الاقتصاد الأخضر: ما هو؟ وما هي تجربة الإمارات الرائدة فيه؟

تشير الدراسات والإحصاءات إلى وصول كوكب الأرض إلى مستوى الخطر، وباتت حياة كل الكائنات الحية على هذا الكوكب مُهددة بالزوال، وبتنا نلاحظ إشارات الخطر متمثلة في التقلبات المناخية الشديدة، وانقراض الكائنات الحية، وتلوث الهواء، والجفاف، والتصحر، وقطع الأشجار، وارتفاع نسبة غاز ثنائي أوكسيد الكربون، والأدخنة المتصاعدة من السيارات والمحركات والمصانع والغازات الدفيئة، وارتفاع حرارة كوكب الأرض، وحدوث ظاهرة الاحتباس الحراري التي تؤدي إلى ذوبان الجبال الجليدية في القطبين، ومن ثمَّ ارتفاع منسوب مياه البحار وغرق الكثير من المدن الساحلية وتلف الأراضي الزراعية، وظاهرة تآكل طبقة الأوزون التي تحمي الكوكب من الإشعاعات الشمسية القاتلة.



بالإضافة إلى الزيادة الكبيرة في عدد سكان الأرض مع تضاؤل الموارد، وكل هذه الظواهر سببها سلوك البشر الخاطئ بحق الطبيعة وإهمالهم لها، واستخدام التكنولوجيا والمواد الكيميائية ومخلفات الصناعة؛ لذا أدى دق ناقوس الخطر إلى ظهور مصطلح "الاقتصاد الأخضر"، وهو ما بدأت تتبناه وتطبقه العديد من دول العالم لتحقيق الاستدامة للكوكب والبشرية.

أولاً: مفهوم الاقتصاد الأخضر (Green Economy)

هو مفهوم جديد من مفاهيم الاقتصاد الحديث يهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وتنظيم علاقة البشر بالطبيعة.

يُعرَف الاقتصاد الأخضر بأنَّه:

  • الاقتصاد القائم على تقليل نسبة التلوث وكميات الكربون المنبعثة وحماية التنوع البيولوجي.
  • النشاط الذي يُركِّز على تحسين الحياة وتحقيق الرفاهية بطريقة صديقة للبيئة، أو على الأقل لا يزيد من درجة تلوثها.
  • تعريف الاقتصاد الأخضر حسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة: "الاقتصاد الذي ينتج عنه تحسُّن في رفاهية الإنسان والمساواة الاجتماعية، مع التقليل بصورة ملحوظة من المخاطر البيئية وندرة الموارد الطبيعية".
  • وحسب الوثيقة الختامية لمؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة الذي عُقد في "ريو دي جانيرو- البرازيل" عام 2012: "إنَّ الاقتصاد الأخضر طريق هام إلى تحقيق التنمية المستدامة".

مبادئ الاقتصاد الأخضر:

تتمثل مبادئ الاقتصاد الأخضر حسب تقرير "المبادئ والأولويات والمسارات للاقتصادات الخضراء الشاملة" الذي أُطلق في منتدى الأمم المتحدة حول التنمية المستدامة عام 2019، بما يأتي:

  1. مبدأ الحوكمة الرشيدة.
  2. مبدأ حدود الكوكب.
  3. مبدأ الكفاءة والكفاية.
  4. مبدأ العدالة.
  5. مبدأ الرفاهية.

شاهد بالفيديو: أكبر 5 تحديات في الاقتصاد العالمي الجديد وطرق مواجهتها

ثانياً: عناصر الاقتصاد الأخضر

يتألف الاقتصاد الأخضر من ثلاثة عناصر وهي:

1. العناصر البيئية:

يهتم الاقتصاد الأخضر بتحقيق الاستخدام الأمثل للطاقة والموارد الطبيعية، وتقليل انبعاث غاز ثنائي أوكسيد الكربون، وحماية التنوع البيولوجي.

2. العناصر الاجتماعية:

يسعى الاقتصاد الأخضر إلى إيجاد فرص عمل لا تسبب تلوث البيئة وتحقق العدالة الاجتماعية وتقضي على الفقر وتُحسِّن مستوى المعيشة وتحقِّق الرفاهية وتوفِّر الخدمات الأساسية من صحة وتعليم.

3. العناصر الاقتصادية:

يعمل الاقتصاد الأخضر على الابتكار واستخدام التكنولوجيا الصديقة للبيئة وتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة.

