البحث التربوي: مفهومه وأنواعه وخصائصه

البحوث عنصر رئيس في التطوُّر والتقدُّم وتحقيق الازدهار على المستوى الشخصي والعام؛ إذ تساهم في توسيع مدارِك القرَّاء وتوجيه أفكار المجتمع توجيهاً صحيحاً لينخرط المجتمع مع المجتمعات والدول الأخرى، ومع مرور الوقت تعددت أنواع البحوث وأصبحت منظَّمة أكثر؛ إذ أصبحت لها قواعد وخصائص مختلفة عن بعضها، ومن هذه الأنواع سنتحدث عن البحث التربوي الذي يتعلق بالعملية التربوية والتعليمية.



مفهوم البحث التربوي:

هو أحد أنواع البحث العلمي الذي يسعى إلى التعرُّف إلى المشكلات والظواهر التربوية وضبطها وإيجاد الحلول المناسبة لها، ويمكننا القول إنَّه دراسة تطبيقية فيها جهد علمي منظَّم في مجال العمل التربوي بهدف تحسين الممارسات التربوية والتعليمية وتحقيق الأهداف التربوية بأكثر الطرائق فاعلية وكفاءة.

وقد أصبح حالياً تطبيق أسلوب البحث العلمي جزءاً أساسياً هاماً في عملية التدريس في مختلف أنحاء العالم؛ وذلك لأنَّ البحث العلمي يقدِّم نتائج وحقائق علمية عن الظاهرة أو المشكلة التي دُرِسَت، ويقدم الطرائق الفعليَّة لحلِّها بمنهج علمي بحت بعيداً عن التخمينات؛ وذلك من أجل تجنُّب الوقوع في فخ الفرضيات التي ليس لها أساس علمي وواقعي، ويُعَدُّ البحث التربوي أهم أنواع البحث العلمي؛ فمن خلاله تُلخَّص الخطوات التي يجب القيام بها عند بدء دراسة ظاهرة أو مشكلة جديدة بمنهج منطقي وعلمي.

أنواع البحث التربوي:

يتميز البحث التربوي بأنَّ له أنواع متعددة؛ ويختص كل منها بتحقيق أهداف معينة؛ ومن هذه الأنواع:

1. البحوث التربوية بحسب الهدف منها:

  1. بحوث تربوية أساسية: وهو البحث الهادف إلى إضافة قوانين أو نظريات أو معارف جديدة إلى الموجود سابقاً، دون التجريب أو التأكُّد من هذه المبادئ إن كانت تقبل التطبيق أم أنَّها غير قابلة للتطبيق، والركيزة الأساسية لهذا النوع من البحوث التربوية هي التحليل العلمي الدقيق الذي يوصلنا إلى المبادئ الجديدة في المظاهر التربوية؛ وهذا يخدم العملية التربوية والتعليمية.
  2. بحوث تربوية تطبيقية: ويُعَدُّ هذا النوع من البحوث تكملة للبحوث التربوية الأساسية؛ إذ يهدف إلى التطبيق العلمي للمعرفة والمبادئ والحقائق الجديدة التي توصَّل إليها البحث التربوي الأساسي، فيتم من خلاله التأكُّد من قابليتها للتطبيق لتُعمَّم من أجل حل المشكلات التربوية والتعليمية.
  3. بحوث تربوية إجرائية: أي البحث الذي يهدف إلى حل مشكلة تربوية محددة؛ أي النتائج التي يتوصل إليها البحث غير قابلة للتعميم؛ إنَّما تخص المشكلة التي دُرِسَت فقط، وليس بالضرورة الالتزام بتطبيق قواعد المنهج العلمي في هذا النوع من البحث، وعادةً تقوم به مجموعة معلمين فقط لتقديم حل بطريقة علمية لمشكلة تواجه كادرهم التعليمي.

2. البحوث التربوية بحسب الغرض العلمي منها:

  1. بحوث تربوية مهنية: وهي البحوث التي ينجزها باحثون لهدف وظيفي مثل ترقيتهم في عملهم، أو التي يُشترَط القيام بها للحصول على منصب معيَّن، أو غيرها من الأهداف المهنية.
  2. بحوث تربوية أكاديمية: وهي أكثر أنواع البحوث التربوية انتشاراً بين الباحثين؛ لأنَّ الغرض منها هو التحصيل العلمي والوصول إلى درجة علمية عالية، كالبحوث التي تُجرى من أجل قبول الطالب في الدراسات العليا والحصول على درجة الدكتوراه.

3. البحوث التربوية بحسب الأشخاص الذين أَعدُّوها:

  1. بحوث تربوية أُعِدَّت إعداداً فردياً: وهي بحوث أجراها شخص واحد فقط دون تدخُّل شخص آخر، وهو مَن يقدِّم نتائجها.
  2. بحوث تربوية أُعِدَّت إعداداً جماعياً: وهي بحوث تربوية أعدَّتها مجموعة من الأفراد؛ وهذا النوع من البحوث نجده غالباً في الجامعات، فمشاريع التخرج والمشاريع العملية خلال الدراسة يشترك فيها عدد من الطلاب، كما أنَّ البحوث الجماعية لها ميزة أنَّ التكاليف المادية منخفضة لأنَّها مشتركة بين الجميع.

