادية.
  • ازدياد نشاط بعض المراكز العصبية كالهيبوتلاموس بينما يتباطأ النشاط العصبي المخي.
  • سلوكٌ إقداميٌ أو إحجاميٌ، كأن يقوم المنفعل بالضرب أو الصراخ في أثناء الغضب أو الانسحاب عند الخوف، أو الضحك والغناء والرقص في الفرح.

هذه التغيرات التي تجعل من الهيجان سلوكاً يختلف عن السلوك العادي الطبيعي الذي يحصل عندما يكون المرء ضمن ظروفٍ عاديةٍ، جعلت بعض الباحثين يعدُّونه حالة اضطرابٍ في التوافق بين الإنسان وبيئته. ويعزون ذلك إلى عجز الأفعال الآلية عن مواجهة ما يعتري الموقف الراهن من تغيُّرٍ مفاجئ أو من صعوبةٍ غير متوقعةٍ، وكذلك إلى عجز التفكير عن إيجاد حلٍّ سريعٍ.

إقرأ أيضاً: التربية الحديثة: ضرورة أم بريستيج؟

مراحل نمو الهيجان:

يتغير الهيجان في مثيراته ومشاعره من عمرٍ إلى آخر، ويمكننا الاطلاع على الجوانب الرئيسة في ذلك التغير؛ وذلك باستعراضها في مراحل الطفولة والمراهقة:

  1. مرحلة المراهقة: تزداد فيها شدة الهيجان ويتخذ المظاهر الآتية:
  2. من السادسة إلى الثانية عشرة: يسير الطفل نحو هدوءٍ انفعالي نسبيٍّ فيصبح أقل عدواناً وتخريباً في مظاهر غضبه، ويتعلم كيف يتنازل عن بعض مطالبه العاجلة في سبيل رضى والدَيه أو معلِّميه أو رفاقه. وهذا الهدوء النسبي يساعده على تجميع انفعالاته فيما يخص موضوعاتٍ معينةٍ، ثم تكوينها نحو تلك الموضوعات، فيأخذ بحب أمه، وقد يكره أحد زملائه ومعلميه. ويكون للمدرسة دورٌ كبيرٌ في إثارة انفعالاته وتنميتها وتوجيهها.
  3. من السنة الثالثة إلى الخامسة: تظهر أنواعٌ جديدةٌ من الانفعالات كالفرح والحزن والسخرية والمحبة والشماتة وغيرها، ويتضح الغضب والغيرة والخوف. كما يزداد النشاط الانفعالي تطرُّفاً وحدَّةً، فنجد الطفل ينفعل بشدةٍ ويعبر عن انفعاله بسلوكٍ متطرفٍ، فإذا غضب كان غضبه عنيفاً يعبر عنه بالصراخ والبكاء والسلوك التخريبي أو العدواني. ويظهر هذا التصرف أيضاً في انفعالاته الأخرى. ويتصف هيجان الطفل في هذه الفترة بالتقلب السريع؛ إذ ينتقل من حالة البكاء الحاد إلى فرحٍ ضاحك، ومن الضيق إلى الارتياح.
  4. من الولادة إلى غاية السنة الثانية: يُلاحظ لدى الوليد في الأسابيع الأولى من حياته مظاهر انفعاليةً عامةً وغامضةً تتجلى بشكل تهيّجٍ عامٍ يشمل الجسد بأكمله، وبعد أشهر تتضح بعض المظاهر فنميز فيها نوعاً من الضيق والغضب عندما لا تلبَّى حاجات النظافة أو الطعام أو الراحة. كما نميز نوعاً من رعشات الخوف عندما تفاجئ الطفل بصوتٍ قويٍ، ونلاحظ أنَّ البكاء هو التعبير الظاهر الواضح لهذه الانفعالات الأولية، ومن جهةٍ أخرى تبدو على الوليد مظاهر الارتياح عندما تلبَّى حاجاته.
    • الحساسية الشديدة: فالمراهق يتأثر سريعاً بمثيراتٍ تبدو تافهةً في نظر الراشدين، فهو ينفعل حين ينتقده الناس ولو كان النقد هادئاً وصحيحاً. وهو شديد الحساسية بما يسمعه أو يقرؤه من قصص الأبطال والآثار الأدبية أو المواعظ، ولهذه الحساسية أثرها في سرعة استجابته لسلوك الجماهير الصاخبة الفوضوية.
    • التمرد: يعتقد المراهق أنَّ الناس لا يفهمونه بصفته شاباً، وأنَّ والدَيه يريدان فرض السلطة عليه وكأنَّه ما يزال طفلاً، وأنَّهما من جيلٍ قديمٍ، وأنَّ المجتمع لا يساعده على تحقيق أمانيه. فيرى المساعدة من أهله تدخُّلاً في شؤونه، ويفهم النصيحة على أنَّها تسلُّطاً وإهانةً، فيتَّجه نحو إثبات وجوده وشخصيته بالعصيان وسلوك التحدي والتمرد ومخالفة تقاليد المجتمع ونظمه وآدابه. وقد يتخذ تمرده طابعاً سلبياً فيأخذ بالفرار من المنزل أو المدرسة والانسحاب من المجالات المشتركة لحياة الجماعة.
    • التطرف: فالمراهق يبالغ في هيجانه، فإذا غضب يصعب عليه التحكم بكلامه وأعصابه أو تصرفاته، وإذا فرح يقفز أو يصيح أو يغني أو يلكم مَن معه أو نحو ذلك من الحركات البعيدة عن الاتزان.
    • التقلب بين هيجانٍ وآخرٍ لدرجة التناقض أحياناً، فهو حيناً يسأم من الحياة وأعبائها وينتقد نفسه وأهله ومجتمعه، وحيناً يزهو بجمال جسمه وقوَّته ويعجب بهندامه. وكذلك يتقلب في نشاطه الجسمي والحركي بين نقيضين متطرفين من ثوراتٍ هائجةٍ إلى هدوءٍ متكاسلٍ خاملٍ.