ثالثاً: أهمية الاقتصاد الأخضر

تتمثل أهمية الاقتصاد الأخضر بما يأتي:

  1. تقليل تلوث البيئة وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري وجعل البيئة صحية أكثر للعيش.
  2. حماية الموارد الطبيعية ومصادر المياه والتنوع البيولوجي.
  3. تحقيق الأمن في مجال الطاقة والغذاء والماء.
  4. تحقيق التنمية المستدامة.
  5. تنفيذ المشاريع والصناعات الصديقة للبيئة.
  6. إنشاء فرص عمل للأفراد في قطاعات الاقتصاد الأخضر والقضاء على الفقر ودعم الحماية الاجتماعية وحقوق الإنسان.

رابعاً: قطاعات الاقتصاد الأخضر

تتمثل قطاعات الاقتصاد الأخضر بما يأتي:

1. الطاقة المتجددة:

وهي إنتاج الطاقة من مصادر متجددة وصديقة للبيئة، مثل إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح.

2. المباني الخضراء:

هي البناء بمواد صديقة للبيئة وإقامة الصناعات الخضراء.

3. النقل المستدام:

وهو الاهتمام بإنشاء وسائل نقل صديقة للبيئة، كالسيارات التي تعمل بالكهرباء جزئياً.

4. إدارة المياه:

وهي إعادة استخدام المياه ومعالجة المياه العادمة وتجميع مياه الأمطار والسيول.

5. إدارة الأراضي:

وهي التوسع في الزراعة العضوية والاهتمام بإعادة التحريج والمراعي الطبيعية.

6. إدارة النفايات:

وهي إعادة تدوير المخلفات ومعالجة السامة منها والملوِّثة للبيئة.

خامساً: تحديات تواجه الدول في تطبيقها للاقتصاد الأخضر

أبرز التحديات التي تواجه الدول عند تطبيقها للاقتصاد الأخضر:

  1. ضعف التخطيط في مجال السياسات التنموية.
  2. معدلات الجهل والتخلف العالية، وتراجع الخدمات الصحية والتعليم.
  3. انتشار تلوث البيئة والمياه غير النظيفة.
  4. نقص الكفاءة في استخدام مصادر الطاقة.
  5. انتشار البطالة.
  6. انتشار الفقر بمعدلات عالية.
  7. قد تضطر الدولة إلى التخلي عن مشاريع اقتصادية مرتفعة العوائد ولكنَّها ضارة بالبيئة.

سادساً: متطلبات تطبيق الاقتصاد الأخضر

يتطلب تطبيق الاقتصاد الأخضر:

  1. إحداث تغييرات هيكلية في المجتمع إذ يتطلب التحول إلى الاقتصاد الأخضر تحضير المجتمع والقطاعات الأساسية فيه وتحقيق العدالة الاجتماعية وتحقيق التنمية المستدامة.
  2. إحداث تغييرات في القوانين، حيث يتطلب التحول إلى الاقتصاد الأخضر تغيير القوانين في الدولة وإصلاح الدعم والضرائب الخضراء ودمج التنمية المستدامة في الاتفاقات التجارية.
  3. الحاجة إلى التمويل إذ يحتاج التحول إلى الاقتصاد الأخضر إلى التمويل من خلال الصناديق الخضراء الداعمة للاقتصاد الأخضر.
  4. تغيير سلوك العمل المعتاد، حيث يتطلب التحول إلى الاقتصاد الأخضر تغيير أساليب العمل المعتادة والانتقال إلى أساليب عمل واستثمار جديدة تتوافق مع الاقتصاد الأخضر وتدعمه.
  5. إنشاء بنية تحتية ومرافق رئيسة، إذ يحتاج الاقتصاد الأخضر إلى إنشاء بنية تحتية تتناسب مع الاستثمارات الخضراء.
  6. تطوير التكنولوجيا المستخدَمة إذ يحتاج التحول إلى الاقتصاد الأخضر إلى تطوير التكنولوجيا المستخدَمة بحيث تكون صديقة للبيئة.
  7. زيادة الرقعة الخضراء حيث يتطلب التحول إلى الاقتصاد الأخضر زيادة الرقعة الخضراء وتنمية الريف والمناطق الزراعية.
  8. خفض انبعاثات الكربون؛ إذ يتطلب التحول إلى الاقتصاد الأخضر الاهتمام بخفض انبعاثات الكربون من المخلفات الصناعية وتبني تقنيات الإنتاج النظيف.
  9. الاهتمام بقطاع المياه إذ إنَّه من متطلبات التحول إلى الاقتصاد الأخضر الاهتمام بقطاع المياه وترشيد استخدامها ومنع تلوثها.