4. البحوث التربوية بحسب المنهج العلمي الذي استخدمه الباحث:

  1. بحوث تربوية تجريبيَّة: في هذا النوع من البحوث يعتمد الباحث على المنهج العلمي التجريبي؛ أي إنَّ أساس القيام بالبحث هو التجربة من أجل كشف علاقة المتغيرات مع بعضها أو يمكن القول لكشف علاقة المتغيرات مع متغير مستقل يحدده الباحث.
  2. بحوث تربوية وصفيَّة: وهي البحوث التي تُعَدُّ اعتماداً على المنهج العلمي الوصفي، والذي يُعَدُّ من أكثر المناهج استخداماً في إنجاز البحوث التربوية، ويتضمَّن هذا المنهج الملاحظة ووصف الظواهر التربوية.
إقرأ أيضاً: 7 طرق لتحسين المهارات التحليلية والاستفادة منها

خصائص البحث التربوي:

يتَّصف البحث التربوي بعدة خصائص؛ وهذه الخصائص تصلح للعديد من البحوث العلمية الأخرى:

  • يتَّبع خطة واضحة من حيث الخطوات والمراحل، فلا يمكن أن ننتقل إلى مرحلة جديدة قبل تطبيق المرحلة السابقة بدقة والتأكُّد من صحتها.
  • المصداقية في النتائج؛ إذ يمكن الاعتماد على نتائج البحث التربوي دائماً، وإن تكرر البحث سيتم الوصول إلى نفس النتائج تقريباً؛ أي يمكننا القول إنَّ نتائجه ثابتة نسبياً.
  • العمل بموضوعية؛ إذ إنَّ الباحث لا يميل إلى رأيه الشخصي، وإنَّما يتقبَّل وجهات النظر الأخرى المخالفة لرأيه ويثبت ما توصَّل إليه من نتائج لبحثه حتى إن كانت مخالفة لوجهة نظره.
  • يساعد على إيجاد معلومات وبيانات جديدة من مصادر موثوقة لتُستَخدَم في البحوث اللاحقة، كما يساعد على تطوير المبادئ والقوانين، وهذا يوفر رؤية أفضل للقضايا التي يحلها البحث التربوي.
  • ليس له اختصاص واحد؛ وإنَّما يُعَدُّ متعدد الاختصاصات ويشمل العديد من المجالات الهامة في الحياة في جميع أنواع الآداب والعلوم والموضوعات الاجتماعية؛ إذ يمكن للباحث أن يختار موضوع بحثه بحسب مجاله واهتماماته.
  • يضمن الحصول على إجابة عن أسئلة متعلقة بمشكلات لم يسبق حلها، ومن ثم يجد الحلول لمختلف المشكلات التربوية التعليمية.

أهداف البحث التربوي:

  1. اكتشاف معلومات جديدة تساعد على حل مشكلات تربوية، ومن ثم زيادة فهم المختصين للأبعاد المختلفة للعملية التعليمية؛ وهذا يُعطي طرائق جديدة لتطوير العملية التربوية التعليمية نحو مستوى أفضل.
  2. يكشف نقاط القوة والضعف في الأنظمة التربوية؛ وذلك لتُطوَّر نقاط القوة أكثر وتُعالَج نقاط الضعف لتصبح مكامن قوة.
  3. يُعرِّف المعلم إلى الطرائق الفعالة التي يجب أن يطبقها في قاعة الصف خلال إعطاء الدروس؛ لتصل المعلومات إلى التلميذ بسهولة أكبر بالإضافة إلى تطوير هذه الطرائق باستمرار.

شاهد بالفديو: 12 نصيحة لتسريع عملية التعلم

أهمية البحث التربوي:

  1. يساعد على إعداد الباحثين للعملية التربوية؛ وذلك لأنَّه يُطلِعهم على دراسات وبحوث تربوية سابقة تتعلق بالعملية التربوية والتعليمية، ومن ثم يُنمِّي قدراتهم في هذا المجال ليتمكنوا من اختيار مشكلات للبحث فيها بدقة متناهية.
  2. يجعل الباحث متمكِّناً من القراءة التحليلية للبحوث، ومن ثم يُمكنه تلخيص نتائجها وتقرير الفائدة التي يمكن أن تقدمها في مجال التربية والتعليم.
  3. يؤثر إيجاباً في الطالب؛ وذلك لأنَّه يساعده على تطبيق معارفه ومعلوماته في المواقف العملية؛ أي تحويل الدراسة النظرية إلى دراسة عمليَّة على أرض الواقع.
  4. ينشط عقل الطالب ويحفِّزه على التفكير والتشكيك في أمر معيَّن والسعي إلى إيجاد الحقيقة، ومن ثم تنمية مهارات الطالب من خلال تحليل معلوماته ليصل إلى معرفة جديدة؛ فبذلك يمكن عَدُّ البحث أداة تعليمية للطالب.

