الباكستانية ملالا يوسفزي أصغر حائزة على جائزة نوبل للسلام

قصّة النجاح هذه مختلفة عن أية قصّةٍ أخرى، إنّها قصّة "ملالا يوسفزي" الفتاة التي تحدّت الظروف المحيطة بها لتنتزع حقّها وحقّ نساء بلدها في التعليم، ثمَّ تُعرِّض حياتها للخطر وتنجو من الموت بأعجوبة عندما هاجمها مسلّحون من حركة طالبان، لتصبح بعدها أصغر حائزة على جائزة نوبل للسلام ومبعوثة أمميّة للسلام.



أوّلاً: من هي ملالا يوسفزي؟

ملالا يوسفزي

هي ناشِطَة باكستانية في مَجال تعليم الفتيات، اشتَهَرت بنشاطاتها التي تدافع عن حقوق الإنسان وبشكل خاص في مجال تعليم المرأة والمطالبة بحقوقها في التعليم وذلك في منطقة وادي سوات شمال غرب باكستان، حيثُ كانت تتعرَّض تلك المنطقة لمحاولات عديدة لحظر ذهاب الفتيات للمدارس من قِبَل حركة طالبان، وقد نالت حملات ملالا منذ ذلك الوقت دعم دولي كبير وأصبحت ملالا أصغر حاصلة على جائزة نوبل للسلام على الإطلاق.

ثانياً: نشأة ملالا يوسفزي

وُلدت ملالا يوسفزي يوم 12 تموز من عام 1997م في مَدِينَة مينجورا في منطقة وادي سوات ضِمنَ مُقاطعة خيبر بختونخوا شمال غرب باكستان، وهي من قبائل البشتون. وترعرعت ملالا في بيتها هناك في مينجورا مع أخويها الصغيرين، ووالِديها ضياء الدين وتور بيكاي.

كان والد ملالا ضياء الدين يوسفزي، ناشط سياسي وتربوي وشاعر، وكان عائلة يوسفزي تمتلك عدداً من المدارس الخاصة تُديرها في المنطقة المعروفة باسم مدرسة خوشحال العَامَّة.

ثالثاً: بداية نشاطات ملالا يوسفزي

في عام 2008م بدأت ملالا بالتحدُّث عن حقوق الفتيات في التّعليم، وذلك عندما قام والدها بإلقاء خطاب في نادي الصِّحافة المحليّة في بيشاور بعنوان "كيف تجرؤ طالبان على انتزاع حقّي الأساسي في التعليم؟" والذي تمَّ تغطيته من قِبَل الصُحف والقنوات التلفزيونيّة التي انتشرت في جميع أنحاء المنطقة.

وفي الحادية عشر من عمرها في أواخر عام 2008م قامت ملالا بالعمل كمدوّنة لقناة ال "بي بي سي" ولكن تحت اسمٍ مُستعار حتّى لا يطالها أو يطال أسرتها أيّ أذى من حركة طالبان، ونشرت ملالا أوّل تدوينة في 3 يناير 2009 وعبرّت من خلاله عن مخاوفها من تدمير مدرستها، وعن الغياب الكبير للفتيات بالمدرسة، وإغلاق مدرستها بعد أن قامت حركة "طالبان" بمنع الفتيات من الذهاب إليها.

وفي 15 يناير من عام 2009م قامت حركة طالبان بإصدار فتوى تَحظر فيها على الفتيات الالتحاق بالمدارس. وقام التَّنظيم بإغلاق أكثر من 100 مدرسة للفتيات تطبيقاً لذلك.  وبعد خمسة أيام من إِطلاق ملالا لتدوينتها الأولى، كتبت ملالا أنّها كانت ماتزال تستعد لامتحاناتها، لكنّ هذا لن يكون مُمكناً إلّا إذا سمحت طالبان للبنات بالذهاب للمدارس. وفي فبراير 2009 بقيت مدارس البنات مُغلقة وتضامناً معها قرّرت مدارس الذكور الخاصة إغلاق أبوابها حتّى 9 فبراير. وبعد إعادة فتح مدارس الذكور، رفعت طالبان القيد عن التعليم الابتدائي للفتيات تحت سن ال 10 سنوات، أمّا بقية مدارس الفتيات فبقيت مُغلقة. فكتبت ملالا أنّ 70 طالبة قد حضرت للمدرسة فقط من أصل 700 طالبة.

