الاقتصاد الموجه: مفهومه ومزاياه وعيوبه

سعى البشر منذ وجودهم إلى الكفاح من أجل البقاء، وبناء الأرض التي استخلفهم الله فيها، ولتحقيق أهدافهم، استعانوا بكل ما وجدوه من موارد وأدوات.



تطوَّرت حياة البشر في كل المجالات على مرِّ العصور، ومن أبرز أشكال هذا التطور كانت النهضة الصناعية والتجارية، وأيضاً، على مستوى التنظيم الإداري للمشاريع، فقد وضِعت سياسات واستراتيجيات ونظريات اقتصادية عدة، غير أنَّها كانت بمجملها مجرد آراء وأفكار متفرقة في كتب عدة.

ولكن في العصر الحديث، وبعد توالي الثورات الصناعية والفكرية، قام العلماء بصياغة هذه الأفكار في إطار منظَّم، لتشكيل ما يُدعى بالأنظمة الاقتصادية، وهي عديدة ومتنوعة؛ حيث إنَّنا سبق وتحدثنا عن أهم أنواعها في مقال سابق، لكن في مقالنا هذا، سنخصُّ بالذكر النظام الاقتصادي المُوجَّه، ولمزيد من التوضيح سنتناول الآتي:

  1. مفهوم الاقتصاد المُوجَّه.
  2. مزايا الاقتصاد المُوجَّه.
  3. عيوب الاقتصاد المُوجَّه.

مفهوم الاقتصاد المُوجَّه:

يُطلق عليه أيضاً اسم الاقتصاد المخطط، وهو نظام اقتصادي تكون فيه الحكومة هي المسيطرة على النواحي الرئيسة للاقتصاد، وهي التي تقرر وتحدد ما يجب على القطاعات الإنتاجية إنتاجه، سواءً من حيث الأساليب الإنتاجية، أم الكميات، أم الأسعار، أم آليات التوزيع، وبذلك تتحكم بحجم الإيرادات والاستثمارات الموجودة في الدولة.

حيث تقوم الحكومة باستخدام جميع عناصر الإنتاج، بما فيها المُلكيات الخاصة والأرض ورأس المال والعمل، فتكون إمَّا محظورة، وإمَّا ذات نطاق ضيق في الاستخدام، من أجل التحكم بالخطط الاقتصادية المركزية ودعمها، وتضييق وحظر المنافسة، وذلك لأنَّ الحكومة هي من تمتلك جميع الأعمال.

ويقوم المسؤولون الحكوميون بتحديد الأولويات الاقتصادية القومية، مثل أن تحديد موعد وآلية دعم النمو الاقتصادي، أو تحديد أساليب تخصيص عوائد عوامل الإنتاج ومن ثم توزيعها، وفي أغلب الأحيان، تُوضع خطط تمتد لسنوات عدة، شاملة كامل القطاعات الاقتصادية.

أي أنَّ الحكومات تقوم بإدارة جميع الأعمال الواقعة تحت سلطتها إدارةً احتكاريةً، عن طريق التحكم بالوحدات الاقتصادية ذات الدور البارز في عملية تحقيق أهداف الاقتصاد القومي، وهكذا، تقضي الحكومة على المنافسة المحلية، سواءً في المؤسسات المالية أم الشركات الخدمية أم قطاع التصنيع، وتحيِّد أي تأثير من قوى السوق الحرة.

من الجدير بالذكر، أنَّ السوق في هذا النظام الاقتصادي، لا يعتمد على قوانين العرض والطلب، ومن ثمَّ يبتعد عن كل ما يتعلق بالنظام الاقتصادي التقليدي.

ويرتبط هذا النوع من الأنظمة الاقتصادية بالنظام السياسي للشيوعية، وتُعدُّ من أبرز ملامحه؛ حيث إنَّ "كارل ماركس" كان قد قام بالدفاع عن "الملكية المشتركة لوسائل الإنتاج" في بيانه الشيوعي.

ومن الدول التي تبنَّت هذا النظام الاقتصادي، كوبا، وكوريا الشمالية، والاتحاد السوفييتي سابقاً، فضلاً عن الصين التي تبنَّته عدة عقود قبل أن تتحول إلى النظام الاقتصادي المختلط.

لكن مؤخراً، وعلى الصعيد العالمي، ذهبت أغلب الاقتصاديات المخططة مركزياً إلى إضافة أمور تقرِّبها من اقتصاد السوق، ومن ثمَّ تصبح أقرب ما يكون إلى النظام الاقتصادي المختلط، والذي عن طريقه يمكن تحقيق الأهداف الاقتصادية بشكل أفضل.