سمات النضج الانفعالي الهيجاني:

يبلغ الانفعال غاية نموه بعد المراهقة فيصل إلى مستوىً مناسبٍ من النضج ويتميز بالسمات الآتية عندما يكون سليماً:

  • اعتدال الهيجان: إذ تصبح انفعالات المرء متوسطةً، لا هي ضعيفةٌ واهنةٌ تجعل صاحبها ضعيف التأثر متبلداً، ولا قويةٌ جامحةٌ تجعله سريع التأثر يثور لأتفه الأسباب.
  • الواقعية في مجابهة مشكلات الحياة، فيصبح الفرد موضوعياً في إدراكه للعالم المحيط به، متحرراً من الذاتية العاطفية والعقلية، ومن الاتكالية على الآخرين والخوف من تحمُّل المسؤولية.
  • الثقة والاستقرار والتحرر من الاضطراب الانفعالي الداخلي، بمعنى أن تتوازن جميع انفعالاته ودوافعه، فلا يوجد بينها ما هو مسيطرٌ متحكمٌ بالجميع، ولا يضعف بعضها لدرجة الكبت الشديد. فالسلامة الانفعالية تتطلب تعادل دوافع الانبساط كالجنس والسيطرة والميل الاجتماعي مع دوافع الانطواء كالخنوع والهرب والحزن.
  • ضبط النفس: فالنضج الانفعالي يتضمن المناعة أمام مغريات العالم الخارجي، والقدرة على احتمال الصعوبات والحرمان، وتأجيل اللذات العاجلة من أجل تحقيق أهدافٍ أبعدٍ، وضبط النفس في المواقف التي تتطلب كظم الانفعال بما يتناسب مع الظروف القائمة ومع مكانة الشخص واحترامه لذاته.
  • الرصانة الانفعالية: ويُقصد بها أن تكون الحياة الانفعالية للفرد رزينةً لا تتذبذب وتتقلب لأسبابٍ تافهةٍ بين المرح والانقباض، والفرح والحزن، أو الضحك والبكاء والتحسس والفتور، لأنَّ ذلك التذبذب يجعل الفرد متردداً متقلباً يصعب عليه إنجاز ما أعماله.