في 18 فبراير تحدَّثت ملالا عن طالبان في البرنامج الحواري "كابيتال تاك" على قناة جيو نيوز، وانتقدت أفعالهم. بعد ثلاثة أيّام أعلن زعيم طالبان أنّه قد تمَّ رفع الحظر المفروض على تعليم الإناث، وسيتم السماح للفتيات بالذهاب للمدارس حتّى موعد الامتحانات في 17 مارس.

وقد قامت النيويورك تايمز بتصوير فيلم وثائقي عن ملالا، عندها تمّ الكشف أن ملالا تعمل لدى الـ "بي بي سي" في ديسمبر 2009م، وبعد نَشر الفِيلم الوَثائِقيّ قامت ملالا بإِجراء العَديد مِن المُقابلات التلفزيونية، وقامت بإجراء مقابلة ثانية في برنامج كابيتال تاك على قناة جيو نيوز في 19 أغسطس 2009م، ثم بدأت ملالا تظهر بشكل علني على التلفزيون للدفاع عن حقوق الفتيات بالتعليم.

في أكتوبر 2011 تم ترشيح ملالا لجائزة السلام الدولي للأطفال من قبل الناشط الجنوب أفريقي ديزموند توتو المقدَّمة من مؤسّسة حقوق الأطفال الدوليّة الهولندية. كانت ملالا أوّل فتاة باكستانية تحظى بشرف الترشح لهذه الجائزة. حيثُ قال في نص الترشيح عنها: "تجرأت ملالا للوقوف من أجلها ومن أجل الفتيات واستخدمت وسائل الإعلام الوطنية والدولية ليعرف العالم أنّ للفتيات أيضًا الحق في الذهاب للمدرسة". 

في عام 2011م حصلت ملالا على جائزة الشباب الوطنية للسلام في بلدها باكستان التي منحها لها رئيس الوزراء الباكستاني يوسف جيلاني ومنذ ذلك الحين ذاع صيتها أكثر، وصرّحت خلال تسلمها الجائزة أنّها ليست عضواً في أي حزب سياسي، وأنّها تأمل في تأسيس حزب وطني يهتم بالتعليم، وقد تمَّ تسمية إحدى المدارس الثانوية على اسمها تكريماً لها.

وفي عام 2012 كانت ملالا تُخطِّط لإنشاء مؤسّسة ملالا للتعليم، والتي تسعى لتساعد الفتيات الفقيرات للذهاب للمدرسة.

إقرأ أيضاً: النجاح وأهميته في حياة المرأة، وقصص نجاح شخصيات نسائية

رابعاً: محاولة اغتيال ملالا يوسفزي

بعد ازدياد شهرة ملالا، ازداد الخطر على حياتها، وبدأت تصلها تهديدات بالقتل وعلى الرغم من كل ذلك إلّا أنّها واصلت الدفاع عن حقّها وحق الفتيات الباكستانيات في التعليم.

في 9 أكتوبر من عام 2012م قام مسلَّح تابع لحركة طالبان بإطلاق النَّار على ملالا وهي عائدة للبيت في حافلة المدرسة بعد تقديمها لأحد الامتحانات. حيث قام بإطلاق ثلاث رصاصات أصابت إحداها طرف رأسها وخرجت لكتفها وأصابت الطلقتان الأخريان صديقاتها، ممّا أدّى إلى إصابتها بإصابة خطيرة في رأسها وتمّ نقلها إلى "بريطانيا" لتلقّي العلاج الكامل حيث أُدخِلَت مستشفى الملكة اليزابيث، وهو واحد من المستشفيات المتخصِّصة بعلاج العسكريين الجرحى في النزاعات.

أفاقت ملالا من الغيبوبة بعد أسبوع من الحادثة، وكانت تستجيب للعلاج بشكل جيِّد، وكانت تتواصل مع من حولها من خلال الكتابة على الأوراق لعدم قدرتها على الكلام. ثُمَّ استقرت حالتها الصحّية واستعادت صوتها، ثمَّ غادرت ملالا المستشفى في 3 يناير 2013م، وقد لاقت قصتها اهتماماً كبيراً على مستوى العالم أجمع.