صفات الباحث التربوي:

لأنَّ الباحث هو أساس عملية البحث وعليه يتوقف النجاح أو الفشل؛ فهذا يعني أنَّه لا يمكن لأي شخص أن يقوم ببحث تربوي؛ وإنَّما توجد صفات يجب أن تتوفر في الباحث، مثل:

  • الفضول؛ فيجب أن يكون لديه شغف دائم للمعرفة، وفضول تجاه جميع الظواهر، وسعي إلى حل جميع المشكلات التي تواجه الأنظمة التربوية.
  • يجب أن يكون على استعداد دائم لتلقي معلومات جديدة وخبرات يجهلها ووجهات نظر جديدة، كما يجب أن يكون على قناعة بأنَّه بحاجة إلى العلم والمعرفة مهما كان تحصيله العلمي.
  • الباحث التربوي الناجح تكون قدرته التحليلية عالية ويكون دقيق الملاحظة وشديد الانتباه.
  • يتمتع الباحث التربوي بقدرة عالية على الإبداع والابتكار واكتشاف طرائق وأساليب جديدة لتطوير العملية التربوية.
  • يجب أن يكون الباحث الناجح ذا قدرة عالية على التركيز في بحثه، فلا يسمح لأي شيء خارجي أو ظرف شخصي بالتأثير في نتائج بحثه وإبعاده عن تحقيق أهدافه من البحث.
  • يتمتع الباحث التربوي الناجح بقدرة عالية على التواصل؛ وذلك لأنَّ معظم البحوث تحتاج إلى مقابلة الكثير من الناس من مديري مدارس إلى معلمين أو غيرهم من الاختصاصيين ممن تحتاج خبرتهم أو معارفهم إلى جمع البيانات التي تلزمه لإتمام بحثه بنجاح.
  • الإصرار؛ فلا يسمح للمعوقات أو التحديات التي يمكن أن يواجهها خلال بحثه بأن تجعله يتراجع عن البحث ويتخلى عن أهدافه.
  • يجب على الباحث التربوي الناجح أن يستعد للقيام بكل ما يحتاج إليه البحث؛ لأنَّ النجاح يستحق التعب والتضحية، فبعض البحوث مثلاً يحتاج الباحث فيها إلى السفر إلى مكان آخر حتى يقوم ببحثه.

خطوات البحث التربوي:

البحث التربوي مثل باقي البحوث له عدَّة خطوات قبل الوصول إلى النتائج المرجوة:

  1. تحديد المشكلة التي يحاول الباحث حلها.
  2. تحديد مكان وزمان القيام بالبحث، والأشخاص المعنيين فيه والذين يشكِّلون إطار البحث التربوي.
  3. مراجعة البحوث أو الإجراءات السابقة التي اتَّبعها الباحثون قبله لحل نفس المشكلة.
  4. تحديد الأسباب والعوامل التي أدَّت إلى هذه المشكلة بناءً على تحليل وتفسير البيانات التي جمَعها عن المشكلة من أجل الوصول إلى نتائج سليمة.
  5. تحديد ما الذي يريد الباحث التوصُّل إليه من هذا البحث بالضبط؛ من أجل معرفة أهداف الدراسة.
  6. تحديد منهجيَّة البحث التربوي التي ستُعتَمَد للقيام بهذا البحث؛ وتشمل المقابلات والاستبيانات.
  7. إنشاء تقرير مفصَّل للبحث يضمن كامل العملية البحثية، بالإضافة إلى نتائج البحث.
إقرأ أيضاً: أشهر 3 نظريات تعليمية في التصميم التعليمي

معوقات قد تواجه البحث التربوي:

  1. بعض البحوث التربوية قد تكون مُكلِفة نوعاً ما، فإن لم يتوفَّر التمويل لها، لا يُمكن أن تُنجز.
  2. قيام الباحثين بالبحث التربوي بغرض الحصول على الشهادة فقط دون الاهتمام الكافي بالمشكلة المدروسة.
  3. الإدارة المحليَّة العلمية ضعيفة نوعاً ما في البحوث التربوية.
  4. غياب التحديد الدقيق للمفاهيم وسياسات البحث التربوي.
  5. من الصعب إخضاع الأساليب التربوية للتجربة؛ وهذا يؤثر سلباً في البحث.
  6. وجود بُعد وفجوة بين نتائج البحث وبين الممارسات التربوية الميدانية؛ وهذا يؤدي إلى عدم فاعلية البحث في الأنظمة التربوية.
  7. عدم التأهيل الكافي للباحثين التربويين وقلة الكوادر البحثية.
  8. غياب التواصل بين المنتجين للبحوث والمستهلكين لها.
  9. لا توجد قاعدة بيانات تكفي للقيام بالبحث.

في الختام:

البحث التربوي هام جداً في العملية التربوية؛ فمن خلاله تتوسع حدود المعرفة وتُنتَج معارف جديدة تحل الاحتياجات الفكرية للطلاب والمدرسين، وتجيب عن كل الاستفسارات والأسئلة، وتفسِّر الظواهر التدريسية تفسيراً عملياً وواقعياً؛ وهذا بدوره يطوِّر النظم التربوية التعليمية.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة