التخطيط الاستراتيجي في المنظمات

يعيش الإنسان اليوم في عصر سمته التغير ومتقلب وغير آمن وقد تداخلت فيه الثقافات وتقاربت به الشعوب وكثرت الصراعات التي أثرت في الأفراد، وضمن هذه الأوضاع تسعى المنظمات إلى الوصول إلى النجاح والتفوق من خلال تحقيق التميز في عملياتها ونشاطاتها والكفاءة والفاعلية في أدائها وأداء موظفيها، كما أنَّها تتنافس فيما بينها لتحجز لنفسها مركزاً قوياً ومميزاً في العالم الذي تعمل فيه، هذا العالم الذي وصفناه بالمتغير والذي يتسم بالتعقيد، إضافة إلى المنافسة القوية على الموارد.



تزداد هذه المنافسة يوماً بعد يوم؛ إذ تتأثر هذه المنظمات بالتطور الحاصل والهائل في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، الأمر الذي يتطلب منها وجود إدارة قوية تُحسِن التخطيط كي تستطيع تذليل هذه الصعوبات وتحقيق التكيف والتأقلم مع بيئتها بالشكل الذي يضمن لها البقاء والاستمرار والنمو.

إذاً في ظل هذه الظروف تحتاج المنظمات إلى أن تضع رؤية شاملة عميقة ورسالة واضحة واستراتيجية قوية رصينة تستطيع معها استشراف المستقبل ومعرفة ما يمكن أن تغدو عليه على الأمد البعيد ضمن ما يحيط بها من مخاطر وتحديات، فالتخطيط الاستراتيجي أصبح حاجة ملحة وضرورية وحتمية، فهو أسلوب في التفكير واختيار طرائق العمل والمفاضلة بين البدائل المتاحة أمام المنظمة.

الرؤية الاستراتيجية توطِّد علاقة المنظمة مع بيئتها الخارجية، والرسالة تُعَدُّ الركيزة الأساسية في استثمار المنظمة للفرص الجديدة، والأهداف هي التي تحفز المنظمة لتحسين أدائها وأداء عامليها، باختصار التخطيط الاستراتيجي عملية تحدد كيفية وصول المنظمة إلى ما تسعى إليه في الوقت المناسب.

تعريف التخطيط والتخطيط الاستراتيجي:

التخطيط عملية متكاملة لاتخاذ القرار، وهو مجموعة الخطوات التي تتخذها الإدارة الرسمية لتحقيق نتائج محددة، فهو يرمي إلى التحكم بالمستقبل وضبط متغيراته ودرء خطرها قدر المستطاع، والتخطيط عملية حتمية لا غنى عنها؛ إذ تخطط المنظمات للتنسيق بين نشاطاتها وأجزائها المختلفة وللتأكد من الاستعداد للمستقبل بما فيها الاستعداد للأشياء أكيدة الحدوث والتحكم بالأشياء القابلة للسيطرة، كما تخطط المنظمات لكي تكون عقلانية في خياراتها والأهم من كل ذلك تقوم المنظمة بالتخطيط من أجل حسن الرقابة على نشاطاتها وتقدُّمها.

أما الاستراتيجية فتعني خطة العمل الموضوع لتحقيق هدف محدد، فالاستراتيجية بصفتها مصطلحاً مشتقاً من الكلمة اليونانية "ستراتيجيوس" (strategos) تعني بالضبط فن القيادة، وقد استُخدمت في ميادين مختلفة، وفي ميدان الأعمال تعني حسب قول "بورتر" (porter) عملية تكوين وضع منفرد للمنظمة ذي قيمة لعملائها من خلال تصميم مجموعة نشاطات مختلفة عما يؤديه المنافسون.

تُصَف بأنَّها خطة عمل إدارة المنظمة لإدارة العمل وتنفيذ العمليات؛ أي إنَّها التحركات التنافسية ومداخل الأعمال التي ينفِّذها مديرو المنظمة من أجل نمو الأعمال وجذب الزبائن وإسعادهم والمنافسة بنجاح وتحقيق المستويات المستهدفة من الأداء التنظيمي.

التخطيط الاستراتيجي عملية تمثِّل الإطار الكلي لعمل المنظمة والأسلوب الأمثل لإحداث نقلة نوعية في أدائها، فهو ببساطة استخدام منهجية محددة لتغيير الوضع الحالي والوصول إلى وضع مستقل أفضل للمنظمة وللمستفيدين من خدماتها أو منتجاتها، وإيجاد السبل للاستفادة من التأثيرات الإيجابية والحد من السلبية، وكل ذلك يتم ضمن ما نسميه "الإدارة الاستراتيجية" التي تُعرف وفق "جيلوك" باتخاذ القرارات المتعلقة ببقاء المنظمة وتفوقها في السوق أو سقوطها واختفائها من السوق وتشييعها إلى مثواها الأخير، ومن ثم فهي تحرص على استخدام الموارد التنظيمية المتاحة أفضل استخدام ممكن بما يتلاءم مع متغيرات البيئة الداخلية والخارجية.