خامساً: بداية شهرة ملالا يوسفزي ونجاحاتها

ملالا يوسفزي

بعد محاولة اغتيال ملالا يوسفزي تحوّلت إلى رمز للنضال من أجل تعليم الفتيات، وازدادت شهرتها في العالم حيث نالت القضيَّة تعاطفاً واستياءً عالميَّان، وقد دُعِيَت في عام 2013م إلى البيت الأبيض وقصر باكنغهام في بريطانيا، كما ألقت كلمة في الأمم المتحدة في 12 يوليو 2013 تحدَّثت فيها عن حق الفتيات في التّعليم، وأصبحت النجمة المُفضّلة لبرامج التلفزيون الأوروبية والأميركية.

نُظِّمت احتجاجات ضدَّ الحادثة في عدد من المدن الباكستانية بعد يوم من الحادثة، ووقَّع أكثر من 2 مليون شخص على عريضة للمطالبة بحق التّعليم للأطفال، الأمر الذي أدّى للمصادقة على أوّل قانون لحقوق التّعليم في باكستان. وقد تبرّعت الممثلة العالمية أنجلينا جولي لمؤسسة ملالا بمبلغ 200,000 $ لصالح تعليم الفتيات.

وزار المبعوث الخاص للتعليم العالمي في الأمم المتحدة ورئيس وزراء المملكة المتحدة السابق "جوردون براون" ملالا بالمستشفى وأطلق عريضة باسمِها باستخدام شعار (أنا ملالا) من أجل دعمها، وكان الهدف الرئيسي من العريضة ألّا يكون هُناك أيّ طفل خارج المدرسة بحلول عام 2015، مع آمال لذهاب جميع الفتيات من أمثال ملالا في كل مكان بالعالم إلى المدارس. وقال براون أنّه سيُسلِّم العريضة للرئيس "زرداي" في اسلام أباد.

وكانت العريضة تحتوي على ثلاث مطالب:

  • دعوة باكستان للموافقة على خُطّة لتوفير التّعليم لكل طفل.
  • دعوة جميع الدول إلى حظر التمييز ضدّ الفتيات.
  • دعوة المنظّمات الدوليّة لضمان توفير التّعليم لـ 61 مليون طفل حول العالم بحلول نهاية 2015.

تحدَّثت ملالا يوسفزي أمام اجتماع الأمم المتحدة في يوليو 2013، والتقت الملكة "إليزابيث الثانية" في قصر باكنغهام، ثمّ تحدَّثت في جامعة هارفارد، وقد قابلت رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما وعائلته.

وفي ديسمبر ألقت خطاباً في اتحاد أكسفورد، وفي يوليو 2014 تحدَّثت في قمة الفتاة في لندن، ودعت لحقوق الفتيات فيها، وقد قامت بالتَّبرُّع بمبلغ 50,000 $ من خلال وكالة الغوث الدولية (الأونروا) للمساعدة في إعادة بناء 65 مدرسة في غزة.

في عيد ميلاد ملالا الـ 16 في 12 يوليو 2013 دعت الأُمم المتحدة لدعم التّعليم في جميع أنحاء العالم وأطلقت على هذا اليوم اسم "يوم ملالا" وتولَّت ملالا قيادة الشباب في الأُمم المتحدة، وقد كان أوّل خطاب لملالا بعد الحادث وذلك بحضور الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، خلال اجتماع "الجمعيَّة العامَّة للأمم المتحدة للشباب"، بدعم من مبادرة الأمين العام الأولى للتعليم العالمي.

في عيد ملالا الـ 18 من عام 2015م، افتتحت ملالا مدرسة في منطقة سهل البقاع في لبنان للاجئين السوريين. برعاية مؤسّستها الغير ربحية. وتقدّم المدرسة التعليم والتدريب لأكثر من 200 فتاة من سن 14 إلى 18 سنة.