شاهد بالفيديو: 10 طرق سهلة لتكون صديقاً للبيئة

سابعاً: الإمارات؛ ريادة عالمية في تبني الاقتصاد الأخضر

تُعَدُّ دولة الإمارات العربية المتحدة أول بلد عربي تبنَّى تطبيق الاقتصاد الأخضر، من خلال مبادرة "استراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء" التي أطلقتها دولة الإمارات عام 2012، والهدف منها بناء اقتصاد أخضر في الإمارات وجعلها دولة رائدة عالمياً في هذا المجال، ورفع جودة الحياة فيها، وتم تصنيف دولة الإمارات ضمن قائمة الـ 10 الكبار عالمياً في مجال الطاقة عموماً والطاقة النظيفة تحديداً، وذلك لعام 2020.

مبادرة استراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء:

عبارة عن مجموعة من البرامج والسياسات في مجال الطاقة والاستثمار والزراعة والنقل المستدام، إلى جانب السياسات البيئية والعمرانية. تشمل المبادرة ستة مسارات هي:

1. المسار الأول:

الطاقة الخضراء؛ يتضمن مجموعة من البرامج والسياسات التي تدعم إنتاج واستخدام الطاقة المتجددة، والوقود النظيف، بالإضافة إلى تعزيز كفاءة استخدام الطاقة في القطاعين العام والخاص.

2. المسار الثاني:

السياسات الحكومية التي تشجع الاستثمارات في الاقتصاد الأخضر، ودعم عمليات إنتاج واستيراد وتصدير المنتجات الخضراء، وإنشاء فرص عمل للمواطنين في مجالات الاقتصاد الأخضر.

3. المسار الثالث:

المدينة الخضراء؛ ويتضمن سياسات التخطيط العمراني والحفاظ على البيئة، وتشجيع النقل المستدام باستخدام وسائل النقل الصديقة للبيئة، بالإضافة إلى الاهتمام بتوفير برامج تعمل على تنقية الهواء الداخلي للمدن في الإمارات لتوفير بيئة صحية للعيش.

4. المسار الرابع:

التعامل مع آثار التغير المناخي ومكافحة الاحتباس المناخي؛ ويتضمن مجموعة من السياسات والبرامج التي تهدف إلى خفض الانبعاثات الكربونية من المنشآت الصناعية والتجارية، بالإضافة إلى الاهتمام بالزراعة العضوية.

5. المسار الخامس:

الحياة الخضراء؛ ويتضمن مجموعة من السياسات والبرامج التي تهدف إلى ترشيد استخدام الموارد الطبيعية والماء والكهرباء، وتشجيع مشاريع إعادة التدوير للمخلفات، بالإضافة إلى نشر مبادرات التوعية للاهتمام بالبيئة للجمهور.

6. المسار السادس:

التكنولوجيا والتقنية الخضراء؛ إذ يتم التركيز على تقنيات التقاط وتخزين الكربون، مع الاهتمام بتقنيات تحويل النفايات إلى طاقة.

إقرأ أيضاً: ما هي الاستدامة المؤسساتية وما هي أهميتها؟

مشاريع الاقتصاد الأخضر في الإمارات:

1. في مجال الطاقة المتجددة:

  • إنشاء محطة "شمس1" وهي أكبر محطة طاقة شمسية مُركزة في العالم.
  • محطة إنتاج الطاقة من النفايات والمخلفات في إمارة "أبو ظبي".
  • الحديقة الشمسية في دبي.
  • مشروع مدينة "مصدر" في "أبو ظبي": وهي نموذج تجاري دائم لمدينة صديقة للبيئة، وتُعَدُّ المدينة البيئية الأكثر استدامة في المنطقة العربية.

2. الحد من حرق النفط والغاز:

نجحت الإمارات في الحد من حرق الغاز الناتج عن صناعة النفط، والاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة، وبدأت شركات النفط والبترول في الإمارات تلتزم بالقضاء على الحرق الروتيني.

3. ترشيد استهلاك الطاقة في الصناعة:

ركزت دولة الإمارات على ترشيد استهلاك الطاقة في الصناعة، والعمل بمفهوم التوفير الأقصى للطاقة وبطرائق آلية بالكامل، كما تعتمد الإمارات على أنظمة تبريد المناطق، وتستهلك 50% طاقة أقل من مكيفات الهواء التقليدية.

