الاقتصاد التشاركي: مفهومه وميزاته وعيوبه

الاقتصاد التشاركي هو النظام الاقتصادي الذي يتقاسم فيه الأفراد الخدمات والأصول، وغالباً ما يُتَّبع في الحالات التي يكون فيها الأصل باهظ الثمن أو يعمل بأقل من إمكانيته الحقيقية أو يكون غير مستثمر أصلاً، وتستثمر هذه الأصول مقابل رسوم أو بشكل مجاني، وعن طريق استخدام شبكة الإنترنت عادة، ويُوصف هذا النموذج بأنَّه شبكة نظير إلى نظير.



ما هو الاقتصاد التشاركي؟

يُشير مصطلح الاقتصاد التشاركي -اقتصاد تشاركي- إلى إتاحة المشاركة في استخدام الموارد على أنواعها؛ من موارد مالية أو بشرية أو أصول مشتركة، واستبدلَ هذا الاقتصاد وجود التبادل النقدي بأشكال أكثر تنوعاً من عمليات تبادل القيمة، فهذا يعني أنَّه اقتصاد مختلط يشتمل على النواحي الآتية:

التبادل، الشراء الجماعي، الملكية المشتركة، التعاونيات، القيمة المشتركة، المقايضة، الإنشاء المشترك، الإيجار، الاقتراض، تداول السلع المستخدمة، إعادة التدوير، الإقراض، الند للند، الإقراض من نظير إلى نظير، التمويل الصغير، المؤسسات الاجتماعية، التمويل الجماعي، ريادة الأعمال الصغيرة، ويكي، الاقتصاد الجماعي، اقتصاد الدفع حسب الاستخدام، الاقتصاد عند الطلب، الاقتصاد الدائري، اقتصاد العمل المؤقت، إعادة التوزيع، الاقتصاد التعاوني، الإنشاء المشترك، والاشتراك على أساس النموذج.

بتوضيحٍ أكثر لمفهوم الاقتصاد التشاركي يمكن القول إنَّه نموذج اجتماعي واقتصادي قائم على مشاركة الأصول والموارد المادية والبشرية بين الأفراد المؤسسات الخاصة والعامة.

تقدِّم المؤسسات أو الأفراد أصحاب الأصول القابلة للتشارك بشكل دائم أو مؤقت خدمات مأجورة؛ وذلك استناداً إلى مبدأ مشاركة الأصول كخدمات تجارية تهدف إلى ترشيد الاستهلاك أو توفير المال أو تشجيع الناس على التواصل أو الحد من التلوث.

أمثلة على الاقتصاد التشاركي:

لعلَّ أشهر الأعمال القائمة على مبدأ الاقتصاد التشاركي هي:

1. أولر (UBER) وليفت (LYFT):

اللتان تقدمان خدمة مشاركة النقل؛ إذ تعتمدان على أصحاب سيارات عاديين قرروا مشاركتها مع الآخرين وتوصيلهم بشكل مأجور من مكان إلى آخر.

2. إير بي إن بي (AirBNB):

التي تتيح خدمة تشارك السكن عن طريق تأجير الغرف والشقق أو تبادلها أو مشاركتها في معظم أنحاء العالم.

3. هيب كامل (Hipcamp):

وهي خدمة للسفر عبر الإنترنت؛ وتتيح للأشخاص الراغبين فرصة اكتشاف تجارب جديدة في التخييم، وحجز مناطقهم المفضلة في المزارع والمحميات الطبيعية والأماكن العامة، ويربط التطبيق بين الراغبين في خوض مثل هذه التجارب مع مالكي الأراضي الذين لا يمانعون من مشاركة أراضيهم غير المستثمرة مع المعسكرات المسؤولة عن تنظيم هذه الرحلات، والتي تتمتع بهذا النمط من العقلية البيئية.

4. كوهايلو (Cohealo):

التي تختص بمساعدة الأنظمة الصحية على إتاحة المعدات الطبية الخاصة بها للمشاركة عبر المرافق؛ وذلك من أجل تسريع التدفق النقدي وتطوير الإنفاق وتحسين الحصول على الرعاية، وتقدِّم خدمات تجمع بين التحليل والدعم اللوجستي، وبين كونها منصة تقنية لتوفير المعدات الطبية عند الحاجة إليها.

شاهد: مصادر الدخل السلبي في الحياة الواقعية

أهمية الاقتصاد التشاركي وميزاته:

ما هي أهمية أهمية الاقتصاد التشاركي؟ وما هي مزايا وعيوب الاقتصاد التشاركي؟ يقدم هذا النوع من الاقتصاد العديد من المزايا لأصحاب الأصول أو للمستفيدين منها، وفيما يأتي أهم ميزات الاقتصاد التشاركي:

1. خدمات وسلع بأسعار أرخص:

إنَّ مبدأ المشاركة الذي يقوم على أساسه نموذج الاقتصاد التشاركي يُعَدُّ من أهم ميزات الاقتصاد التشاركي، فهو يقدِّم خدمة مشاركة المهارات إضافة إلى السلع والخدمات بشكل يقلل من تكاليفها بطريقة ملحوظة، عدا عن توفيره الوقت اللازم للحصول عليها في الكثير من الأحيان.

تبدو هذه المعادلة منطقية جداً وخاصة في حالات السفر المؤقت أو الحاجة إلى الغرض مرة واحدة، وفي هذه الحالات تكون فكرة استئجار المادة من أحد مالكيها مقابل مبلغ محدد أفضل بكثير وأجدى اقتصادياً من شرائها بمبلغ باهظ، وينطبق التحليل ذاته على التنظيف السنوي للمنزل أو الانتقال من مكان إلى آخر في مدينة مكتظَّة سكانياً.

توفِّر هذه الميزة الوقت والجهد اللازمين لأداء المهمات التي تستغرق منهما حيزاً كبيراً، مثل حالات التأمين الخاص بالسيارات والتأمين الصحي والموارد البشرية والصيانة؛ لأنَّ المستفيد يحتاج إليها فقط عند الضرورة أو لفترة مؤقتة، ويرفض الاقتصاد التشاركي من حيث المبدأ الاستعانة بوسيط مهما كانت صفته.

2. تحقيق الدخل لأصحاب الخدمة:

من ميزات الاقتصاد التشاركي أنَّه يعود بالفائدة على مقدمي الخدمة، فالشخص الذي يمتلك سيارة مثلاً ويركنها فترة طويلة في الكراج الخاص بها؛ يمكنه عن طريق نموذج الاقتصاد التشاركي إتاحتها لخدمة المحتاجين إلى توصيلة مقابل أجر محدد؛ مما يساهم في تحقيق فائدة مادية له.

ينطبق الأمر كذلك على أصحاب البيوت والشقق التي يفتحونها لاستقبال الزوار الذين يكونون في أغلبهم من خارج البلد؛ مما يعود عليهم بفائدة مادية مقابل مشاركتهم السكن.

إنَّ هذا الاقتصاد الذي يتيح تأجير البيوت أو الممتلكات مقابل أجر مالي يعود على صاحب هذه الأصول بدخل سلبي يكسبه دون أن يبذل جهداً معيناً لقاء الحصول عليه، وبهذا يكسب الطرفان المستثمران لهذا النموذج الاقتصادي؛ إذ يحصل الأول على الخدمة بوقت وثمن مناسبين، ويحصل الثاني على عائد مالي جيد.

3. آفاق وفرص جديدة:

يفتح آفاقاً جديدة ويوسِّع مدى الفرص التي يمكن الحصول عليها، فبعض الخدمات تكون صعبة المنال بالنسبة إلى الأفراد العاديين؛ منها امتلاك سيارة أو استصدار قرض شخصي من البنوك التقليدية، فيتيح الاقتصاد التشاركي لهم ميزة الوصول إلى هذه الأشياء التي قد لا يكون امتلاكها عملياً وسهلاً عن طريق شبكات الأقران بتكاليف بسيطة ومخاطرة أقل.

شاهد أيضاً: أكبر 5 تحديات في الاقتصاد العالمي الجديد وطرق مواجهتها

مساوئ الاقتصاد التشاركي:

إنَّ مساوئ الاقتصاد التشاركي للأسف موجودة بالفعل على الرغم من الميزات الكثيرة والعديدة التي يقدمها، ولعلَّ أبرز هذه المساوئ ما يأتي:

1. انتهاك محتمل لخصوصية الأفراد وتهديد لأمانهم:

إنَّ المشاركة التي ينطوي على أساسها قد تحتِّم على جانبي الصفقة تنازلاً عن بعض الخصوصية، فقد يكون تأجير المنزل للغرباء ينطوي على مخاطر عديدة؛ منها اطِّلاع هؤلاء الضيوف على مقتنيات المنزل ومداخله ومخارجه؛ مما يشكل تهديداً لخصوصية مالك المنزل الأساسي، ولا يمكن إغفال الثقة التي يجب منحها للمستأجرين؛ إذ يسلمهم المالك مفاتيح ممتلكاته ليتصرفوا بها بمفردهم؛ مما يعرِّض هذه الممتلكات لاحتمالات العبث وسوء الاستخدام.

ينطبق الأمر عينه على السيارات التي تُوضَع تحت الطلب من قِبل أشخاص مجهولين على الإنترنت، والذين يمتلكون الحرية الكاملة في إحداث الأذى لها، ولا تقل الاستعانة بمساعدين لتنظيف المنزل السنوي خطراً عما سبق؛ فهي في جوهرها أيضاً تنطوي على إقحام شخصٍ غريب إلى منزلك والاطِّلاع على أثاثك ومقتنياتك؛ الأمر الذي يعزز أهمية أن تكون هذه الخدمات من إيجار للمنازل والسيارات وخدمات التنظيف الملتزمة بلوائح حماية المستهلك ملتزمة بلوائح أو تعاقدات تضمن حق مقدِّم الخدمة في الاقتصاد التشاركي.

2. قلة الضمانات أو انعدامها أحياناً:

يضع مقدمي الخدمات في موقع تساورهم الشكوك فيه حول حصولهم على حقوقهم المالية، فرغم المبادرة التي نبعت عنهم ورغبتهم في المشاركة ومساعدة الآخرين تعود إليهم ممتلكاتهم التي شاركوها تالفة أو لا يحصلون على العائد المالي المُتَّفق عليه من قِبل المستفيد من الخدمة.

على سبيل المثال، بعض المواقع التي تتيح تقديم الخدمات لا يستطيع مقدم الخدمة الحصول على حقه المادي إذا لم يكن العميل راضياً تمام الرضى عن الخدمة؛ وهذا الأمر يُعَدُّ ظلماً لمقدمها وللجهد الذي بذله والذي قد يكون في بعض الأحيان غير مرضٍ لمزاج المشتري المتقلب.

كذلك الأمر في المنصات التي تتيح تأجير السيارات والمنازل، قد يعيث المستأجرون فساداً في ممتلكات غيرهم ويضطر أصحاب هذه الممتلكات إلى صرف نفقات باهظة قد تتجاوز مبلغ التأمين.

إقرأ أيضاً: مفهوم النمو الاقتصادي وإيجابياته وسلبياته

3. التعاون مع الآخرين:

على الرغم من القيمة الجوهرية لمبدأ التعاون وأثره البنَّاء في بناء المجتمع وتكاتفه، إلَّا أنَّه قد يكون من عيوب الاقتصاد التشاركي، ويكون عبؤه موزعاً على طرفي المعاملة، فالمقايضات التي يتيحها  تنطوي على تنازلات كثيرة، وحدٍّ من استقلالية الأطراف في اتخاذ قراراتها واعتمادها على ذاتها؛ إذ يجب عليها الموافقة على شروط الجهة الأخرى.

على سبيل المثال، في الحالات التي تُستَخدَم فيها مساحة عمل مشتركة، فإنَّ هذا الاستخدام ينطوي على موافقة ضمنية لمشاركة الموارد المكتبية، وعند استئجار منزل من مالكه سيتعيَّن على المستأجر الوجود في مكان يحتوي على مقتنيات شخص آخر والتي قد تحدَّه أو تعرقل حريته في كثير من الأحيان، والتي يمكن أن تجبره على اتِّخاذ قرارات قد لا يتخذها لو كان موجوداً في مكان آخر؛ لأنَّ هذه القرارات تكون امتثالاً إلى رغبة صاحب الملك.

4. إحداث تشوهات في السوق:

على الرغم من الفوائد الكثيرة وتنشيط الأسواق والحركة، إلَّا أنَّ عيوب الاقتصاد التشاركي قد تطال الأسواق أيضاً وتُحدث فيها تشوهات تخريبية، ولعلَّ أوفر الأسواق حظاً في التخريب والتشويه بفعل هذا النمط من الاقتصاد هي سوق الإسكان المحلية، وخاصة في المدن الكبيرة والمدن السياحية الشهيرة التي يقصدها الزوار من جميع أصقاع العالم، وتعتمد على السياحة كمورد هام في مدخولها.

إقرأ أيضاً: الاقتصاد الموجه: مفهومه ومزاياه وعيوبه

في الختام:

إنَّ الاقتصاد التشاركي الذي يرفض فكرة وجود وسيط هو نموذج اقتصادي قائم على فكرة مقايضة الخدمة بين صاحبها والمستفيد منها، وتتنوع الخدمات الممكن تقديمها في هذا الإطار لتشمل العقارات والسيارات والمهارات والمواهب، ويحصل المستفيد على الخدمة التي يحتاج إليها بسعر أوفر مما لو أراد امتلاكها بشكل شخصي، وينال صاحب الخدمة عائداً مادياً متفقاً عليه جزاء مشاركته لأصوله.

مرة أخرى يعود الفضل إلى الإنترنت في تسهيل هذه المبادلات والمقايضات التي تحمل في مضمونها الفائدة المادية والمعنوية للأطراف المستفيدة، ولكنَّ الأمر الذي لا يمكن إغفاله هو أهمية كون طرفا هذه المعاملات على استعداد تام للتخلي عن الخصوصية في بعض الأحيان، وغيرها من النقاط المتعلقة بعيوب اتِّباع هذا النموذج الاقتصادي.




مقالات مرتبطة