سادساً: إنجازات ملالا يوسفزي (الجوائز والأوسمة)

إنجازات ملالا يوسفزي

تلقّت ملالا العديد من الجوائز التكريمية نذكر منها:

  • تلقّت ملالا يوسفزي في عام 2014م جائزة نوبل للسلام لكفاحها من أجل تعليم الفتيات وحقوق الطفل، وذلك برفقة الهندي كايلاش ستيارثي، وكانت وقتها أصغر حائزة على جائزة نوبل العالمية.
  • نالت ملالا جائزة السلام الدوليّة للأطفال لعام 2013 التي تمنحها مؤسسة "كيدز رايتس الهولندية"، وجائزة آنا بوليتكوفسكايا التي تمنحها منظمة "راو إن ور" البريطانية غير الحكومية.
  • أُطلِقَ أسم ملالا يوسفزي على كويكب جديد يقع بين كوكبي المريخ والمشتري من قِبَل وكالة الفضاء الدولية (ناسا) في عام 2015م.
  • في عام 2015م صدر فيلم وثائقي عن ملالا يوسفزي تحت عنوان "أسماني ملالا" ليروي قصة الناشطة الباكستانية للمُخرج ديفيس غوغنهايم، والفيلم ناطق باللغة الإنجليزية وتمّت ترجمته لعدّة لغات منها العربية والفرنسية.
  • عيّنت ملالا سفيرة أُمميّة للسلام في عام 2017م، وذلك من قِبَل الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش"، تشجيعاً لتعليم الفتيات، لتكون أصغر رسول سلام للأمم المتحدة. ويُعد ذلك المنصب هو أعلى مرتبة شرفيّة تمنحها الأمم المتحدة، وتكون صلاحيتها لمدّة عامان.
  • اختيرت ملالا في الأَعوام (2013، 2014، 2015) من ضمن قائمة أكثر 100 شخص مؤثرين في العالم وظهرت على غلاف مجلة "Time".
  • في عام 2011م حصلت ملالا على جائزة الشباب الوطنية للسلام في باكستان، كما حازت على جائزة سخاروف لحريّة الفكر سنة 2013.
  • في عام 2013 حصلت ملالا على الجائزة الدوليّة للمساواة وعدم التمييز من قِبَل الحكومة المكسيكية، وفي ذات العام اختيرت كسيدة العام من قبل مجلة "غلامور"
  • في أكتوبر من عام 2014 نالت ملالا "وسام الحريّة فيلادلفياالأمريكي تكريماً لسعيها لتحقيق الحرية وذلك من قِبَل متحف مركز الدستور الوطني الأمريكي في الولايات المتحدة الامريكية.
  • في عام 2014م رُشِّحَت ملالا لجائزة الطفل العالمي بالسويد، وفي أكتوبر من نفس العام حصلت على الجنسية الكندية الفخرية من الحكومة الكندية وبذلك تكون سادس شخص يحصل على تلك المرتبة الشرفية والأصغر بينهم.
  • أصبحت ملالا مطلوبة دُوليّاً للتحدُّث، وتحصل على 152 ألف دولار عن الحديث الواحد متجاوزة «ديزموند توتو» الذي يحصل على 85 ألف دولار، وفقاً لبيانات معهد الدراسات السياسية في أمريكا.
إقرأ أيضاً: 6 فوائد تجنيها المرأة من مطالعة الكتب

سابعاً: أشهر أقوال "ملالا يوسفزي"

  • "لن يوقفوني.. سأحصل على تعليمي سواء كان ذلك في المنزل، المدرسة أو أي مكان".
  • "طفل واحد، معلّمة واحدة، وكتاب واحد، وقلم واحد، يمكنكم تغيير العالم".
  • "لا تأتي التقاليد من السماء، ولا يرسلها الله، نحن من يصنع الثقافات ولنا الحق في تغييرها، ونحن يجب أن نغيرها".
  • "نحن ندرك أهميّة الصوت عندما نصمت".

ويُذكَر أنّ ملالا قد قامت بإصدار كتاب جديد باسم (أنا ملالا) الذي وصلت نسخته الإنجليزية إلى قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في صحيفة "نيويورك تايمز"، فقد بيع من كتابها (287170) نسخة في بريطانيا بلغت قيمتها نحو ثلاثة ملايين دولار، وأكثر من 1.8 مليون نسخة على مستوى العالم. يتحدَّث الكتاب عن قصّة ملالا وبلدها باكستان وكفاحها لانتزاع حق الفتيات في التعليم، وتحدِّي الجهل والتخلف.

المصادر:




مقالات مرتبطة