أما "تومبسون" و"استركلاند" فيعرِّفان الإدارة الاستراتيجية بأنَّها رسم الاتجاه المستقبلي للمنظمة وبيان غاياتها على الأمد البعيد، واختيار النمط الاستراتيجي الملائم لتحقيق ذلك في ضوء العوامل والمتغيرات البيئية داخلياً وخارجياً، ثم تنفيذ الاستراتيجية وتقويمها.

إقرأ أيضاً: ملخص كتاب استراتيجيّة إدارة الأعمال للمؤلف جيرمي كوردي

مكونات الاستراتيجية:

  • تحديد الغاية على الأمد الطويل: فالمنظمة التي لا تعي غايتها ولا تعلم إلى أين سوف تذهب أو ما الذي تريد تحقيقه من خلال الأعمال التي تقوم بها، لا يمكن أن تصل إلى النجاح أو تحقق أي شيء جيد.
  • اختيار طريقة العمل: يجب على كل منظمة اختيار أسلوب العمل الذي سوف تعتمد عليه في تحقيق أهدافها.
  • تحديد الموارد: وحصر التكاليف المطلوبة لإنجاز الأهداف الموضوعة.

فوائد التخطيط الاستراتيجي:

التخطيط الاستراتيجي عبارة عن عملية مستمرة هدفها المواءمة بين قدرات المنظمة الداخلية وبين الفرص المتاحة والتهديدات المحتملة التي يمكن أن تنشأ عن البيئة الخارجية، ويحقق التخطيط الاستراتيجي مجموعة من الفوائد منها:

  • توحيد الجهود التي تُبذل داخل المنظمة وتوجيهها باتجاه تحقيق غاية واحدة.
  • تحديد الأهداف التي يجب على الجميع داخل المنظمة والمرتبطين بها السعي إلى تحقيقها ضمن الوقت المحدد لها.
  • تحسين الأداء الوظيفي للعاملين وكذلك أداء المنظمة على الأمد القريب والمتوسط والبعيد.
  • مساعدة المديرين على التعامل مع التغيرات البيئية المحيطة وإيجاد السبل الكفيلة بتحقيق التأقلم والتكيف معها.
  • الإسهام في التعرف إلى الفرص المتاحة أمام المنظمة للاستفادة منها وكذلك التهديدات التي تهددها.
  • التخطيط الاستراتيجي أفضل طريقة في توزيع الموارد وتخصيصها.

شاهد بالفديو: 6 طرق تساعدك على التخطيط لحياتك

مراحل التخطيط الاستراتيجي:

1. الإعداد:

تبدأ هذه المرحلة بطرح مجموعة من الأسئلة، مثل: هل المنظمة جاهزة للتخطيط الاستراتيجي؟ وما الذي نريده من خلال هذا التخطيط؟ ومن ثم يجب البدء بتشكيل المجموعة التي يجب أن تتولى مسؤولية التخطيط.

2. التقدير:

هنا يجب أن يتم تحديد موقع المنظمة الحالي، وكيف كانت سابقاً؟ ومقدار التقدم الذي أحرزته أو الأشياء التي خسرتها، وما هي الأموال التي سوف تستخدمها؟ وهل يوجد عدد كافٍ من العاملين يقومون بالمهام؟ وغيرها من الأسئلة، وباختصار يجب تحديد نقاط القوة والضعف في المنظمة وكذلك تحديد الفرص والتهديدات المحيطة بها.

3. التصور:

يتم عقد الاجتماعات لتحديد الرؤية والقيم والرسالة؛ أي تحديد جميع العبارات الاسترشادية للمنظمة التي يهتدي بها أصحاب المصلحة بالمنظمة.

4. التكوين:

هنا يتم تحديد اتجاه المنظمة الذي سوف تسير ضمنه، ووضع خارطة الطريق لفترة متوسطة أو طويلة الأمد؛ أي من (3 إلى 5) سنوات؛ إذ تحدد أهدافاً موضوعية قابلة للتحقيق والقياس وضمن إطار زمني محدد.