إقرأ أيضاً: التضخم الاقتصادي: مفهومه، وأسبابه، وآثاره، وطرق مكافحته

مزايا الاقتصاد المُوجَّه:

هناك العديد من المزايا التي تبرز أهمية النظام الاقتصادي المُوجَّه؛ أهمها هي:

  1. تمكين الحكومة من مواجهة فشل السوق وحالة عدم المساواة، وبدلاً عن ذلك تستطيع خلق مجتمع يتمتع بالرفاهية عوضاً عن تعظيم الأرباح.
  2. منع إساءة استخدام القوى الاحتكارية.
  3. مواجهة البطالة المتفشية في الاقتصاديات الرأسمالية، والعمل على توفير الوظائف لجميع المواطنين، كونها المسيطر على جميع الأعمال التجارية.
  4. رفع القدرة على إنتاج سلع ذات نفع للمجتمع، وتلبِّي الحاجات الأساسية للجميع، مثل الرعاية الصحية والإسكان والتعليم، والتي يتم توفيرها عادةً مقابل رسوم قليلة أو من دون تكلفة.
  5. تمكين الصناعات من إكمال المشاريع الضخمة من دون أي تأخير ناجم عن أمور سياسية وقضائية؛ وذلك لأنَّها تحت سيطرة الحكومة.
  6. تسخير الأراضي والأيدي العاملة ورأس المال في خدمة أهداف الدولة الاقتصادية.
  7. تمكين الحكومة من كبح الطلب الاستهلاكي لمصلحة زيادة الاستثمار الرأسمالي، من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية على النحو المرغوب.
  8. زيادة قدرة الدولة على القيام بإنشاء صناعات ثقيلة، وإن كانت تمرُّ بوضع اقتصادي متخلف، وذلك من دون انتظار سنوات طويلة حتى يتراكم رأس المال؛حيث يتم ذلك باللجوء إلى التوسع في الصناعة الخفيفة من دون الاعتماد على التمويل الخارجي.

بالإضافة إلى ذلك، توجد مزايا أخرى كثيرة يتمتع بها الاقتصاد المُوجَّه، لما له من أهمية بالغة في تنظيم الحياة الاقتصادية للدول التي يُطبَّق فيها.

عيوب الاقتصاد المُوجَّه:

على الرغم من وجود مزايا عدة للاقتصاد المُوجَّه، إلا أنَّ هناك أيضاً بعض العيوب التي يتصف بها، ومن هذه العيوب نذكر:

  1. عدم قدرة الحكومات على الوصول إلى جميع المعلومات حول ما يجب إنتاجه، ومن ثمَّ اتخاذ القرارات من قِبل أشخاص غير مطلعين على ما يجب معرفته.
  2. عدم قدرة الحكومات على الاستجابة لجميع تفضيلات وأذواق المستهلكين، ممَّا يؤدي إلى غياب العدالة في توزيع الموارد.
  3. وجود نوع من الحماية غير الفعَّالة وغير المستمرة للشركات، ممَّا يؤدي إلى صعوبة انتقال الموارد.
  4. وجود التهديد المباشر للديمقراطية والحرية، بسبب قوة الحكومات المطلقة، ومن ثمَّ محدودية حقوق الأفراد، فتسيطر الحكومات على حياة الناس.
  5. وجود البيروقراطية في عملية اتخاذ القرار.
  6. وجود حالة دائمة من الانخفاض أو الارتفاع في الأسعار؛ وذلك بسبب عدم فعَّالية الضوابط التي تضعها الحكومة.
  7. عدم دعم الابتكارات الصناعية والحلول الجديدة، بسبب الافتقار إلى منافسة السوق الحرة.
  8. تشجيع نشوء الأسواق السوداء، التي تقوم بالإنتاج والبيع خارج الضوابط القانونية.
  9. عدم الكفاءة في الإنتاج؛ وذلك أيضاً بسبب الافتقار إلى منافسة السوق الحرة.
  10. هروب رأس المال إلى الخارج؛ وذلك بسبب التحكم بالموارد من قِبل أصحاب السلطة،استجابةً للمصلحة السياسية.
  11. بطء وتأخُّر أو توقف عملية التنمية، بسبب عدم وجود الدعم الكافي، والصيانة المستمرة، وكذلك الاستثمار المطلوب لإبقاء هذا المؤسسات على قيد الاستخدام والتطوير والتنمية.
  12. انعدام الاستقرار الاقتصادي، بسبب التقلبات الكبيرة في الناتج المحلي، مقارنة باقتصاديات السوق.
إقرأ أيضاً: أهمية الذهب في الاقتصاد

ختاماً، نجد أنَّه قد يسود اعتقادٌ حول الدول والحكومات التي تتبنَّى النظام الاقتصادي المُوجَّه؛ أي المخطط مركزياً، بأنَّ لدى اقتصادها القدرة على اتخاذ إجراءات تتصف بالتنظيم والحزم؛ وذلك لمواجهة أي حالة من حالات الطوارئ أو الأزمات أو الكوارث أو الحروب، التي تكون على المستوى القومي؛ وذلك بسبب إحكام سيطرتها على جميع مفاصل الحياة الاقتصادية، التي تمثل شرايين الحياة والنجاة لأفراد مجتمعاتها.

لكن من جهة أخرى، يُعتقد بأنَّ المجتمعات والدول التي يقوم نظامها الاقتصادي على السوق؛ أي النظام الاقتصادي الحر، لا تزال قادرة على تخفيض حقوق الملكية مقابل زيادة سلطة الطوارئ لحكوماتها المركزية، إذا ما برزت أحداث طارئة على المستوى القومي، على أن يكون ذلك مؤقتاً.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7




مقالات مرتبطة