هيجان الغضب عند المراهق:

دلَّت الملاحظات والتجارب أنَّ المراهق يعبر عن غضبه تعبيراً مباشراً بالضرب أو الشتيمة أو البكاء، وهذه أساليب مباشرةٌ استمرت في سلوكه من مراحل الطفولة السابقة. كما أنَّه يستعين بأساليب أخرى يتعلمها من بيئته؛ فقد يكبت غضبه أحياناً، أو يلجأ إلى الخيال الواهم ليسعفه في تصريف هيجانه؛ لذا نجد خيالات المراهقين تغص بصور الانتقام ومشاهد الانتصار الشخصي، كأن يتخيل عدوه يموت أو يُقتَل بيده أو بيد غيره.

كذلك قد يعبر المراهق عن غضبه بالشكوى من ظلم الآخرين له فيشكو من المدرسة أو الجماعة، ويأخذ بتسويغ شكواه بحججٍ يراها معقولةً، أو قد يوجِّه غضبه نحو ذاته حين يفشل في تحقيق توقعاته، فيأخذ بنقد نفسه وإظهار أخطائه. قد يبالغ المراهق في ردود فعله لدرجة تصل إلى الشعور بالإخفاق فيتوقف عن السعي إلى التفوق والقيادة والمجد، وقد يصاب بأمراضٍ جسديةٍ أو نفسيةٍ نتيجةً لذلك.

ومن أساليب التعبير أيضاً توجيه غضبه ضد شخصٍ آخرٍ أو شيءٍ آخرٍ، كأن يضرب أخاه إذا أغضبه أبوه، أو يضرب على الطاولة أو يحطم الأواني وغيرها.

إقرأ أيضاً: كل ماتريد معرفته عن المراهقة وأفضل الطرق للتعامل مع المراهقين

هيجان الخوف عند المراهق:

هيجان الخوف كثير الحدوث عند المراهق، ويتركز غالباً على إحدى الفئات الآتية:

  • خطر الحوادث والإصابات.
  • الحالات المؤلمة والموت.
  • الكوابيس ومخاوف الأحلام.
  • الفوبيات، كالخوف من الحيوانات، أو المرتفعات وغيرها.
  • الهواجس المرعبة كالخوف من الأشباح.

وتضيف الدراسات الجارية عن مخاوف الفتيان في المرحلتين الإعدادية والثانوية من التعليم بنوداً أخرى إلى القائمة المذكورة آنفاً من المخاوف، كالحصول على عملٍ أو التأهيل المهني أو مسائل الحرب، والخوف من الإخفاق أو العلاقات بالآخرين ولا سيما بالجنس الآخر. وقد تبيَّن في دراسةٍ قام بها "لانستازي" أنَّ المخاوف المسجلة في يوميات طالبات المدرسة الثانوية، تتركز معظمها في العمل المدرسي في المقام الأول، والنقص وفقدان المكانة في المقام الثاني.

في الختام:

وجب التنويه إلى أنَّ التربية الانفعالية شرطٌ أساسيٌ للتكيف الاجتماعي السَّوي، والصحة النفسية السليمة، فالهيجان وعدم ضبط النفس يؤدي إلى اضطراب الصلات الاجتماعية الإنسانية. وهو مرهونٌ في المقام الأول باضطراب الحياة الانفعالية؛ بل إنَّ النجاح أو الإخفاق في الحياة يتوقفان إلى حدٍّ كبيرٍ على العوامل الانفعالية وكيفية ضبطها من قبل المرء.

المصدر: كتاب التربية العامة للدكتور أنطون حبيب رحمة 1982




مقالات مرتبطة