5. التنفيذ:

يتم وضع الخطة موضوع التنفيذ وتحديد الخطط التشغيلية التنفيذية التفصيلية ذات المهام المحددة الواضحة والمقسمة حسب الجدول الزمني ورصد الميزانيات المساندة التي تحول الخطط إلى واقع.

6. التقييم:

إجراء لمعرفة مدى جودة الخطة وفاعليتها على الأمد القريب والبعيد.

إقرأ أيضاً: ما هي الاستراتيجية؟ المستويات الثلاثة للاستراتيجية

الأدوات الأكثر استخداماً في التخطيط الاستراتيجي:

1. تحليل "سوات" (swot) الرباعي:

يقوم تحليل "سوات" (swot) على تحليل مجموعتين من العوامل؛ عوامل البيئة الداخلية لتحديد نقاط القوة والضعف، وعوامل البيئة الخارجية لتحديد الفرص والتهديدات؛ إذ يتم تحديد الفرص المتاحة أمام المنظمة مثل الانفتاح الاقتصادي على العالم، ونمو دخل الفرد وتحديد التهديدات الخارجية مثل زيادة أعداد المنافسين وشح الموارد، وتحديد نقاط القوة مثل وجود العاملين الذين يمتلكون الخبرة، والقدرة المالية الكبيرة للمنظمة، وكذلك نقاط الضعف مثل ارتفاع التكاليف الإنتاجية وضعف الخبرة لدى العاملين، ومن ثم تتم مطابقة:

  • نقاط القوة مع الفرص: هنا تعمل المنظمة على استغلال جميع نقاط القوة لاستغلال الفرص المتاحة أمام المنظمة، فمثلاً يمكن لشركة السيارات (BMW) استغلال سمعتها الحسنة في العالم بوصفها نقطة قوة واستخدامها بوصفها فرصة للتوسع في عملها لتشمل بقية البلدان.
  • نقاط القوة مع التهديدات: تعتمد هذه الاستراتيجيات على استخدام المنظمة لنقاط قوَّتها في تذليل الصعوبات والتصدي للتهديدات المحتملة.
  • نقاط الضعف مع الفرص: تعمل المنظمة هنا على معالجة نقاط الضعف الداخلية بالاعتماد على الفرص الخارجية المتاحة أمامها للتطور.
  • نقاط الضعف مع التهديدات: هي استراتيجيات تقوم بها المنظمة لتقليل نقاط ضعفها الداخلية وتفادي التهديدات الخارجية.

2. مصفوفة تقييم المركز الاستراتيجي للمنظمة:

تُستخدم هذه المصفوفة لتساعد المنظمة على اختيار واحدة من استراتيجيات أربع يجب على المنظمة المضي بها، وهذه الاستراتيجيات هي: الهجومية، الدفاعية، المحافظة، التنافسية، وتتألف هذه المصفوفة من أربعة أبعاد:

  • بعدين داخليَّين هما: القوة المالية مثل (السيولة، رأس المال العامل)، وبعد الميزة التنافسية مثل (الحصة السوقية، جودة المنتج).
  • بعدين خارجيَّين هما: الاستقرار البيئي مثل (معدل التضخم، المرونة السعرية للطلب) والبعد الثاني هو قوة الصناعة مثل (إمكانية النمو، إمكانية الربح).

3. مصفوفة إشارات المرور:

هذا النموذج وضعته شركة "جنرال إلكتريك" العالمية بالتعاون مع إدارة "ماكينزي" للاستشارات وتمت تسميته بإشارات المرور؛ وذلك لأنَّه يعتمد على ثلاث استراتيجيات هي:

  • اللون الأحمر (توقف): درجة منخفضة من أولوية الاستثمار.
  • اللون الأصفر (انتبه وكن مستعداً): درجة متوسطة من أولوية الاستثمار.
  • اللون الأخضر (امضِ قدماً): درجة مرتفعة من أولوية الاستثمار.

في الختام:

المنظمة عبارة عن نظام مفتوح يؤثر ويتأثر بالبيئة المحيطة، ويجب على الإدارة أن تمتلك التخطيط والتفكير الاستراتيجي لمواكبة كل ما هو جديد وتحقيق التكيف مع كل أنواع المتغيرات، فالتخطيط هو الوظيفة الأولى من الإدارة الاستراتيجية (التخطيط، التنظيم، التوجيه، الرقابة) حتى تستطيع تحقيق أهدافها ومواجهة المستقبل، والاستراتيجية هي الخطط الموجِّهة التي تساعد الإدارة على المضي قدماً في المسار الذي اختارته والاستفادة من الفرص وإيجاد السبل لمواجهة التهديدات وصولاً إلى تحقيق أهدافها وضمان نموها واستمرارها.




مقالات مرتبطة