4. الاعتماد على الوقود النظيف:

الإمارات من الدول الرائدة في استخدام الوقود النظيف؛ إذ ألزمت عام 2014 المركبات التجارية التي تستخدم الديزل المحتوي على 500 جزءاً في المليون من الكبريت على استبداله بـ "الديزل الأخضر" المحتوي على 10 أجزاء في المليون فقط، وهذا يؤدي إلى انخفاض التلوث والمحافظة على البيئة، كما تم افتتاح أول "محطة وقود للخدمة الخضراء" في إمارة "دبي" التي تولد الطاقة عبر المصادر المتجددة.

5. زيادة وعي المواطنين:

تعمل دولة الإمارات على زيادة وعي مواطنيها تجاه الاقتصاد الأخضر وأهميته؛ إذ قامت هيئة كهرباء ومياه دبي "ديوا" منذ عام 2013 بإرفاق فاتورة الكهرباء ببيان يكشف انبعاثات مكافئ غاز ثنائي أوكسيد الكربون الناتج عن استهلاك المواطن للكهرباء، وأثر ذلك في التغير المناخي؛ وذلك بهدف توعيتهم إلى ترشيد استهلاك الطاقة.

6. المدن المستدامة:

سعت دولة الإمارات إلى تدشين المدن المستدامة في "دبي" التي تهدف إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية، وتجنب هدر الماء والكهرباء، بالإضافة إلى تصميم البيوت الخضراء المستدامة التي يتم فيها استخدام مواد بناء صديقة للبيئة، ومن أشهر هذه المدن:

  • مدينة دبي المستدامة.
  • واحة دبي للسيليكون.
  • مدينة دبي الجنوب.
  • مدينة زهرة الصحراء.

7. النقل المستدام:

تعتمد الإمارات على أنظمة النقل المستدام التي تستهدف تقليل استخدام الأفراد لسياراتهم واستبدالها بوسائل النقل العام، وهذا يقلل من استهلاك الوقود، مثل: مترو "أبوظبي" ومترو وترام "دبي".

الإيجابيات التي تحققها الإمارات من الاقتصاد الأخضر:

  • حققت الإمارات خفضاً كبيراً في انبعاثات غاز ثنائي أوكسيد الكربون بنسبة 22% في إمارة "دبي" عام 2019.
  • زيادة وعي الشباب الإماراتي بأهمية الاقتصاد الأخضر، وبدأ يُصحح من السلوكات الضارة بالبيئة.
  • النجاح في الحد من حرق الغاز الطبيعي، ونجحت شركة بترول "أبو ظبي" الوطنية "أدنوك" بخفض حرق الغاز بنسبة 76.4% في عام 2013.
  • انخفضت نسبة الغازات الدفيئة في الصناعة في "دبي" بنسبة 12% خلال خمس سنوات.
إقرأ أيضاً: أفضل البنوك في الإمارات

في الختام: الاقتصاد الأخضر هو الأمل المنشود

يقول الفيزيائي الأسترالي "براندون كارتر": "إنَّ البشر لن يكونوا على قيد الحياة على الأرض بعد 10 آلاف عاماً، وإذا ما تمكَّنوا من البقاء على قيد الحياة، فإنَّ الاختلافات الجينية ستكون حتمية".

يقول الخبير الدولي في الكوارث الطبيعية "بدوي رهبان": "إنَّ الوضع خطير إلى درجة أنَّ من يولد في هذا العالم على سبيل المثال ستكون حياته مُهدَّدة بالخطر في عام 2050 بشكل أكبر بكثير من الناس الذين يعيشون الآن، وأنَّ العالم سيصل إلى ارتفاع في درجات الحرارة يصل إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات العصر الصناعي بحلول عام 2030-2052 في حال استمرت معدلات الاحترار الحالية الناتجة بشكل أساسي من النشاط البشري".

لذا بعد كل التحذيرات والإشارات التي تشير إلى أنَّ كوكب الأرض يحتضر، وباتت الحياة فيه مهددة، فإنَّ الاقتصاد الأخضر بات اليوم ضرورة ملحة، والأمل المنشود لإنقاذ كوكب الأرض واستمرار الحياة عليه للأجيال القادمة، وضمان بيئة نظيفة وصحية، وحماية الموارد الطبيعية من النضوب، وترشيد استهلاك الطاقة وتوفير الطاقة النظيفة، وتقليل المخاطر البيئية والمناخية، والقضاء على الفقر وتحقيق الرفاهية، وجعل مجتمعاتنا أكثر استدامة؛ لذا لا بد أن تصحو كل الدول والشعوب وتبدأ باتخاذ خطوات جدية في مجال تطبيق الاقتصاد الأخضر.

المصادر:




مقالات مرتبطة